الرحلة الاستثنائية لسوق الزهور في الولايات المتحدة

ازدهرت زراعة الزهور في كولومبيا منذ خمسين عاماً وسرعان ما سيطرت على الأسواق الأمريكية
ازدهرت زراعة الزهور في كولومبيا منذ خمسين عاماً وسرعان ما سيطرت على الأسواق الأمريكية المصدر: غيتي إيمجز
Justin Fox
Justin Fox

Justin Fox is a Bloomberg Opinion columnist covering business. He was the editorial director of Harvard Business Review and wrote for Time, Fortune and American Banker. He is the author of “The Myth of the Rational Market.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

منذ أن بدء الهوس بزهرة التوليب في القرن السابع عشر، تحولت هولندا إلى مركزٍ لتجارة الزهور العالمية. والتي لا يقتصر عملها على زراعة كميات ضخمة من زهور التوليب والورود والزهور الأخرى فحسب، بل على استيراد الزهور وبيعها في المزاد وإعادة تصديرها.

وتمثل الدائرة الزرقاء الكبيرة في منتصف الجزء العلوي من الخريطة أدناه هذا المركز، الذي بلغت صادرته من الزهور التي تم قطفها 4.3 مليار دولار في عام 2019، أي نحو نصف الإجمالي العالمي.

زهور الأعياد

وعندما سألني أحد الزملاء قبل بضعة أسابيع: من أين تأتي كل زهور عيد الأم (وكل الأعياد الأخرى الكثيرة من عيد الحب، وعيد الفصح، وعيد المهنيين، وحتى عيد المعلمين الوطني)، توقعت أن يكون للأمر كله علاقة بدار مزادات زهور عملاقة في هولندا.

ولكن الأمر ليس كذلك. فمن جهة، ابتعدت تعاونية مزارعي الزهور الهولندية "رويال فلوراهولاند" (Royal FloraHolland) عن المزادات الحية، وتوجهت بشكلٍ كبير نحو التجارة الرقمية، وهي عملية تسارعت وتيرتها بسبب الجائحة.

والأهم من ذلك، وبصرف النظر عن زهور التوليب والأصناف الفريدة المخصصة للعروض الراقية في حفلات الزفاف، فنحن لا نحصل في الولايات المتحدة عموماً على الزهور من هولندا.

وتعد الولايات المتحدة أكبر مستورد لزهور الزينة في العالم، حيث بلغت قيمة الواردات 1.6 مليار دولار في عام 2019، مما أدى إلى تقليص مبيعات المزارعين المحليين بمعدل بين 386 مليون دولار أو 326 مليون دولار، وذلك بحسب استطلاعات وزارة الزراعة الأمريكية.

حيث إن مركز تجارة الزهور في الولايات المتحدة، ليس داراً للمزادات مثل مزادات هولندا، أو حتى منصة تداول رقمية، ولكنه في الحقيقة مطار ميامي الدولي، الذي تتدفق من خلاله حوالي 80% من تلك الواردات، وتصل إليه الزهور من بلدان مختلفة في أمريكا الوسطى والجنوبية، ومن هولندا أيضاً، إلا أنها تأتي في الأساس من كولومبيا.

تحدي عام 2020

هذه الأرقام الواردة في الرسوم البيانية أعلاه هي من عام 2019، حيث لا تتوفر حتى الآن سوى بيانات غير كاملة عن الصادرات العالمية، ولا توجد بيانات عن إنتاج الدولة اعتباراً من عام 2020.

إلا أن عام 2020 كان عاماً حماسياً للزهور! فخلال الربيع الماضي، وفي منتصف موسم الذروة من عيد الحب حتى عيد الأم، أدت جائحة فيروس كورونا إلى إغلاق أجزاء كبيرة من الاقتصاد العالمي، ناهيكم عن إغلاق الكنائس وحفلات الزفاف وغيرها من المصادر الكبيرة التي تتطلب الزهور.

وقد كتب "ستيفن فان شيلفغارد"، الرئيس التنفيذي لشركة "رويال فلورهولند"، في التقرير السنوي لعام 2020 الذي أصدرته التعاونية مؤخراً: "بدا الأمر في منتصف شهر مارس كما لو أن صناعة زراعة الزهور على وشك الانهيار".

ولكن، وبدلاً من ذلك، انتهى الأمر بتعاونية "رويال فلوراهولند" بالإبلاغ عن خسارة متواضعة قبل خصم الضرائب قدرها 6.8 مليون يورو (8.2 مليون دولار) لهذا العام.

