هل تستحق عوائد "بتكوين" المخاطرة؟

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا تعتبر المكاسب الفريدة من نوعها التي يتفاخر بعض متداولي عملة "بتكوين" (Bitcoin) بتحقيقها في هذه الأيام، الأمر الوحيد اللافت للانتباه. فعوائد هذه العملة الرقمية، جديرة بالاهتمام أيضاً.

في الوقت الذي يتم تثبيت أسعار الفائدة على الودائع المصرفية التقليدية بمعدل يقترب من الصفر –أو في أغلب الأحيان أقل من 0.5%، تعرض شركات التكنولوجيا المالية أن تدفع لمالكي "بتكوين" والعملات المشفرة الأخرى، عائداً سنوياً يتراوح ما بين 2% إلى 6% وأحياناً أكثر، كما يمكنك إيداع عملاتك من خلال بضع نقرات على أحد تطبيقات تلك الشركات على الهواتف الذكية.

إذا كنت تتسائل عن الفائدة التي ستعود على تلك الشركات من وراء فعل ذلك، فالإجابة هي أن هناك في الواقع العديد من الفوائد التي يمكن أن تعود عليها. فبالإضافة إلى المخاطر التي تتعرض لها بالفعل عند امتلاك العملات المشفرة، يتم دفع الأرباح لك بالعملات المشفرة أيضاً، ويمكن أن تنخفض أسعار تلك العملات بسهولة، وبالدرجة الكبيرة ذاتها التي ارتفعت بها خلال العام الماضي، ما يؤدي إلى القضاء على أي ميزة تحصل عليها من العوائد، خصوصاً إذا كنت تقارنها بالأرباح التي كان بمقدورك تحقيقها لو كنت استثمرت أموالك في عملة الدولار الأمريكي مثلاً.

التأمين على الودائع

بشكل أساسي، أنت تقوم في هذا الاستثمار بإقراض تلك الشركات عملتك المشفرة، دون اتخاذ أي من وسائل الحماية العديدة التي يوفرها لك الحساب المصرفي التقليدي، مثل ميزة التغطية التي يحصل عليها حسابك بالبنك من مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية.

تمتلك بعض الشركات التي تتيح فتح حسابات للعملات الرقمية، مواقع إلكترونية تشبه إلى حد كبير مواقع البنوك على الإنترنت. حتى إن شركة إقراض العملات المشفرة "نيكسو"(Nexo) مثلاً تضع على موقعها شعار "الخدمات المصرفية على العملات المشفرة"، وهي تروّج لنظام تأمين على الحسابات المالية لديها تبلغ قيمته 375 مليون دولار. ومع ذلك، فإن ما توفره هذه السياسة لا يمكن مقارنته أبداً بالتغطية التي تقدمها شركة تأمين الودائع الفيدرالية، التي تحمي مدخرات المودعين من الخسائر.

حماية من السرقة

في إحدى الصفحات على موقعها الرسمي، تقول شركة "نيكسو"، إنها تطبق نظام التأمين لحماية المستخدمين من "الجرائم التجارية"، والتي تتضمن: "حماية من الاختراق المادي، أو القرصنة الإلكترونية، أو سرقة الموظفين"، ولكنها لا تحمي المستخدمين من الخسائر التي قد يتعرضون إليها بسبب أنشطة الإقراض التي تقوم بها الشركة.

وتعتبر العائدات أو الفوائد جزءاً من تحول مفاجئ في سوق العملات المشفرة. فغالباً ما يُنظر إلى عملة بتكوين الكبيرة والعملات المشفرة الصغيرة التي جاءت بعدها، مثل "دوج كوين"(Dogecoin) و"إيثريوم" (Ethereum)، وغيرهما العديد من العملات المشفرة، على أنها وسيلة لتجنب النظام المالي القائم.

نظام الظل المصرفي

يشعر بعض مالكي العملات الرقمية طويلي الأجل، وهو مصطلح يستخدم في سوق العملات المشفرة للدلالة على أصحاب العملات منذ فترة طويلة، بالحذر من حسابات العائد لأنهم يضطرون بسببها إلى كشف مفاتيح عملاتهم الخاصة –الأرقام والأحرف الأبجدية التي تتيح لهم التحكم في الأصول الرقمية– للحصول على العائد.

إلى جانب عالم العملات المشفرة، نشأت سوق معقدة ومتشابكة تشبه إلى حد كبير نسخة أكثر شراسة من وول ستريت، وتم تدعيم تلك السوق بالمشتقات المالية، والبيع والشراء الفوري، والاقتراض، ومجموعة من الوسطاء، وأطلق البعض على هذا السوق اسم: "نظام الظل المصرفي للعملات المشفرة".

