"كولونيال" مصدراً للسيولة النقدية الهائلة لسنوات عديدة

صهاريج تخزين في منشأة كولونيال بايبلاين إنك في أفينيل، نيو جيرسي، الولايات المتحدة
صهاريج تخزين في منشأة كولونيال بايبلاين إنك في أفينيل، نيو جيرسي، الولايات المتحدة المصور: مارك كوزلاريش / بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كانت الشركة الأمريكية التي دفعت للتو فدية قدرها 5 ملايين دولار لقراصنة في أوروبا الشرقية تجني بهدوء مئات الملايين من الدولارات سنوياً، وتقدِّم خدمة حيوية في ظل وجود القليل من المنافسة، في حين لديها سجل أمان يثير حالات من القلق.

تشغل شركة " كولونيال بايبلاين "، ومقرّها ضاحية " ألفاريتا "، بولاية جورجيا، أكبر خط أنابيب للوقود في البلاد، وتنقل أكثر من 100 مليون غالون يومياً من مدينة هيوستن إلى مدينة نيويورك، أي نصف احتياجات المنطقة من الوقود .

بينما بدأ قبل ستة عقود كمشروع مشترك ضخم لشركات النفط الكبرى؛ كان وزير التجارة الأمريكي حاضراً في عام 1962، فقد جرى وضع حجر الأساس، إلا أنَّه اليوم بات مملوكاً في الغالب من قبل ذراع تابع لشركة " كوتش إندستريس" (Koch Industries)، والعديد من مستثمري "وول ستريت"، ويجري تشغيله بالقدر نفسه كأصل مالي، بالإضافة إلى كونه أيضاً جزءاً أساسياً من البنية التحتية.

توزيع جميع الأرباح

على مدى العقد الماضي، وزَّعت شركة " كولونيال" جميع أرباحها تقريباً، وأحياناً أكثر في شكل أرباح. وفي عام 2018، على سبيل المثال، دفعت ما يقرب من 670 مليون دولار لمالكيها، أي أكثر من صافي الدخل البالغ 467 مليون دولار. في العام الماضي، دفعت للمستثمرين أكثر من 90% من أرباحها البالغة 421.6 مليون دولار.

إنَّه نهج حقق الكثير من المال لأصحابه. حقق صافي الدخل البالغ 421 مليون دولار العام الماضي مكاسب تقارب 32 سنتاً مقابل كل دولار من الإيرادات، في حين يحصل المستثمرون على عائد سنوي يبلغ حوالي 10%.

في الوقت نفسه، تعرَّضت خطوط الأنابيب المتقادمة لسلسلة من الحوادث. ففي شهر أغسطس الماضي، جرى تعطيل أنبوب لمدة أسبوع تقريباً بعد انسكاب أكثر من 28 ألف برميل من البنزين لأيام في محمية طبيعية في ولاية كارولينا الشمالية، اكتشفها مراهقان يركبان مركبات للسير في جميع التضاريس (دراجة رباعية الإطارات).

كان هذا بسبب فشل في إصلاح غلاف أسطواني جرى تركيبه قبل 16 عاماً. حذَّر مسؤول تنظيمي فيدرالي في شهر مارس الماضي من أنَّ هناك تهديدات مماثلة موجودة في جميع أنحاء نظام العمل، وأنَّ التشغيل المستمر دون إجراءات تصحيحية من شأنه أن يشكِّل خطراً على سلامة خط الأنابيب، وبالتالي على السلامة العامة، أو الممتلكات، أو البيئة .

جرى الإبلاغ عن ثلاث حالات تسرُّب أخرى للبنزين بسبب التشققات في الأنابيب منذ عام 2015. كما جرى إغلاق خط لمدة 12 يوماً في شهر سبتمبر 2016، مما أدى إلى قطع الإمدادات عن ملايين العملاء. وأدى انفجار مميت في مكان قريب إلى انقطاع الإمدادات مرة أخرى بعد ذلك بشهرين.

