رغم تقلدهن أعلى المناصب بصناديق الاستثمار.. مديرات الأموال مازلن أقلية

ليندا تشانغ
ليندا تشانغ المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدأت "ليندا تشانغ" العمل في مجال إدارة الأموال عام 2003. في ذلك الوقت، كان هناك ما يزيد قليلاً عن 1 من كلِّ 10 مديرين للمحفظة من النساء. وبعد مرور

ما يقرب من عقدين من الزمن، تغير هذا الرقم بالكاد.

اعتباراً من 31 ديسمبر الماضي، شكَّلت النساء حوالي 14% من إجمالي عدد مديري المحافظ الاستثمارية البالغ عددهم 25 ألف على مستوى العالم، ويديرون استثمارات متعددة تغطي الدخل الثابت، والصناديق المشتركة، والأسهم، وأقسام تخصيص الأصول، والصناديق المتداولة في البورصة. ولا يشكِّل هذا الرقم تغييراً كبيراً مقارنة ببيانات القطاع في عام 2000، وفقاً لشركة "مورنينغ ستار".

في الولايات المتحدة، تبلغ نسبة الإناث 11% تقريباً من إجمالي عدد مديري الأموال، وهي نسبة ظلَّت ثابتة على مدى العقد الماضي، وتشكِّل انخفاضاً من نسبة 14%، التي تحقَّقت في عام 2000.

تقول تشانغ، التي كانت تعتقد أنَّ الأرقام منخفضة في عام 2003: "لم يتغير القطاع الذي نعمل فيه كثيراً.. كنت أدير صندوقاً مشتركاً متعدد الأصول في وقت ما، وكان لديَّ أكثر من ملياري دولار تحت إدارتي. وأدركت للتو أنَّ هناك عدداً قليلاً جداً من المحللات النساء، وعدداً أقل من مديرات المحافظ الاستثمارية".

واليوم، أصبحت تشانغ المؤسس والرئيس التنفيذي لشركتها الخاصة، التي تحمل اسم "بورفيو إنفستمنتس" (Purview Investments)، ومقرّها نيويورك، وذلك بعد مسيرة عملها الممتدة في شركات إدارة الأصول، بما في ذلك شركة "بلاك روك" العملاقة، وشركة "ام اف اس" لإدارة الاستثمار.

موطن الخلل

لم تتغير الإحصاءات ولو قليلاً مؤخراً، على الرغم من المبادرات التي استمرت لعدَّة سنوات، ودعت للنهوض بدور المرأة عبر القطاعات الاقتصادية المختلفة.

في السنوات الأخيرة، شغل عدد أكبر من النساء وظائف في مجال أبحاث الاستثمار -وهو المسار الذي يؤدي عادةً إلى إدارة الأموال- وتمكَّن بعضهن من الترقي إلى المناصب التنفيذية العليا في أعمالهن.

وتُظهر بيانات "مورنينغ ستار" أنَّ فرق الإدارة المختلطة من الجنسين أصبحت شائعة الآن، وتنتشر فيما يقرب من 40% من إجمالي أقسام إدارة الأصول. لكنَّ منصب مدير المحفظة المنفرد يعتبر أحد الوظائف البارزة في شركات "وول ستريت"، والأشخاص الذين يشغلون هذا المنصب يكونون من صانعي القرار الرئيسيين، والمتحكِّمين في كيفية تخصيص رأس المال عبر قطاعات الاقتصاد المختلفة. وتظهر تفرقة شديدة بين الجنسين عند اختيار من يتقلَّد هذا المنصب. وفي هذا الشأن يقول "ماديسون سارجيس"، المدير المساعد لفريق البحث الكمي في "مورنينغ ستار": "كنا نأمل في أن تبدأ جميع المبادرات التي تمَّ وضعها منذ 5 أو 6 سنوات تقريباً في إحداث بعض التأثير.. نحن نعمل للحصول على مزيد من المعلومات حول المسار الوظيفي في جميع المناصب، بداية من المحللين إلى مديري الصناديق، لمعرفة موطن الخلل بالتحديد".

