نجم البحر المولّد في المختبر... وسيلة العلماء الأحدث لإعادة تأهيل المحيطات

بعد أن قضى مرض غامض على 91% من تعداد نجم عباد الشمس البحري يسعى العلماء لإعادته إلى المحيطات بعد توليده بالمختبرات
بعد أن قضى مرض غامض على 91% من تعداد نجم عباد الشمس البحري يسعى العلماء لإعادته إلى المحيطات بعد توليده بالمختبرات المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

داخل مختبر على جزيرة قبالة سواحل ولاية واشنطن في الولايات المتحدة، يعمل العلماء على إعادة حيوان مفترس إلى المحيطات، والذي كان قد اختفى بشكل مفاجئ منها، قبل سبع سنوات، إثر موجة حرّ بحرية ناجمة عن التغير المناخي.

وكان مرض تفاقم بفعل احترار المحيط قد قضى على حوالي 5.75 مليار نجم عباد شمس بحري بين عاميّ 2013 و2017، أي ما يوازي 91% من هذه الكائنات التي امتدّ تواجدها من المكسيك إلى ألاسكا.

نجم عبّاد الشمس البحري

وقد أُطلقت مبادرة لاستيلاد نجم عباد الشمس في المختبرات للمرّة الأولى. ما قد يشكل الفرصة الأخيرة لإعادة إحياء هذه الكائنات، وإعادة غابات أعشاب البحر معها، وهي التي تساعد على عزل ثاني أكسيد الكربون، والتي كانت قد تدمرت بفعل التغير المناخي.

يذكر أن نجم عباد الشمس هو حيوان لا فقاري (ليس لديه عمود فقري)، لا يتعدى عرضه المتر، ويتنقل بسرعة كبيرة مستخدماً 15 ألف قدم أنبوبية، ولديه 24 ذراعاً متعددة الألوان.

ويقتات هذا الحيوان على قنافذ البحر الأرجوانية، وغيرها من الكائنات البحرية. ومع انقراض نجم عباد الشمس عملياً في كاليفورنيا، تكاثرت قنافذ البحر التي تقتات الطحالب، وأتت على غابات أعشاب بحرية هائلة على امتداد 200 ميل في الساحل الشمالي، حيث كان نجم عباد الشمس في الماضي الحيوان المفترس الرئيسي لقنافذ البحر.

وجاءت تبعات اختفائه كارثية على المئات من الكائنات البحرية الأخرى، بينها الصفليح، المعروف أيضاً باسم أذن البحر، ذو القيمة التجارية، والذي يعتمد على الطحالب.

كما تراجع غطاء الأعشاب البحرية بأكثر من 95% منذ عام 2014، ما ألحق ضرراً بالغاً بالمجتمعات المحلية التي تعتمد على الصيد.

الحفاظ على الأجناس

قد يستغرق إعادة توطين نجمات عباد الشمس المستولدة بالأسر سنوات طويلة. إلا أن العمل الذي يتم القيام به في مختبرات "فرايداي هاربور" التابعة لجامعة واشنطن في جزيرة سان خوان من أجل إعادة إحياء جنس شبه منقرض، يؤشر إلى توجه جديد في استراتيجية المحافظة على الأجناس. وهي أشبه بنهج فيلم"جوراسك بارك" لمواجهة التغير المناخي.

وقالت عالمة البيئة البحرية، درو هارفيل، البروفيسورة الفخرية في جامعة كورنيل والباحثة المقيمة في مختبرات "فرايداي هاربور"، التي تدرس العلاقة بين الأمراض الناشئة في المحيطات والتغير المناخي: "أخشى أن الأمر وصل إلى هنا".

وتابعت: "أعتقد أن هذا سيصبح جزءاً من الأدوات التي نستخدمها من أجل التعامل مع بعض الأضرار غير المتوقعة الناجمة عن التغير المناخي".

من جهتها، ترى "لورا روجيرز بينيت"، وهي عالمة بحار في جامعة كاليفورنيا، وتعمل في إدارة الأسماك والحياة البرية في كاليفورنيا، أن وقع التغير المناخي على غابات الأعشاب البحرية كبير جداً، وبالتالي ليس أمامنا خيارات كثيرة إلا القيام بمثل هذه المحاولات الصعبة من أجل إعادة بناء الأنظمة البيئية الحساسة.