كذلك الأمر في الولايات المتحدة، حيث شهدت بعض أجزاء تجارة الزهور عاماً رائعاً بالفعل في عام 2020، ويبدو أن عام 2021 يبشر بالخير.

فعلى سبيل المثال، انتعشت مبيعات الزهور في محلات التسوق بسرعة، والتي أصبحت اعتباراً من شهر يناير أعلى بنسبة 15% عن العام السابق.

مستقبل مبشّر

كما ارتفعت الإيرادات أيضاً بنسبة 67% في عام 2020 بالنسبة لقسم الزهور الاستهلاكية على الموقع الإلكتروني "Flowers.com" (والذي يبيع أيضاً سلال فاكهة ويقدم الخدمات لبائعي الزهور وغيرها من الأمور). فضلاً عن استطلاعات متعددة لآراء أعضاء جمعية بائعي الزهور الأمريكيين التي أظهرت خلال الأشهر الأخيرة زيادة في المبيعات في فترات العطلات الكبيرة مقارنة بالسنوات الماضية.

وقال أحد بائعي الزهور مؤخراً لصحيفة "نيويورك تايمز" في شرحه لهذه الزيادة في المبيعات إن "الناس أصبحوا يدركون أن الوقت هو الجوهر" وسط الجائحة، مضيفاً أنه "لا يمكن أن يحمل المرء ضغينة" في ظل ما حصل. وهي أمور كلّها تحفز الناس لشراء الزهور من المتاجر القريبة لهم.

ولكن لم يزدهر كل جزء من أجزاء هذه التجارة. إذ تتوفر بيانات عن واردات الولايات المتحدة للزهور المقطوفة لعام 2020، والتي انخفضت بمقدار 47 مليون دولار، أو 3.6% (5.4% إذا حسبنا الانخفاض حسب عدد سيقان الزهور المستوردة) مقابل عام 2019. كما انخفضت قيمة الواردات من هولندا بالدولار لمرة أخرى، والتي هي مصدر العديد من الزهور لحفلات الزفاف والمناسبات الأخرى، بنسبة 41%. إلا أن الواردات من كولومبيا ارتفعت بنسبة 3.4%.

التجارة العالمية للزهور

ولكن كيف سيطرت الزهور الكولومبية على السوق الأمريكية؟ تبدأ إحدى قصص أصل الحكاية بزيارة رجل الأعمال والبستاني الكولومبي "إدغار ويلز كاستيلو"، إلى سوق لبيع الزهور بالجملة في مدينة نيويورك في أوائل الستينيات.

أو بحسب روايات أخرى ربما كان متجراً للزهور في واشنطن. وشعر "كاستيلو" لدى رؤيته للأسعار هناك بفرصة تجارية، وضع على إثرها شحنة من زهور القرنفل والأقحوان على متن طائرة متجهة إلى مدينة ميامي في شهر أكتوبر 1965.

وهناك قصة أخرى تنسب الفضل إلى المزارع "فرانسيسكو والدورف" في بدء الزراعة التجارية للقرنفل في منطقة "سافانا بوغوتا"، في 1964.

في حين ركزت الروايات الأخرى بشكل أكبر على المهمة الزراعية للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام 1966 التي ذهبت إلى كولومبيا. وورقة من عام 1967، أعدها طالب الدراسات العليا في البستنة في "جامعة كولورادو ستيت" البستانية، ديفيد شيفر (والذي ربما كان في هذه المهمة، وقد توفي في عام 2013).

ويبدو أن هذه الأمور جميعاً فعلت الكثير لتنبيه الناس في الولايات المتحدة إلى عوامل الجذب في زراعة الزهور على ارتفاع يتجاوز الثمانية آلاف قدم فوق مستوى سطح البحر بالقرب من خط الاستواء.

وقد وصفت ورقة "شيفر" بناءً على نصها الذي أعيدت صياغته في مجلة "سميثسونيان" قبل بضع سنوات، كيف قدمت منطقة "سافانا بوغوتا" في كولومبيا، مناخاً لطيفاً مع اختلاف بسيط في درجات الحرارة وضوء ثابت، لمدة 12 ساعة يومياً تقريباً على مدار العام، والذي يشكل بيئة مثالية لمحصول يجب أن يكون متاحاً دائماً.

كما كانت التربة رائعة أيضاً. أما الأجور السائدة في ذلك الوقت فقد كانت تشكل نحو 5% من تلك الموجودة اليوم في مجال البستنة في الولايات المتحدة.

