"الاستثمار المؤثر".. طريق إنقاذ العالم المفروش بالأشواك

المصدر: ألامي/ بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتمتَّع شركة "كامبريان إينوفيشن" بمكانة مرموقة في وادي السيليكون وهوليوود، برغم عملها في مجال معالجة مياه الصرف الصحي غير الجذاب. تستخدم الشركة تقنية الميكروبات المشحونة كهربائياً للتخلص من النفايات، وإنتاج المياه النظيفة والطاقة. ومن بين عملائها مصنع "دومين شاندون" للشراب في نابا فالي بولاية كاليفورنيا. كما أنَّ أكبر مستثمر فيها هي المليارديرة "لورين باول جوبز"، أرملة الراحل ستيف جوبز، الشريك المؤسس لشركة "أبل".

قبل عامين، اشترت كامبريان شركة "باسوود" المنافسة، التي عيَّنت الممثل الأمريكي المعروف وودي هارلسون في منصب الشريك المؤسس، والممثل المشهور أيضاً إدوارد نورتون في منصب الرئيس الذي قال في ندوة بيئية عام 2011، إنَّ "الأفلام الآن تأتي في المرتبة الثانية بالنسبة لي.. ومعالجة مياة الصرف الصحي هي أساس عملي الآن".

يستخدم مفاعل مياه الصرف الصحي الخاص بشركة "باسوود" أيضاً الميكروبات لمعالجة المياه، أما عميل الشركة الأكثر أهمية، فهو مجموعة "دكتور بيبر سنابل".

الصراع على المال

يعتقد نورتون أنَّ اندماج "كامبريان"، و"باسوود" يبشر بتحقيق "تغيير حقيقي يعزز من صحة كوكب الأرض".

ربما يكون هذا صحيحاً، ولكن حتى يتحقق هذا الهدف على أرض الواقع، قد يتعرَّض هذا الاندماج لمجموعة مخاطر وسلبيات "الاستثمار المؤثر"، الذي يجمع بين الأهداف الاجتماعية والمالية.

على الرغم من كلِّ ما وعدت به شركة "كامبريان"، إلا أنَّ قطاع معالجة مياه الصرف الصحي لم يكن أبداً طريقاً لتحقيق أرباح سهلة. وخلال هذا العام، وجد مساهمو الشركة أنفسهم منقسمين بسبب شيء بغيض، وهو الصراع على المال.

ومنذ أن أطلقت مؤسسة "روكفلر" مصطلح "الاستثمار المؤثِّر" في عام 2007، تكاثر المشاركون في هذا النوع من الاستثمار لتبلغ قيمة الأصول التي يديرونها الآن 715 مليار دولار، يتركَّز معظمها في الشركات الخاصة، وفق تقديرات شبكة "غلوبال إمباكت إينفستنغ نتوورك" غير الربحية.

ووفقاً لكريستوفر غيكسي، أستاذ المالية في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، الذي يدرس مثل هذه الصفقات، تتعارض غالباً الأهداف المالية مع الأمنيات الاجتماعية التي تركِّز على بناء عالم أفضل، ويقول غيكسي:

إنَّه أمر صعب للغاية أن يكون التركيز بالكامل على الربح

في السياق نفسه، تعدُّ باول جوبز من بين أبرز ممارسي "الاستثمار المؤثر" في البلاد، إذ تركِّز مجموعتها "إيمرسون كوليكتيف" التي تعمل في عدة قطاعات في مجال الاستثمار، والعمل الخيري التعليمي، والهجرة، والمناخ، والصحة. كما أنَّها تمتلك مجلة أتلانتيك. ولدى مجموعة "إيمرسون" مهمة معلنة تتمثَّل في الحفاظ على إمدادات المياه الثمينة في العالم.

لكن مع ذلك، تقول "كامبريان"، إنَّها تجذب المستثمرين ليس على أساس أهداف التأثير الاجتماعي؛ بل من خلال التركيز على عائد الاستثمار الذي تحصل عليه من العملاء مقابل خدماتها.