إعادة التدوير

غالباً ما تنتهي جهود الشركات لزيادة التنويع في عمل ما يمكن تشبيهه بـ"عملية إعادة التدوير" لنفس النساء الموجودات في القطاع، إذ يتمُّ تولية هؤلاء النسوة القلائل مزيداً من المناصب، دون الاستعانة بمجموعة جديدة من الإناث.

ويتمُّ اختيار مديرات الأموال نفسهنَّ في كل مرة، بطريقة تعكس تكتيكات الشركات التي تحاول التنويع بين الجنسين في تشكيل مجالس إدارتها، ولكن عبر اختيار مجموعة محدودة من المديرات التنفيذيات الإناث المعروفات في القطاع. وأصبحت هذه الممارسة المفرطة تُعرف باسم "أوفر بوردينغ" (Overboarding).

في المناصب الأدنى بالقطاع، ما تزال النساء تواجه بعض العقبات المعروفة، ومنها قضاء الموظفة الأنثى عدة سنوات حتى تتسلَّق السلم الوظيفي، وتصل إلى منصب مدير الصندوق. كما يكون التعرُّض لانتكاسات وظيفية أكثر شيوعاً بين للنساء، ممن قد يتوقفنَ عن العمل لفترة من الوقت حتى يضعن الأطفال.

وتقول تشانغ، إنَّ هناك أيضاً الكثير من التحيز المباشر في القطاع، مشددةً على أنَّ "المحللات النساء موثوق بهن في تقديم الاقتراحات، لكنهنَّ لا يتمتعن بما يكفي من الثقة للتحكم في أموال المحفظة الاستثمارية".

كاثي وود.. أفضل قصص النجاح

كانت النساء تتخذ غالباً خطوات واسعة أولية للنهوض بمسيرتهن، وذلك من خلال الدخول في أقسام جديدة من القطاع. ومع ذلك، قد لا تصمد هذه المكاسب عندما يصبح المنتج أو القطاع محموماً بصورة أكبر.

في صناديق المؤشرات، انخفضت حصة المديرات المتميزات على مستوى العالم إلى حوالي 14.7% مقارنة بـ 15.8% في عام 2000.

وفي واحدة من أفضل قصص النجاح المعروفة، قامت كاثي وود بتأسيس شركة "أرك" لإدارة الاستثمار بنفسها. ليس هذا وحسب، بل استطاعت أيضاً إنشاء ركن مميز خاص لنفسها في هذا المجال الضيق للغاية.

تندرج صناديق "وود" تحت فئة صناديق الاستثمار المتداولة، وهي صناديق يتمُّ تداولها مثل الأسهم. وفي حين تبلغ أصول صناديق الاستثمار المتداولة الأمريكية حالياً 6 تريليون دولار، لم تستطع هذه الصناديق جمع أوَّل تريليون دولار حتى عام 2011 تقريباً.

والأكثر من ذلك، فإنَّ صناديق "أرك" غير اعتيادية، مقارنة بصناديق الاستثمار المتداولة الأخرى، وذلك لأنَّ "وود" تختار الأسهم الموجودة في معظم صناديق شركتها بحرص شديد، بدلاً من تتبع المؤشرات الاقتصادية فقط.

لكنَّ شركة "أرك" لم تعد تسيطر على ركن صغير في القطاع وحسب بعد الآن، فقد حقق صندوق "وود" الرائد، الذي يحمل اسم "أرك إينوفيشن" أرباحاً بنسبة 149% في العام الماضي. وارتفع حجم أصول الصندوق من حوالي 1.5 مليار دولار خلال شهر مارس 2020 إلى نحو 28 مليار دولار في فبراير الماضي.

أكبر صندوق تديره امرأة

أما أكبر صندوق تقوده النساء فهو "فانغارد هيلث كير"، الذي بلغ حجم أصوله 49 مليار دولار في 31 ديسمبر الماضي، وتديره جين هاينز، التي تعمل في شركة "ويلنغتون مانجمنت"، وهي شركة لإدارة أصول، يقع مقرَها في بوسطن، وتشرف على أكثر من تريليون دولار.