الزهور الكولومبية

وأصبحت الشركة التي أسسها "شيفر" وثلاثة أمريكيين آخرين في عام 1969، "فلوراميركا" (Floramerica)، اللاعب المهيمن على صادرات الزهور الكولومبية لبعض الوقت.

ولكن سرعان ما استقال "شيفر" للعمل مستشاراً مستقلاً لمساعدة الكثيرين على الدخول في مجال العمل هذا.

وارتفعت قيمة صادرات الزهور الكولومبية إلى الولايات المتحدة من 4 آلاف دولار في عام 1965 إلى 765 ألف دولار في عام 1970، ثم إلى 30 مليون دولار في عام 1977.

وقدم المزارعون التابعون لجمعية بائعي الزهور الأمريكيين في ذلك العام التماساً إلى لجنة التجارة الدولية الأمريكية للنظر فيما إذا كانت هذه الواردات تلحق الضرر بالمزارعين الأمريكيين.

إلا أن لجنة التجارة الدولية الأمريكية وجدت أن الزهور "لا يتم استيرادها إلى الولايات المتحدة بكميات متزايدة بحيث تكون سبباً جوهرياً لأي ضرر كبير".

إلا أنه بعد ذلك، ومع استمرار نمو الصادرات العالمية خلال الثمانينيات، أي الوقت الذي بدأت فيه الإكوادور في تصدير الزهور أيضاً، وهي التي تمتاز بظروف نمو استوائية على ارتفاعات عالية شبيهة بظروف كولومبيا، بدأت تظهر اعتبارات أخرى بالنسبة لصانعي السياسات في واشنطن تتفوق على مصالح مزارعي الزهور في الولايات المتحدة.

كانت تلك الاعتبارات تشجع الاستقرار السياسي وتثبط زراعة المخدرات غير المشروعة في بوليفيا وكولومبيا والإكوادور وبيرو، حيث قام الرئيس جورج بوش الأب في عام 1991 بالتوقيع على قانون الأفضليات التجارية لدول الأنديز. وهو الأمر الذي أعفى بعض منتجات المنطقة من الرسوم الجمركية، ومن بينها الزهور.

وصحيح أن صلاحية أحدث نسخة من هذه الاتفاقية انتهت في عام 2013، إلا أن الزهور الكولومبية استمرت في الدخول إلى الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية، في حين تواجه الزهور من الإكوادور رسوماً جمركية متواضعة.

واحتلت الزهور المرتبة الخامسة من حيث قيمة الصادرات في عام 2019 لكلا البلدين، بناءً على ما أظهرته قاعدة بيانات الأمم المتحدة للبيانات الإحصائية لتجارة السلع الأساسية.

وكان يسبقها في القائمة، النفط والفحم والبن والذهب في كولومبيا، والنفط والروبيان المجمد والموز، بالإضافة للتونة المعلبة في الإكوادور.

الزهور في اقتصاد أمريكا الجنوبية

في الحقيقة لم يؤدِ صعود صناعة الزهور في أمريكا الجنوبية إلى إنهاء تجارة المخدرات غير المشروعة تماماً، حيث وردت تقارير تقول بأن كولومبيا تزرع نبات الكوكا أكثر من أي وقت مضى.

وأصبحت الإكوادور طريقاً رئيسياً لعبور الكوكايين. كما أن البلاد كانت موضع انتقادات كثيرة بشأن معايير العمل المتساهلة والأفعال المؤذية للبيئة.

ويبدو أنه تمت معالجة بعض هذه المخاوف على الأقل جزئياً خلال السنوات الأخيرة. أما من الناحية الإيجابية، فقد تزامن صعود الصناعة مع أوقات اقتصادية جيدة نسبياً في كلا البلدين. فبعد فترات الانهيار المرتبطة بالنفط في أواخر التسعينيات، تفوق كلاهما اقتصادياً على بقية بلدان أمريكا اللاتينية منذ عام 2000. ونما الناتج المحلي الإجمالي للفرد في كولومبيا بضعف المعدل العام للمنطقة.

وهذا كان مبشراً للخير للمستهلكين في الولايات المتحدة، حيث أن أسعار النباتات والزهور الداخلية ارتفعت منذ عام 1993 بأقل من ثلث معدل التضخم الإجمالي، بناءً على ما أفاده مكتب إحصاءات العمل. وذلك بعد الارتفاع الحاد في الأسعار خلال فترة ازدهار الزهور بعد الإغلاق.

إلا أنه من الصعب إضفاء لمسة إيجابية على التداعيات بالنسبة لمزارعي الزهور المقطوفة في الولايات المتحدة.

