أكبر شركة رقائق في العالم يجب أن تغير استراتيجيتها بأسرع وقت.. لماذا؟

موريس تشانغ مؤسس شركة "تايوان لصناعة الرقائق"
موريس تشانغ مؤسس شركة "تايوان لصناعة الرقائق" المصدر: بلومبرغ
Tim Culpan
Tim Culpan

Tim Culpan is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. He previously covered technology for Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

استكشِفْ دائرة نصف قطرها 100 ميل وسط تايوان وستصادف بعضاً من أروع الجبال والبحيرات الخلابة والوديان المذهلة في العالم. هناك ستجد أيضاً 95% من أكثر شركات صناعة الرقائق تقدماً في العالم.

تفتقر شركة "تايوان سيميكوندكتور" (Taiwan Semiconductor Manufacturing) إلى المناظر الخلابة الظاهرة على البطاقات البريدية مثل "جبال جايد" أو "بحيرة الشمس والقمر"، لكنها لا تزال كنزاً. لقد تحولت الشركة من كونها شركة ناشئة بدعم مؤسسة فكر صناعية حكومية، إلى مورد الرقائق الأكثر أهمية في العالم. ورغم نموّها لتصبح شركة قيمتها 540 مليار دولار أمريكي، حافظت إدارة الشركة بعناد على جميع قدرات التصنيع الحديثة في ثلاثة مواقع فقط.

يجب أن يتغير هذا. لقد انتهى الوقت الذي كان من المنطقي فيه وضع جميع قطع شركة "تي إس إم سي" (TSMC) في رحلة سهلة وسريعة مدتها ساعتان عبر السكك الحديدية، بما يسمح للمهندسين بزيارة مواقع متعددة في يوم واحد.

تَطوَّر العالم وصناعة الإلكترونيات، وفشل عملاق الرقائق هذا في مواكبة ذلك. يشعر الحلفاء الغربيون بقلق متزايد من أن كثيراً من سلاسل توريدهم يقع خارج سيطرتهم. حتى الاضطرابات المؤقتة، مثل النقص الأخير في رقائق السيارات، دفعت قادة العالم إلى التحدث عن الأمن القومي.

مخاوف سياسية

شركة "تي إس إم سي" (TSMC) هي الوحيدة التي تصنع الدوائر المتطورة التي تتطلبها شركات مثل "آبل" و"كوالكوم"، وتتحكم في أكثر من نصف سوق صنع الرقاقات المصنوعة حسب الطلب، ولديها تقنيات متطورة مستخدمة في المكونات للهواتف الذكية والخوادم ووحدات تحكُّم الألعاب ومحطات الهواتف المحمولة وحتى أنظمة الأسلحة، ويتخلف المنافسون عنها بنحو عقد من الزمان، ويعملون على صنع مزيد من الرقائق العادية.

لكن هذه الميزة يمكن أن تتهاوى بسرعة بسبب المخاوف السياسية إن أصرّت الحكومات على الحصول على المكونات محلياً وأن "تي إس إم سي" (TSMC) تفتقر إلى المصانع اللازمة لذلك، مما سيؤدي إلى فقدان الطلبات لصالح المنافسين الذين لديهم مصانع على الأرض.

الأرقام تُكذب عبثية هذا الوضع

يأتي أكثر من 90% من إيرادات "تي إس إم سي" من عملاء خارج تايوان، ومع ذلك فإن أكثر من 94% من الطاقة الإنتاجية يقع ضمن دائرة نصف قطرها 100 ميل. تصنع "تي إس إم سي" أفضل ما لديها في هذه المصانع القليلة.

لم يكن هذا يمثل مشكلة قبل عقدين من الزمان، عندما كان مزيد من صانعي الرقائق يملكون مصانعهم الخاصة. ولكن الآن، بعد أن قلّ عدد الشركات التي تمتلك مصانع الرقائق، وبات معظمها يعتمد على "تي إس إم سي"، لم يعُد التركيز المفرط مستداماً.