قالت: " إدارة سلامة خطوط الأنابيب والمواد الخطرة " في إشعار بأمر السلامة المقترح الذي جرى إرساله إلى الرئيس التنفيذي لشركة " كولونيال "، " جوزيف بلونت " : " إنَّ عدم قدرة شركة " كولونيال" على اكتشاف مثل هذه التسريبات للمواد والاستجابة لها بطريقة فعَّالة، قد أدى إلى تفاقم تأثيرات العديد من مرات الانسكاب (للبنزين) على مدار التاريخ التشغيلي لنظام خطوط الأنابيب بأكمله التابع للشركة ".

ثقافة السلامة

وردَّ متحدِّث باسم الشركة في رد عبر البريد الإلكتروني على الأسئلة بأنَّ شركة

" كولونيال بايبلاين" لا تتفق مع هذه المعلومات، وتعمل مع الجهة التنظيمية لمعالجة أي مخاوف بشكل كامل، وبدأت في تنفيذ الخطط اللازمة لمواجهة الحادث فور وقوعه تقريباً. وقالت الشركة : " في حين أنَّ حدوث تسريب لغالون واحد عبر المسار الخاص بخطوطنا، يعدُّ بالنسبة لنا كمية كبيرة جداً، فإنَّ ثقافة السلامة لدينا تركِّز على عدم وجود حوادث تشغيلية من الأساس ".

كما اتهم بعضهم شركة " كولونيال"، مثل الكثير من بقية شركات القطاع، بعدم الاهتمام الكافي بالأمن السيبراني. يقدِّر "ماتياس كاتز "، مؤسس شركة " بيوس " (Byos) للأمن السيبراني، أنَّ أقل من 25% من شركات قطاع النفط والغاز في الولايات المتحدة لديها أمن إلكتروني على نحو ملائم.

رداً على الأسئلة، قالت شركة "كولونيال"، إنَّها زادت الإنفاق الإجمالي على استخدام تكنولوجيا المعلومات بنسبة 50 % منذ عام 2017، عندما جرى تعيين مسؤول بوظيفة كبير مسؤولي المعلومات. وتستخدم شركة " كولونيال" أكثر من 20 أداة مختلفة، ومتداخلة للأمن السيبراني لمراقبة شبكات الشركة والدفاع عنها، وقد أكَّد محقق الطرف الثالث (شركة التأمين) التابع لها بوجود بالعديد من أفضل الممارسات التي كانت لديهم قبل وقوع الحادث، على حدِّ قول الشركة في بيانها.

زادت قدرة شركة "كولونيال بايبلاين" التشغيلية بطريقة محدودة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومع ذلك فقد نما الاعتماد عليها بشكل ملحوظ، فقد جرى إغلاق المصافي على طول الساحل الشرقي بسبب المنافسة من مصادر النفط الصخري في ولايتي تكساس ونورث داكوتا.

النفط الأعلى سعراً

يعتمد صانعو الوقود في ولايتي نيوجيرسي وبنسلفانيا على النفط الأعلى سعراً القادم من أوروبا وغرب إفريقيا، أو النفط الخام المحلي المشحون في القطارات أو الناقلات التي ترفع علم الولايات المتحدة، وكلاهما مقترحان مكلفان. في عام 2019، أغلقت شركة " فيلادلفيا إنرجي سوليوشنز إنك " (Philadelphia Energy Solutions Inc.)، أكبر مجمع تكرير على الساحل الشرقي، بعد أن تعرَّضت وحدة لتصنيع البنزين للتدمير بالكامل تقريباً بسبب انفجار وحريق.

وفقاً لـِ "جيمس لوسير"، وهو استشاري مقيم بواشنطن في شركة " كابيتال ألفا بارتنرز إل إل سي" (Capital Alpha Partners LLC )، فإنَّ عمر خط الأنابيب يبلغ 60 عاماً، لكنَّ أهميته لم تزد إلا مع انخفاض طاقة التكرير في وسط المحيط الأطلسي، وحدوث عمليات إغلاق لمصافي التكرير التي كانت تعمل تاريخياً في ولايات فيرجينيا، وبنسلفانيا، ونيوجيرسي .