فقد تجاوزت واردات الزهور المقطوفة الإنتاج المحلي لأول مرة بعد أربع سنوات من اتفاقية التجارة لعام 1991، وكبرت الفجوة منذ ذلك الحين.

ولم أقم بتعديل هذه الأرقام بسبب التضخم، لأنه لا يبدو أنه كان هناك الكثير من التضخم في أسعار الزهور، إلا أن المسار الحقيقي للصناعة المحلية قد يكون ربما أكثر سلبية مما يبدو عليه في الرسم البياني.

انحدار منذ 1890

إلا أن تجارة الزهور في الولايات المتحدة كانت قد بدأت تنقلب رأساً على عقب حتى قبل ازدهار الواردات.

وتشكلت الصناعة لأول مرة في العقود التي أعقبت الحرب الأهلية حيث بنى بائعو الزهور، البيوت الزجاجية الزراعية لخدمة الأسواق الحضرية القريبة.

وعندما ألقى مكتب التعداد أول نظرة تفصيلية له على زراعة الزهور التجارية من أجل التعداد الزراعي لعام 1890، كانت نيويورك هي رقم واحد بشكل واضح في زراعة الزهور المقطوفة للبيع، تليها ولايات إلينوي وبنسلفانيا ونيوجيرسي.

وقد انتشرت البيوت الزراعية بمساحات تتراوح من 150 ألف قدم مربع إلى 60 ألف قدم مربع (قدم مربع = 0.9 متر مربع). وكانت "بعضها مزارع تشكل ملحقاً مريحاً لمنزل ريفي في مزرعة في منطقة نيو إنغلاند، والتي كانت تبيع مثيلاتها سنوياً ما قيمته 35 إلى 50 دولاراً من النباتات والزهور".

وكانت الورود والقرنفل هي المحاصيل الأولى في المبيعات، ومثلت نحو 65% مما حسبه مكتب التعداد بدقة ملحوظة ليكون المجموع الوطني 12 مليون و175 ألف و238.01 دولاراً من مبيعات الزهور المقطوفة.

وبعد تعديل هذا الرقم لمراعاة تضخم أسعار المستهلكين باستخدام الموقع الإلكتروني "MeasuringWorth.com" ، فإن هذا يعني بقيمة اليوم 426.5 مليون دولار، وهو أكثر بكثير مما تولده الصناعة المحلية حالياً. وهي تعادل نحو 20 مليار دولار من حصة الناتج المحلي الإجمالي، أو نحو عشرة أضعاف القيمة المجمعة للواردات والإنتاج المحلي حالياً. وبالتالي إما أن الزهور المقطوفة أصبحت أقل أهمية بالنسبة للأمريكيين مما كانت عليه في عام 1890، أو أنه هناك ثورة في إنتاجية الزهور. وأنا أرجح السبب الأخير.

غزو القرنفل

ويبدو أن هذه الثورة كانت قد بدأت في مدينة "دنفر" وما حولها، حيث السماء المشمسة ومياه نهر "بلات" والإمدادات المحلية الوافرة من الفحم والغاز الطبيعي لتسخين بيوت الزراعة الزجاجية التي حفزت "حمى ذهب القرنفل" الذي بدأ في تسعينيات القرن التاسع عشر، وبلغت ذروتها في كولورادو التي تحولت إلى واحدة من كبار المنتجين في العالم للزهور طويلة الأمد والسهلة النقل.

كما بدأت ولايتي كاليفورنيا وفلوريدا، حيث سمحت مواسم الزراعة الطويلة بإنتاج الزهور على نطاق واسع خارج البيوت البلاستيكية، في شحن الزهور إلى أماكن أكثر بعداً مع تقدم القرن العشرين.

وكان العمر القصير لمعظم الزهور المقطوفة يحافظ على بقاء البيوت الزجاجية بالقرب من المدن الكبرى حتى ولو لم تكن مزدهرة تماماً.

ولكن بعد ظهور خدمات النقل بالطائرة في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، انهار نموذج العمل القديم أخيراً.

ويستذكر أحد بائعي الزهور بالجملة في مدينة "دنفر" في مقال رائع عام 1996 في مجلة "ويستوورد" الأسبوعية، ويقول: "كنا مثل مجموعة مفترسة، وقضينا على الصناعة في بقية الولايات المتحدة".

وكان المزارعون الكبار المتخصصون الذين يشحنون منتجاتهم لمسافات بعيدة يستولون على تجارة الزهور. إلا أن تطور الصناعة لم يتوقف على طول سلسلة جبال كولورادو.

