العواصف التي ضربت تكساس كشفت النقاب عن أكبر الملوثين

محطات النفط والغاز تهيمن على المشهد في ولاية تكساس الأمريكية
محطات النفط والغاز تهيمن على المشهد في ولاية تكساس الأمريكية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

العاصفة القطبية، التي سبق وضربت ولاية تكساس الأمريكية في وقت سابق من هذا العام، كشفت عن سرٍ قذر يخفيه أكثر حقول النفط الأمريكية إنتاجاً. حيث أزاحت العاصفة وما خلفتها من أزمات، النقاب عن محطتين للغاز الطبيعي، تُشكلان مصدراً مستمراً للتلوث.

وفي حين أنه غالباً ما تتحول الكوارث الطبيعية في هذه الولاية إلى كوارث بيئية، لم تكن موجة البرد في فبراير استثناءً لذلك.

فقد تعرضت المنشآت الصناعية للاحتراق، أو أطلقت كميات هائلة من الغازات الخطرة أثناء الإغلاق، بسبب انقطاع التيار الكهربائي ووقوع الأعطال الميكانيكية.

حوض برميان

ومع ذلك، لم تكن المجمعات البتروكيماوية الضخمة الواقعة على ساحل الخليج هي الأسوء في إنتاج الانبعاثات، بل كانت منشأتا حوض برميان. وهما محطتان لاستقاء الغاز الخام من الآبار وتنقيته وتحويله إلى وقودٍ عالي الجودة.

وشكلت محطتا "وايلدكات" و"ساند هيلز"، اللتان تديرهما شركة "تارغا ريسورسز"، ومقرها هيوستن، ما يقرب من 20% من إجمالي التلوث الذي أطلقته الولاية أثناء موجة التجمد. وفاقت انبعاثاتهما ما يقرب من أربعة أضعاف الكمية المنبعثة من أكبر مصفاة في البلاد، وفقاً لتحليل تقارير الولاية التي اضطلعت بها منظمات "أير ألاينس هيوستن" و "إنفيرومنت تكساس" و "صندوق الدفاع البيئي" وتمت مراجعتها من قبل "بلومبرغ".

ووفقاً لملفات "لجنة تكساس للجودة البيئية"، لم تكن العاصفة الشتوية هي الحادث الوحيد لهاتين المحطتين، إذ أطلقت المحطتان غازات خطرة فوق المستويات المسموح بها أكثر من 400 مرة منذ بداية عام 2019. أي ما يعادل مرة كل يومين تقريباً.

ومن جانبها لم ترد شركة "تارغا" على طلبات متعددة للتعليق على الأمر.

قوانين لمنع تكرار الأزمة

وتؤكد إمكانية أن تصبح محطتا المعالجة متوسطتي الحجم، أكبر مصدري الانبعاثات، فكرة أن قوة شبكة الغاز الأمريكية الضخمة تعتمد على أضعف حلقاتها.

ولن يكون للأهداف البيئية التي يتبناها المنتجون ومصافي التكرير أهمية كبيرة، إذا كانت المرافق التي تربط النظام ببعضه عرضة للأعطال.

وقد دفعت الأزمة بسبب التجمد في ولاية تكساس، التي تشتهر بالنفور من التنظيم، إلى اتخاذ إجراءات. حيث يدرس مشرعو الولاية مشاريع القوانين التي قد تتطلب تجهيز محطات الغاز وخطوط الأنابيب لفصل الشتاء.

وتساءل جيمس دوتي، مدير الرصد المتنقل السابق في "لجنة تكساس للجودة البيئية"، قائلاً: "عندما يكون لديك المئات من حوادث الانبعاثات سنوياً، فهل يعد ذلك اضطراباً حقاً، أم أنها مجرد ظروف التشغيل العادية؟ وبديهياً، أنت تتوقع انبعاثات من أكبر منشآت النفط والغاز في العالم، أكثر مما تتوقعه من هذه الأنواع من المحطات".

انقطاعات كبيرة

ومن المحتمل ألا تقيّد تقارير الولاية، التلوث المنبعث أثناء العاصفة. حيث يتعين على الشركات الإبلاغ عن العناصر الخطرة من الانبعاثات مثل البنزين وكبريتيد الهيدروجين وثاني أكسيد الكبريت، ولكن ليس الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان.

وكانت "تارغا" عانت من انقطاعات كبيرة نتيجة العاصفة، حيث بلغت طاقتها التشغيلية حوالي نصف طاقتها خلال فترة 10 أيام، وذلك بحسب ما قاله الرئيس التنفيذي، ماثيو ميلوي، للمستثمرين في مكالمة حول الأرباح في 23 فبراير.

ورفض ميلوي الإدلاء بمزيد من التفاصيل، ولم يحدد ما إذا كانت المشاكل ناجمة عن البرد أو انقطاع التيار الكهربائي أو كليهما.

نقص المنشآت

ويعد أحد أسباب ارتفاع حجم الانبعاثات من محطات معالجة الغاز هو نقص المنشآت في حوض برميان، حيث تضخمت إمدادات الوقود كنتيجة ثانوية للتنقيب عن النفط الأكثر قيمة خلال العقد الماضي.