ستكون ضغوط شديدة للعثور على أي شركة في أي صناعة تعمل على هذا النطاق العالمي وضمن هذا المستوى من التركيز الجغرافي، حتى شركة "فوكسكون تكنولوجيز" (Foxconn Technology Group)، وهي شركة تايوانية عملاقة أخرى تحصل على نصف إيراداتها من "آبل"، لديها منشآت في جميع أنحاء العالم.

ما يجعل الأمور أسوأ هو رفض الإدارة رؤية مدى حماقة الحفاظ على هذه الاستراتيجية أو التعهد بتغييرها في وقت تضع فيه العلاقات الدولية "تي إس إم سي" في قلب عاصفة جيوسياسية.

خطط غير واضحة

قال كبير المديرين التنفيذيين سي سي وي، للمستثمرين في 15 أبريل: "سيستمر وجود مركز البحث والتطوير ومعظم خطوط الإنتاج في تايوان. وبعد خطط إنشاء مصنع صغير في ولاية أريزونا، ليس لدينا حالياً خطط توسُّع أخرى في مناطق أخرى مثل أوروبا، لكننا لا نستبعد أي احتمال".

بعد أسبوع من ذلك ألغى مؤسس الشركة موريس تشانغ، المعروف باسم الأب الروحي لصناعة الرقائق في تايوان، فكرة إنشاء قاعدة في الولايات المتحدة لتصنيع أشباه الموصلات. تَحدَّث تشانغ في منتدى في تايبيه، عن المواهب الهندسية التايوانية وخطوط النقل الملائمة والإدارة المحلية كأسباب تجعل أعمال الصناعة تنجح هناك فقط. ونُقل عنه قوله إن الولايات المتحدة تفتقر ببساطة إلى القوة العاملة والاهتمام بتطوير التصنيع المتقدم، ويفضّل شعبها التركيز على رأس المال الاستثماري أو التسويق بدلاً من ذلك.

كانت تعليقاته حول نقص المواهب الأمريكية لتصنيع الرقائق غير متناسقة. تنتج الولايات المتحدة مديرين ومهندسين يتمتعون بالمهارات والتعليم المطلوبين، ويعمل كثير منهم في "تي إس إم سي"، ومن بينهم وي. علاوة على ذلك فإن كلّاً من تشانغ وخليفته في منصب رئيس مجلس الإدارة مارك ليو، مواطن أمريكي تَخرَّج في الجامعات هناك.

يراهن بات غيلسنغر، الرئيس التنفيذي لشركة "إنتل"، على أن تشانغ مخطئ. ومع تخصيص 20 مليار دولار للتوسع على مدى السنوات القليلة المقبلة، يبدو أن صانع الرقائق الذي يتخذ من كاليفورنيا مقرّاً له واثق من قدرته على العثور على المواهب المحلية اللازمة لإنتاج المنتجات المتطورة التي ستنافس "تي إس إم سي".

في الواقع، تواجه الشركة التايوانية نوعاً من "معضلة المبتكر"، فهي متمسكة بنموذج الأعمال الذي نجح لمدة ثلاثة عقود، وترفض التعرُّف على المشهد المتغير الذي يجعل الطرق القديمة غير فعالة.

أوروبا على الخط

تحتاج "تي إس إم سي" إلى إدراك أن قوى اقتصادية وسياسية كبيرة تدفع باتجاه تصنيع مزيد من أشباه الموصلات في الدول الغربية.

عقب تولّيه الرئاسة خلفاً لدونالد ترمب، يتوق الرئيس جو بايدن إلى إعادة الولايات المتحدة إلى مجدها السابق في صناعة الرقائق ويسعى للحصول على 37 مليار دولار من المشرعين للمساعدة في تمويل هذا الجهد. ومن بين مخاوف الإدارة احتمال أن تهاجم الصين تايوان وتعرّض إمدادات الرقائق للخطر.

