بتعهدها المناخي الجديد.. ألمانيا تتصدر السباق العالمي نحو الحياد الكربوني

ألمانيا تعلن عن تعهد بيئي جديد يضعها في مقدمة الدول ذات الريادة المناخية
ألمانيا تعلن عن تعهد بيئي جديد يضعها في مقدمة الدول ذات الريادة المناخية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

صدمت ألمانيا حركة المناخ العالمية بعدما أعلن الائتلاف الحاكم بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل، عن استهدافه القضاء على انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2045. وذلك يسبق الهدف الأساسي لألمانيا بخمس سنوات. فيما يعد أقصر جدول زمني بين الاقتصادات الكبرى.

وفي هذا الإطار، يعمل صانعو السياسة على تشريع قانون مناخي جديد من شأنه أن يرتقي بأهداف التخفيض الألمانية قصيرة المدى لتتفوق على أقرانها في الاتحاد الأوروبي.

في المقدمة

يبرز القرار الألماني الجريء حتى في الوقت الذي يقدم فيه بعض أكبر الملوثين وعوداً ضخمة. فقد فاجأت الصين العالم في سبتمبر بتعهد عام 2060، بينما تسعى الولايات المتحدة لخفض انبعاثاتها إلى النصف بحلول عام 2030. حتى أن الهند تتعرض لضغوط لوضع هدف لتحقيق صافي انبعاثات صفرية. ومن ثم، يضع الهدف المناخي الجديد ألمانيا في مقدمة كل هذه الدول، كما يمكن أن يمهد الطريق للآخرين لتعزيز طموحاتهم.

ويقول ريتشارد بلاك، كبير المساعدين في "وحدة استخبارات الطاقة والمناخ": "سيساعد هذا بالتأكيد الدول الأوروبية الأخرى، وبعض الدول خارج أوروبا، على التحرك بشكل أسرع نحو تحقيق صافي انبعاثات صفرية. إذا كانت ألمانيا تفعل ذلك، فهي ستكون بمثابة المؤشر إلى الدول الأخرى بإمكانية تحقيق ذلك".

ويعد الوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2045 مهمة ضخمة، إذ سيتعين على ألمانيا خفض الانبعاثات، ليس فقط من قطاع الكهرباء الذي يستفيد من مصادر الطاقة المتجددة والبطاريات الأرخص، ولكن أيضاً من مصانع الصلب والاسمنت، التي لا بدائل اقتصادية نظيفة لها حتى الآن.

التخلص من الفحم

وفقاً لتقرير نشره مركز أبحاث "أغورا إنرجيفيند" الشهر الماضي، فإن الهدف ممكن تحقيقه. ولفعل ذلك، سيتعين على ألمانيا مضاعفة وتيرة خفض الانبعاثات إلى 30 مليون طن سنوياً على مدار الـ 25 عاماً القادمة، حيث سيتم ذلك، إلى حد كبير، من خلال تعزيز إمدادات الطاقة المتجددة حتى مع إغلاق محطات الفحم والغاز والمحطات النووية.

وبذلك، سيتعين على ألمانيا التخلص تدريجياً من توليد الطاقة بالفحم بحلول عام 2030، أي في وقت أقرب من الهدف الحالي لعام 2038. ومن الممكن معالجة الانبعاثات الصناعية بإدخال طرق أنظف لصناعة الصلب وتعزيز استخدام الهيدروجين الأخضر. وسيتطلب الأمر خفض بصمة المنازل والمكاتب الكربونية من خلال نشر 6 ملايين مضخة حرارية وتنمية شبكات تدفئة المناطق.

موطن السيارات

من جهة أخرى، يتمثل أحد التحديات الرئيسية في معالجة التلوث الناجم عن صناعة السيارات التي تهيمن عليها ألمانيا. وكانت دراسة أجرتها مؤسسة "أغورا إنرجيفيند" أظهرت أن ألمانيا ستحتاج إلى نشر 14 مليون سيارة كهربائية على الطريق بحلول نهاية العقد، مقارنة بـ 10 ملايين سيارة تستهدفها حالياً.

وكان لوبي صناعة السيارات المؤثر في ألمانيا قد عارض في الماضي، الجهود المبذولة لخفض التلوث ورفض الدعوات إلى استشراف مستقبل تسوده السيارات الكهربائية فقط. ولكن مع خطط عمالقة مثل "فولكس واجن" و"دايملر" التي تتجه الآن لتزويد أساطيلها بالكهرباء بسرعة، ربما يصبح من الممكن فرض حظر لم يكن من الممكن تصوره في البلاد، على السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي.