وقالت "روجيرز بينيت"، التي كانت وثّقت في بحوثها دمار الغابات العشبية البحرية: "لا أعتقد أن أمامنا أي خيارات أخرى، هذه الكائنات ليست قادرة على التعافي وحدها، لذا علينا القيام بعمل ما".

توازن النظام البيئي

ويهدد ارتفاع درجة حرارة المحيطات، والقضاء على جنس واحد، في التسبب بانهيار النظام البيئي القائم على توازن حساس.

وقد شبّه "جيسون هودين"، العالم الخبير في مختبرات "فرايداي هاربور" الذي يدير برنامج استيلاد نجم عباد الشمس الأمر بلعبة "جينغا"، التي إذا أزلت أحد القطع منها تنهار كليّا. وقال: "نحن نزيل عناصر أساسية من السلسلة الغذائية بسبب الصيد المفرط والتغير المناخي وغيرها من التعديات البيئية. إذا لم تمعن النظر جيداً، قد يبدو النظام البيئي متيناً، ولكن أي تعدّ إضافي قد يؤدي إلى انهيار الهيكل بكامله".

لطالما تسبب البشر باختلال هذا التوازن مع غابات الأعشاب البحرية في شمال كاليفورنيا. فأولاً، أزلنا ثعالب البحر التي تقتات قنفذ البحر البنفسجي، بعد أن تم اصطيادها حتى انقرضت في القرن التاسع عشر.

وقد أدى الصيد المفرط والتلوث في القرن العشرين إلى تدهور إضافي لغابات الأعشاب البحرية. وكانت موجات الحرّ الدورية قد أدت إلى تقلص الغطاء العشبي البحري من وقت لآخر، ولكن الحيوانات المفترسة مثل نجم عباد الشمس قد حافظت على عدد محدد من قنفذ البحر البنفسجي، بالتالي حين كانت تبرد المياه، كانت أعشاب البحر تعود لتنمو مجدداً.

ثمّ بين عاميّ 2013 و2016، أزلنا عدة عناصر من السلسلة الغذائية. وأتت موجة الحر البحرية غير المسبوقة وحرمت أعشاب البحر من المغذيات، وفاقمت المرض الذي قضى على نجم عباد الشمس.

تقدم مُشجِع

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هل يستطيع نجم عباد الشمس الذي يتم استيلاده في الأسر أن يعود إلى النظام البيئي البحري ويساعد على إعادة بناء غابات الأعشاب البحرية؟

حتى الآن، يبدو التقدم الذي تم تحقيقه مشجعاً. ففي مبنى صغير مطلّ على بحر ساليش، مليء بمستوعبات من اليرقات وأجهزة تنقية المياه ومستوعبات الغذاء لنجم البحر، عرض هودين، نتاج عامين من العمل على استيلاد هذه الحيوانات.

فبعد عامين على تفشي المرض الذي قضى على نجم البحر في عام 2013، أجرى مسؤولو الحياة البرية في كاليفورنيا بحوثاً واسعة النطاق، وتمكنوا أخيراً من العثور عن نجم عباد شمس واحد بين السواحل الوسطى والشمالية لولاية كاليفورنيا، ولم تتم مشاهدة أي نجم آخر منذ عام 2016، بحسب التقييم الذي دفع الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة في ديسمبر الماضي لاعتبار هذا الجنس مهدد بالانقراض.

وكان المرض الذي أصاب حوالي 20 نوعاً من نجم البحر قد أدى إلى مشاهد مرعبة، مع تفشي الآفات على جسم الحيوان الذي بدأ في التحلل، تتساقط أذرعته، مخلفاً كومة من الأطراف.

خطر الانقراض

وفي إطار العمل على استراتيجيات لإعادة ترميم غابات أعشاب البحر، عرض اتحاد حفظ البيئة على "هودين"، وهو خبير باليرقات البحرية، تمويل مشروع بحثي لتبيان ما إذا بالإمكان تربية نجم عباد الشمس في الأسر.

