مستقبل "ولاية الفحم" الأمريكية يعتمد على خطة "بايدن" للطاقة النظيفة

نهر غورج في ولاية فرجينا الغربية. الولايات المتحدة
نهر غورج في ولاية فرجينا الغربية. الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في ولاية فرجينيا الغربية الأمريكية، يقدم جيرالد لوكاس، جولات سياحية تحت الأرض في معرض "منجم الفحم" بمدينة بيكلي، حيث كان هذا المعرض منجماً نشطاً فيما مضى، ولكنه توقف عن العمل عام 1953.

يبلغ لوكاس من العمر 69 سنة، وكان في السابق عامل مناجم فحم، ومفتش فيدرالي على المناجم. واليوم، يصف الرجل عمله الجديد بأنه "وظيفة ممتعة"، حيث يسمح له بمشاركة خبرته التي امتدت لعقود مع زوار المعرض.

أصبح تغيير السكان وظائفهم –على غرار لوكاس- أكثر شيوعاً بين أهالي الولاية، حيث تتحرك فرجينيا الغربية، وهي ولاية ريفية يبلغ عدد سكانها 1.8 مليون نسمة، نحو عصر اقتصادي جديد لم يعد الفحم هو المتحكم فيه. ولطالما شعرت الولاية، التي بلغ معدل الفقر فيها 16% في عام 2019، بآثار تراجع قطاع الفحم.

يحتل المشرعون في فرجينيا الغربية مناصب قيادية في مبنى الكونغرس بـ"الكابيتول هيل"، في الوقت الذي يقدم فيه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حزمة شاملة لدعم البنية التحتية وحماية المناخ، كما يتعهد بتنشيط الاقتصاد في الولاية التي تعتمد على الفحم، إضافة إلى خطة دعم الوظائف في الولايات، والتي تقدر بنحو 2.25 تريليون دولار.

من هؤلاء المشرعين السناتور ،"جو مانشين"، -وهو ديمقراطي محافظ– يملك صوتاً حاسماً في التصويت المتأرجح بمجلس الشيوخ المنقسم بالتساوي (50:50) بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. كما يرأس لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بالمجلس.

هناك أيضاً السناتور، شيلي مور كابيتو، وهي أعلى عضو جمهوري في لجنة البيئة والأشغال العامة، والعقل المدبر وراء اقتراح تطوير البنية التحتية الذي قدمه الحزب الجمهوري، وهو مشروع مقابل لعرض بايدن تبلغ قيمته 568 مليار دولار.

في مجلس النواب الأمريكي، ينتشر أعضاء ولاية فرجينيا الغربية في لجان الطرق، ووسائل النقل، والطاقة والتجارة، التي تعمل جنباً إلى جنب مع مشروعات البنية التحتية.

قطاع قوي

تعتبر فرجينيا الغربية ثاني أكبر ولاية منتجة للفحم في أمريكا، بعد وايومنغ، لكنها استحوذت تاريخياً على نصيب الأسد من عدد عمال القطاع. وعلى الرغم من أن عدد عمال مناجم الفحم في جميع أنحاء البلاد تضاءل إلى عشرات الآلاف، إلا أنهم في هذه الولاية لا يزال بإمكانهم الحصول على راتب سنوي يصل إلى حوالي 90 ألف دولار، وهذه الأموال هي التي ساعدت في دفع عجلة الاقتصادات المحلية.

حتى مع تقلص حجم إنتاج الفحم وتسارع قطاع الغاز الطبيعي، لا يزال قطاع الفحم في الولاية قوياً. أنتج الفحم 14 مليار دولار من إجمالي النشاط الاقتصادي في عام 2019، وفقاً لدراسة أجرتها كلية الأعمال والاقتصاد بجامعة فرجينيا الغربية في شهر مارس الماضي.

ويقول مانشين: "على مدار القرن الماضي بأكمله، قمنا بجميع الأعمال الشاقة، والوظائف الأكثر صعوبة.. ولقد ساعدنا في بناء الولايات المتحدة من خلال الطاقة التي أنتجناها".