استغلّ غيلسنغر في "إنتل" الروح السائدة وعزز الخوف على سلسلة التوريد التي تعتمد على آسيا -رغم أن معظم الدول حلفاء أمريكيون ثابتون- للضغط من أجل زيادة الاستثمار الحكومي في قطاع الرقائق الأمريكية. ومن المحتمل أن يؤدي هذا إلى تقديم إعانات لشركة "إنتل".

كما أن القادة الأوروبيين يمارسون ضغوطاً، ففي يناير الماضي ألقى وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير، بثقله في موضوع نقص رقائق السيارات من خلال مناشدة الحكومة التايوانية مباشرة. في الأسبوع الماضي التقى المفوض الأوروبي تيري بريتون المديرين التنفيذيين في "تي إس إم سي" واستكمل ذلك بتغريدة مشفرة تضمنت أن الاتحاد الأوروبي سيشكل نوعاً من الشراكة لجذب الشركة التايوانية إلى أراضيه.

"كان حديثاً جيداً مع ماريا مارسيد رئيسة "تي إس إم سي أوروبا" (TSMC Europe) @TWSemicon لتلبية الطلب الحالي والمستقبلي في صناعة #أشباه الموصلات، ستزيد أوروبا بشكل كبير قدرتها الإنتاجية، سواء بمفردها أو من خلال شراكات مختارة لضمان أمن التوريد" - تيري بريتون

وأشار مسؤول في الشركة إلى أن الاجتماع أظهر التزاماً نحو أوروبا ورغبة في دعم العملاء، لكنه لم يصل إلى حد التعهد بفتح مصنع فعلياً هناك.

سيكون مصنع الرقائق الأوروبي منطقياً، إذ تمتلك الشركة عدداً قليلاً من العملاء في المنطقة، ولكن الأهمّ من ذلك أنها القاعدة الرئيسية لبعض أهمّ مورّدي "تي إس إم سي"، بما في ذلك صانع المعدات الهولندي "إيه إس إم إل" (ASML).

تدرس أوروبا بالفعل خططاً للمضي قدماً بمفردها في إحداث منشأة متطورة على أي حال، يلاحظ زميلي أليكس ويب أنها ستكون في غير محلها إلى حد كبير. مع ذلك، إن كان الاتحاد الأوروبي على استعداد لكتابة شيكات بقيمة 30 مليار يورو (36 مليار دولار) لشقّ طريقه مرة أخرى إلى سباق الرقائق، فقد تقفز "تي إس إم سي" أيضاً وتعرض القيام بذلك.

نظام عالمي جديد

أما في الولايات المتحدة، فستحتاج الشركة إلى أكثر من مجرد فتح مصنع رقائق في ولاية أريزونا بحلول عام 2024. ستبلغ الطاقة الإنتاجية الشهرية لهذا المصنع 20 ألف رقاقة، بما يعادل ما هو متاح حالياً من أكبر مصنع لـ"تي إس إم سي" خارج تايوان، في نانجينغ بالصين، ولا يمثل إلا 1.9% فقط من القدرة العالمية الحالية للشركة.

أفادت وكالة "رويترز" هذا الأسبوع بأنه قد يكون في أريزونا خمسة أنواع إضافية من مصانع الرقائق قيد التشغيل. كان هذا دائماً أمراً محتمَلاً، لكن الشركة لم توضح بعدُ أي خطط.

بصراحة، تبدو الإدارة سعيدة ومرتاحة في تايوان، حيث المواهب وفيرة وسلسلة التوريد ناضجة. سيكون نقل نسبة كبيرة من الطاقة إلى الخارج أمراً صعباً، لكن البقاء على قيد الحياة في عالم يزداد خوفاً من المخاطر الجغرافية سيكون أكثر صعوبة.

حان الوقت الآن لكي تعترف "تي إس إم سي" بهذا النظام العالمي الجديد، وتلتزم علناً أن تكون جزءاً منه.