قروض العملاء

ضمن أقل مستويات العائد، يتم دفع 2.05% على عملات بتكوين من قبل برنامج "جيميني إيرن" (Gemini Earn)، الذي يشكل جزءاً من بورصة "جيميني" للعملات الرقمية، التي أسسها التوأم "تايلر" (Tyler) و"كاميرون وينكليفوس" (Cameron Winklevoss) وهما من أصحاب المليارات.

تنتقل الإيداعات التي يتم إجراؤها في حساب "إيرن" من بورصة "جيميني" إلى شركة أخرى تدعى "جينيسيس" (Genesis)، والتي بدورها تقدم قروضاً للعملاء المؤسسين وأصحاب الثروات الكبيرة، حيث يمكن لهؤلاء العملاء اقتراض عملات مشفرة لاستخدامها في التداولات المالية.

البيع على المكشوف

على سبيل المثال، قد يرغب المتداول في بيع عملة مشفرة على المكشوف، أو المراهنة على انخفاض قيمتها. وتكون إحدى طرق القيام بذلك هي اقتراض العملة ثم بيعها مجدداً، والاستفادة من الفرق إذا انخفض السعر. لكن اقتراض "بتكوين" من أجل المضاربات الكبيرة التي تتم على المكشوف بات أمراً نادراً نسبياً هذه الأيام.

هناك سبب آخر قد يدفع البعض إلى اقتراض "بتكوين"، وهو تجارة المراجحة للاستفادة من تباين الأسعار في السوق. وتقوم بعض الشركات وأسواق الأوراق المالية التي ترتكز أعمالها على العملات المشفرة أيضاً باقتراض عملة "بتكوين" من أجل توفير السيولة، حيث تجري مدفوعات سريعة عبر استخدام العملات المشفرة أو في تسوية الصفقات.

عامل الثقة

لكن كل هذا يحدث خلف الكواليس، ويتعين على العملاء الذين يودعون عملاتهم المشفرة لدى "جيميني إيرن" في النهاية أن يثقوا في أن شركة "جينيسيس" –التي يتم تحويل العملات إليها- تقوم بفحص المقترضين بدقة، وتتحكم جيداً في المخاطر، وأنها تحتفظ بميزانية عمومية قوية بما يكفي لسداد مكاسب عملاء "جيميني إيرن"، حتى لو فشلت بعض الرهانات.

يقول "روشان باتيل"، نائب رئيس قسم الإقراض في "جينيسيس": "في نهاية اليوم، إذا حدث خطأ ما من جانب الجهة التي تقوم بالاقتراض، فإن الخسارة تقع على عاتق (جينيسيس)". ويؤكد أنه منذ تأسيس الشركة وحتى الآن "لم يكن لدينا أي تخلف عن السداد أو خسارة لرأس المال". مع ذلك، وكما هي الحال مع الشركات الأخرى التي توفر عوائد على العملات المشفرة، تؤكد معلومات قسم الأسئلة الشائعة في موقع "جيميني إيرن" على الشبكة العنكبوتية، أن الحسابات لا يتم تأمينها من قبل شركة التأمين على الودائع الفيدرالية.

عوائد مرتفعة

ربما تكون شركة "بلوك فاي" (BlockFi) صاحبة الاسم الأكثر بروزاً في قطاع العملات المشفرة غير المصرفي، حيث تقدم الشركة حالياً عائداً يبلغ 5% على وديعة تصل قيمتها إلى نصف عملة "بتكوين"، أو ما يعادل حوالي 25 ألف دولار، بناءً على السعر الذي وصلت إليه العملة مؤخراً، وبلغ نحو 50 ألف دولار لكل عملة "بتكوين" واحدة.

كما تقدم 2% على الودائع الإضافية التي تزيد قيمتها على نصف عملة وصولاً إلى 20 "بتكوين". وقال "زاك برنس" (Zac Prince)، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك في "بلوك فاي" في رسالة عبر البريد الإلكتروني، إن الأمر يعتمد في الغالب على الإقراض لسداد العوائد للمودعين، مضيفاً أن الشركة تقوم بالتداول في حسابها الخاص أيضاً.

قاعدة فولكر

بعد الأزمة المالية في عام 2008، كان المشرعون الأمريكيون قلقين بدرجة كبيرة بشأن قيام البنوك بالتداول في حساباتهم الخاصة، لدرجة أنهم قيدوا هذه الممارسة بما يسمى "قاعدة فولكر" (Volcker Rule). بيد أن شركة "بلوك فاي" ليست بنكاً ولا تخضع لمثل هذه اللوائح. مع ذلك، فإن هذه القاعدة تشير إلى حقيقة أن التداول في حسابات المؤسسات الخاصة يمكن أن يكون محفوفاً بالمخاطر. ويقول "برنس" إنه يمكن وصف أنشطة الشركة بشكل أفضل بوصفها تندرج تحت فئة "صناعة السوق".