تمَّ تعيين هاينز في وظيفة مساعد إداري في "ويلنغتون" عقب إنهائها دراستها عام 1991. بعدها صعدت هاينز السلم الوظيفي، من خلال تعيينها في وظائف بأقسام الأبحاث، وإدارة المحافظ الاستثمارية على مدار أكثر من ثلاثة عقود، وتولت منصب الرئيس التنفيذي للشركة في الأول من يوليو 2020.

ترى هاينز أنَّ الأمور تتحسَّن بشكل مطَّرد. وقالت: "خلال السنوات العشرين الأولى من فترة عملي، كنت أحضر اجتماعات معظم المشاركين فيها من الرجال، فقد كانوا يسيطرون على كلِّ الأقسام من إدارة الشركة إلى التحليلات المرتبطة بالبيع، والأخرى المرتبطة بالشراء"، ولكن "بدأ هذا يتغير منذ حوالي 15 عاماً فقط، عندما رأينا المزيد من النساء في المناصب البحثية. لذلك أتوقَّع رؤية المزيد منهن في إدارة المحافظ الاستثمارية مستقبلاً، حتى لو لم تُظهر البيانات هذا التغير في عدد النساء بعد".

مجازفة الحامل

وتنسب "هاينز" الفضل في توجيهها إلى إدوارد أوينز، مدير صندوق الرعاية الصحية المخضرم في شركة "ويلنغتون"، الذي عملت معه لمدة 20 عاماً.

منذ اليوم الأول، كانت "هاينز" قادرة على العمل في أبحاث الاستثمار، وتعلم طرق تصميم النماذج المالية، وبعض المهارات الأخرى. وفي عام 1999 أتيحت لها الفرصة لإدارة محفظة الاستثمار في قطاع التكنولوجيا الحيوية، وكانت حاملاً بتوءم آنذاك.

وتقول "هاينز"، إنَّ المجازفة وهي حامل، وتبلغ من العمر 30 عاماً "كانت أمراً غير معتاد للغاية في ذلك الوقت"، فقد استطاعت تحقيق هذا التقدُّم، والانتقال من قسم الأبحاث إلى إدارة المحافظ الاستثمارية. وكانت تلك الترقية هي الأمر الذي تفتقده كل سيدة تعمل في القطاع.

فهم الطبيعة البشرية

قد تكون هناك أيضاً مشكلة تواجه النساء في بداية المسار الوظيفي، وهي وجود تصور واسع الانتشار بأنَّ إدارة الأصول تتطلَّب في الغالب وجود خلفية في مجال البيانات الكمية. ومن بين الملتحقين بالجامعات، من المرجح أن يحصل الرجال على درجات علمية في مجالات العلوم، أو هندسة التكنولوجيا، أو الرياضيات أكثر من النساء. ومع ذلك، فقد نجح كلٌّ من الرجال والنساء الحاصلين على شهادات في الآداب منذ فترة طويلة في مجال إدارة الأصول.

كما أنَّ المهارات الضرورية للتفوق في مجال إدارة الأصول لا تقتصر فقط على مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، بحسب تريسي تشين، مديرة محفظة استثمارية في شركة "براندواين غلوبال" لإدارة الاستثمار.

تحمل تشين ماجستير إدارة الأعمال من جامعة كارولينا الشمالية، بالإضافة إلى ماجستير في الدراسات الأمريكية من كلية الآداب. وتعتقد أنَّ "الاستثمار يمر بدورات مختلفة، ويحتاج إلى فهم الطبيعة البشرية". وترى تشين أنَّ "الصورة الجيوسياسية تكون دائماً معقَّدة للغاية، لذا فأنت بحاجة أيضاً إلى فهم قوي للتاريخ".

ختاماً، ولمساعدة المزيد من النساء على الترقي في مجال إدارة المحافظ الاستثمارية، تقول جين هانز مديرة صندوق "فانغارد هيلث كير"، إنَّ القطاع يحتاج إلى قدوات نسائية أكثر. ويجب أن يكون هناك جهد مدروس، ومخطط له جيداً لإدخال النساء للقطاع. وتضيف: "لقد حظيت بمسيرة مهنية ناجحة، بفضل عملي في شركة عظيمة، ومع مرشد رائع، لكن ذلك لم يتم عن عمد".