مَن سيشتري 1% من "أرامكو" عملاق النفط السعودي؟

مصافي تكرير ومنشآت تخزين للنفط تابعة لشركة أرامكو في رأس تنورة
مصافي تكرير ومنشآت تخزين للنفط تابعة لشركة أرامكو في رأس تنورة المصدر: بلومبرغ
Liam Denning
Liam Denning

Liam Denning is a Bloomberg Opinion columnist covering energy, mining and commodities. He previously was editor of the Wall Street Journal's Heard on the Street column and wrote for the Financial Times' Lex column. He was also an investment banker.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد خمس سنوات من تصريح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنه "في عام 2020 سيمكننا العيش دون نفط"، ها هو، مرةً أُخرى، يستعين ببطل النفط "أرامكو" لجمع الأموال، حيث أثار في مقابلة شاملة مؤخراً احتمال بيع 1% من عملاق النفط السعودي إلى "شركة ضخمة" في بلد مستورد للنفط.

من سيدفع 19 مليار دولار مقابل الحصول على قطعة صغيرة من كعكة الحلم السعودي؟ يبدو أن المرشحين الواضحين هم في آسيا، حيث تتدفق معظم صادرات النفط السعودية.

وِفقاً لوكالة رويترز، فإن صناديق الثروة السيادية الصينية، وكذلك شركات النفط الوطنية في البلاد، تجري مناقشات للاستحواذ على الحصة.

أما السيناريو البديل، فيتمحور حول إحياء صفقة "أرامكو" مع "ريلاينس إندستريز" (Reliance Industries)، القائمة على تبادل الأسهم بدل النقد، بحيث تأخذ الشركة السعودية مقابل 1% من أسهمها حصة في وحدة الطاقة التابعة للشركة الهندية. لكن، كما كتب زميلي ديفيد فيكلينغ، يبدو أن ذلك يتعارض مع اتجاه شركة "ريلاينس".

الجدوى التجارية

لا يوجد سبب تجاري واضح لقيام شركة نفط بشراء 1% من "أرامكو". ففي أفضل الأوقات، تعود حصص الأقلية في شركات النفط الوطنية بفوائد مشكوك فيها (ما لم يكن سعر هذه الحصة مخصوم إلى حد كبير).

وأحد الأمثلة البارزة على ذلك، حصة "بريتش بتروليوم" (BP) البالغة حوالي 20% في شركة "روسنفت أويل" (Rosneft Oil). فعدا توزيع الأرباح والحصة النظرية من الإنتاج، يصعب معرفة ما تولّده هذه الحصة حقاً، والأصعب رؤية آفاق التخارج النهائي من "روسنفت"، والتي يُنظر إليها على أنها نتاج عبث بريطانيا الطويل الأمد بأكثر قطاعات روسيا استراتيجيةً.

في حالة "أرامكو"، سيحصل المشتري على حصة أقلية من الشركة التي يزداد تجذرها في نسيج بلدها الأم، والذي سيتعمق أكثر مع تنفيذ برنامج "شريك" الذي أعلن عنه الأمير محمد بن سلمان مؤخراً.

وبالكاد يكون عائد توزيعات أرباح "أرامكو"، الذي يقل عن 4%، أعلى من عائد السندات الحكومية السعودية طويلة الأجل، وأقل بكثير من عائد "روسنفت" البالغ 7%، وذلك ناجم عن إدراج الشركة السعودية في البورصة المحلية فقط.

وأظهرت نتائج الربع الأخير، التي صدرت الثلاثاء الماضي، أنه عند سعر 60 دولاراً لبرميل النفط، فإن التدفق النقدي الحر لدى "أرامكو" لا يغطي توزيعات الأرباح بشكلٍ كامل.

وفي وقتٍ يطالب فيه المستثمرون شركات النفط باستعادة أموالهم، أو يتوجهون نحو خياراتٍ "خضراء" أكثر، يبدو من الصعب تبرير تبذير حوالي 20 مليار دولار على حصة أقلية وذات سيولة وعائد نقدي منخفض، وفي الوقت عينه ليس لها أي تأثير على شركة النفط المملوكة للدولة.

