هكذا بدَّدت "مجموعة العقارات الألمانية" مليار دولار من أموال مستثمريها

تجديد الأبنية الأثرية كان ضمن خطة شركة "العقارات الألمانية" التي بدَّدت مليار دولار من مستثمريها
تجديد الأبنية الأثرية كان ضمن خطة شركة "العقارات الألمانية" التي بدَّدت مليار دولار من مستثمريها المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما اقترحت "مجموعة العقارات الألمانية" برئاسة ابن أحد ضباط الجيش البريطاني، الألماني المولد، تحويل الأديرة القديمة والمواقع العسكرية التاريخية والقلاع إلى شققٍ جذابة في ألمانيا. كان هذا الطرح الاستثماري مقنعاً بقدر ما كان وقعه درامياً.

وبحسب ما كان مفترضاً، كان المستثمرون الدوليون المحتملون سيحصلون على عوائد من رقمين، وذلك بمضي سنتين إلى خمس سنوات. وكانت سمعة ألمانيا كمكان آمن للقيام بالأعمال التجارية، تعد أمراً يوفر مزيداً من الطمأنينة للمستثمرين.

لكن الواقع كان مختلفاً للغاية، إذ يواجه المستثمرون في أماكن مختلفة عواقب سلبية لاستثمارهم في هذا المشروع.

ففي المملكة المتحدة تقدر خسائرهم بما يزيد على 418 مليون دولار، فيما بلغت الخسائر في كوريا الجنوبية 436 مليون دولار، فضلاً عن سنغافورة وأيرلندا وأماكن أخرى. حيث تقول أفضل التقديرات، إن أكثر من مليار دولار تم تبديدها في جميع أنحاء العالم تبعاً لهذا المشروع.

وكانت الشركة العقارية مركز الفضيحة، تقدمت بطلب لإعلان إفلاسها العام الماضي، بعد نحو 12 عاماً من ممارستها لأعمالها منذ عام 2008.

وحالياً، يتساءل المستثمرون عما إذا كان أياً مما عرضته الشركة من العائدات المبكرة إلى التطورات المعروضة في المواد التسويقية حقيقياً.

في مارس، داهم الادعاء العام في ألمانيا منزل مؤسس الشركة، تشارلز سميثرست، ومكاتب شركة ذات صلة، في إطار تحقيق جنائي مستمر في مزاعم الاحتيال وسط شكوك بأن عمل الشركة كان بمثابة هرم "بونزي" (بونزي: أحد أنواع الاحتيالات المالية التي لا تقوم على أي حقائق فعلية).

ومن ثم، بدأت السلطات في كوريا الجنوبية وسنغافورة والمملكة المتحدة أيضاً تحقيقاتها بشأن الشركة، كما تم طرح الأمر للمناقشة في البرلمان الأيرلندي.

الاستثمارات الآمنة جذبت الأفراد

لم يتم توجيه اتهامات لـ"سميثرست"، ولكن محاميه "غيرهارد سترات"، قال، إنه يتعاون مع التحقيق، ورفض التعليق على أي أسئلة أو ادعاءات محددة.

وكان الطرح الاستثماري المقدم من "سميثرست" و"مجموعة العقارات الألمانية"، المعروفة سابقاً باسم "دولفين تراست"، استغل اهتمام المستثمرين المتزايد بالأصول البديلة والعابرة للحدود.

فقد أدت المكالمات عبر تطبيق "زووم" ومنصات التداول عبر الإنترنت إلى تآكل القيود الجغرافية التقليدية للمستثمرين الأفراد، وفتح آفاق جديدة للتنويع وتحقيق عوائد أعلى، ولكنها أيضاً جعلت بذل العناية الواجبة أكثر صعوبة.

ومع انخفاض أسعار الفائدة، استثمر المحترفون المزيد والمزيد من الأموال في فئات الأصول البديلة مثل العقارات، وحذا المستثمرون الأفراد، ولا سيما المتقاعدون حذوهم.

