فوضى الشحن تنذر بجفاف سفن الحاويات في الصيف

أسعار الشحن تواصل الارتفاع مع زيادة الطلب على المواد الخام
أسعار الشحن تواصل الارتفاع مع زيادة الطلب على المواد الخام المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ترتفع أسعار شحن الحاويات مجددا إلى آفاق جديدة بسبب استمرار الطلب الاستهلاكي، وإعادة ملء المخازن من قبل الشركات من أوروبا إلى الولايات المتحدة وهو ما يستنفد قدرة الاقتصاد العالمي على نقل البضائع عبر المحيطات.

ووصل سعر شحن حاوية سعة 40 قدما إلى لوس أنجلوس من شنغهاي - بعد أن بلغ ذروته أواخر عام 2020 ولم يتحرك كثيرا خلال الربع الأول - إلى 4403 دولارات الأسبوع الماضي، وهو أعلى سعر في بيانات مؤشر "دروري وورلد كونتينر" (Drewry World Container) الذي يعود إلى عام 2011، ويشعر شاحنو البضائع عبر الطرق العابرة للمحيط الأطلنطي ولكن الأقل استخداما بالضغط أيضا، فقد ارتفعت أسعار طريق روتردام إلى نيويورك إلى مستوى قياسي بلغ 3500 دولار.

ومع انفتاح بواباتها المالية والنقدية على مصراعيها، تعالج الدول ذات برامج التطعيم المتقدمة الرياح المعاكسة لوباء كوفيد 19 مثل البطالة وضعف قطاع الخدمات وقيود السفر، ولكن موجة المحفزات التي تنعش الاستهلاك أغرقت جانب المعروض ومصنعي السلع الذين يعتمدون عادة على سلاسل التوزيع العالمية.

وفي البداية، كان ينظر إلى الارتفاع في أسعار الشحن عبر البحر العام الماضي على أنه رد فعل قصير الأجل على صدمة الطلب التاريخية في المراحل الأولى من الوباء، والآن، ربما تستمر الأسعار المرتفعة والضغوط على القدرة الإنتاجية مع اكتساب التعافي الاقتصادي العالمي زخما.

وقال يوتشن غات شميدت، مدير تنفيذي سابق في شركة شحن الحاويات الدنماركية "مولر ميرسك"، وشركة الأغذية السويسرية "نستله"، والآن نائب رئيس سلاسل التوريد في "سي-انتليجينس" (Sea-Intelligence) في كوبنهاجن: "لا أتوقع أن تعود الأسعار إلى المستويات المنخفضة التي شهدناها قبل الأزمة على الأقل ليس في وقت قريب".

وتبددت آمال العودة إلى المزيد من الأوضاع الطبيعية العام الجاري مع جنوح سفينة "إيفر غيفن" التي عطلت الحركة عبر قناة السويس لمدة أسبوع تقريبا في أواخر مارس.

أقصى طاقة

قال باتريك بيرغلاند، الجير التنفيذي لمنصة "زينيتا" (Xeneta) لتحليلات الشحن البحري والجوي، والواقعة في أوسلو: "تخيل إذا كان لديك آلة تعمل بـ100% من طاقتها، وكل شيء خاضع لضغوط قصوى ثم تبدأ في إحداث ثقوب فيه- مثل أزمة قناة السويس، وازدحام السفن، أو حالات الإصابة بكوفيد في عمال المناجم- فإن كل هذه الأشياء الواقعة على آلة تعمل بأقصى طاقتها تخلق أعطالا هائلة".

وقال لارس ينسن، المدير التنفيذي لـ"فيسبوتشي ماريتايم" (Vespucci Maritime) في كوبنهاغن، إنه الاضطرابات رغم انتهاء انسداد قناة السويس منذ أسابيع، قد يستغرق الأمر أربعة إلى ستة أشهر إضافية لتسوية جميع التشغيلية الناتجة عنه لدى مشغلي السفن والموانئ، وعلى رأس هذه العقبات في سلاسل التوريد يأتي طلب استهلاكي قوي لا يبدي أي علامات على الهدوء.

وقال ينسن في ندوة عبر الإنترنت يوم الجمعة: "لا نرى مخزونات تتراكم، وبالتالي فإن كل هذه البضائع التي تشحن للولايات المتحدة تباع بالفعل.. وهو مؤشر آخر على أن الطفرة لن تنتهي".

ارتفاع متواصل

ويقول نيريغوس بوكساس، نائب رئيس النقل عبر المحيطات في "فليكسبورت" (Flexport)، للشحن ومقرها سان فرانسيسكو، إن واردات الحاويات الأمريكية عبر طرق المحيط الهادي ارتفعت بأكثر من 50% في مارس مقارنة بمارس 2019، وقد تكون أحجام أبريل ومايو أعلى كذلك.

