هل تشعل تراخيص الصيد حرباً بين بريطانيا وفرنسا؟

السفينة البريطانية "تامار" خلال مناورات
السفينة البريطانية "تامار" خلال مناورات المصدر: غيتي إيمجز
Therese Raphael
Therese Raphael

Therese Raphael is a columnist for Bloomberg Opinion. She was editorial page editor of the Wall Street Journal Europe.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على الرغم من السخرية الدائرة على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن الأحداث الجارية، لن تخوض بريطانيا وفرنسا حرباً.

عندما أمر بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني سفينتي "إتش إم إس سيفرن" و"إتش إم إس تامار" التابعتين للبحرية الملكية بتنفيذ دوريات ودخول المياه المحيطة بجزيرة جيرسي لم يكن الهدف من ذلك القتال مع الفرنسيين بسبب تراخيص الصيد.

بالفعل هدد وزير فرنسي بقطع إمدادات الطاقة عن الجزيرة التابعة للتاج البريطاني التي تحصل على 95% من إمدادات الكهرباء عن طريق ثلاثة كابلات من فرنسا تمتد تحت الماء للجزيرة.

وفي ساعة مبكرة من صباح الخميس الماضي تجمع أسطول من قوارب الصيد الفرنسية في ميناء سانت هيلير في جيرسي وأشعلوا مشاعل ولوحوا بالأعلام ورفعوا لوحة مكتوباً عليها "غاضبون"، ليعود مشهد الصراعات إلى السطح من جديد. التهديد بقطع التيار الكهربائي وتظاهرات قوارب الصيد السلمية كانت صاخبة.

تضم سفن البحرية البريطانية التي تنفّذ الدوريات في مياه جزيرة جيرسي طاقماً يزيد على 40 بحاراً، كما أنها مزودة بأسلحة لديها القدرة على التعامل مع الزوارق الصغيرة، وكذلك أسلحة مضادة للطائرات، ومع ذلك فهي ليست أقوى أسلحة البحرية الملكية، لكن لا أحد يعتقد أن الخلاف الأنجلو-فرنسي حول تراخيص قوارب الصيد يمكن حله من خلال صراع عسكري، لأن مثل تلك الخلافات عادة ما يحلها الدبلوماسيون.

تأثير الانتخابات

يلاحظ المراقبون أن جونسون لن يتأثر سلباً بسبب الخلاف حول مصايد الأسماك في محادثات التجارة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الانتخابات البلدية التي تشهدها بريطانيا اليوم والتي يختار فيها الناخبون رؤساء البلديات والمسؤولين والمشرعين المحليين، بخاصة مع دفاعه عن المصالح البحرية لبريطانيا في الوقت الذي يتوجه فيه الناس إلى مراكز الاقتراع.

أيضاً في فرنسا انتخابات رئاسية ستُعقَد العام المقبل، تنافس فيها مارين لوبان ذات التوجه القومي، والتي على الرغم من ضعف فرصها في الفوز، فإن الانتخابات لن تكون سهلة لإيمانويل ماكرون.

لا يعني ذلك أن كل شيء على ما يرام. فالصراع على مصايد الأسماك كان سبباً في خلاف امتد لسنوات في أثناء مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتسبب في توتر العلاقات البريطانية مع الاتحاد الأوروبي.

حسم الاتفاق التجاري الذي أنهى مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعض التساؤلات الهامة حول كيفية تعامل بريطانيا والاتحاد الأوروبي معاً في ذلك الشأن، ولكن لا تزال المناقشات جارية للاتفاق على عديد من التفاصيل في الوقت المناسب.

تمثل حقوق الصيد جانباً بسيطا في تلك المفاوضات التجارية، ولكن أوروبا لن تقبل بإجراءات انتقامية من بريطانيا مثل سياسات فرض تراخيص تمييزية تستهدف قطاعات أكثر أهمية من الناحية الاقتصادية مثل قطاع الخدمات المالية.

نزاع مختلف

استمرت النزاعات المتعلقة بصيد الأسماك حتى بعد إبرام صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في ديسمبر الماضي، وهو ما يؤكّد انسداد القنوات التي من شأنها تسوية المنازعات بين لندن وبروكسل، إذ بقيت خلافات حول القيود التي من المحتمَل أن تفرضها بريطانيا على قوارب الصيد في الاتحاد الأوروبي تحت اسم الحفاظ على البيئة، إلى جانب الخلافات بشأن حظر الاتحاد الأوروبي استيراد المحار من بريطانيا.

لكن الخلاف هذه المرة مختلف، إذ يحتجّ الفرنسيون على إصدار جزيرة جيرسي تراخيص صيد يدّعي الفرنسيون أنها تفرض قيوداً جديدة دون سابق إنذار. في المقابل، اشتكوا الصيادون البريطانيون في جيرسي من منعهم من إنزال قواربهم في فرنسا، وطلبوا في مارس الماضي من الحكومة البريطانية حمايتهم من القوارب الفرنسية التي تصطاد المحار في المياه المحلية.

قد يحظى جونسون بتأييد شعبي نسبي نتيجة دفاعه عن المصالح البريطانية وإرسال زوارق البحرية، ولكن في الأساس فإن اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هي التي أضرَّت بأساطيل الصيد البريطانية. وعلى الرغم من شعار حملة تأييد الخروج من الاتحاد الأوروبي تحت عنوان "استعادة السيطرة على مياهنا"، فقد تسببت اتفاقية جونسون التجارية التي وقّع عليها في ديسمبر الماضي في اضطرابات لقطاع الصيد تمثلت في طلب تراخيص وتأخيرات وتكاليف جديدة كفيلة بأن تزيد المخاوف الصغيرة لدى البريطانيين، بخاصة في ظل تزامن تلك الأحداث مع غضب قدامى الصيادين المتزايد بسبب انهيار محادثات حقوق الصيد مع النرويج.

مثال صارخ

ويبدو أن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول حصص صيد الأسماك وكل الطرق التي تتسبب في خلق حواجز لدى الطرفين سوف تستمر لأعوام، إذ تمثل أزمة تراخيص الصيد في جيرسي تأكيداً لذلك.

تدرك حكومة جونسون أن مزيداً من تعقد الأمور بشأن التعامل مع مصالح الصيد في الاتحاد الأوروبي سوف يزيد الأمور سوءاً، فبينما يقضي الاتفاق باستعادة بريطانيا مزيداً من حصص الصيد في مياهها خلال السنوات الخمس المقبلة، تُصدَّر 90% من الأسماك التي تُصاد في جيرسي إلى الأسواق في أوروبا. وهو ما يمثّل نقطة قوة ونفوذ لبروكسل.

تقضي اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بتشكيل ست لجان لحلّ الخلافات التي تترتب على الانسحاب، كما أن الصفقة التجارية تقضي أيضاً بتشكيل 19 لجنة ضخمة لحلّ الخلافات. ورغم ذلك سينتهي الأمر باتخاذ السياسيين القرارات الرئيسية.

نزاع جيرسي سوف يُحَلّ بلا حاجة إلى إطفاء الأنوار أو إطلاق النار، لكنه يقدم مثالاً صارخاً على عديد من النقاط الخلافية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي التي تمتدّ من الخلاف بشأن أيرلندا الشمالية إلى القطاع المالي، وصولاً إلى الصيد، وهو ما يهدِّد بانهيار العلاقات بينهما بسهولة ويزيد حالة عدم اليقين بشأن تكلفة ممارسة الأعمال التجارية، إذ يمكن لكل نقطة خلافية أن تنفجر وتتسبب في نزاع سياسي كبير أو تثير إجراءات انتقامية تجارية خطيرة.