لماذا نعجز عن منع تسرُّب النفط من الإضرار بالبيئة حتى الآن؟

حادثة التسرُّب النفطي من الناقلة "واكاشيو" على سواحل موريشيوس تؤكد أنه حتى التسرُّب الصغير قد يكون كارثياً على البيئة. فهل نأمل في التوصل إلى تقنيات جديدة تمنع تكرار هذه الحوادث المؤسفة؟

متطوعون يجمعون النفط المتسرب من ناقلة البضائع السائبة "واكاشيو" التي جنحت نحو موريشيوس
متطوعون يجمعون النفط المتسرب من ناقلة البضائع السائبة "واكاشيو" التي جنحت نحو موريشيوس المصور: بيكاش روبون - موريشيوس إكسبرس - أ.ف.ب عبر صور جيتي
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مضى أكثر من نصف قرن منذ أن وقف العالم يراقب برعب تسريب ناقلة "توري كانيون "ما يقرب من 100 ألف طن من النفط الخام قبالة السواحل البريطانية، وشهدت الدولة أسوأ كارثة بيئية في تاريخها، قبالة سواحل موريشيوس في أغسطس الماضي، عندما تسرب 1000 طن فقط من زيت الوقود من ناقلة البضائع السائبة "واكاشيو".

فيكاش تاتايا، مدير حماية البيئة في مؤسسة "الحياة البرية" في موريشيوس، يقول، إنَّ "نحو 75 % من النباتات والحيوانات مستوطنة في الجزيرة، أو في جُزر ماسكارين. هذا التنوُّع الجيني المفقود ربما لن يُستعاد أبداً".

فلماذا مانزال نكافح لإيجاد طريقة سريعة وفعَّالة لمعالجة أكثر الحوادث ضرراً للبيئة؟ نستعرض في الآتي بعض الخيارات الموجودة لمعالجة مشكلات التسرُّب النفطي.

نوبوهارو كاغامي، المدير التنفيذي لـ"الهيئة اليابانية للسلامة البحرية"، يقول إنَّّ المشتت هو أحد أكثر طُرق التنظيف شيوعاً وفاعليةً، عندما يتعلق الأمر بالتسرب النفطي، إذ تعمل المواد الكيميائية على تفكيك الزيت المنتشر في المحيطات إلى جزيئات أصغر، مما يمكنها من التحلل في النهاية بواسطة البكتيريا، والكائنات الدقيقة الأخرى التي تحولها إلى ثاني أكسيد الكربون والماء.

ويضيف كاغامي أنَّ المشتتات تخضع للتنظيم، وهي أقلُّ سُمِّية للبيئة البحرية، لكن لا تُستخدَم عادةً في المناطق المعرضة للخطر بيئياً. وفي حالات التسرب بالقرب من الساحل، إذ يقع معظم حوادث السفن، فقد لا يتوفر الوقت الكافي للمادة الكيميائية للعمل بشكل كامل، كما يمكن أن ينتهي الأمر بتغلغل مزيج من الزيت، والمذيبات، والمستحلبات الصناعية داخل النظام البيئي، مما قد يزيد الضرر في بعض الأحيان.

سحب الزيت بالصهاريج

كونياكي ساساكي، الخبير في "منظمة المحيط والشاطئ"، الذي شارك في الإشراف على التخلص من النفط في حوادث كبرى، بما في ذلك تسرُّب ناخودكا عام 1997 في بحر اليابان. يقول من جهته، إنَّ سحب النفط باستخدام الآلات يُعَدُّ على الأرجح أسرع طريقة لتنظيف معظم التسريبات النفطية، ولكن يجب أن يحدث ذلك بسرعة "قبل أن يتجمَّد الزيت، ويتحوَّل إلى كرات من القطران"، كما تُستخدَم أذرع ممتدة في البحار لاحتواء البقع ومنعها من الوصول إلى الشاطئ.