التمويل

للمساعدة في تمويل التحول، اقترح وزير الاقتصاد، بيتر ألتماير، إنشاء صندوق خاص يكون قادراً على تحمل الديون دون ظهورها في حسابات الحكومة الفيدرالية وخرق القيود الدستورية على الاقتراض.

كما سيساعد ارتفاع أسعار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في أوروبا أيضاً، حيث تجاوزت العقود الآجلة لسوق الكربون في الاتحاد الأوروبي 50 يورو (60 دولاراً) للطن للمرة الأولى في وقت سابق من هذا الشهر. وقال بلاك: "سيكون من مصلحة ألمانيا الآن الإبقاء على سعر الكربون مرتفعاً بدرجة كافية".

وكانت عدة عوامل أدت إلى إعلان الهدف المناخي بتحقيق صافي انبعاثات صفرية عام 2045. من بينها صدور حكم غير مسبوق عن أعلى محكمة في ألمانيا مؤخراً، والذي قضى بأن قانون المناخ الحالي يعرض مستقبل الشباب للخطر من خلال ترك معظم تخفيضات الانبعاثات إلى ما بعد عام 2030. كما تقدم حزب الخضر في استطلاعات الرأي قبل انتخابات سبتمبر، إذ يركز الناخبون على تغير المناخ كقضية رئيسية، مما يضغط على تحالف ميركل لصقل أوراق اعتماده الخضراء.

حثّ العالم على فعل المزيد

وأضاف بريك ميداك، رئيس مكتب برلين في مركز الأبحاث الأوروبي "إي ثري جي": "نشهد نوعاً من السباق نحو تحقيق الحياد الكربوني، حيث تتفوق إعلانات الأطراف على بعضها البعض". وفي غضون ذلك، قال ميداك، إن قرار المحكمة قد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات قانونية مماثلة في أماكن أخرى: "المحكمة العليا الألمانية مؤثرة للغاية. وسيكون لهذا الحكم تأثير كبير على المناقشات المماثلة في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى".

من جانبها، ردت الحكومة بسرعة على حكم المحكمة، حيث يناقش صناع السياسة بالفعل قانون المناخ الجديد، والذي من المتوقع أن تتم الموافقة عليه من قبل حكومة ميركل الأسبوع المقبل. ومن شأن الهدف الألماني المعدل أن يخفض الانبعاثات بنسبة 65% مقارنة بمستويات عام 1990 بحلول عام 2030، ارتفاعاً من الهدف السابق البالغ 55%، ما سيضعها في المرتبة الثانية بعد المملكة المتحدة، التي تريد تقليل التلوث بنسبة 68% خلال نفس الفترة.

وبحسب تحليل أجرته منظمة "تعقب العمل المناخي" غير الربحية، صدر قبل الإعلان الألماني، فإنه حتى مع التزام ألمانيا الجديد سيتعين على قادة العالم فعل المزيد. حيث تضع تعهدات المناخ الوطنية الحالية العالم على المسار الصحيح لإبقاء الاحترار عند 2.4 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

وهذا لا يرقى إلى هدف اتفاقية باريس بواقع درجتين مئويتين فقط، كما يظل بعيداً عن طموح إبقاء الاحترار عند 1.5 درجة مئوية.

وبغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الألمانية، فإنه من المقرر أن يزداد عدد القادة أصحاب التفويضات المناخية في اجتماعات مجموعة الدول الصناعية السبع ومجموعة العشرين في وقت لاحق من هذا العام، في خطوة من شأنها أن ترفع مستوى محادثات المناخ العالمية في نوفمبر.

وأضاف بلاك: "ستكثف ألمانيا والمملكة المتحدة، إلى جانب الولايات المتحدة التي استعادت نشاطها، الضغط على الدول التي لم تكشف النقاب عن جميع التفاصيل المتعلقة بكيفية التخطيط لتحقيق أهداف صافي انبعاثات صفرية مثل اليابان". بل إن الضغط قد يدفع دول أخرى مثل أستراليا والمملكة العربية السعودية إلى فعل المزيد.

ويذكر أن ألمانيا قادت المسيرة في الماضي حين ساعدت الاستثمارات الألمانية في الطاقة الشمسية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على جعل مصدر الطاقة المتجددة أرخص في جميع أنحاء العالم. وفي العام الماضي، كشفت الحكومة النقاب عن الحافز الأكثر خضرة في العالم لإنعاش الاقتصاد المتضرر من الوباء، فضلاً عن وضعها خطة لإنفاق 130 مليار يورو (156 مليار دولار) إلى حد كبير على التقنيات الخضراء والصناعات الصديقة للمناخ.

وتابع بلاك: "إن استثمار ألمانيا في التقنيات من شأنه أن يجعلها أرخص ومتاحة بشكل أيسر في الدول الأخرى".