"إيمرسون" وتضارب المصالح

في مشروع مياه الصرف الصحي النظيفة، وجدت مجموعة "إيمرسون" نفسها في خلاف مع اثنين من المستثمرين المؤثرين والمساهمين في شركة "كامبريان"، وهما: الملياردير "رافائيل ديل بينو كالفو سوتيلو"، رئيس مجلس إدارة شركة "فيروفيال" للإنشاءات في العاصمة الإسبانية مدريد، و"غاري بيرغستروم"، الرائد في مجال الاستثمار الدولي. وفي شهر يناير الماضي، رفعت شركة "ديل بينو" الاستثمارية، ومكتب عائلة "بيرغستروم" دعوى قضائية يطالبان فيها بالوصول إلى سجلات "كامبريان".

ادَّعى المستثمران أنَّ مجموعة "إيمرسون" تعاني من تضارب في المصالح، وذلك لأنَّ "إيمرسون هي أكبر مساهم في شركة "كامبريان"، وفي الوقت نفسه ذات حصة أغلبية في شركة "باسوود" التي يخططون للاستحواذ عليها.

في طلب مقدم إلى محكمة ديلاوير تشانسري، قال المستثمران إنَّ "إيمرسون" استخدمت نفوذها "لمتابعة صفقة تنقذ استثمارها الفاشل في باسوود على حساب حاملي الأسهم الآخرين في شركة كامبريان

تحديات الاستثمار

لكن على الجانب الآخر، وصفت شركة "كامبريان" الصفقة بأنَّها مفيدة لجميع المعنيين، لأنَّها "ضخت السيولة التي تشتد الحاجة إليها في الشركة"، وقالت إنَّ عملية الاستحواذ "فاقت بالفعل توقُّعات شركة كامبريان".

في شهر مارس الماضي، وافقت "كامبريان" على تسليم العديد من السجلات المتعلِّقة بالصفقة، وتمَّ إغلاق الدعوى التي تطالب بوصول المستثمرين للسجلات طواعية بعد أسبوعين. وخلال الأسبوع الماضي، قال محامو شركات "كامبريان"، و"إيمرسون"، و"ديل بينو"، و"بيرغستروم" الاستثمارية في بيان مشترك، إنَّهم "حلوا جميع الخلافات بينهم بطريقة ودية ومرضية لجميع الأطراف".

قد يعكس التوتر حول هذه الصفقة تحديات الاستثمار في هذا القطاع الجديد، إذ تكون المكاسب غير مؤكَّدة وطويلة الأجل. ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، راهن أصحاب رؤوس الأموال بشكل كبير على شركات معالجة مياه الصرف الصحي مثل "كامبريان"، و"باسوود". لكن بحلول عام 2013، كان معظم المستثمرين قد فقدوا اهتمامهم بها، كما تقول هولي ستور، المحللة في مجموعة "كلينتك" المتخصصة بالأبحاث والاستشارات.

قد يكون تجهيز مصنع بتقنية تنظيف ومعالجة المياه مكلفاً، ومن الصعب توحيد معاييره. نتيجة لذلك، يميل المستثمرون المتبقون في القطاع إلى أن يكونوا إما حكومات، أو شركات كبيرة، أو مستثمرين مؤثرين. وفي هذا الصدد تقول ستور: "مكاسب هذا القطاع تظهر بعد فترة طويلة جداً، وتكون بطيئة حقاً".

شكوك حول تقييم "باسوود"

في عام 2006، قام اثنان من المهندسين الذين تدرَّبوا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بتأسيس شركة "كامبريان"، التي يقع مقرّها في ضاحية بوسطن في ووترتاون، بولاية ماساتشوستس. وبالإضافة إلى التعاون مع مصنع "دومين شاندون"، استقطب نظام "إيكو فولت" (EcoVolt) التابع للشركة مصانع الجعة الأخرى مثل: "لاغونتاس"، و"تري هاوس"، و"بير ريبابليك". وينتج عن صناعة الشراب الكثير من مياه الصرف، ويمكن لتقنية شركة "كامبريان" أن تقلل من النفقات، والأثر البيئي في هذه الصناعة.

