غزة تحيي دور مصر المركزي في قضايا الشرق الأوسط

الدخان والنيران تتصاعد من مبنى تم قصفه في مدينة غزة
الدخان والنيران تتصاعد من مبنى تم قصفه في مدينة غزة المصدر: "ا ف ب"
Bobby Ghosh
Bobby Ghosh

Bobby Ghosh is a Bloomberg Opinion columnist. He writes on foreign affairs, with a special focus on the Middle East and Africa.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعرب جو بايدن في الأسبوع الثاني من الحرب بين إسرائيل وحماس عن "دعمه لوقف إطلاق النار". إلا أن عباراته اللفظية السلبية نمت عن إحجامه عن الانخراط في العملية، فهو لم يعرض التوسط في هدنة، أو لم يقترح حتى خارطة طريق نحو هدنة. كما أنه لم يقترح ولم يطالب بوقف الأعمال العدائية. ولكنه أيد الفكرة فقط.

لا يصعب هنا التكهن بما فكر به نتنياهو حيال التماس بايدن المتهور. فبعد ساعات من حديث الرجلين يوم الإثنين، نفذت طائرات إسرائيلية عشرات الغارات على أهداف في غزة، فيما أمرت قيادة حماس بوابل آخر من الصواريخ على إسرائيل.

مع توخي بايدن الحذر بشأن تخصيص الموارد السياسية والدبلوماسية الأمريكية لهذا الجهد، يقع العبء الثقيل لهندسة وقف إطلاق النار مرة أخرى على عاتق مصر. فبالنسبة لحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، هذه فرصة لإظهار مركزية القاهرة في مسائل الخلاف الرئيسة في الشرق الأوسط.

تأتي هذه العودة بعد فترة طويلة. فقد توسطت مصر في الهدنة التي أنهت حرب غزة الأخيرة في عام 2014، وفي أعقاب ذلك ولمدة طويلة، اعتلى ممثلون آخرون مركز الصدارة، إذ لجأت حماس إلى قطر للحصول على المال، وإلى إيران للأسلحة، وتركيا للدعم السياسي. بدورها، وجدت إسرائيل في الآونة الأخيرة حلفاء جددا في العالم العربي من خلال توقيع اتفاقيات إبراهيم مع الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والسودان، والمغرب.

تحوّل الأمور باتجاه القاهرة

في الشرق الأوسط الأوسع، طغت على مصر دول ذات أجندات إقليمية طموحة، مثل المملكة العربية السعودية، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة. وتحولت القاهرة إلى مرتبة الشريك الأصغر في الائتلافات العربية، سواء فيما يتعلق بالحظر المفروض على قطر أو الحملة العسكرية في اليمن ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.

تغيرت النظرة الأمريكية لمصر أيضاً، حيث اعتبر الرئيس دونالد ترمب الرئيس السيسي "ديكتاتوره المفضل"، وتعهد بايدن بألا يمنح المزيد من الشيكات المفتوحة لحكومة تنتهك حقوق الإنسان بشكل صارخ. أشار هذا إلى أن القاهرة لن يمكنها الاعتماد على الدعم الأمريكي في قضايا السياسة الخارجية التي تعتبرها مصر ذات أهمية وجودية، مثل الخلاف مع إثيوبيا حول سد عملاق على النيل الأزرق.

إلا أن الأمور بدأت في الاتجاه نحو السيسي في الشهور القليلة الماضية، فلقد تحسّنت العلاقات مع تركيا بعد سنوات من الخلاف حول دعم أنقرة للإخوان المسلمين، وأصبحت مصر لاعباً محورياً في المنافسة على الموارد الهيدروكربونية في شرق البحر المتوسط. أصبح للسيسي أيضاً صديق مفضل جديد هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعدما وجد أن بايدن يفتقر إلى الدفء.

حافظت مصر على اتصالاتها في غزة طوال الوقت. فلقد تحسنت العلاقات مع حماس في عام 2017، بعد قطع الجماعة الإسلامية لعلاقاتها بجماعة الإخوان المسلمين، الفزاعة بالنسبة للسيسي. مرت العلاقة بفترات ازدهار وتدهور منذ ذلك الحين، ولكنها سارت في مسار تصاعدي في الآونة الأخيرة بعد سعي مصر إلى التوسط في المصالحة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة.

مكامن القوى

على الرغم من كل الدعم الذي تحصل عليه في أماكن أخرى، إلا أن حماس بحاجة إلى البقاء في حظوة القاهرة. فمع حصار غزة من ثلاث جهات من قبل إسرائيل، تعتبر مصر وسيلة اتصالها الفعلية الوحيدة بالعالم الخارجي. هذا يعطي مصر ما لا يملكه أي من اللاعبين الآخرين في الشرق الأوسط، فلديها علاقات مباشرة مع كل من إسرائيل وحماس، وهذا الأمر يعتبر مفصلياً لفرصها في التوسط بالصراع الحالي.

بعد فترة وجيزة من بدء القتال الأخير، أمر السيسي بفتح المعبر الحدودي لإيصال الجرحى من غزة إلى المستشفيات في مصر، ولتدفق المساعدات الإنسانية في الاتجاه المعاكس. تعهد أيضاً بتقديم 500 مليون دولار لإعادة الإعمار، وفتحت حكومته اتصالات مع زعيم حماس إسماعيل هنية، وأرسلت وسطاء إلى القدس. في المقابل، يمكن لدول الشرق الأوسط الأخرى، بما في ذلك الموقعين العرب على اتفاقيات إبراهيم، تقديم الدعم الخطابي للفلسطينيين فقط، بينما أصدرت إدارة بايدن بيانات مهدئة حول حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

لن تسفر جهود مصر في حد ذاتها عن هدنة، ولن يتوقف القتال إلا عندما يعتقد كلا الطرفين المتحاربين أنهما وصلا إلى نقطة تناقص العوائد، إذ تتجاوز تكلفة القتال المكاسب العسكرية أو الدعاية. وعندما تصل إسرائيل وحماس إلى تلك المرحلة، سيلجأ كل منهما إلى مصر للوساطة.

سيستمتع السيسي بتلك اللحظة، في الوقت الذي يعبر فيه بايدن عن دعمه على الهامش.