وأوضح أن أسعار الشحن في مايو قد "ترتفع لمستوى غير مسبوق" مع تجاوز بعض العروض 10 آلاف دولار للحاوية والقليل منها يصل إلى 15 ألف دولار، مضيفا أن ما لا تحتسبه مؤشرات الأسعار البارزة هو العلاوات الهائلة التي تفرضها شركات الشحن لضمان التسليم أو تقليل وقت الانتظار.

وقال بوسكاس إن بعض شركات الشحن كانت تلجأ لتسيير الشحنة عبر كولومبيا أو من خلال تحميلها على سفن مختلفة حول بنما لتقصير الرحلة عبر الموانئ الأمريكية المزدحمة، موضحا أن كل هذه الخيارات انتهت بالفعل.

ويتفق أغلب خبراء اللوجستيات على أن الوضع لا يمكن أن يظل مضطربا إلى الأبد، ولكن هناك شعور متزايد بأن الانفراج لن يأتي قبل 2022، حتى أن هذه المعنويات مجرد تخمينات.

وقال برايان سوندي، المدير التنفيذي لشركة تأجير الحاويات في برمودا "ترايتون انترناشونال" (Triton International Ltd)، في مكالمة أرباح الأسبوع الماضي: "هناك توقعات بأن نفس هذه الأحوال القوية ستستمر أكثر خلال العام وبالأخص خلال الصيف وربما خلال الخريف أو لنهاية العام.. ولكن الرهان هو أنه بنهاية العام الجاري أو أوائل العام المقبل ربما تبدأ التجارة العالمية تعود إلى وضعها ولكن مجددا هذه مجرد تخمينات".

حلول مقترحة

وإحدى الطرق التي تساعد على تخفيف ضغوط السعة هي بناء سفن جديدة، حيث قفزت طلبيات سفن الحاويات بمقدار 50 سفينة في أبريل، وهو أعلى مستوى منذ 2007، وفقا لبيانات "آي إتش إس غلوبال" التي جمعتها "بلومبرغ"، ولكن يستغرق بناؤها سنوات قليلة.

والطريقة الأسرع لإضافة سعة هي استخدام حاويات إضافية، وقد طلبت شركة "ترايتون" حاويات بقيمة 2.6 مليار دولار العام الجاري، وتبلغ تكلفة الحاوية الجديدة حوالي 3500 دولار، وفقًا لسوندي، بارتفاع من حوالي 2500 دولار في نوفمبر وأكثر من ضعف تكلفة 2019 عند 1600 دولار.

حجم الطلب

تستثمر شركات النقل أيضا في المزيد من المعدات، وقالت شركة "ميرسك" إنها ستضيف 260 ألف وحدة سعة 20 قدما، أو ما يعرف بـ"TEUs"، نهاية الربع الجاري، وطلبت "هاباغ لويد" الألمانية 150 ألف وحدة، وبحلول يوليو، ستكون "سي إم إيه سي جي إم" (CMA CGM SA) الفرنسية قد أضاف 250 ألف وحدة.

ومن المتوقع أن يزداد الإجمالي العالمي من الحاويات بنسبة 5.8% ليصل إلى 45.7 مليون حاوية سعة 20 قدما العام الجاري، وفقا لجون فوسي، رئيس "دروري" لأبحاث معدات الحاويات والتأجير، بارتفاع عن زيادة العام الماضي البالغة 1%، وتقريباً ضعف الزيادات السنوية المتوقعة من 2022 إلى 2025.

ولكن لا يمكن أن تصل الصناديق الإضافية بالسرعة الكافية، وأظهر تقرير صدر اليوم الاثنين أن المصنعين في منطقة اليورو يعانون من التأخيرات غير المسبوقة في تأمين المواد الخام، ما أدى إلى تراكم قياسي للطلبيات غير المكتملة وارتفاع الأسعار مع بدء تعافي الاقتصاد.

وفي تقرير منفصل، قال باحثون في البنك المركزي الأوروبي إن جميع صعوبات المعروض ستؤخر الانتعاش العالمي ولكنها لن تعرقله، وكتبوا في مذكرة نشرت يوم الاثنين: "مع إنهاء الإغلاقات، وعودة ميل الإنفاق الاستهلاكي تجاه الخدمات، قد يتحقق تخفيفا لبعض اختناقات العرض الحالية، ما سيكون له تأثيرات غير مباشرة على تكاليف الشحن".