وافق "هودين" على إنشاء برنامج الاستيلاد، واكتشف لاحقاً بعد أن توجه فريقه في مارس 2019 لجمع عدد من نجمات عباد الشمس إلى أي حدّ أصبح هذا الحيوان اللافقاري نادراً. وقال: "في السابق، كان يكفي أن نتوجه إلى رصيف الميناء في ثلاثة أيام من المدّ المنخفض لنجمع 15 نجماً بدون أن نبتلّ حتى"، ولكن هذه المرة استغرق إيجاد 30 نجماً بحرياً من هذا النوع ستة أشهر.

وتعيش نجمات عباد الشمس المتلونة بألوان قوس قزح من برتقالي ووردي وبنفسجي في أحواض على طول خلفية مبنى المختبر.

وقد وضعت المساعدة في المختبر، فلور أنتو، محاراً تم جمعه من أرجاء الجزيرة على أذرع نجمتي بحر أطلق عليهما تسمية "ديب بلو" و"هاميلتون"، وما لبث أن افترست النجمتين المحار بسرعة.

التكاثر في المختبر

وكان فريق "هودين" حاول في البداية تحفيز نجمات البحر على التفريخ من خلال حقن هرمونات في غددها التناسلية.

وفيما اكتسب الذكور القدرة على المساهمة في عملية التكاثر، فشلت الإناث في ذلك، ما اضطر العلماء للجوء إلى تلقيح صناعي.

إذ تحتوي كلّ ذراع لدى نجم البحر على أعضاء تناسلية، لذا قطع العلماء أحد الأطراف وأزالوا البيوض ووضعوها في طبق. وعند إضافة الهرمون، نضجت البيوض، وتم بعدها حقنها بالحيوانات المنوية المأخوذة من الذكور (قد يبدو هذا العمل وحشياً، إلا أن لدى نجمات البحر قدرة مستمرة على تنمية الأذرع).

وهكذا، سرعان ما أصبح لدى المختبر الآلاف من يرقات نجم البحر. وعلى الرغم من أن العلماء في "فرايداي هاربور "هم رواد في تربية اليرقات البحرية، إلا أنهم لم يتعاملوا مع نجم عباد الشمس من قبل.

وقال "هودين": "لم نكن نعرف ما الذي تأكله الصغار، ولا الظروف التي تحتاجها لكي تنمو".

وقد اكتشفوا لاحقاً أن نجمات عباد الشمس المولودة حديثاً ذات الحجم الكبير تأكل الأصغر منها حجماً.

وأشار "هودين" إلى طاولة وضعت عليها الخزانات التي تحتوي نجمات البحر الأكبر سناً. وقال: "فصلنا بينها حسب الحجم لأنها كانت تأكل بعضها البعض".

العودة إلى المحيط

ومن أصل 50 نجم بحر تم استيلادها، 13 فقط أكملت عامها الأول، ولربما تأثرت هذه النسبة بجائحة كورونا حيث منع الإغلاق الباحثين من الوصول إلى المختبر.

وقد بدا نجم عباد شمس صغير لونه مائل للأصفر حجمه نحو إنشين يتشبث بجانب أحد المستوعبات واضعاً أصداف محار تحت أذرعه.

ولا يزال من غير المعروف متى تتحول اليرقة في الطبيعة إلى نجم بحر صغير يستقر على أرض المحيط إلى أن يكتمل نموّه؟. ولكن في المختبر، لوحظ أن هذا التحوّل يحصل خلال 50 يوماً.

وتعيش المجموعة الأحدث التي تضمّ 100 نجم بحر في صفوف من الأحواض الزجاجية. وعند النظر إليها بالعين المجردة، قد تبدو مجرد نقاط برتقالية، ولكن حين ننظر إليها تحت المجهر، يمكن أن نرى الأذرع والأقدام الأنبوبية.

وتم تصميم مشروع استيلاد نجم عباد الشمس من أجل إثبات نجاح الاستيلاد في المتخبر وبهدف تطوير تقنيات تساعد في تربية اليرقات.

ومع إتمام جزء كبير من هذه المهمة، يبدو "هودين" متفائلاً حيال تربية الآلاف من نجمات بحر عباد الشمس وإدخالها مجدداً إلى المناطق التي انتشرت فيها قنافذ البحر البنفسجية.