ووفقاً لوثائق التسويق التي اطلعت عليها "بلومبرغ"، فقد تم وصف طرح "مجموعة العقارات الألمانية" عبر الإنترنت، ومن خلال وسطاء، بكونه خيار آمن. وتلقى المستثمرون معلومات مالية مفصلة، بما في ذلك في بعض الأحيان التدفقات النقدية المتوقعة الخاصة بالمشروع. كما عرضت المجموعة توفير جولات في المواقع لأولئك القادرين على زيارة ألمانيا.

وقد تم جمع الأموال على شكل اتفاقيات قروض، لكن نطاق عمل الصندوق كان بمثابة بقعة عمياء خافية على الجهات التنظيمية.

التركيز على الديون

وبحسب شخص مطلع على العملية التنظيمية في ألمانيا، كان تركيز المجموعة على الديون يعني أن هيئة التنظيم المالي في البلاد، أي هيئة الرقابة المالية الفيدرالية، والمعروفة اختصاراً باسم (BaFin)، لم تشرف على أنشطة الشركة.

ونظراً لأن المستثمرين كانوا تقريباً في الخارج بالكامل، فإن هذا يعني أيضاً أن مجموعات حماية المستثمرين داخل الدولة لم تولي الأمر الكثير من الاهتمام، ولم يكن للسلطات الأجنبية سلطة قضائية على الشركة كذلك. إضافة إلى أنه في معظم الدول، لا تخضع سندات القروض للتنظيم على الرغم من العدد المتزايد للمستثمرين الذين يدخلون هذا السوق.

"مارك هامبلينغ"، وهو متقاعد بريطاني يبلغ من العمر 59 عاماً مقيم حالياً في البرتغال، والذي يقود مجموعة قوامها نحو 2000 من مستثمري "مجموعة العقارات الألمانية" في دعوتهم للحصول على تعويضات، ويقول: "وفقاً للمعلومات المتوفرة للمنظمين، فأنا غاضب تماماً". وتابع مارك، إنه دفع نحو 800 ألف جنيه إسترليني (1.1 مليون دولار)، وأضاف: "كان ينبغي أن يكون هذا هو ميراث أبنائي".

أموال مدخرات مبددة

في البداية، كان كل شيء على ما يرام، وحصل "هامبلينغ" على مدفوعات الفوائد لمدة أربع سنوات، تم دفعها في الوقت المحدد.

وفي الجانب الآخر من العالم، قال "ديفيد لو"، المتقاعد المقيم في سنغافورة، إن زوجته كسبت 24% من استثمارها الأولي البالغ 29 ألف دولار بعد عامين.

وقال لو، الذي استثمر بعد ذلك 22 ألف وخمسمائة دولار في عام 2016: "لقد جعلني ذلك أشعر بمزيد من الثقة"، وذلك بعد عرض قدمه مندوب مبيعات في شركة الاستثمار المحلية "شنتون القابضة"، معتبراً أن ذلك "كان بمثابة الجائزة المنتظرة".

وفي عام 2018، أقنع مصرفي خاص في "بنك شينهان" في كوريا الجنوبية، "إيم وون هيو"، 62 عاماً، باستثمار 178 ألف دولار من تعويضات نهاية الخدمة المخصصة لحفل زفاف ابنته الوشيك، ودفع مقدم إيجار منزل لها.

وقال "إيم": "لم أستثمر حتى في سوق للأوراق المالية. كنت متشككاً لكنهم قالوا إنهم قاموا بزيارة الموقع خمس مرات".

وقالت شركة تابعة للبنك، إنها اعتمدت على بذل العناية الواجبة وأخذ المشورة القانونية من جانب طرف ثالث في تقييمها للمنتجات.

وقالت في بيان: "نعتقد أننا لم نكن لنصل إلى هذه المرحلة لو عمل مدير الصندوق والمُصدِّرون والمطور كما هو متوقع عادة".

وأقرت الشركة بأنها ذهبت إلى ألمانيا خمس مرات، "لكن الغرض من القيام برحلات العمل كان زيارة موقع العقار والمشاركة في المناسبات، أكثر منه لبذل العناية الواجبة".

تعثر السداد

وكان المستثمرون في كل من أوروبا وسنغافورة أبلغوا في عام 2018 عن مشاكل في استعادة رؤوس أموالهم والفوائد الموعودة.

