كيف نضمن أن يكون قانون "الحدود اللانهائية" مجدياً؟

مبنى الكابيتول هيل حيث يلتئم الكونغرس الأمريكي في العاصمة واشنطن. الولايات المتحدة
مبنى الكابيتول هيل حيث يلتئم الكونغرس الأمريكي في العاصمة واشنطن. الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يسعى مشروع قانون "الحدود اللانهائية" الذي تمَّ تقديمه إلى الكونغرس الأمريكي في 21 إبريل 2021، إلى تحقيق هدفين نبيلين، لكنَّهما للأسف، قد يتعارضان مع بعضهما. فالهدف الأول، هو إعادة بناء القوة التكنولوجية للولايات المتحدة ضد التهديدات المتزايدة من الخارج، لا سيَّما الصين، وفيها يتركَّز الهدف الثاني على نشر ومشاركة الازدهار في مناطق عدَّة في الولايات المتحدة، من خلال تمويل مراكز التكنولوجيا الإقليمية.

لا شكَّ في أنَّ توزيع الأموال بطريقة تصل معها إلى كل أرجاء البلاد، يعتبر سياسة اجتماعية جيدة، لا بل سياسة مثمرة تضمن حصول التشريع المقترح على دعم مزيد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ. لكن هذه السياسة قد لا تكون أفضل طريقة لكسب الحرب التكنولوجية، إذ من الطبيعي أن يذهب جزء من التمويل، وبشكل غير متكافئ إلى مجموعة قليلة من مناطق النخبة -مثل "وادي السيليكون"– كون هذه المنطقة يعيش ويعمل فيها عدد غير متكافئ أيضاً من كبار العلماء والمهندسين.

100 مليار دولار

وفقاً لما أوردته شبكة "بلومبرغ نيوز"، فإنَّ مشروع قانون "الحدود اللانهائية" هو اقتراح مقدَّم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ومن مجلسي الشيوخ والنواب. وقد جرى تقديم نسخة مجلس الشيوخ عن طريق زعيم الأغلبية السيناتور "تشاك شومر"، (وهو عضو ديمقراطي من نيويورك)، والسيناتور الجمهوري عن ولاية إنديانا "تود يونغ".

من بين أمور عديدة أخرى سيسمح بها مشروع القانون، سيتمُّ تخصيص 100 مليار دولار على مدى خمس سنوات لتعزيز البحث والتطوير، في مجالات التكنولوجيا، والحوسبة، والذكاء الاصطناعي، والتصنيع، إلى جانب مجموعة من القطاعات الأخرى.

أما من الناحية الجغرافية، فسيمتد الدعم إلى الأمة الأمريكية بأسرها، فيما تشمل قائمة الرعاة المشاركين في تقديم مشروع القانون، أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين "ماغي حسن" من نيو هامبشاير، و"كريس كونز" من ديلاوير، و"تامي بالدوين" من ولاية ويسكونسن، و"غاري بيترز" من ميشيغان، و"مارك كيلي" من أريزونا، بالإضافة إلى الأعضاء الجمهوريين "سوزان كولينز" من ولاية ماين، و"روب بورتمان" من ولاية أوهايو، و"ليندسي غراهام" من ساوث كارولاينا، و"ستيف داينز" من مونتانا، و"روي بلانت" من ميسوري، و"ميت رومني" من ولاية يوتا.

هذا في مجلس الشيوخ. أما الداعمان الرئيسيان لمشروع القانون في مجلس النواب الأمريكي، فهما النائب الديموقراطي: "رو خانا" من كاليفورنيا، والنائب الجمهوري "مايك غالاغر" من ولاية ويسكونس.

