الدخل الأساسي الشامل.. هل يكون المنقذ من الركود الاقتصادي؟

ناشطون مؤيدون للدخل الأساسي الشامل
ناشطون مؤيدون للدخل الأساسي الشامل المصدر: جيتي
Andreas Kluth
Andreas Kluth

Columnist at Bloomberg Opinion. Previously editor-in-chief of Handelsblatt Global; 20 years at The Economist. Author of "Hannibal and Me."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لإقرار وصياغة سياسات جيدة، يجب على الأقل أن يكون لديك فكرة بسيطة عن النظرية التي تتحدث عنها. ولكن، عندما يتعلق الأمر بما قد يكون أكبر اقتراحات الإصلاح المطروحة فإننا ببساطة لا نعرف شيئًا. أتحدث هنا عن الدخل الأساسي الشامل (UBI)، وهو نظام للمدفوعات النقدية غير المشروطة التي تقرّ لجميع الناس في نطاق قانونيّ معيَّن.

في حالة إقرار الدخل الأساسي الشامل، هناك عديد من الإيجابيات التي يعرضها مناصروه والتي تتمثل بمساهمته في خفض معدلات الفقر، ومنح الأشخاص صحة أفضل، والحفاظ على كرامتهم بصورة أكبر، كما أنه من شأنه تيسير عملية التحوّل المهني بالنسبة إلى العمّال الذين فقدوا وظائفهم بعد أن حلّت الروبوتات أو تقنيات الذكاء الاصطناعي محلّهم، ليتمكنوا من إعادة تأهيل أنفسهم للقيام بوظائف مختلفة.

ويمكن القول بشكل عامّ إنّ الدخل الأساسي الشامل يتيح للأفراد فرصة لتجاوز فترات بقائهم دون عمل أو العمل في وظائف سيئة، ويتيح لهم إمكانية الاستثمار في مهاراتهم الخاصة لمعاودة الانضمام إلى القوى العاملة في مستويات وظيفية أعلى.

حاليًّا، عندما يريد الأشخاص ترك وظيفة لا توفر المجال للتقدم، قد يأخذ البعض "إجازة" لمدة سنة للتعليم، أو يمكنهم المساهمة مؤقتًا بطرق نافعة أخرى، على سبيل المثال، من خلال تعليم أطفالهم في المنزل أو رعاية الآباء المسنّين، فيما تمنحهم أحيانًا الحكومات معونة لذلك بطريقة أو بأخرى. وبالنظر إلى الدخل الأساسي الشامل، فإنه في حال إقراره سيحلّ محلّ معظم أو -كما أرغب- جميع أنظمة الرعاية القديمة التي تقدمها الحكومات، وبالتالي لا ينبغي أن تكون تكلفته باهظة عليها.

تبريرات معارضي الدخل الشامل

لننتقل الآن إلى حُجَج معارضي إقرار الدخل الأساسي الشامل، فإنها تتمثل في تقليل قيمة وشأن العمل ومكافأة "الكسل" بطريقة ما، فمع انعدام الحاجة إلى وجود العمل، لماذا نتكبّد عناءه؟ كذلك فإنه من شأن الدخل الأساسي الشامل أن يخلق طبقة دُنيا جديدة واعتمادية بشكل دائم، ستُعتبر بمثابة "بروليتاريا* " جديدة من مخلفات الثورة الصناعية الرابعة، موفرًا دخلًا سهلًا لأفراد المجتمع العاطلين والذين لا يشاركون بالتنمية، في حين سيتعيَّن على البقية من العمّال المجتهدين دفع ضرائب مرتفعة بشكل غير مقبول لإعالة هؤلاء.

هذه هي الحال التي وصل إليها النقاش الآن في صدام بين مؤيد ومعارض، ولكن بعيدًا عن هذا كله، واقعيًّا، كيف سيستجيب معظم البشر للمال "المجاني"؟ في الحقيقة ليست لدينا أدنى فكرة.

حاول كثير من الناس معرفة ذلك بالطبع، بداية من كندا في السبعينيات، إذ أجرى عديد من الحكومات المحلية والإقليمية والوطنية حول العالم تجارب تتعلق بهذا الشأن، ومع ذلك لم تسفر تلك التجارب عن كثير من النتائج المفيدة حتى الآن. وفي بعض الأحيان، عند تولي حكومة جديدة مقاليد الأمور تقف هذه المشروعات البحثيّة أو تغيِّر معاييرها وتطمس معالمها، أو تكون الدراسة قد صُمِّمَت بشكل سيئ من الأساس.

الخبراء المختصّون بدراسة موضوع الدخل الأساسي الشامل يصابون بخيبات أمل متتابعة، وبشكل خاصّ وعلى سبيل المثال، وقف المشروع الفنلندي لإقرار الدخل الشامل بعد عامين فقط من إطلاقه الذي بدأ في عام 2017، وذلك لإدخال تغييرات كثيرة عليه. وهو مشروع لم يُخطَّط له بشكل جيِّد من الأساس، إذ حصل ألفا فنلندي كانوا عاطلين عن العمل في البداية على دخل متواضع بلغ 560 يورو (654 دولارًا) شهريًّا، وقُورِنُوا بمجموعة أخرى استمرّت في تلقي إعانات البطالة التي خضعت لدراسة الإمكانيات.