لكن الصهاريج التي تُستخدم لسحب النفط المتسرب يمكن أن تلحق الضرر بالبيئة أيضاً، كونها تسحب كل شيء، لا الزيت فقط. ويكون النظام فعّالاً فقط في الأحوال البحرية الهادئة.

وبحسب ما قاله ريتشارد جونسون، المدير الفني في الاتحاد الدولي لمالكي الناقلات المعني بالتلوث، وهي إحدى المنظَّمات التي تشرف على جهود تنظيف سواحل موريشيوس، فإنَّ التعافي في حالة "واكاشيو" معقَّد، نظراً إلى أنَّ الخط الساحلي حيث حدث التسريب، يشمل مناطق من الصخور، والرمال، والطمي، وأشجار المنغروف أيضاً.

ماذا عن "المعالجة البيولوجية"؟

تُعدُّ المعالجة البيولوجية ابتكاراً أحدث، وهي طريقة قائمة على استخدام الطرق الطبيعية، وهي تجذب انتباه دعاة حماية البيئة بشكل متزايد. تكمُن الفكرة في ضخِّ البكتيريا المتغذية على النفط في المحيط، والشواطئ الأمامية لتسريع التأثير الطبيعي للكائنات البحرية الدقيقة. ويمكن أن تساعد المعالجة البيولوجية عندما يكون الزيت منتشراً بالفعل، خصوصاً في المياه الاستوائية الأكثر دفئاً.

أتسوشي يامازو، المدير في المعهد الوطني الياباني للتكنولوجيا والتقييم، يقول: "يتأثر أداء الكائنات الدقيقة التي تعمل على تحلُّل الزيت كثيراً بالعوامل البيئية، مثل درجة الحرارة، أو الأكسجين، أو العناصر الغذائية الأخرى في المياه، مثل الفوسفور والنيتروجين".

لكن البكتيريا ليست فعَّالة في تفكيك كل مكونات النفط، مثل الراتينغ والأسفلتين، ويمكنها أحياناً أن تضرَّ بالنظام البيئي أيضاً، إذ تستهلك البكتيريا الأكسجين المذاب الذي تحتاج إليه أشكال الحياة البحرية الأخرى أيضاً. ويضيف يامازو أنَّ هناك حاجة إلى إجراء مزيد من التجارب قبل "نثر البكتيريا في المحيط".

تصميم السفن بشكل أفضل بحيث لا تسرِّب النفط

كان القرار الذي اتخذته المنظمة الدولية للملاحة البحرية في عام 1992، بإلزام الناقلات الكبيرة بناء جسم الناقلات بطريقة مزدوجة، أحد أكبر الابتكارات المصممة للحدِّ من التلوث البحري، إذ يوفر حماية أكبر في حالة ثقب الهيكل الخارجي بسبب التصادمات أو الشعاب المرجانية. وقد شُدِّدَت اللوائح والأنظمة عدة مرات منذ ذلك الحين، لكن في حالة الحادثة الخاصة بالناقلة "واكاشيو"، التي انقسمت فيها السفينة إلى جزأين، لا يمكن منع حدوث التلوث البيئي.

تتمثَّل إحدى الطرق الفعَّالة لتقليل مخاطر تغطية الشواطئ بالنفط في منع السفن من الإبحار قريباً جداً منها، ولكن ذلك غير ممكن إذا كان على السفينة أن ترسو في الميناء للتحميل، أو التفريغ، إلا أنَّ ناقلة "واكاشيو" كانت تبحر من الصين إلى البرازيل عبر سنغافورة، ولم تكُن بحاجة إلى أن تكون بالقرب من شواطئ موريشيوس.

وتكمُن المشكلة في أنَّ مالكي السفن يريدون توفير الوقت والمال من خلال اتخاذ أقصر الطرق، وتسمح المعاهدات الدولية للسفن التجارية بالإبحار على بُعد أميال قليلة من السواحل الوطنية.