وفي أغسطس من ذلك العام، وعد "سميثرست" بتصحيح الأمور في سنغافورة، وفقاً للرسائل التي اطلعت عليها "بلومبرغ".

وبعد عام تقريباً، أرسلت "مجموعة العقارات الألمانية" للمستثمرين في سنغافورة خطة سداد معاد هيكلتها، غير أن أياً من المستثمرين السنغافوريين الذين تحدثت إليهم "بلومبرغ" لم يتحصلوا على أي من هذه المدفوعات.

عدم التحقق الكافي

وبحلول الوقت الذي تقدمت فيه بطلب لإشهار إفلاسها في بريمن، ألمانيا، في يوليو 2020، كانت المجموعة غارقة في الفوضى.

وعليه، قام المسؤول المعين من المحكمة بتوظيف شركة "إرنست آند يونغ" بألمانيا لإجراء تقييم أولي للشركة.

ووفقاً لنسخة من التقرير اطلعت عليها "بلومبرغ"، اكتشفت "إرنست آند يونغ" أن مجموعة العقارات الألمانية تضم أكثر من 200 شركة فردية تمتد من ألمانيا إلى جزر كايمان إلى سنغافورة، تربطهم شبكة معقدة من العلاقات.

كما حصل الوكلاء الذين جلبوا المستثمرين إلى الشركة على عمولات تزيد على 15%. وذكر التقرير أن الشركة حولت ملايين اليوروهات كقروض أو مدفوعات مباشرة لبعض أفراد عائلة "سميثرست". لكن شركة "إرنست آند يونغ" رفضت التعليق على الموضوع.

عقارات متدنية القيمة

ربما كانت محفظة العقارات، الغامضة في أحسن الأحوال، هي الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمستثمرين الذين اعتقدوا أن أموالهم مدعومة بأصول حقيقية، حيث قالت متحدثة باسم المسؤولين إنهم لم يتأكدوا بعد من عدد العقارات التي تمتلكها مجموعة العقارات الألمانية.

من ناحية أخرى، تعتبر العديد من العقارات التي تم رصدها بعيدة عن ما تم الإعلان عنه. على سبيل المثال، تقع العديد من تلك العقارات في مناطق فقيرة ونائية، والتي من غير المحتمل أن تكون وجهة للشقق الفاخرة.

كما يشير تقرير الخبراء الذي تم إعداده للجنة الدائنين، واطلعت عليه "بلومبرغ"، إلى أن العقارات التي تم تحديدها لن تتجاوز قيمتها 181 مليون دولار.

يقول "ليم جين سونغ"، المحامي في "شركة هانوري للمحاماة" في سيول، إن موكليه استثمروا ما مجموعه 10.2 مليار وون (9 ملايين دولار) في الصفقات التي قدمها "بنك هانا" ظاهرياً لإعادة تطوير 10 عقارات، بما في ذلك دار طباعة سابقة واسعة بالقرب من وسط مدينة لايبزيغ. وفي العام الماضي، علم المستثمرون أن 9 من تلك العقارات كانت خاوية دون أي احتمال للحصول على إذن تخطيط.

مشكلات من قبل كورونا

وكانت مشاكل "مجموعة العقارات الألمانية" قد بدأت قبل الوباء، ويقول المدعون الألمان، إنهم لا يعتقدون أن "كوفيد-19" كان له تأثير على خطط التنمية الخاصة بالمجموعة.

في أبريل 2021، زارت "بلومبرغ" ثلاثة مواقع أخرى تم تحديدها من خلال العقود وكتيبات التسويق التي شاركها مستثمرون آسيويون في "فيردر" و"زوسين"، وكلاهما من المدن الألمانية الشرقية القديمة، التي أصبحت ذات شعبية متزايدة لدى أسر الطبقة المتوسطة، ومدينة "زالتسغيتر"، حيث بدا كل شيء مهجوراً.

وحالياً، ما يزعج المستثمرين بشكلٍ خاص، هو أنه عندما تعمق البحث، كانت هناك علامات تحذيرية.

