نمر من ورق.. كيف تحققت نبوءة "كيسنجر" بشأن الاتحاد الأوروبي؟

أعلام الاتحاد الأوروبي تتراقص أمام مقر البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت، ألمانيا.
أعلام الاتحاد الأوروبي تتراقص أمام مقر البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت، ألمانيا. المصدر: بلومبرغ.
Andreas Kluth
Andreas Kluth

Columnist at Bloomberg Opinion. Previously editor-in-chief of Handelsblatt Global; 20 years at The Economist. Author of "Hannibal and Me."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أحد أكثر الاقتباسات المدمرة عن الاتحاد الأوروبي هو السؤال البلاغي الذي يُزعم أن هنري كيسنجر طرحه خلال زيارته لأوروبا عندما كان وزيراً للخارجية الأمريكية: "بمن أتصل عندما أريد التحدث إلى أوروبا؟" وأشار إلى أن هناك العديد من الإجابات المحتملة على هذا السؤال مما يخل بمصداقية الكتلة. كم هو محرج أن الاتحاد الأوروبي استمر منذ ذلك الحين في إضافة المزيد من ممثليه.

وفقاً لإحدى الإحصائيات، يوجد لدى الاتحاد الأوروبي الآن 10 "رؤساء"، وربما 11، اعتماداً على كيفية تصنيف مؤسساته المختلفة. وهذا لا يشمل زعماء الدول الأعضاء الـ 27 - باستثناء أي منهم يتولى حاليا الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي.

إذا كانت بعثرة السلطة والإدارة هما منذ فترة طويلة أضحوكة دولية، فإن قلة من الأوروبيين يقرون أنهم يفهمونها. بدلاً من ذلك، يفضلون الاستمرار في التركيز على استخدام مواردهم الهائلة لجعل الوضع مضحكاً أكثر.

استدعاء أثينا

لنأخذ على سبيل المثال، مشروعاً عمره عام، فبعد تأخيرات طويلة، سيتم إطلاقه أخيراً اليوم 9 مايو: يطلق عليه اسم "مؤتمر مستقبل أوروبا"، إن هذه التسمية ماكرة لأنها تشترط أنه لدى الاتحاد الأوروبي مستقبل. وأبعد من ذلك، لا أحد لديه حالياً أدنى فكرة عما سيكون عليه هذا المؤتمر أو ما سيفعله.

سيكون هناك الكثير من المنصات والمؤتمرات والمنتديات، وبعضها يدعى بطريقة غير متواضعة (أغورا) لاستحضار أثينا القديمة. وسيكون الحدث في الغالب عبر الإنترنت، وكالعادة، سيتم ترجمتها إلى العديد من اللغات. ويهدف هذا الصخب إلى تقريب نوع من الديمقراطية التشاركية لما يقرب من 450 مليون مواطن في الاتحاد الأوروبي.

لكن على عكس "اتفاقية مستقبل أوروبا" (لاحظ الاختلاف؟)، تأسس الاتحاد الأوروبي قبل عقدين من الزمن في محاولة عبثية لاعتماد دستور أوروبي، فإن هذا المؤتمر لن يحاول في الواقع تغيير أي شيء. وذلك لأن الآلية الوحيدة للإصلاح - وهي تعديل معاهدات الاتحاد الأوروبي - تم استبعادها مسبقاً، حيث قيل إن إجراء تعديلات على هذه المعاهدات أمر فوضوي ومرهق للغاية.

وبمعنى جوهري أكثر، ربما يكون المؤتمر قد خدم غرضه بالفعل: لقد جاء برؤساء إضافيين. للحظة عابرة، كانت هناك اقتراحات بأنه يجب أن يقودها قائد أوروبي بارز - تم طرح أسماء رؤساء الوزراء السابقين. ثم عاد الجميع إلى ما كانوا عليه. أعقب ذلك شهور من الاقتتال الداخلي، وكما قال كيسنجر في اقتباس مشهور آخر، "كانت شريرة جداً لأن المخاطر صغيرة جداً".

انظروا إلى الحل: ستقود المؤتمر رئاسة مشتركة. وتضم أورسولا فون دير لاين من المفوضية الأوروبية، وهي الخدمة المدنية للكتلة؛ وديفيد ساسولي من البرلمان الأوروبي؛ ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي (البرتغال حالياً)، تلك الهيئة التي يتم تمثيل الدول الأعضاء فيها. وسيكون هناك أيضاً مجلس تنفيذي مع ثلاثة رؤساء مشاركين وأعيان آخرين.