قام المزارعون المحليون بتمويل الأبحاث في "جامعة ولاية كولورادو" حول أساليب زيادة الانتاج، مما أدى إلى الورقة التي كتبها ديفيد شيفر والتي توضح سبب زوالهم. وقال مزارع من كولورادو سبرينغز لمجلة "ويستوورد": "كانت المعضلة هي: كولورادو أم كاليفورنيا. ولكن ولسوء الحظ، كانت الإجابة التي توصلوا إليها هي كولومبيا".

وما زاد الطين بلة، هو أزمة الطاقة خلال شتاء كولورادو التي رفعت كلفة تدفئة البيوت البلاستيكية في الوقت الذي كانت تتقدم فيه أعمال التصدير الكولومبية في السبعينيات.

وتزرع كولومبيا حالياً أكثر من 90% من زهور القرنفل التي يتم بيعها في الولايات المتحدة، وأكثر من نصف الورود التي تباع بها.

وهنا نتساءل، ماذا يترك هذا لمزارعي الزهور الأمريكيين؟ في الحقيقة لا يترك لهم سوى الزهور المخصصة للزراعة بشكل أساسي وليس لوضعها في المزهريات. والتي نظراً لأنها تكون مدفونة في الكثير من التربة لا تؤدي إلى ربح عندما تشحن دولياً عن طريق الجو من قارة أخرى. وقد حققت شركات زراعة الزهور التجارية في الولايات المتحدة مبيعات بقيمة 4.4 مليار دولار في عام 2019. وتراجعت الزهور المقطوفة اليوم، والتي كانت هي الدعامة الأساسية، أمام زهور البانسيز والبتونيا وأواني البغونية وإبرة الراعي في الشقق السكنية.

ولا يزال المنتجون المحليون يزرعون أيضاً أنواع الزهور التي لا يمكنها أن تنجو بعد بضع رحلات جوية وإقامة طويلة في قسم منتجات محلات السوبرماركت. وهذه هي أجمل الأنواع في رأيي، ولو لم تكن بالضرورة الأكثر ربحية.

بيانات قليلة عن الزراعة المحلية

وكنت أود ذكر الدول الرئيسية التي تزرع فيها هذه الزهور كما فعلت مع الواردات والبلدان. وصحيح أن وزارة الزراعة الأمريكية يمكنها أن تخبركم بالضبط بعدد الزهور ونوعها والبلد الذي تأتي منه إلى مطار ميامي كل يوم، إلا أنها أكثر حذراً في الكشف عن مكان زراعة بعض الزهور محلياً، لأن القيام بذلك قد يكشف عن معلومات متعلقة بالملكية الخاصة لبعض المزارعين الكبار.

فعلى سبيل المثال، إن أشهر منطقة منتجة للزنبق في الولايات المتحدة، هي وادي سكاغيت في واشنطن، شمال سياتل مباشرة.

إلا أن الولاية تمثل 20% فقط من إنتاج الزنبق الأمريكي لعام 2019، من حيث حجم المبيعات، كما لا تكشف وزارة الزراعة الأمريكية عن أرقام مهمة لأي ولاية أخرى.

وتقول شركة "بلوميا"، التي أسسها في عام 2004 مزارع توليب، إنها تزرع 75 مليون زهرة توليب سنوياً، أي 40% من الإجمالي الوطني. وذلك في مجمعها للزراعة المائية بالقرب من فريدريكسبيرغ في ولاية فيرجينيا. لذلك قد تكون ولاية فرجينيا هي التي تتربع على قمة هرم زراعة زهور التوليب.

أما ولاية كاليفورنيا فهي بالتأكيد الأولى بالنسبة للزنبق والجربارة والورود، حيث تزرع أكثر من 90% من إنتاج الولايات المتحدة لكل منها. ويبدو أن مصدر زهرة (سيف الغراب) هو لغز بالنسبة لوزارة الزراعة الأمريكية، إلا أن شركة "غريت ليكس غلادز" في برونسون في ولاية ميشيغان تقول إنها أكبر منتج لها. ويبدو أن ولاية أوريغون تقود السباق في زراعة زهور الفاوانيا، وكلاً من ولايتي كاليفورنيا ونيوجيرسي في عباد الشمس، وهلمّ جرا.

إذن، بالإجابة على سؤال، من أين تأتي كل زهور عيد الأم؟ في الحقيقة، هي تأتي في معظم الحالات من كولومبيا. ولكن كلما زادت إبداعات الأمريكين في تنسيق الزهور والورود في باقات، كلما زادت احتمالية رؤيتهم لزهور من أماكن أخرى.