بالإضافة إلى أنشطة الإقراض والاقتراض، تدير "بلوك فاي" منصات لتداول العملات المشفرة. وعن ذلك يقول "برنس": "على سبيل المثال، عندما يقوم عميل منفرد أو مؤسسة كبيرة بالتداول مع (بلوك فاي)، فهو يتعامل مع (بلوك فاي) مباشرة خلال التداول، ونحن لا نطابق الطلب إلا إذا حصلنا على تأكيد من عملائنا أولاً".

ضمانات القروض

من المحتمل أن تجني "بلوك فاي" أموالاً أو تخسرها، إذا تغيرت الأسعار بعد تنفيذ الصفقة. لكن "برنس" يقول، إن الشركة لا تحاول المراهنة على أساس اتجاه الأسعار. ويضيف: "كل ما نقوم به في (بلوك فاي) هو تقدير حجم التداول، وإدارته في مواجهة جميع احتمالات المخاطر". ويوضح أن الشركة "حافظت على سجلها المثالي في ظل المناخ شديد التقلب الموجود في سوق (بتكوين)"، لافتاً إلى أن "الغالبية العظمى" من قروض "بلوك فاي" تأتي من الضمانات الإضافية، أي أنها مدعومة بأصول تزيد قيمتها على مبلغ القرض الأصلي.

مخاطر أخرى

هناك أيضاً "كوين بيس" (Coinbase)، وهي أكبر بورصة للعملات المشفرة في الولايات المتحدة، ولكنها لا تقدم عائداً على "بتكوين"، وإنما تركز على تقديم عوائد تصل إلى 6% على بعض العملات المشفرة الأخرى الأقل شهرة.

يعتبر الرهان على العوائد بمثابة نوع آخر من المخاطر تماماً، خصوصاً مع عدم وجود استثمارات موازية لها في بقية أنواع التمويل. وفي العملة المشفرة القائمة على أساس الحصة، يمكن للمالكين السماح باستخدام بعض الرموز الرقمية الخاصة بهم، حتى يتم استخدامها في عملية التحقق من المعاملات. ويمكن لكل من يقوم بتلك الخطوة أن يجني مكاسب من ورائها، حيث تقوم "كوين بايز" بالعمل كله، ومن ثم ترسل الأرباح إلى العملاء.

مغامرة غير محسوبة

إذا كان كل هذا محيراً بعض الشيء، يمكن تبسيط الأمر بالقول إن الأمر الذي يجب التركيز عليه في تلك العملية هو "المقايضة الرئيسية للمخاطر". فحتى تستطيع تحقيق عائد كبير من وراء تلك العملية، عليك أن تراهن على عملة مشفرة غير معروفة بدرجة كبيرة، وربما لم تكن ستجذب انتباهك في الأحوال العادية، لكنك ستقوم بذلك لجني العوائد فقط، مع المغامرة بالحصول على مستقبل غير مؤكد على الأقل مع تلك العملة، مقارنة بالاستثمار في "بتكوين".

"أنتوني ترينشيف"، المؤسس المشارك والشريك الإداري لشركة "نيكسو"، يقول إن العديد من عشاق العملات المشفرة يفضلون الاستثمار فيها، مع التضحية بميزة الأمان التي توفرها لهم البنوك. كتب "ترينشيف" في رسالة بريد إلكتروني إلى "بلومبرغ" يقول: "عندما يكون لديك إيداع بنكي تقليدي، فإن مبلغ تأمين الإيداع المعتاد يصل إلى 250 ألف دولار في الولايات المتحدة، و100 ألف يورو في الاتحاد الأوروبي، بعد ذلك تكون بلا مظلة تأمينية". ويضيف: "هذا الشعور بالأمان بأن الودائع آمنة ومؤمنة فوق هذه المبالغ في البنوك التقليدية، متجذّر في عقولنا إلى حد كبير، بسبب تصورنا بأن البنوك مؤسسات قوية وجديرة بالثقة". ثم يؤكد "ترينشيف" أنه يمكن الوثوق بشركة "نيكسو"؛ لأن قروضها مغطاة بضمانات إضافية.

شكوك بشأن العائد

مع ذلك، لا يزال العديد من مستثمري عملات بتكوين متشككين في حسابات عائدات العملات المشفرة بشكل عام.