وهنا، تُطرح العديد من الأسئلة حول إعادة إدخال نجم بحر عباد الشمس إلى النظام البيئي، ولكن لا توجد إجابات عليها بعد.

أسئلة كثيرة بلا إجابات

وقال وولتر هيدي، كبير العلماء في معهد حفظ الطبيعة في سانتا كروز في كاليفورنيا: "لا نعرف بعد ما هو الحجم والعمر المناسبين لإطلاق سراح هذه الحيوانات في الطبيعة".

وأضاف: "لا نعرف عدد نجمات البحر اللازمة من أجل الحفاظ على صحة النظام البيئي الخاص بغابات الأعشاب البحرية. هل يجب أن نضعها كلّ واحدة على حدة بيدنا أو نرميها بأعداد كبيرة في الماء؟".

كذلك، من غير المعروف متى تبلغ هذه الحيوانات عمر التكاثر، فيما يرجح العلماء أنها يمكن أن تعيش لما يصل إلى خمسين عاماً أو أكثر.

نظام بيئي جديد

وفي هذا الإطار، تناولت دراسة نشرت في دورية "نيتشور كونسيرفنسي" في مارس الماضي، فقدان غطاء الأعشاب البحرية في شمال كاليفورنيا، واكتشفت وجود "نظام بيئي ثابت مختلف عن السابق" تسيطر عليه قنافذ البحر البنفسجية، ويعتقد العلماء أن هذا النظام الجديد من الصعب أن يتغير.

بينما ترى ميريديث ماكفرسون، المعدّة الرئيسية للدراسة وطالبة الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا، أن التحدي الرئيسي يمكن فيما إذا كانت توجد ما يكفي من الفرائس ليتحمّل النظام البيئي إدخال حيوانات مفترسة مثل نجمات عباد الشمس.

فعلى الرغم من وجود الملايين من قنافذ البحر البنفسجية، إلا أن الكثير منها لا تملك أي قيمة غذائية تذكر. فبعد أن أتت على أعشاب البحر، هي تقبع اليوم بحالة سبات، شبه جائعة.

وقالت ماكفرسون: "سيكون من الصعب جداً لأي نوع من الحيوانات المفترسة أن يحصل على ما يكفي من المغذيات والسعرات الحرارية لأنه يكاد لا يتوفر أي طعام ما عدا قنافذ البحر التي تعاني أصلاً من الجوع"، وشددت على ضرورة أن تتم إعادة إدخال الحيوانات المفترسة "بشكل استراتيجي جداً".

ويقترح "هودين" استراتيجية تقوم على إدخال نجمات بحر صغيرة في العمر تم استيلادها بالأسر في المرحلة الأولى، بما أنها تأكل أي شيء.

إعادة ترميم غابات الأعشاب البحرية

وكانت إعادة ترميم غابات الأعشاب البحرية في جنوب كاليفورنيا قد منحت بعض الأمل للساحل الشمالي. فقد تمكنت مؤسسة "باي فاونديشن" في سانتا مونيكا من إعادة ترميم أكثر من 50 فداناً من غابات الأعشاب الضخمة منذ عام 2013 من خلال إزالة قنافذ البحر باليد.

ويقول العلماء، إن العائق الأكبر أمام إعادة توطين نجم عباد الشمس البحري في المحيط يتمثل في تحديد العامل المتسبب في المرض الذي أدى إلى القضاء على هذه الحيوانات وطريقة تفشيه. وإلى حين القيام بذلك، فإن نجم البحر المستولد في الأسر قد يكون عرضة للإصابة بالمرض نفسه عند إعادته للمحيط.

وأشارت البروفيسورة "هارفيل" إلى أن برنامج الاستيلاد في الأسر قد يكون أساسياً لحلّ هذا اللغز، بما أن مقارنة نجمات البحر التي تمت تربيتها في الأسر بالحيوانات المريضة في الطبيعة، قد يساعد على تحديد العامل الممرض وطريقة انتشاره.

وقالت البروفيسورة أخيراً: "لقد سبقنا الوباء ولم نتمكن من الحصول على حيوانات بصحة جيدة لنعمل عليها"، وأضافت: "يمكن لجيسون أن يستولد لنا صغار نجمات بحر بصحة جيدة، نعرف أنها لم يسبق أن تعرضت للمرض".