فقد باعت الذراع الكورية الجنوبية لبنك "يانتا سيكيوريتيز" التايواني شريحة واحدة من المنتجات لمدة عامين للعملاء في عام 2017.

وبعد ذلك بعامين، عند النظر في طرحها مرة أخرى، طلبت الشركة من موزع الصندوق تفاصيل الضمانات الفعلية وإثبات رسوم التسجيل العقاري. وقال متحدث لـ"بلومبرغ" إنه عندما لم تحصل الشركة على إجابة، قامت بسحب المنتج.

في كوريا الجنوبية، قد يتمكن المستثمرون الذين اشتروا المنتجات من خلال شركات التمويل الخاضعة للتنظيم بما في ذلك بنكي "شينهان" و"هانا"، و شركة "إن إتش إنفستمنت آند سيكيوريتيز "، و"بنك ووري"، من تعويض بعض خسائرهم في النهاية.

وفي هذا الإطار، عرض بنكي "شينهان" و"هانا" على العملاء مدفوعات مؤقتة بنسبة 50% من رأس المال أثناء انتظارهم لمعرفة ما إذا كانوا سيستردون أي أموال من إيداعات الإفلاس الألمانية.

وصرح كلا البنكين بأنهما ملتزمان بحماية العملاء. وقال بنك "هانا" إنه يحاول استرداد ما يستطيع من بيع الأصول العقارية.

قضايا ومحاكم متتالية

وبينما رفضت شركة "إن إتش إنفستمنت آند سيكيوريتيز" التعليق، قال "بنك ووري" إنه يعمل على حماية مصالح عملائه.

من جانبهم، قدم محامو المستثمرين شكاوى رسمية إلى النيابة العامة في كوريا الجنوبية ضد بنكي "شينهان" و"هانا"، وهما من أكبر بائعي منتجات الصندوق، داعين إلى إجراء تحقيقات جنائية.

أما في أماكن أخرى من العالم، توجد جهات قليلة قد يلجأ إليها المستثمرون. فمثلاً في سنغافورة، كان الانضمام الرئيسي للمستثمرين عبر "شنتون القابضة" و "شنتون ويلث هولدينجز ". لكن "شنتون ويلث" لم تعد تعمل بالتداول، بينما لم ترد "شنتون القابضة" على المكالمات ورسائل البريد الإلكتروني التي تطلب التعليق.

ومن الجدير بالذكر أنه لم يتم تنظيم "شنتون" من قبل السلطة النقدية في سنغافورة. وفي عام 2015، تم وضعها على قائمة مراقبة المستثمرين لتحذير الجمهور من أنه قد يتم اعتبارها خططاً مرخصة أو مقننة. وقال متحدث باسم شرطة سنغافورة إنها تبحث في شكاوى رفعها مستثمرون ضد "شينتون".

وكما هو الحال في سنغافورة، فإن المستثمرين البريطانيين والأيرلنديين الذين يستثمرون أموالهم من خلال شركات غير منظمة لا تشملهم خطط التعويض الرسمية.

محاولات تقليص الخسائر

وفي حين أنهم يدفعون المنظم للتحقيق في كيفية وصول الأموال، التي يتم الحصول عليها من الوسطاء عبر القطاع المالي السائد، فإن أفضل فرصة للكثيرين لاستعادة الأموال تتوقف على عملية الإعسار الألمانية.

ويقول هامبلينغ: "عندما استثمرنا، بدا السيناريو الأسوأ أننا سننتهي بمبنى لم نكن نريده حقاً. الآن يبدو أن الأصول يمكن أن تستحق الانتظار".

بالنسبة للبعض، لم تتوقف الخسائر، حيث أصدرت هيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة مؤخراً تحذيراً بشأن المحتالين الذين يستهدفون مستثمري مجموعة العقارات الألمانية ممن تقطعت بهم السبل، واعدين إياهم باستعادة بعض الأموال المفقودة. فيدعي أحدهم أنه مهتم بشراء استثمارات معلقة في المجموعة المفلسة، ثم في مرحلة ما يطالب برسوم يتم إرسالها عبر برقية إلى ماليزيا.