يكتب "دان هيلد" وهو مستثمر قديم في "بتكوين"، تقريراً شهرياً عن حالة سوق عوائد "بتكوين"، ويقول، إنه يودع نسبة صغيرة من مقتنيات "بتكوين" الخاصة به في حسابات مدرة للفائدة، لكنه ينصح قراءه بتوخي الحذر. ويضيف: "لا تخاطر أبداً بمجموعة عملاتك المشفرة بالكامل، ولا تخاطر بما لا تستطيع تحمل خسارته". ثم يستطرد مشيراً إلى شركات عوائد بتكوين: "هذه شركات خاصة، ولا تحظى بدعم فيدرالي".

تقدم بعض التطبيقات عوائد أعلى للمستثمرين إذا قبلوا الدفع بالعملة المشفرة الخاصة بالشركة صاحبة التطبيق. ويقول "هيلد" إنه يتجنب ذلك الأمر. وكتب في تقريره عن عوائد العملات المشفرة الذي نشر في شهر مارس الماضي: "لا يوجد سبب يجعلك بحاجة للحصول على عملة مشفرة محددة، لأن ذلك ينطوي على مخاطر تنظيمية وهيكلية كبيرة".

الحذر مطلوب

للتعرف على المخاطر التي يمكن أن تحدث، يمكن تذكر حالة شركة إقراض العملات المشفرة "كريد" (Cred)، التي تقدمت بطلب لإشهار إفلاسها في شهر نوفمبر الماضي، بعد أن تم اتهام مدير تنفيذي فيها باختلاس 225 "بتكوين" على الأقل.

بسبب مثل هذه الحوادث المشابهة، يحث "براندون كويتيم" رئيس قسم استحواذ المستخدمين في "صوان بيتكوين" (Swan Bitcoin)، وهو تطبيق يعمل على أتمتة عمليات الشراء المنتظمة لـ"بتكوين"، أصحاب العملات المشفرة على عدم السعي وراء الحصول على فوائد منها.

يقول كويتيم، إن "الانتشار الكبير للقيّمين على العملات المشفرة هو أمر غير مسبوق تاريخياً". و"القيّم أو الوصي" هو أي شخص يحتفظ بعملاتك المشفرة بدلاً منك. ويمكن القول إنه لدى مستثمري "بتكوين "حالة من "الاضطراب ما بعد الصدمة" حول الأوصياء على العملات المشفرة، ولكن بشكل قليل نسبياً. ولكي نكون منصفين، فقد قطع السوق شوطاً طويلاً فيما يخص تطور بورصات العملات المشفرة والوصاية عليها.

نمو قياسي

بالنسبة إلى كويتيم، فإن فكرة المخاطرة بـ"بتكوين" باعتبارها أحد الأصول المالية التي حققت نمواً بلغ حوالي 200% سنوياً على مدى عقد من الزمن، في مقابل الحصول على فائدة مكونة من رقم واحد فقط (حيث تبلغ العوائد 2-6% فقط كما أشرنا من قبل)، هي فكرة لا تستحق المجازفة. ويضيف متسائلاً: "ما هو الشيء الذي قد يدفعني إلى تحمل مخاطر إضافية للحصول على عائد؟، إن الضجة المثارة حول هذه العوائد مضللة بعض الشيء. ولا أعتقد أن المستثمرين الأفراء يتفهمون المخاطر التي ينطوي عليها هذا الأمر".

مخاوف من الإقراض

في هذا الصدد أيضاَ، يحذّر باركر لويس، رئيس تطوير الأعمال في شركة "أنتشايند كابيتال" (Unchained Capital) للخدمات المالية في "بتكوين"، من إقراض أكثر من نسبة صغيرة من ممتلكات المستثمر الواحد من العملات المشفرة. ويقول، إن نصف عملاء شركة "أنتشايند كابيتال" يشيرون إلى أنهم لن يقدموا قروضاً باستخدام عملات "بتكوين" خاصتهم أبداً. وفي الوقت الحالي، تعمل الشركة على إصدار برنامج الإقراض الخاص بها، والذي يهدف إلى معالجة المخاوف بشأن الوصاية على العملات وشفافية المخاطر.

بالنسبة إلى شركات التكنولوجيا المالية والمتداولين المؤسسين، قد تكون "بتكوين" مجرد أصل آخر يمكن استخدامه للاقتراض والإقراض والمراهنة به. لكن بالنسبة إلى العديد من مستثمري عملات "بتكوين"، تعتبر العملة المشفرة من الأصول الثمينة، التي يعتقدون بشكل كبير بأن بإمكانها أن تسيطر على العالم.

ويختتم "لويس": "إذا قررت إقراض (بتكوين)، من الأفضل أن تكون قادراً على تحديد المخاطر المحتملة، لأنك تتداول في أكبر أصل غير متناسق ظهر على الإطلاق، ويمكن أن يكون عرضة للخطر من قبل الطرف الآخر، أو بسبب مخاطر الائتمان".