جوازات سفر اللقاح تستثني الأشخاص الأقل حظاً

رسم تعبيري
رسم تعبيري المصدر: بلومبرغ بيونس ويك
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في الخامس عشر من مارس، كان البرلمان البريطاني يناقش موضوع الساعة: كيف يمكن إعادة فتح الحانات ودور السينما وملاعب كرة القدم. حوالي نصف السكان البالغين أخذوا لقاح كوفيد-19، وقد أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون أن نهاية الأزمة "تلوح في الأفق".

أحد المواضيع المهمة التي تم طرحها في هذا النقاش كانت "جواز سفر اللقاح"، وهو عبارة عن تطبيق للهاتف المحمول أو قصاصة ورقية من شأنها أن تؤكد التطعيم، وتمنح حاملها حرية السفر وحضور الحفلات الموسيقية والذهاب إلى المقاهي، أو حتى العودة إلى العمل. وبالرغم من ذلك، فإن ما يبدو على أنه حل لمشكلة لم يصادفوها من قبل قد يفتح الباب أمام الكثير من المخاوف الأخلاقية والقانونية.

صرح ستيف بيكر النائب عن حزب المحافظين بغضب خلال المناظرة البرلمانية: "هذا يمنح تصريح الدخول إلى الحانات". وأضاف قائلًا: "لم أكن أعتقد أن هذا هو المجتمع الذي نود أن نعيش فيه".

يقوم السياسيون وعلماء الأخلاق وعلماء الأوبئة في كافة أنحاء العالم بمجابهة نفس المشكلة. إذ مع تسارع طرح اللقاح في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة والدول الأخرى، كيف يكون من الممكن الانفتاح بشكل آمن، والسماح للأشخاص المحميين والذين من المؤكد عدم إصابتهم بالفايروس بالعودة إلى الحياة الطبيعية كما كانت قبل تفشي الوباء دون تشكيل خطر على باقي السكان؟

والأهم من ذلك، هو كيفية فعل هذا بشكل عادل، لأن جوازات السفر قد تكون مفيدةً للأشخاص الأثرياء والمحظوظين تاركًة خلفها الأقليات والفقراء.

تفتت الشعور بالتضامن

يشير ديفيد أرشارد رئيس مجلس نافيلد للأخلاقيات البيولوجية في لندن بأن "هنالك شعورا في غاية الأهمية هو أننا جميعًا نواجه الشيء ذاته، ولا يمكننا تخطيه إلا كمجتمع واحد، لكن إذا تم السماح للبعض بالحصول على الامتيازات والحريات دون الآخرين، فإن هذا سيؤدي إلى تفتت الشعور بالتضامن". كما أضاف: "هناك فوائد واضحة، لكنني أعتقد بأن الأضرار والمخاطر المحتملة تفوق المكاسب".

إن تقديم الأدلة على اللقاحات ليس بالأمر الجديد، إذ تطلب العديد من الدول الاستوائية وشبه الاستوائية من المسافرين إثبات تلقيهم للقاح الحمى الصفراء، وبعض الدول الأخرى تطلب دليلًا على تلقي لقاح شلل الأطفال على الأقل من بعض المسافرين.

إلا أن برنامج جوازات سفر كوفيد سيتطلب تنسيقًا عالميًا على مستوًى غير مسبوق، مما يحتاج جهودًا ضخمة لتحقيقه. لقد قامت منظمة كومونز بروجيكت غير الربحية والمنتدى الاقتصادي العالمي بالتحدث مع مسؤولين من 52 دولة من أجل تطوير ما سموه "ترخيص العبور المشترك"، والذي يهدف إلى إعادة السفر والتجارة إلى مستويات ما قبل الجائحة. كما أن الاتحاد الدولي للنقل الجوي بالإضافة إلى مجموعة التجارة الجوية يعملان على فكرة مماثلة. وقد رسم الاتحاد الأوروبي بعض الخطط المتعلقة بالشهادات الرقمية التي من شأنها تسهيل الحركة بين الدول الأعضاء. فضلًا عن أن شركات الطيران الأمريكية تطالب إدارة بايدن بوضع معايير تتعلق بالتصاريح الصحية.

حتى من غير التوجيهات الحكومية، فإن بعض الأنشطة التجارية مثل المطاعم والمسارح قد تأخذ زمام المبادرة وتطلب من عملائها إثبات حصولهم على المطعوم. وقد ذكر الأستاذان في جامعة أوكسفورد كريستوفر داي وميليندا ميلز في التاسع عشر من آذار في مجلة ساينس أن الشركات التي تتخذ معايير مشابهة لـ "لا عمل من غير التطعيم"، قد تتعرض لتحديات قانونية. وكتب أيضًا: "أن حرية الاختيار الفردية للموظفين والتي تتعارض مع واجبات الشركة وتفضيلاتها المتعلقة برعاية موظفيها، قد تكون محل اختبار لدى القضاء".