مخاوف التحوّل عن الوقود الأحفوري

نشر اتحاد عمال المناجم في أمريكا مؤخراً خارطة طريق "لتعزيز الفرص المتاحة أمام عمال المناجم وأسرهم ومجتمعاتهم"، وذلك اعترافاً من الاتحاد بتأثير التحوّل بعيداً عن الوقود الأحفوري. تدعو خارطة الطريق هذه إلى دعم سياسات الحد من الكربون الناتج عن الفحم عبر التقاطه وتخزينه للحفاظ على الوظائف الحالية، إضافة إلى بث حوافز ضريبية لتصنيع الطاقة المتجددة، مع إطلاق حوافز جديدة لدعم القطاع، واستبدال الأجور، وتدريب عمال المناجم الذين تركوا وظائفهم، واتخاذ مجموعة من التدابير الأخرى.

لكن هناك شكوك حول مدى استفادة الولاية الريفية، التي تعتبر مركزًا لإنتاج الفحم، من التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري.

في مقابلة صحفية افتراضية قدمها بالتعاون مع مانشين خلال أبريل المنصرم، قال سيسيل روبرتس جونيور، رئيس اتحاد عمال المناجم في أمريكا:

نعتقد أن تحقيق التحوّل العادل في الطاقة بالطريقة التي تناسبنا أمر شبه مستحيل.

قلق من خطة بايدن للطاقة النظيفة

ترى السناتور، شيلي مور كابيتو، أن خطط بايدن للطاقة النظيفة تنذر بخطر حدوث خسائر لدى سكان فيرجينيا الغربية، وأنها مصممة على عدم تعرض الناخبين "لأضرار مرة أخرى".

تلفت كابيتو، إلى أنها تشعر بالقلق من أن يكون ذلك تكرار لخطة الطاقة النظيفة التي وضعها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، والتي كانت ستؤدي إلى "إغلاق مفاجئ" لأنشطة الوقود الأحفوري، "دون الاكتراث أبداً بعواقب ذلك على الناس".

على الرغم من أن بايدن فاز بنسبة 30% فقط من أصوات الناخبين في الولاية التي تؤيد الحزب الجمهوري بشكل كبير، إلا أن خطته للوظائف تحمل إمكانية الاستثمار في البنية التحتية والتصنيع، خاصة الآن بعد أن رفع مجلس الشيوخ حظره على التخصيص.

تتمتع ولاية فيرجينيا الغربية بتاريخ بارز في هذا الصدد، حيث تم إطلاق اسم السناتور الراحل روبرت بيرد، وهو نائب ديمقراطي شغل منصب رئيس لجنة المخصصات لفترة طويلة، على العديد من الجسور والطرق والمباني في جميع أنحاء الولاية.

ويقول بيل بيسيت، الرئيس والمدير التنفيذي لغرفة التجارة الإقليمية في مدينة هنتنغتون والرئيس السابق لجمعية كنتاكي للفحم: "رد الفعل على المساعدات الفيدرالية الموجهة للبنية التحتية لا يكون سلبياً دائماً هنا".

تعد بيكلي، التي يبلغ عدد سكانها 16000 نسمة، أكبر مدينة في جنوب فيرجينيا الغربية. كما تجسد التحوّل الاقتصادي الذي تحاول الولاية القيام به، من خلال تعزيز قطاعات التصنيع والسياحة والصناعات الأخرى. ويحتوي معرض منجم الفحم الموجود بالمدينة على متحف به مجموعة أدوات التعدين التقليدية، بالإضافة إلى معسكر تم ترميمه، وكنيسة في الموقع. ويوجد المعرض بالقرب من سوق تاماراك، وهو مركز فنون ومقهى يغمره الضوء من كل مكان، ويقع في منطقة الآبالاش، ويجتذب حوالي نصف مليون زائر سنوياً.

يتمتع هذا الجزء من جنوب الولاية أيضاً بجمال طبيعي غير تقليدي، حيث يوفر منتزه "نيو ريفر غورج"(New River Gorge)، التي تم اختياره كمنتزه وطني العام الماضي، بأنشطة ترفيهية عديدة، مثل: تسلق الصخور، والتجديف، ومسارات المشي التي تمتد لأميال.

مستقبل ما بعد الفحم

تقول النائبة الجمهورية كارول ميللر، التي تضم منطقتها منتزه "نيو ريفر غورج" الوطنية والمناطق المحيطة بها: "لقد شهدت السياحة انطلاقة كبيرة بالتأكيد.. وبسبب هذا، يقوم الناس ببناء الكبائن، وتوسيع المطاعم، حيث بدؤوا يفهمون كم هو جميل ريفنا. ونحن نقوم بالكثير من الدعاية لتنشيط السياحة بشكل أفضل".