ونتيجة لذلك، تعمل المحطات تحت ضغط شديد ويمكن أن يتسبب عطل ميكانيكي واحد في انقطاع التيار الكهربائي، ما يؤدي إلى اشتعال أو حرق الغاز الذي لا يوجد مكان ينتقل إليه.

وقال أرتيم أبراموف، مدير إدارة أبحاث النفط الصخري في "ريستاد إنرجي": "تم تصميم محطات معالجة الغاز للتدفق المستمر، لذلك إذا حدث انقطاع غير متوقع في الجانب الخارجي، عليك أن تبدأ فوراً بإشعال جميع الغازات الواردة".

وأضاف: "البنية التحتية للمحطات ممتدة للغاية، ومن ثم، عندما تتوقف إحدى المحطات عن العمل، يرتفع الضغط في خطوط الأنابيب المحيطة التي تجمع الغاز من الآبار".

وفيما يشبه الدوران في حلقة مفرغة، يمكن أن يعني هذا الضغط الإضافي المزيد من الانقطاعات. وقد ساهم فقدان إمدادات الغاز لمحطات الطاقة في انقطاع التيار الكهربائي أثناء التجمد، مما أدى بدوره إلى تفاقم مشاكل التشغيل في معالجات الغاز. وقال "أبراموف" إنه كان هناك "انهيار كامل للبنية التحتية العامة" وفقاً لتعبيره.

حوادث مُلوثة

وقد سلّطت تقارير "تارغا" المودعة لدى لجنة تكساس للجودة البيئية بعض الضوء على ما جعل المحطات تصبح أكبر ملوثي الولاية، إذ تصدر محطاتها انبعاثات أكثر من مجمعات "بيومونت" و"باي تاون" العملاقين للتكرير والبتروكيماويات التابعين لشركة "إكسون موبيل كورب" مجتمعين.

وأقرت "تارغا" في ملفها لدى لجنة تكساس للجودة البيئية، أن "انخفاض درجات الحرارة المستمر" في محطة "وايلدكات" في مقاطعة وينكلر تسبب في فشل نظام إزالة الأمينات أو الأحماض، مما يعني أن المصنع اضطر إلى حرق الغاز الوارد لمدة سبعة أيام متتالية.

وفي سياق منفصل، ذكرت شركة "تارغا" أنها أطلقت 4.9 مليون قدم مكعب من الغاز، خلال فترة 10 ساعات. وذلك بعد العثور في "هايدرات"، على انسداد جليدي في خط أنابيب بالقرب من المحطة. وهذه الكمية من الغاز تعادل تقريباً ما يستخدمه 25 ألف منزل أمريكي يومياً.

وكانت المشاكل بدأت في محطة "ساند هيلز" بمقاطعة كرين في 14 فبراير أيضاً، عندما انخفض الضغط "نتيجة فقدان ضغط الهواء بسبب التجمد في الأنابيب"، وفقاً لتقرير "تارغا" إلى لجنة تكساس للجودة البيئية.

وأدى انقطاع التيار الكهربائي إلى تفاقم المشكلة، وتسبب في استمرار الانبعاثات غير المصرح بها لمدة أربعة أيام ونصف.

وبشكلٍ منفصل، ذكرت "ساند هيلز" أن ضاغط الغاز الحمضي "سي إم CM-14" تعطل لمدة 12 ساعة، مما أدى إلى إطلاق المزيد من الانبعاثات.

وقد صرحت لجنة تكساس للجودة البيئية في بيان لها، أن الهيئة التنظيمية تقوم "بتقييم" حوادث الانبعاثات في "ساند هيلز" و"وايلدكات". وقالت : "لا يوجد حالياً إجراء إنفاذ رسمي يجري النظر فيه".

وكانت الهيئة أجرت آخر معاينة لمحطة "ساند هيلز" في أكتوبر، والتي خلصت إلى مخالفتها بـ "إشعار بالانتهاك" لعدم الإبلاغ عن جميع حوادث الانبعاثات. وقالت لجنة تكساس للجودة البيئية، إنها لم تقم بمعاينة محطة "وايلدكات"، لكنها حققت في حوادث انبعاثاتها.

ويقول كولين ليدن، المدير بمنظمة صندوق الدفاع البيئي: "يشير حجم الانبعاثات إلى فشل كامل في كلا المحطتين. ونشك في حدوث تلك الإطلاقات الضخمة للغاز بشكل متكرر".

وواقعياً، يُظهر تحليل أكثر من 200 تقرير قدمته "ساند هيلز" إلى لجنة تكساس للجودة البيئية حول التلوث غير المصرح به منذ عام 2019، أن المصنع ضخ المزيد من الانبعاثات على مدار ثلاثة أيام في مارس 2020.

وبحسب أحد التقارير، قالت "تارغا"، إن ضاغط الغاز الحمضي "تم إغلاقه بسبب العديد من الأعطال الميكانيكية"، مما أدى إلى إطلاق 444,010 أرطال من انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت، أي حوالي 22 ضعف كمية ثاني أكسيد الكبريت التي أطلقتها مصفاة "بورت آرثر" المملوكة لشركة "موتيفا" خلال عاصفة تكساس الشتوية.

وإذا سألنا عن المسبب الرئيسي لحادث إطلاق الانبعاثات في مارس 2020؟ يكون الجواب هو "ضاغط الغاز الحمضي"، "سي إم CM-14".