إذا فشلت إيطاليا.. ستفشل أوروبا أيضاً

رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي
رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي المصدر: أ.ف.ب
Rachel Sanderson
Rachel Sanderson

Rachel Sanderson is an Australian politician representing the seat of Adelaide in the South Australian House of Assembly for the South Australian Division of the Liberal Party of Australia since the 2010 election. Sanderson has served as the minister for Child Protection in the Marshall Ministry since 22 March 2018.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أخيراً، وافق البرلمان الإيطالي على خطة الإنفاق الحكومي المقدمة من رئيس الوزراء ماريو دراغي. والتي تبلغ قيمتها 261 مليار يورو (315 مليار دولار)، وتهدف إلى دعم تعافي ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا من تبعات جائحة كورونا.

وبعد الموافقة، تأتي الآن المرحلة الصعبة، والتي تتمثل في تطبيق الإصلاحات الهيكلية الشاقة التي تحتاجها إيطاليا من أجل تحقيق النموّ وإعادة التوازن إلى حساباتها العامة، وأيضاً لإقناع الإيطاليين بصوابية هذه الخطة.

ويهدد أي فشل على هذا الصعيد بأن يتسبب في خفوت نجم إيطاليا، والقضاء على خطط الاتحاد الأوروبي بتحقيق المزيد من التكامل المالي.

تراجع اقتصادي يذكرنا بما بعد الحرب العالمية

وفي خلال عرض خطة الإنفاق والإصلاح الحكومي المؤلفة من 273 صفحة أمام البرلمان الأسبوع الماضي، أعاد دراغي إلى الأذهان رجالات الدولة الإيطاليين في مرحلة إعادة الإعمار التي تلت الحرب. فلا نبالغ حين نقارن بين ما يجري اليوم وبين اقتصاد إيطاليا المُدمَّر بعد الحرب العالمية الثانية. فالناتج الإجمالي المحلي في البلاد تراجع بنسبة 8.9% خلال العام الماضي، مقارنة مع نسبة تراجع بلغت 6.2% فقط في أوروبا. وكان فيروس كورونا قد أودى بحياة أكثر من 120 ألف شخص في إيطاليا، وهو العدد الأكبر من الوفيات جراء الفيروس في القارة.

وألحق الوباء الضرر بمعدلات الولادة المنخفضة أصلاً في إيطاليا. فقد سجل العام الماضي العدد الأدنى من الولادات منذ توحيد البلاد. وأصبح يعيش نحو 10% من السكان في فقر مدقع.

وكان الفيروس قد ضرب إيطاليا في وقت لم تكن البلاد فيه قد تعافت بعد من تبعات الأزمة المالية، حيث تعتبر إيطاليا الدولة الأوروبية الوحيدة التي لم تتمكن من تحقيق التعافي. فمن 1999 إلى 2019، توسع الناتج الإجمالي المحلي في إيطاليا بنسبة 7.9% فقط مقارنة مع نسب نموّ تراوحت بين 30 و45% في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا. كذلك، تقلصت الإنتاجية الاقتصادية في إيطاليا بنسبة 6.2% بين عاميّ 2001 و2019، فيما نمت الإنتاجية في أوروبا.

وما يزيد الإحساس بأن إيطاليا لا تزال عالقة في القرن الماضي، هو أنها تضمّ أدنى تمثيل للنساء في القوى العاملة مع 53%.

صدمة أخيرة لإنعاش الاقتصاد

كان دراغي محقاً في إعطاء اقتصاد البلاد المُعطَّل صدمة كهربائية، من خلال خطة الإنفاق الضخمة. هذا وتعتبر روما المستفيد الأكبر من تمويل صندوق التعافي الأوروبي من الجائحة البالغة قيمته 750 مليار يورو. كما أن الـ251 مليار يورو التي وضعت تحت تصرف حكومة دراغي، تعتبر مبلغاً غير مسبوق. ومع ذلك، فإن أمام رئيس الوزراء مهمة ضخمة ومعقدة وخطرة.

وترتكز خطة دراغي على الاستثمارات والحوافز العامة من أجل تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار هو الآخر. وهي تتضمن ستّة أنواع من "مهام" الاستثمار، بما يشمل الرقمنة والاقتصاد الأخضر (بما يتضمن النقل المستدام مثل السكك الحديد عالية السرعة). وسيتم تخصيص 40% من الإنفاق الرئيسي للجنوب الإيطالي الذي يواجه الكساد، كما سيتم منح الأولوية للنساء والشباب، حيث يعاني واحد من أصل ثلاثة أشخاص في مرحلة الشباب من البطالة.