على الجانب الآخر، تقول بوني كوبنهافر، رئيسة كلية نيو ريفر المجتمعية والتقنية: "تعاني فرجينيا الغربية من سمعة سيئة، فالناس يعتقدون أننا منغلقون على أنفسنا".

تضيف كوبنهافر، وهي من مواليد ولاية تينيسي، وعملت في الكلية منذ أكثر من عامين بقليل، أنها عندما وصلت لأول مرة إلى فيرجينيا الغربية لم تسمع الكثير من الحديث حول مستقبل ما بعد الفحم. لكنها تقول، إن هناك وجهة نظر بديلة ظهرت خلال الفترة التي قضتها بالكلية "وانتشرت بين سكان ولاية فيرجينيا الغربية بشكل كبير"، وهي أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حاول إنقاذ قطاع الفحم لكنه لم يستطع عمل ذلك.

ومع ذلك، فإن "المخاطر كبيرة"، كما تقول عن المخاوف التي تواجه الطلاب الذين يقررون تعلم مهنة جديدة. وتضيف متسائلة: "ماذا لو لم تحقق التكنولوجيا الخضراء أهدافها على أرض الواقع أبداً؟".

فجوة الأجور

أعلنت هيئة "نيو ريفر غورج" للتنمية الإقليمية مؤخراً عن استثمار يقدر بنحو 8.3 مليون دولار (3.5 مليون دولار منها من منحة فيدرالية) لإعادة تطوير أكثر من 100 فدان خارج مطار رالي كاونتي التذكاري، وذلك بهدف احتضان شركات تصنيع الطائرات والميكانيك، التي يأمل القادة في جذبها إلى الولاية. وتتطلب هذه الوظائف مهارات مماثلة للمعرفة الفنية المطلوبة في قطاع الفحم.

على الرغم من أن مصادر الطاقة المتجددة تمثل حالياً جزءاً صغيراً من توليد الكهرباء، الذي يهيمن عليه الفحم في الولاية، إلا أن تقريراً حديثاً صادر عن كلية الحقوق بجامعة فيرجينيا الغربية قال، إن تكثيف الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة على مدار 15 سنة مقبلة سيكون منافساً من حيث التكلفة، كما سيوفر آلاف الوظائف. إضافة إلى أن هناك مجموعة من مشروعات الطاقة الشمسية الجديدة واسعة النطاق قيد التطوير.

في السياق ذاته، يركز براندون دينيسون، وهو المؤسس والرئيس التنفيذي لـ"كولفيدلد ديفلوبمنت"، وهي منظمة غير ربحية تقع في الولاية، على إعادة بناء اقتصاد منطقة الأبالاتشي، ومساعدة عمال الوقود الأحفوري على التحول إلى قطاعات مختلفة.

يقر دينيسون بوجود فجوة كبيرة في الأجور بين الوظائف القديمة والجديدة التي تحل محلها. ويقول: "نحن نعترف بذلك الفرق صراحة.. ونتفق على أنه مع الوظائف الحديثة التي تأتي مع الاقتصاد الجديد، نحتاج إلى دفع القطاع لتقديم رواتب أفضل، وأعتقد أن الاتحادات العمالية ستصبح مهمة حقاً مرة أخرى للتأكد من حدوث ذلك".

الوظيفة القديمة

جدير بالذكر أن لوكاس (عامل مناجم الفحم الذي تحول إلى مرشد سياحي)، ولد في مدينة بيرنويل، التي كانت في الأصل معسكراً للفحم، وتقع على بعد حوالي 30 دقيقة شمال غرب بيكلي. بعد عمله لمدة 45 عاماً في التعدين، أجرى لوكاس عمليتين جراحيتين في الكتف وواحدة في الركبة، وتلقى مؤخراً بعض الأخبار السارة بأنه لا يعاني من مرض الرئة السوداء.

يتمتع عامل مناجم الفحم القديم بوظيفته الحالية كمرشد سياحي، ويقول عن الوظائف القديمة التي شغلها: "لا أتذكر أن أياً منها كان سهلاً".