بعد واقعة "كولونيال" بأمريكا.. الحرب الإلكترونية هي الحظر النفطي الجديد!

قرصنة خط الأنابيب الأمريكي "كولونيال" أربكت تجارة الوقود في الولايات المتحدة
قرصنة خط الأنابيب الأمريكي "كولونيال" أربكت تجارة الوقود في الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
Liam Denning
Liam Denning

Liam Denning is a Bloomberg Opinion columnist covering energy, mining and commodities. He previously was editor of the Wall Street Journal's Heard on the Street column and wrote for the Financial Times' Lex column. He was also an investment banker.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أكثر فيلم رعب تقشعر له الأبدان رأيته على الإطلاق- الذي علق في ذاكرتي حقاً - هو فيلم منخفض الميزانية أنتجته في منتصف الثمانينيات هيئة الإذاعة البريطانية حول الحرب النووية، وحمل عنوان "خيوط"؛ إذ يشير العنوان إلى جميع الروابط الدقيقة التي يعتمد عليها المجتمع الحديث، بدءاً من خطوط الكهرباء، مروراً باحترام القانون، ووصولاً إلى الكلام العام، وقد انهارت هذه الروابط بعد حدوث ما لا يمكن تصوره.

المثير للاهتمام هو أنَّه بعد مرور ما يقرب من 40 عاماً، أصبح ترابطنا أكثر وضوحاً، إلا أنَّنا لسنا بحاجة إلى القنبلة النووية لنكتشف الشبكات الحيوية، فالمخترق الشهير الذي يبلغ وزنه 400 رطل، ويعمل على الحاسوب بعيداً في سريره هو بحدِّ ذاته صاروخ ما بعد الحداثة من الصواريخ البالستية العابرة للقارات.

إغلاق خط أنابيب "كولونيال"

وفي الواقع، فإنَّ إغلاق خط أنابيب كولونيال مؤخراً – وهو شريان نفطي رئيسي يربط ساحل الخليج بأسواق الساحل الشرقي – لا يعني بالطبع إعلان الحرب.

وشريطة أن يُحل الموقف بسرعة، يجب أن يكون الاضطراب في أسواق الطاقة في حدِّه الأدنى، كما حدث أثناء عمليات الإغلاق في عام 2016. وبالتأكيد، لم تصطف السيارات لتخزين البنزين في نيويورك يوم السبت.

ويتساءل المرء عما إذا كان العنوان الرئيسي: "أوبك+" تعلن عن حظر نفطي ضد الولايات المتحدة، بدلاً من "إغلاق خط أنابيب رئيسي بسبب هجوم إلكتروني" سيُثير المزيد من القلق.

وفي الواقع، ما زلنا نميل إلى التفكير في أمن الطاقة، ووفقاً لهذه المعادلة؛ يمكن مواجهة البعبع الذي يعيق إمدادات الوقود الأجنبي بشكل أفضل من خلال السعي إلى "الاستقلال" أو حتى "الهيمنة".

لكن لا توجد كمية من نفط بيرميان يمكنها أن تساعد السائقين في نيويورك في حال كان خط الأنابيب بينهم رهينة لبرامج الفدية.

أهمية شبكات الطاقة

وفي حين أنَّ هناك أسئلة أكثر من الإجابات في هذه المرحلة حول ما حدث لخطِّ أنابيب كولونيال، فهذه هي الملاحظة الأولى: إنَّ امتلاك مصدر الطاقة الخاص بك يوفِّر بعض الأمان، ولكن إذا توقَّف تفكيرك عند هذا الحد، فأنت عالق في السبعينيات. إذ لم تعكس أزمة الطاقة الأخيرة في ولاية تكساس نقصاً في الطاقة في حدِّ ذاتها، بل تعكس سلسلة من الأعطال المعقدة (وأحياناً المعززة ذاتياً) في شبكة المعدَّات التي توفِّرها.

حتى مع الاستفادة من زيادة إنتاج النفط والغاز المحلي، أصبحت أهمية - وضعف - شبكات الطاقة أكثر أهمية في القرن الحادي والعشرين.

وفي حال كان كل ما يهمنا هو التأكُّد من أنَّ كل جزيء أو إلكترون يأتي مع ملصق يحمل عبارة "صنع في الولايات المتحدة الأمريكية"، فإنَّنا سنحرق أكبر قدر ممكن من الفحم؛ إلا أنَّ الاقتصاد والتلوث، بما في ذلك ثاني أكسيد الكربون، يعيقان الطريق.

ماذا عن التكلفة؟

وعند الانتقال إلى نظام طاقة منخفض الكربون أو خالٍ من الكربون، فإنَّ القضية الأساسية هي التكلفة، إذ تأتي وفورات الوقود والمناخ بعد الاستثمار الأولي في المعدَّات الجديدة.

