لماذا تتصدر سندات اليونان اهتمامات مستثمري الديون السيادية؟

مع التحسن الاقتصادي السريع في اليونان، لم يعد هناك مجالٌ للحديث عن العودة لعملة "الدراخما" أو الخروج من الاتحاد الأوروبي
مع التحسن الاقتصادي السريع في اليونان، لم يعد هناك مجالٌ للحديث عن العودة لعملة "الدراخما" أو الخروج من الاتحاد الأوروبي المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لهذا الموطن الواقع في جنوب شرق أوروبا، والذي يبلغ عدد سكانه 10.7 مليون شخص، أدنى المخاطر وأعلى العوائد في أي وقت يتم فيه تداول السندات الحكومية الرئيسية.

يتوقع الاقتصاديون أن يحقق ثاني أسرع نمو بين 34 دولة متقدمة. كما أنه أيضاً رمز التجديد الاقتصادي غير المتوقع وقوة 19 دولة تشترك في عملة واحدة، اليورو.

نحن نتحدث عن اليونان، التي نجت من الموت منذ 6 سنوات بسبب التقشف المستمر في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008.

توقعات متشائمة لم تتحقق

لم يتأخر الانتعاش اليوناني طويلاً بعد عام 2015، وهو العام الذي قال فيه رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابق، آلان غرينسبان، لهيئة الإذاعة البريطانية، إن الأمر ليس إلا "مسألة وقت فحسب" قبل أن تتخلى اليونان عن الاتحاد النقدي وسيتفكك اليورو.

قال الملياردير جورج سوروس، رئيس مجلس إدارة صندوق سوروس، في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ في نفس الوقت تقريباً إن "اليونان في طريقها إلى الانهيار".

وشارك مارسيل فراتشر، رئيس تحليل السياسات السابق في جامعة أكسفورد وهارفارد في البنك المركزي الأوروبي ورئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، أيضاً في وصف اليونان بأنها "كارثة سياسية واقتصادية".

التخلي عن سياسة التقشف

كان هذا التشاؤم نتيجة جهود رئيس الوزراء المنتخب حديثاً، "أليكسيس تسيبراس"، لإنهاء خمس سنوات من خفض الإنفاق الحكومي خلال فترة الكساد، في الوقت الذي حصل فيه على 7.2 مليار يورو (8.7 مليار دولار) من حزمة إنقاذ بقيمة 240 مليار يورو من الدائنين في الاتحاد الأوروبي.

بالنسبة للكثيرين من العالم الخارجي، بدا أن ضغط الاتحاد الأوروبي على "تسيبراس" للإبقاء على التقشف في مكانه، سيدفعه إلى التخلف عن سداد الديون، والتخلي عن اليورو لصالح عملة وطنية، يمكن تخفيض قيمتها لتحفيز الاقتصاد المتعثر.

لكن استطلاعات الرأي العام في اليونان فشلت في إظهار أي تفضيل للعودة إلى عملة "الدراخما". لهذا السبب لم يشارك المستثمرون في قلق العالم إلا قليلاً.

لم تخرج اليونان من منطقة اليورو مطلقاً، ومنذ ذلك الحين جعل المستثمرون من السندات السيادية اليونانية المفضلة لديهم.

وكان المقياس الأكثر ضماناً لثقتهم هو تضاؤل تقلبات أسعار الديون اليونانية، التي تبخر تقلبها من 69% في عام 2015 إلى أدنى مستوى خلال عقد عند 3.8% هذا الشهر - وهو مقياس للاستقرار يتفوق في الأداء على المعيار العالمي، وهو قريب جداً من سندات الخزانة الأمريكية، وفقاً لمؤشرات بلومبرغ باركليز.

عوائد فائقة

تتفوق الأوراق المالية اليونانية على جميع المؤشرات العالمية، ما يوفر عائداً إجمالياً (الدخل بالإضافة إلى الإهلاك) بنسبة 120% خلال السنوات الخمس الماضية، حيث حقق أقرانها في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا والمحيط الهادئ والخزانة الدولية عائداً صافياً قدره 19% و13% و8% و13%، على التوالي، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ.

لا يزال عائد اليونان البالغ 39% على مدى عامين يقزم المنافسة نفسها. حتى خلال الأشهر الستة الماضية التي ضربها الوباء، حافظت اليونان على نفسها، حيث كسبت 1% بينما خسر المؤشر القياسي لأوروبا والولايات المتحدة وآسيا والمحيط الهادئ والعالمي 1% و4% و1% و2%.

في مارس 2019، اقتنص المستثمرون 2.5 مليار يورو من السندات اليونانية لأجل 10 سنوات بسعر عائد 3.9%، وهو أول عرض من نوعه منذ تسع سنوات.

ارتفعت قيمة السندات نفسها لدرجة أن عائدها اليوم أقل من 1%، وهو أدنى مستوى منذ بدء جمع البيانات في عام 1996. كانت اليونان تدفع أكثر من 33% في ذروة أزمة ديونها في عام 2012.

تحسن اقتصادي سريع

من خلال رفض العودة إلى عملة "الدراخما" المبتلاة بالتضخم، وتحويل أعباء ديونها من المدى القصير إلى أطول آجال استحقاق في منطقة اليورو، لحقت اليونان مؤخراً ببقية العالم المتقدم، مع توقع زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.1% في عام 2022، لتحتل المرتبة الثانية بين 34 دولة، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ.

لم تمر النظرة المحسّنة مرور الكرام. فقد رفعت وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال ريتينغ"، الشهر الماضي التصنيف الائتماني السيادي طويل الأجل لليونان إلى BB من -BB.

وقالت شركة التصنيف في بيان لها: "تعكس الترقية توقعاتنا بتحسن سريع في أداء اليونان الاقتصادي وميزانيتها مع انحسار الآثار السلبية لوباء كوفيد 19".

وأصدرت وكالة "موديز" تقييماً محدثاً مماثلاً في نوفمبر الماضي. وهو ما يجعلنا نقول إنه لا مزيد من مقولات مغادرة الاتحاد الأوروبي، وتفكك منطقة اليورو، وسقوط اليونان في الهاوية.