في نوفمبر من العام 2019، اجتمع مجلس إدارة "كامبريان" للتصويت على صفقة لشراء "باسوود"، وتوظيف المزيد من رأس المال في الشركة المندمجة من "إيمرسون" ومساهمين آخرين، ولكن "ديل بينو"، و"بيرغستروم" كانا غير مرتاحين للصفقة، وشككا في توقُّعات الإيرادات لشركة "باسوود"، والطريقة التي تمَّ بها حساب سعر الشراء، وفقاً لوثائق المحكمة التي قدَّمتها شركة الاستثمار التابعة لديل بينو، ومكتب عائلة بيرغستروم. ولا يكشف الملف المختصر بشدة عما دفعته "كامبريان"، لكنَّ شخصاً مطَّلعاً على الشؤون المالية للشركة قال، إنَّ مبلغ الصفقة كان أكثر من 10 ملايين دولار.

وقال المستثمران، إنَّ شركة "كامبريان" ضخت مبلغاً إضافياً في الصفقة "لسبب غير مفهوم ومتهور"، وذلك بسبب ارتباط شركة "باسوود" بـ"شخصيات هوليوودية"، ممن يمكن الاستفادة من أسمائها في عملية الاندماج.

وردَّاً على اتهامات ديل بينو، وبيرغستروم قالت شركة "كامبريان"، إنََّ الصفقة كانت عادلة، وتستند إلى تحليل اثنين من الاستشاريين المستقلين، وإنَّ مراجعات الاستشاريين تضمَّنت العديد من طرق التقييم، بما في ذلك طريقة حدَّدت للشركة سعراً أعلى مما تمَّ دفعه في النهاية بسبب مزايا "العلاقات التسويقية، ومجلس إدارة الشركة".

إزالة العقبات

تشير الدعوى القضائية التي قدَّمها ديل بينو وبيرغستروم أيضاً إلى الضغط الشديد الذي مارسته شركة "إيمرسون"لإتمام الصفقة. فقبل يوم من اجتماع مجلس الإدارة، التقى المستثمران في فندق "فور سيزونز" في بوسطن مع بيتر غروس، أحد كبار المستشارين في "إيمرسون"، الذي تمَّ تعيينه من قبل مجلس إدارتها. وقدَّم غروس إنذاراً نهائياً لديل بينو وبيرغستروم، كما جاء في أوراق المحكمة، وخيَّرهما إما أن يوافقا على الصفقة، أو أنَّ "إيمرسون" "ستسحب دعمها" لشركة كامبريان في المستقبل".

تقول شركة "كامبريان"، في ردِّها القانوني على الدعوى، إنَّ "إيمرسون" لم تكن ملزمة أبداً بتزويدها بمزيد من رأس المال. وزعمت كامبريان أيضاً أنَّ لدى ديل بينو وبيرغستروم دافعاً خفياً لتقديم شكواهم، وهو الضغط على الشركة لتحقيق مصالحهما الخاصة.

ووافق مجلس إدارة "كامبريان" على الاستحواذ برغم معارضة ديل بينو. ومع ذلك، صوَّت ديل بينو في النهاية لصالح قرار مجلس الإدارة الذي أقرَّ "إجراء تصويت بالإجماع"، وفقاً لما ذكرته الشركة. وتنحى غروس عن التصويت بسبب وجود مصلحة لشركة "إيمرسون" على جانبي الصفقة، أما بيرغستروم فهو ليس عضواً في مجلس الإدارة.

سعر الاستحواذ مبرر

يقول روب داي، الشريك في شركة "سبرينغ لين كابيتال" التي تستثمر في "كامبريان"، إنَّه سعيد بهذه الصفقة، لافتاً إلى أنَّ "إضافة خط إنتاج باسوود إلى كامبريان يقدم فوائد أكبر وأشمل للعملاء".

بعد الاندماج، "كانت الشركة في وضع مالي أقوى مما كانت عليه في السابق"، كما يقول متحدِّث باسم "كامبريان". وتقول الشركة، إنَّ آفاق الإيرادات أفضل من المتوقَّع. ومنذ إتمام صفقة الاستحواذ، وسَّعت "كامبريان" طموحاتها، إذ تعتزم مضاعفة عدد المصانع التي تعمل فيها، والتوسُّع في أسواق جديدة، وجلب عملاء وموظفين جدد، وضم ملكيات فكرية لاختراعات أكثر، وهو أمر آخر يثبت أحقية السعر المدفوع في صفقة "باسوود".

وفي إشارة إلى أنَّ أعمال "كامبريان" التجارية التي تساعد في الحفاظ على كوكب الأرض تحقق جاذبية، تمكَّنت الشركة مؤخراً من تسجيل مستثمرين جدد.