مراكز في كل المناطق

بحسب نص مشروع القانون، فإنَّ "أكثر من 90% من نمو التوظيف في قطاع الابتكار في الولايات المتحدة خلال آخر 15 عاماً، تركَّز في 5 مناطق حضرية كبرى فقط". هذا التركيز الجغرافي المحدود يُظهر بشكل واضح أنَّ هناك مشكلة بالنسبة إلى المناطق الأخرى، لكنَّه في الوقت ذاته يعني أنَّ الأفراد والشركات عموماً في قطاع الابتكار، يميلون إلى التجمع في مكان واحد حتى وإن لم تكن هناك قيود تفرض عليهم ذلك، وبرغم كل الصعوبات المتمثِّلة على سبيل المثال في ارتفاع تكلفة السكن في تلك المناطق أو في تكاليف المواصلات لمسافات بعيدة؛ وذلك لأنَّ الوجود في مكان واحد بالنسبة إلى العاملين في هذا القطاع، يضمن لهم التواصل عن قرب مع أشخاص آخرين يعملون على أحدث المنتجات التكنولوجية وأكثرها تطوراً، وهذا أمر طبيعي، إذ من الصعب أن تتوصل إلى ابتكار جديد، ما لم تكن موجوداً في المكان الصحيح.

مشروع القانون يشير صراحة إلى أنَّه يتعيَّن على الحكومة الأمريكية "تخصيص مراكز تقنية إقليمية في أكبر عدد ممكن من المناطق في الولايات المتحدة".

تجربة "لوكهيد مارتن"

مثل هذه الاستراتيجية، كانت قد أثبتت نجاحها في الماضي. وليس أدل على ذلك من الطريقة التي اعتمدتها شركة "لوكهيد مارتن" وشركاؤها في تلزيم عقود برنامج طائرات "F-35" في أكبر عدد ممكن من المقاطعات والولايات الأميركية، إلى درجة أنَّ إحدى الخرائط المنشورة على الموقع الإلكتروني للشركة، تظهر أنَّ ولايتي داكوتا الشمالية وهاواي، هما الوحيدتان اللتان لم تحصلا على أيِّ عقود مرتبطة ببرنامج الطائرة المقاتلة. وهذا الأمر، ساعد "لوكهيد مارتن" على أن يكون هناك تجمع حزبي داخل الكونغرس، متخصص في دعم برنامج مقاتلات "F-35".

في العام الماضي، قالت "لوكهيد مارتن"، إنَّ البرنامج ساعد الاقتصاد الأمريكي المحلي عبر دعم أكثر من 1800 مورد، وتوفير أكثر من 254 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة في جميع أنحاء البلاد. وليس من قبيل المصادفة أن تكون هذه الطائرة ضمن نظام الأسلحة الأكثر تكلفة بالنسبة إلى وزارة الدفاع "البنتاغون"، فقد تجاوزت تكلفة البرنامج حتى الآن 428 مليار دولار، أي ما يقرب ضعف التقدير الأولي لها، الذي بلغ 233 مليار دولار، وفقاً لبيانات منظمة "مواطنون ضد الهدر الحكومي" (Citizens Against Government Waste).

القدرة على النمو

صحيح أنَّ هناك مناطقَ يمكن أن تشكِّل بيئة خصبة للنمو، كمدينة فارغو في ولاية داكوتا الشمالية التي باتت من أهم مراكز التكنولوجيا في الولايات المتحدة. وكلما زاد عدد هذه المناطق، كان ذلك أفضل، مع التأكيد على أنَّه من الأجدى لهذه المناطق أن تتمتَّع بالقدرة على النمو بشكل طبيعي، لا أن يكون نموها معتمداً على التمويل الحكومي.

في حوار مع "جيمس بيتوكوكيس" من معهد "أمريكان إنتربرايز"، يقول "إنريكو موريتي" الخبير الاقتصادي بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، ومؤلِّف كتاب "الجغرافيا الجديدة للوظائف" الذي صدر عام 2012: "إذا نظرت إلى تاريخ مراكز الابتكار في الولايات المتحدة، ستجد أنَّه من الصعب العثور على أمثلة تمَِّ فيها إنشاء مركز للابتكار عبر تطبيق سياسة واضحة ومدروسة، كأن تأتي إحدى الولايات مثلاً، وتقول: "الآن، سأنشئ وادي سيليكون جديد في هذا المكان".