متلازمة كيسنجر

تتبع (متلازمة كيسنجر) هذه الاتحاد الأوروبي أينما ذهب وتسبب إحراجاً لا نهاية له. كان الخلاف الأكبر في بروكسل الشهر الماضي هو خطأ في البروتوكول حدث أثناء زيارة رسمية للاتحاد الأوروبي إلى تركيا. عندما كان رئيسها، رجب طيب أردوغان، يستضيف فون دير لاين وتشارلز ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي. لكن انتبه! لا تخلط بين ذلك المجلس ومجلس الاتحاد الأوروبي المذكور – فميشيل ينتمي إلى التجمعات المنتظمة للزعماء الوطنيين السبعة والعشرين، وهي تقليد تم تطويره من كونه اجتماع متكرر إلى مؤسسة رسمية للأسف فقط في عام 2009.

ومن الأفضل مشاهدة ما حدث خلال هذه الزيارة على موقع "يوتيوب". أظهر الزعيم التركي لضيفيه الأوروبيين مكان غرفة الاجتماعات، حيث كان هناك كرسي شاغر بجانب كرسي أردوغان. أخذ هذا الكرسي ميشال، وسمع صوت فون دير لاين وهي تنطق "مم" وهي تقف دون كرسي. في النهاية وضعت نفسها على أريكة قريبة. وتعرف هذه الحادثة الآن باسم. (#sofagate)

الجميع يشعر بالاشمئزاز حيال ذلك. يجادل بعض الأشخاص في أنقرة وبروكسل بأن البروتوكول اعتبر ميشيل مشابهاً للرئيس، بينما اعتبرت فون دير لاين كرئيس وزراء، الأمر الذي حدد طريقة ترتيب المقاعد المحرجة هذه. ردت فون دير لاين وآخرون بالقول إنه لا يوجد مثل هذا التسلسل الهرمي في وثائق الاتحاد الأوروبي وأن الأمر برمته كان متحيزاً ضد المرأة. ربما، لكن المشكلة الأساسية هي سؤال كيسنجر: من الذي يجب أن يحصل على الكرسي بالفعل؟.

مستقبل الاتحاد

إن هذه البعثرة الأوروبية للإدارة والهوس بسريان الإجراءات عوضاً عن الجوهر يكلف تكاليف باهظة، لكنها مستترة. أقلها، أن الاتحاد الأوروبي غير قادر على إجراء إصلاح ذي مغزى. وفي حالات الطوارئ الحادة - مثل اليورو أو أزمات اللاجئين، أو الوباء - يتدافع القادة الوطنيون وبروكسل للارتجال، لكنهم في الواقع لا يصلحون المشاكل ويفقدون الاهتمام بمجرد انحسار الأزمة.

ونتيجة لذلك، فإن الاتحاد المصرفي والتكامل المالي الذي كان من المفترض أن يحدث بعد توقف أزمة اليورو. ونظام الهجرة، الذي كان من المفترض أن يتم إصلاحه بعد أزمة اللاجئين، هما في طي النسيان. كان طرح لقاح الاتحاد الأوروبي عبارة عن فوضى، على الرغم من تحسن حملة التلقيح الآن.

إن سيادة القانون تتفكك من بولندا إلى المجر، ولا يستطيع الاتحاد الأوروبي إيقاف ذلك. في السياسة الخارجية والدفاعية، تظل الكتلة نمراً من ورق في عالم من النمور المفترسة مثل روسيا والصين.

منذ عام مضى، كنت قد أشرت إلى أن الاتحاد الأوروبي "يفقد أهميته بشكل تدريجي بحيث لا يكون التراجع هذا مرئياً دائماً"، لكن العين المدربة قد تحصل على لمحات خلال المؤتمر القادم. وقد يفترض شخص ساخر أن هذا الحدث لا يتعلق حقاً بمستقبل أوروبا على الإطلاق.

ويصادف أن المتحدث الافتتاحي خلال حفل الافتتاح غدا الأحد سيكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. كما سيتولى الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي العام المقبل، عندما يحين موعد اختتام المؤتمر. وسيكون ذلك في منتصف حملته الانتخابية لإعادة انتخابه. وإذا كان كيسنجر أو غيره في حاجة ماسة للحصول على رقم هاتف، فلربما يجب أن يجربوا باريس.