البُعد الإستراتيجي

هنا يبرز الجزء الاستراتيجي من الصفقة عادةً، حيث يتم فيه تبرير النفقات بإشاراتٍ وإيماءات بدلاً من القيمة المباشرة، ويمكن أن يكون هناك بعض المنطق في هذا، فعندما اندفعت العديد من الشركات الغربية الكبرى نحو خصخصة الصين لشركاتها النفطية الكبرى قبل عقدين من الزمن، كان جزءاً من منطقها هو الفوز بالدخول إلى سوق سريعة النمو.

ويبدو ذلك أقل وضوحاً في حالة "أرامكو". فأكثر ما تريده دولة مثل الصين هو نفط السعودية. ومع تركُّز نمو الطلب بشكل كبير في آسيا، يجب على المملكة أن تنافس لبيعه لهم على أي حال. لكن، وبشكلٍ ملفت، أكد الأمير محمد بن سلمان في المقابلة الأخيرة أن الولايات المتحدة الأمريكية "لن تكون دولة منتجة للنفط في غضون 10 سنوات".. قد يشكّل ذلك حجة مضادة جريئة في حال عدم اعتبارها مجرد تمنّي. إنما السعودية هي التي تحتاج إلى تأمين العملاء، ومن هنا تأتي خطواتها العقلانية باتجاه الاستثمار في مصافي التكرير الأجنبية والمحادثات مع شركات مثل "ريلاينس".

الخيارات السياسية

في الواقع، سيكون شراء 1% من "أرامكو" عملاً سياسياً إلى حدٍّ كبير، فالعلاقات بين الصين والسعودية تعمّقت منذ صفقة الصواريخ في ثمانينات القرن الماضي، بسبب تعطش الصين للنفط، ومؤخراً بفعل طموحاتها الجيوسياسية.

كما تجذب رغبة المملكة في تحويل اقتصادها الاستشاريين بأعداد كبيرة لإعداد الخطط، فإنها تمثل أيضاً هدفاً عملاقاً للمبادرة الصينية "الحزام والطريق" في مجال البنى التحتية الثقيلة. في هذا السياق، يظهر مبلغ 19 مليار دولار على أنه مجرد دفعة أولى لتطوير جزء فرعي في مدينة "نيوم".

إن عوامل الجذب بالنسبة للسعودية واضحة. فقد تعثرت الخطة الأصلية للاكتتاب العام العالمي بسبب الصدام بين الضرورات السياسية وواقع السوق. وفي الآونة الأخيرة، تبنّت بعضاً ممّا تقوم به الإمارات العربية المتحدة، وبدأت في تسويق أجزاء من قطاع الطاقة لدى شريحة معينة من المشترين، بما يضمن تحقيق عوائد أفضل.

وتمثل الصين زبوناً رئيسياً، ومصدراً محتملاً للاستثمار الأجنبي المباشر "المراوغ" والتحوط الجيوسياسي ضد الولايات المتحدة، التي تزداد مواقفها تناقضاً. ويساعد على ذلك أيضاً، أنه ليس من المرجح أن يتواجه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، مع الأمير محمد بن سلمان، حول قضيةٍ تتعلق بحقوق الإنسان.

ومع ذلك، فإن مغازلة بكين لها تكلفة أيضاً. قبل كل شيء، يجب على الرياض أن توسع خياراتها لكن بموازاة تجنُّب استعداء واشنطن كثيراً في وقتٍ تتدهور فيه العلاقات الصينية الأمريكية. ويمكن للمرء، على سبيل الافتراض، أن يتخيل رد الفعل في الكونغرس إذا تم التعاقد مع شركة "هواوي" (Huawei) لبناء مدينة ذكية جديدة في الصحراء.

ويبدو أن فك التشابك مع العلاقة الأمريكية أمرٌ قد يتعذّر تجنُّبه، لكنها عملية محفوفة بالمخاطر. فرغم كل التعقيدات، تبقى الولايات المتحدة القوة العسكرية المهيمنة في المنطقة، ومن خلال بحريتها، فهي الضامن الفعلي لناقلات النفط التي تبحر شرقاً، بينما لا تزال الصين على بعد سنوات عديدة من إظهار هذا المستوى من القوة في الشرق الأوسط، على افتراض أنها قد ترغب في ذلك.

وبناء على ذلك، إن كنت تعتقد أن التحوّل في قطاع الطاقة يمثل مهمة صعبة، فهي تتضاءل مقارنة بالتحول في كل شيء بالمملكة العربية السعودية.