ومع ذلك، فإن الإنفاق هو الجزء الأسهل في خطة دراغي، فالتحدي الأكبر يكمن في التخطيط على المدى المتوسط والبعيد من أجل إعادة بناء الاقتصاد الإيطالي بطريقة تدعم النموّ. ويتطلب ذلك إصلاحات مؤلمة في نظام العدالة والإدارة العامة والمنافسة وتعديل بعض "الخطوط الحمراء" التي تتفادى إيطاليا التعامل معها منذ عقود. ويتوقع أن يكون تحقيق هذا الإصلاح أصعب بكثير من مهام الاستثمار الستّ، بما أنه سيستهدف مصالح مترسخة واختلالات أخرى مثل التهرب الضريبي الذي يشلّ الاقتصاد الإيطالي.

استياء قد يهدد الوحدة الأوربية

وبدأت المؤشرات على الاستياء السياسي تظهر بالفعل، إذ سخر بعض المشرعين من دراغي الأسبوع الماضي، حين ارتكب هفوة خلال قراءة ملاحظاته أمام مجلس الشيوخ.

وبالنسبة لإيطاليا، لا توجد خطة "ب"، ولا بالنسبة لأوروبا. ففي حال فشلت هذه الخطة في إيطاليا، فإن السياسة المالية الأوروبية ستفشل أيضاً.

وسيمنح ذلك المزيد من الذرائع لمناهضي الوحدة الأوروبية، من أجل إعادة إحياء الدعوى القضائية التي كانوا تقدموا بها أمام المحكمة الدستورية في ألمانيا لاعتبار صندوق التعافي من الجائحة غير شرعي.

وترى باولا سوباكي، الخبيرة الاقتصادية في "جامعة كوين ماري" في لندن أن الخطة المكونة من خطوتين، أي الإنفاق أولاً ثم الإصلاح، تعبّر فعلاً عن دراغي. وقد ذكّرت بالجدل الذي أثير أبان أزمة الديون اليونانية حين كان دراغي يتولى رئاسة البنك المركزي الأوروبي. ففيما كان وزير المالية الألماني في حينها فولفغانغ شويبله، يصرّ على ضرورة أن تجري اليونان إصلاحات هيكلية في ظلّ تدهور اقتصادها، فضّل المركزي الأوروبي اتباع نهج تسلسلي أكثر. وقالت سوباكي، "هو يرى أنه لابدّ من دعم السكان من خلال خطة طوارئ، ثمّ القيام بالإصلاحات الهيكلية"، مضيفة: "مع ذلك، الإصلاحات هي الأمر الأكثر شمولية".

أهداف صعبة

وللأسف، ليس أمام إيطاليا الكثير من الحلول، فيما تسعى لإعادة ابتكار اقتصادها، والوقت يضيق أمام دراغي. فلا يمكن فصل الإنفاق عن الإصلاح، ولطالما واجهت إيطاليا في السابق صعوبة في التوصل إلى طرق لإنفاق الأموال الأوروبية.

وعلى دراغي إذاً، أن يناور ما بين مطرقة الناتج المحلي الإجمالي الإيطالي الضعيف تاريخياً وسندان مكانتها المالية. إذ يتعين على الاقتصاد الإيطالي أن يضيف 3.6 نقطة مئوية في خلال خمس سنوات، الموعد المحدد لانتهاء الخطة. إلا أن هذا النموّ يجب أن يكون مستداماً من أجل إعادة التوازن للحسابات العامة على المدى الطويل ومعالجة العجز الضخم البالغ 11.8% من الناتج المحلي الإجمالي والدين العام الذي تصل نسبته إلى 160%.

وقد نجح دراغي من خلال لعبه دور صلة الوصل بين السياسات الأوروبية والسياسات المحلية الإيطالية في منح بلاده فسحة للتنفس. فبالنسبة لأوروبا، يمثل دراغي ضمانة بأن إيطاليا لن تتخلف عن سداد ديونها، ولكن المفارقة أن خطته تمتد على فترة تتجاوز أمد حياة الحكومة الائتلافية التي يترأسها، فولاية المجلس التشريعي الحالي تنتهي في عام 2023، فيما من المقرر أن تستمر الخطة حتى عام 2026.

واليوم، على دراغي أن يتوجه إلى الإيطاليين، وأن يبني إجماعاً حول الخطة. وهنا، يمكنه أيضاً أن يستفيد من خبرات القادة الإيطاليين في فترة ما بعد الحرب، الذين صنعوا معجزة اقتصادية انطلاقاً من دفع وطني مشترك هدف إلى تحسين "الصالح العام". فإذا لم يتبنَ الجمهور مشروع دراغي، فلن يتمكن من تحقيقه أبداً.