ومثلما اكتشف روَّاد شبكة الكهرباء الخاصة بنا منذ قرن مضى، فإنَّ أفضل طريقة لتقليل هذه التكلفة هي زيادة استخدام كل محطة طاقة وغيرها من المعدَّات من خلال ربطها مع أكبر عدد ممكن من العملاء.

وباختصار، لا يمكن أن يكون هناك انتقال للطاقة بدون شبكات أكثر كثافة وذكاء. وهذا لا يعني فقط المزيد من خطوط النقل عالية الجهد، وإنَّما أيضاً المزيد من المستجدات الحصرية مثل الشحن من مركبة إلى شبكة، مما يؤدي إلى تضخيم العائد على الاستثمار، إلا أنَّه يزيد أيضاً من تعرُّضنا للهجمات عبر الويب.

ضرورة الحماية من الهجمات الإلكترونية

في الحقيقة، قد توفِّر هذه الزاوية الأمنية وسيلة للرئيس "جو بايدن" لكسب بعض المشككين. وقد نتجادل حول ما يشكِّل بالضبط "البنية التحتية"، إلا أنَّ الحاجة إلى حماية كل ما نبنيه ضد الهجوم هو منطق سليم.

ويمكن أن توفِّر الحاجة إلى الاستثمار في حماية أنظمة خطوط الأنابيب، وشبكات الشحن على حدٍّ سواء ضد الهجمات الإلكترونية مجالاً للاتفاق.

من ناحية أخرى، هناك على الأقل احتمال كبير بأن يعزز أي انقطاع طويل الأمد في خط أنابيب كولونيال، وما يرتبط به من زيادات في أسعار المضخات، المواقف التي تركِّز على توسيع إمدادات الوقود الأحفوري من جانب، وأولئك الذين يدافعون عن مصادر الطاقة المتجددة - وخاصة الأصول الموزعة - من ناحية أخرى. وبصرف النظر عن أيِّ شيء آخر، فإنَّ البنية التحتية تثير الغضب.

وربما يكون الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يقمع هذا الدافع الطبيعي لإلقاء اللوم على الجانب الآخر من الممر، هو ظهور دليل موثوق على أنَّ دولة أجنبية كانت وراء الهجوم. وإذا كان الأمر كذلك، فإنَّه سيمثِّل تصعيداً كبيراً. لا سيَّما أنَّه يمكن للأمريكيين على ما يبدو أن يتعايشوا مع جهات فاعلة سيئة تعبث بأنظمتنا الانتخابية، ولكن الويل للعميل الأجنبي الذي يعقد عقدة في مضخة الغاز. كما يشبه الوضع إلى حدٍّ ما النموذج القديم للدمار المؤكَّد المتبادل الذي صوَّره فيلم "خيوط".

وتعرف كل قوة عظمى أنَّ هناك إمكانية لضرب شبكة طاقة الخصم أو بعض الشبكات الحيوية الأخرى، إلا أنَّ عواقب مثل هذا الهجوم - بدءاً من الإزعاج وصولاً إلى الوفيات الجماعية - تحافظ على هذه الرغبات تحت السيطرة.

وفي حال تجاوز أحد الفاعلين الحكوميين هذا الخط، فمن المرجح أن يكون ردُّ فعل الولايات المتحدة كبيراً، ويخاطر بمزيد من التصعيد عندما يصوغ الرئيس بالفعل سياساته المتعلِّقة بالبنية التحتية، والمناخ من جهة المنافسة بين القوى العظمى.

برمجيات "الفدية"

اعتباراً من الآن، يبدو أنَّ خط أنابيب كولونيال ضحية لهجوم من برمجيات الفدية. ولكن في حين يشير ذلك إلى وجود بعض المؤسسات الإجرامية الخاصة في العمل، فإنَّ الخطوط الفاصلة بين الجرائم الإلكترونية المحضة، والحرب الإلكترونية الصريحة غامضة جداً من ناحية مَن يقوم بالعمل، ولصالح مَن، وكيف تتمُّ مشاركة المعلومات؟، لا سيَّما أنَّ كوريا الشمالية مثال رئيسي.

وفي الوقت نفسه، فإنَّ أحدث تقييم للتهديد نُشر قبل شهر من مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، يحذِّر على وجه التحديد من أنَّ "روسيا تواصل استهداف البنية التحتية الحيوية" بقدراتها الإلكترونية، بما في ذلك "أنظمة التحكُّم الصناعية".

ختاماً، ما من شكٍّ في أنَّ أفضل سيناريو هو أن يكون بعض المحتالين عبر الإنترنت قد تجاوزوا حدودهم. وحتى مع ذلك، فإنَّ الآثار المترتبة على ما هو ممكن قد تولِّد الكثير من التداعيات.