طفرة المعادن تُثقل كاهل أسعار السيارات الجديدة

سيارات معروضة للبيع لدى وكيل "فورد" في كولما، كاليفورنيا، الولايات المتحدة
سيارات معروضة للبيع لدى وكيل "فورد" في كولما، كاليفورنيا، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عادت مبيعات السيارات مجدداً إلى سكة الازدهار بفضل انعكاسات جائحة كورونا، لكنها تصبح أكثر غلاءً بسبب ارتفاع أسعار السلع.

فقد وصلت العديد من المكونات الأساسية لصناعة السيارات، مثل النحاس والصلب والألمنيوم، إلى مستويات قياسية أو تقترب منها خلال عام 2021، إذ لا يواكب العرض المتأخر الطلب المدفوع بالمحفزات الحكومية. وقفز مؤشر بلومبرغ للسلع الفورية إلى أعلى مستوياته منذ عام 2011، مع ارتفاع المعادن بنسبة 21% حتى الآن للعام الحالي.

إذا تحول هذا الارتفاع إلى دورة صعود فائقة، فإن ارتفاع أسعار السيارات قد يكون نذيرا بانتشار التضخم في كافة المجالات، ويُقدّر المحللون في "جى بي مورغان" أن أسعار المواد الخام المستخدمة في صناعة السيارات ارتفعت بنسبة 83% في العام المنتهي في مارس. وكتب محللو البنك أن هذه القطع تشكل عادةً حوالي 10% من تكلفة بناء سيارة، ما يعني أن السيارة التي يبلغ سعرها 40 ألف دولار ينبغي أن تزيد بنسبة 8.3% لتعويض ارتفاع المعادن.

رياح معاكسة

يؤكد جيم فارلي، المدير التنفيذي لشركة "فورد": "نحن بالتأكيد نشعر بالرياح المعاكسة الناتجة عن ارتفاع أسعار السلع. ونرى التضخم في أجزاء متعددة من صناعتنا بطريقة لم نشهدها نوعا ما منذ سنوات عديدة".

تكافح شركات صناعة السيارات عادة لتمرير التكاليف المرتفعة، لكن الطلب ينتعش مع إعادة فتح الاقتصادات الرئيسية ومواصلة العديد من المستهلكين تجنب المواصلات العامة، كما يعيق أيضاً نقص أشباه الموصلات عالمياً الإنتاج، ما يتسبب في انخفاض المخزون ويرفع أسعار المركبات.

على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، يُعدُّ معروض السيارات محدوداً للغاية، لدرجة أن شركات التأجير تلجأ إلى شراء السيارات المستعملة من المزادات بدلاً من شراء سيارات جديدة.

يُعدُّ المساهم الرئيسي في ارتفاع تكاليف السلع الأساسية التي تصيب صناعة السيارات هو الصلب اللازم للشاسيه والمحركات والعجلات، وحطم الارتفاع الأخير للمعادن الأرقام القياسية بعد أن اتخذت الصين - أكبر منتج حالياً - إجراءات لكبح الإنتاج.

السيارات الكهربائية

إلى ذلك، يزيد الصعود الحاد في أسعار النحاس تكاليف السيارات الكهربائية، في الوقت الذي يتحول فيه القطاع نحو الطاقة النظيفة للامتثال لمعايير الانبعاثات الكربونية الأكثر صرامة. وتستخدم المركبات الكهربائية ما يقرب من 3 أضعاف ونصف كمية النحاس مقارنة بتلك التي تعمل بالبترول بسبب الكمية الأكبر من الأسلاك الداخلية، وفقاً لشركة الاستشارات "وود ماكنزي" (Wood Mackenzie Ltd).

قد تضر زيادات الأسعار تلك شركاتٍ مثل "تسلا"، و"فولكس واجن" اللتين تحاولان جعل المركبات الكهربائية تنافسية من حيث السعر مقارنة بالسيارات التقليدية. لكنها، في المقابل، قد تشجع مُصنّعي السيارات على استكشاف تركيبات كيميائية بديلة لبطارياتهم الكهربائية، حيث تستخدم غالبية خلايا البطاريات حالياً مزيجاً من الليثيوم والكوبالت والنيكل، والذين قفزوا بنسبة 47% على الأقل في الأشهر الـ12 الماضية.

"فورد" و"بي إم دبليو" كانت من بين الشركات التي استثمرت 130 مليون دولار الشهر الحالي في شركة البطاريات الناشئة "سوليد باور" (Solid Power Inc)، التي تعمل على خلايا قد تنهي الحاجة إلى تلك المعادن، ما سيؤدي إلى انخفاض قدره 10 أضعاف في تكاليف حزمة الطاقة للمركبات الكهربائية.

توزيع المخاطر

يُشير كاسبر راولز، مدير الأسعار وتقييمات البيانات في "بنشمارك مينيرال انتليجنس" (Benchmark Mineral Intelligence) إلى أن "شركات السيارات تتطلّع إلى توزيع المخاطر المتعلقة بأسعار المعادن، إذ لا يوجد تحوط من تقلبات أسعار الليثيوم أو الكوبالت".

بالنسبة لشركة "بي إم دبليو" تحديداً، يُتوقع أن يبلغ التأثير السلبي لارتفاع أسعار السلع المعدنية عليها حوالي مليار يورو (1.2 مليار دولار) العام الحالي، حسبما أفاد نيكولاس بيتر، المدير المالي، يوم الجمعة خلال مكالمة مع المستثمرين حول أرباح الشركة. مُضيفاً أن الروديوم والصلب والبلاديوم هي مصادر القلق بشكل خاص للأشهر المقبلة بالنسبة لشركة صناعة السيارات الفارهة.

أمّا على المدى الأطول، فتعمل "بي إم دبليو" لتكون أقل عرضة لأزمات أسعار المواد الخام الرئيسية. فاعتباراً من 2025، تخطط الشركة لإنتاج مركبات بتصميم جديد يتيح إعادة تدوير مواد مثل الصلب والألمنيوم والبلاستيك لصناعة سيارات جديدة. حيث يؤكد أوليفر زيبس، الرئيس التنفيذي لـ"بي إم دبليو" على "السعي لإبرام شراكات لتحسين التكنولوجيات الضرورية لهذا الغرض".

من جهتها، ترى شركة "ستيلانتس إن في" (Stellantis NV) - التي تشكلت عبر دمج "فيات كرايسلر" و"بي إس إيه غروب" - ومُصنّعة سيارات "جيب"، أنها اضطرت لتعويض ارتفاع بعض التكاليف الناتجة عن زيادة أسعار المُكوّنات المعدنية، وأوضاع السوق داعمة لذلك حتى الأن".

هذا التوجّه، يؤكده المحللون في "مورغان ستانلي" في مذكرة، باعتبارهم أنه "من الصعب تخيل بيئة أفضل يمكن من خلالها تمرير صدمات المعروض وتضخم الأسعار إلى لمستهلكين الذين يصطفون لاستلام سياراتهم الجديدة.. فالسوق حاليا تحابي البائعين".