جعلت اللوائح الأكثر تشدداً والمعارضة الشرسة من النشطاء البيئيين الأمر مكلفاً على نحو متزايد، وأكثر تعقيداً للشركات لمتابعة مشاريع خطوط الأنابيب الرئيسية، وفقاً لما ذكره " آلان جيلدر"، نائب رئيس أسواق التكرير والنفط في شركة "وود ماكينزي" الاستشارية (Wood Mackenzie). في شهر يناير الماضي، منع الرئيس الأمريكي جو بايدن مشروع " كيستون إكس إل " (Keystone XL ) بقيمة 9 مليارات دولار. حتى أثناء إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، اضطرت شركات الطاقة مثل "ويليامز كوز " (Williams Cos.) و "دومينيون إنرجي إنك " (Dominion Energy Inc. ) إلى إلغاء مشاريع خطوط الأنابيب الرئيسية.

وأشار جيلدر إلى أنَّ بناء خطوط الأنابيب بات أمراً معقداً، كما أنَّ المساهمين سيكونون حذرين للغاية بشأن استثمارات رأس المال، على حدِّ قوله.

استكشاف فرص النمو

إذا كانت خطوط الأنابيب في الستينيات من القرن الماضي تبدو منطقية من الناحية الاقتصادية في بلد يوسع بسرعة اقتصاده الصناعي، في عام 2021، مع استقرار الطلب واستبدال السيارات التي تعمل بالبنزين تدريجياً بالسيارات الكهربائية، يصبح من الصعب للغاية جعل قضية الاستثمار الهائل في مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالوقود الأحفوري.

وأكَّدت شركة " كولونيال" أنَّها مستمرة في العمل على استكشاف فرص النمو بحماس، وهي مسألة تخضع لقواعد حماية السرية، فقد ظلَّ استهلاك المنتجات البترولية المكررة في الولايات المتحدة ثابتاً نسبياً، ولكنَّ فريق الشؤون التجارية لديهم يعمل بطريقة متواصلة على تقييم فرص التوسع لتلبية الطلب من شركات الشحن ومن السوق .

كما أنَّ الاعتماد على خط أنابيب شركة " كولونيال" هو نتيجة لوائح مثل قانون "جونز " لعام 1920 ، وهو قانون فيدرالي يتطلب نقل البضائع بين موانئ الولايات المتحدة على متن السفن التي يجري بناؤها، وامتلاكها، وتشغيلها من قبل مواطنين أمريكيين أو مقيمين دائمين. كما يجعل العدد المحدود للسفن التي تفي بالمعايير الأمر مكلفاً للغاية، بالنسبة للمصافي الحصول على إمدادات النفط من خليج المكسيك عن طريق البحر.

وتساءل "جليدر"، هل هذه هي الطريقة التي من المفترض أن تسير بها الأمور ؟ وأجاب بـِ " لا ". وأضاف أنَّه لا يعتقد أنَّ البنية التحتية لقطاع الطاقة في الولايات المتحدة لديها خطة محددة المعالم على الإطلاق .

لم يبدأ الأمر بهذه الطريقة. ففي عام 1961، انضمت تسع شركات طاقة عملاقة بما في ذلك " تكساكو " (Texaco)، و " فيليبس بتروليوم " ( Phillips Petroleum) وكونتيننتال أويل" ( Continental Oil )، و "موبيل " لبناء ما كان آنذاك أكبر مشروع بناء مموَّل من القطاع الخاص في البلاد.

وكان من المفترض أنَّ خط الأنابيب الذي تبلغ تكلفته 370 مليون دولار (حوالي 3.3 مليار دولار بسعر اليوم) سيسمح بنقل البنزين، وأنواع الوقود الأخرى من مدينة هيوستن إلى ميناء نيويورك، والنقاط بينهما عندما بدأت المستعمرة تعمل بكامل طاقتها بحلول عام 1964.

بعد القيام باستثمارات ضخمة زادت قدرة نظام التشغيل بأكثر من الضعف خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وباعت شركات النفط الكبرى التي احتفظت بخط الأنابيب، وأدارته في نهاية المطاف حصصها، فقد أجبرتها أسعار النفط المنخفضة حتى نهاية القرن على التخلي عن الأصول والجمع بين عمليات الشغيل.