الوصول للقاحات

تُعد مسألة الوصول إلى اللقاحات أكبر مصدر للقلق لدى دعاة الصحة. فبالرغم قدرة المملكة المتحدة على إعطاء الجرعة الأولى من اللقاح لأكثر من 40% من مواطنيها خلال فترة وجيزة حتى نهاية مارس الماضي، وكذلك الولايات المتحدة لحوالي ربع سكانها وتخطط للوصول لكافة البالغين خلال الشهر المقبل، إلا أن الكثير من الدول حول العالم لا تزال تنتظر، إذ توجد عشر دول استهلكت ثلاثة أرباع اللقاحات المنتجة.

يقول مارك إكليستون تيرنر، وهو متخصص في القانون والأمراض المعدية في جامعة كيلي في إنجلترا: "هناك تفاوت كبير في إمكانية الوصول إلى اللقاح بين البلدان ذات الدخل المرتفع والبلدان ذات الدخل المتوسط أو المنخفض، وإذا قمنا بإدراج جوازات سفر اللقاح بالإضافة إلى ذلك، فسوف ينتهي بنا المطاف بنظام واضح يتكون من مستويين فقط".

إن هذا البطء يهدد بترك البلدان النامية في مؤخرة الركب، إذ ستواجه هذه البلدان بدون اللقاحات موجات متكررة من العدوى وظهور طفرات جديدة.

تشير نيكول حسون، وهي أستاذة في جامعة بينغهامتون في نيويورك إلى أن استخدام جوازات سفر اللقاح قد يؤدي إلى تفاقم "قومية اللقاح"، مما يجعل الجهود المبذولة من أجل تقوية النظم الصحية وتسريع اكتساب المناعة أكثر إلحاحًا". وتضيف: "إن عدم المساواة في إعطاء اللقاح هو مشكلة كبيرة ومن المحتمل أن هذا النظام سوف يزيدها سوءًا".

فجوة بين الأجيال

في الدول المتقدمة، يثير احتمال الحصول على جوازات سفر اللقاح شبحا لفجوة بين الأجيال. خلال العام المنصرم، طُلب من الشباب أن يبقوا بعيدين عن أصدقائهم، وذلك من أجل صحتهم بالطبع، وحتى لصحة الكبار في السن والأشخاص الأضعف. ونظرًا إلى أن كبار السن كانوا أول من حصل على اللقاح، فمن المفترض أن يكونوا أول من يحصل على جوازات سفر اللقاح، مما يترك الشباب عالقين في منازلهم، بينما الجد والجدة يسافران إلى سردينيا أو سانتوريني.

يقول شيتان كابور، وهو المؤسس المشارك لشركة سيف ترافل باروميتر، وهي شركة هندية متخصصة بتعقب إجراءات الصحة والسلامة، إن عدم وجود جواز سفر اللقاح قد يعيق إمكانية الوصول إلى فرص العمل، خصوصًا بالنسبة للمهاجرين والشباب الذين لم يتم منحهم أولوية الحصول على اللقاح.

أما بالنسبة للأشخاص الذين عُرضت عليهم فرص عمل أو تم قبولهم في جامعات في الخارج، فإنه يقترح بروتوكولًا يسمح بتلقيح هذه الفئة. ويضيف كابور: "في جميع الدول تقريبًا، يأتي الشباب في آخر قائمة التلقيح، وهذا يخلق عالمًا مزدوجًا بين من تلقوا اللقاح ومن لم يتلقوه".

الحجة المضادة هي أن إجراءات الإغلاق أدت إلى زيادة عدم المساواة بشكل كبير، ففقد الناس وظائفهم، وعانوا من رعاية الأطفال، وتم إجبارهم على عيش معظم حياتهم بشكل افتراضي. إن بعض أشكال التصريح لتسريع العودة إلى الحياة الطبيعية ستسمح للعديد من هؤلاء الأشخاص بالوقوف على أقدامهم مجددًا.

تقول مايا فريد من جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل إن ارتفاع معدلات البطالة واتساع الفجوات الاجتماعية والاقتصادية في الوقت الحالي يعني أن التصاريح منطقية حتى لو كانت تفضّل بعض الفئات على حساب غيرها. غير أنه على المدى البعيد، فقد يصبح نظام جوازات سفر اللقاح "أرضًا خصبة لقضايا الحقوق المدنية".