التأثير على الاقتصاد الكلي

وبالطبع، لمعرفة تأثير الدخل الأساسي الشامل في الاقتصاد الكلّي، يتطلب الأمر اختباره على شريحة تمثل جميع السكّان، لا العاطلين عن العمل فقط، ومع ذلك فقد فضحت الدراسة الفنلندية، على الرغم من عدم مثاليتها، زيف أحد افتراضات معارضي الدخل الأساسي الشامل، إذ لم يؤدِّ الحصول على مدفوعات غير مشروطة إلى تحسين صحّة الفنلنديين المشاركين فحسب، بل زاد أيضًا احتمالَ عثورهم على وظائف. باختصار، أصبحوا أكثر صحة ولكن ليسوا أكثر كسلًا.

وحاليًّا، فإنّ الحماس يحدو ببدء مشروع بحث آخر في ألمانيا، قد يضع المعايير، أخيرًا، بصورة صحيحة، فقد تقدم بالفعل ما يقرب من مليونَي شخص من فئات مختلفة ليصبحوا جزءًا من هذه التجارب. وابتداءً من نوفمبر، سيختار علماء الاجتماع مجموعتين ستحصل إحداهما، المؤلفة من 120 شخصًا، بدايةً من الربيع المقبل ولمدة ثلاث سنوات، على 1200 يورو شهريًّا، وستُقارَن بمجموعة ضابطة للبحث ومكونة من 1380 شخصًا سيُراقَبون ولن يحصلوا على أيّ أموال.

المختلف في هذه التجربة هو أن المنظِّمين سيبحثون عن "توائم إحصائية متطابقة"، فمثلًا إذا كان في المجموعة الأولى عازفة بيانو تبلغ من العمر 25 عامًا وتعيش في مدينة حضرية، وتلقت 5 سنوات من التعليم العالي وتتمتع بصحة جيدة، فسيجد الباحثون لها شبيهة بنفس المواصفات في المجموعة الأخرى "الضابطة". وكذلك الحال بالنسبة إلى السبّاك البالغ من العمر 40 عامًا من الريف، والعامل المؤقت الذي يسلِّم طرود "أمازون"، وما إلى ذلك.

الآثار النفسية والاجتماعية

وفقا ليورجن شوب، عالِم الاجتماع الذي يترأس المشروع، فإنه ينبغي أن يحدَّد ويُفصل تأثير الدخل الشامل في حياة الناس، وذلك لن يكون ممكنًا إلا من خلال مقارنة هذه "التوائم الإحصائية" على مدى عدة سنوات. وفي النهاية، سيقارن الباحثون حتى عينات من شعر المشاركين بحثًا عن دلائل تشير إلى مستوى هرمونات الضغط والتوتر. وكعادة الأبحاث العلمية، لن تثبت النتائج بالضرورة إيجابية موضوع البحث، أو أن الدخل الأساسي الشامل يحوّلنا إلى روّاد أعمال مثلًا، لكن ينبغي أن يصبح الباحثون قادرين على دحض الحجج السيئة، أو إلغاء فكرة أن الدخل الأساسي الشامل يجعلنا كسالى، ربما.

هذا المشروع على الرغم من كونه واعدًا فهو لن يحاول الإجابة عن كل الأسئلة، مثل: ما خدمات الرعاية الحالية التي يمكن أن يحلّ الدخل الأساسي الشامل محلّها؟ وهل سيشمل حتى المهاجرين والمقيمين المؤقتين؟ وكيف سيموَّل؟ لكنه على الأقل خطوة في الاتجاه الصحيح، وتذكير لصانعي السياسات في الدول الفقيرة والغنية على حدٍّ سواء بحاجتهم إلى التحلي بعقل متفتح، فنحن بالفعل في خضمّ تحوُّل رقميّ من شأنه أن يدمّر عديدًا من الوظائف القديمة ويخلق عديدًا من الوظائف الجديدة، ونحن بحاجة إلى أنظمة تساعد الناس على التكيُّف.

وكما أكّد لنا عام 2020 جميعًا، فإنه بين الحين والآخر يأتي شيء مثل الركود الناجم عن الوباء، الذي قد يكون الدخل الأساسي الشامل أداة سياسية مثالية لمجابهته، وسيكون من المفيد بالتأكيد إذا تمكّنا من الإجابة عن بعض الأسئلة الكبرى المتعلقة بالموضوع.

*مصطلح ظهر في القرن التاسع يشير إلى الطبقة التي ستتولد بعد تحول اقتصاد العالم من اقتصاد تنافسي إلى اقتصاد احتكاري، وهي طبقة التي لا تملك أي وسائل إنتاج لتعيش.