ثم بدأ محتوى ملف ملكية خط الأنابيب يتغير بالكامل. اليوم، تعدُّ وحدة من شركة

"رويال دويتش شل بي إل سي" هي شركة النفط الرئيسية الوحيدة بين الشركات الخمس التي اقتسمت السيطرة على خط الأنابيب.

ظهرت وحدة من التكتل الصناعي المملوك من قبل المليارديرات " تشارلز وديفيد كوخ " كأكبر مساهم في شركة " كولونيال " بعد الاستحواذ على حصص من شركة

"بريتش بتريليوم بي إل سي"، وشركة "مارثون أويل كورب" ( Marathon Oil Corp. ) من عام 2002 فصاعداً. واشترى تحالف مشترك بين شركة الملكية الخاصة " كوهلبرغ " ( Kohlberg )، و " كرافيس روبرتس آند كو " (Kravis Roberts & Co. )، وشركة " ناشيونال بينشن سرفيس" ( National Pension Service) التي تديرها الحكومة في في كوريا الجنوبية حصة شركة " شيفرون كورب " في عام 2010. بعد ذلك بعام، اشترت مؤسسة استثمار أموال المعاشات الكندية

"كيس دي ديبو إيه بليسمو دي كويبك " ( Caisse de dépôt et placement du Québec )، شركةَ " كونوكو فيلبس" ( ConocoPhillips ). وامتلكت شركة

" أي إف أم إنفستورز " (IFM Investors)، وهي شركة استثمارية مملوكة لصناديق تقاعد أسترالية، حصة منذ عام 2007.

تدفقات دخل ثابتة

تنجذب شركات الأسهم الخاصة وصناديق التقاعد إلى خطوط الأنابيب، لأنَّها تعدُّ احتكارات طبيعية، وتوفِّر عادة تدفُّقات دخل ثابتة حتى أثناء فترات الركود الاقتصادي. دفع المستثمرون بقيادة " إي أي جي غلوبال إنرجي بارتنرز إل إل سي " (EIG Global Energy Partners LLC ) الشهر الماضي 12.4 مليار دولار مقابل حصة في عائدات خط أنابيب "أرامكو" السعودية.

على الرغم من أنَّه يُعرف ببساطة باسم خط أنابيب شركة " كولونيال"، إلا أنَّه في الواقع عبارة عن شبكة من عدة خطوط أنابيب تعمل بالتوازي، وتمتد في فروع عبر الساحل الجنوبي الشرقي والساحل الشرقي. ويصل قياس جميع الخطوط والفروع المتوازية ، إلى 5500 ميل. ينقل الخطان الرئيسيان للأنابيب، و يُعرفان باسم الخط 1 والخط 2، المواد البترولية من مدينة هيوستن إلى مدينة جرينسبورو بولاية نورث كارولينا. يمتد من هناك خطان أصغر، يُعرفان بالخط 3 والخط 4 ، إلى مدينة ليندن، في ولاية نيو جيرسي. تبلغ طاقة خط الأنابيب حوالي 2.5 مليون برميل يومياً، وهو أكثر من إجمالي استهلاك النفط في ألمانيا.

وقال " توم غاروبا"، كبير مسؤولي أمن المعلومات في شركة " شيرد إيفليوشن "

(Shared Evaluation )، إنَّ شركات قطاع النفط لم تكن جذَّابة للقراصنة لمحاولة اختراقها من الناحية التاريخية. لكن ظهور برامج فيروسات الفدية للحاسوب (Ransomware) كنشاط تجاري يدر مليارات الدولارات؛ جعلها أكثر جاذبية لملاحقة القطاعات الضعيفة (من ناحية الأمن السيبراني ) مثل قطاع الطاقة.

وحذَّر "غاروبا" من أنَّ ما حدث يعدُّ أمراً سيئاً للغاية؛ لأنَّه سيبدأ في دعوة جهات تهديد أخرى ليكونوا مقلِّدين ( للهجوم)، وهذا هو ما يقلقه حقاً.