السيارات ذاتية القيادة تواجه معارضة قوية بسبب غياب التشريع المصدر: بلومبرغ

غياب التشريع يحرم شركات السيارات من حلم إطلاق مركبات ذاتية القيادة بأمريكا

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تعطَّلت التشريعات التي تقود صناعة السيارات ذاتية القيادة، بسبب الجدل الدائر حول من يجب لومه، أو حتى مقاضاته، عندما تصطدم تلك النوعية من السيارات بشخص ما، في وقت يقول العاملون بتلك الصناعة، إنَّها بحاجة إليها للمضي قدماً لتطوير عملها.

وقالت سارة روني، كبيرة مديري الشؤون الفيدرالية والتنظيمية في الجمعية الأمريكية للعدالة: "إذا صدمك سائق سيارة، فأنت تعرف عادة من قام بصدمك، وهو دائماً يكون إنساناً".

لكن الأمر ليس كذلك عندما تصطدم سيارة ذاتية القيادة بالكامل بمركبة أخرى أو أحد المشاة، إذ قد يقع اللوم وقتها على الشركة المصنِّعة وبرنامج السيارة، أو على مالك السيارة إذا لم يقم بتحميل التحديثات بشكل صحيح، وفي حال كان المصنِّع هو المخطئ، فقد تسعى الضحية إلى رفع دعوى بموجب معايير مسؤولية المنتج، تماماً مثل ما هو الحال في السيارات التقليدية.

تطوير التكنولوجيا

وما تزال السيارات ذاتية القيادة في المرحلة التجريبية، إلا أنَّ هذه المشكلات القانونية أعاقت وضع التشريعات التي من شأنها أن تسمح لشركات صناعة السيارات باختبار وبيع عشرات الآلاف من المركبات ذاتية القيادة، وهو أمر تقول الصناعة، إنَّها بحاجة إليه لتطوير التكنولوجيا بالكامل، وتسويقها في نهاية المطاف للمستهلكين. وتمَّ تمرير مشروع قانون للقيام بذلك عبر مجلس النواب منذ عدة سنوات، ولكنَّه تعثَّر في مجلس الشيوخ بسبب موضوع المسؤولية.

وتعثَّرت محاولة لدمج مشروع القانون مع تشريع وجب تمريره في وقت سابق من هذا الشهر بسبب مبادرة قامت بها بعض الشركات المصنِّعة لهذه السيارات. وسعت الشركات من تلك المبادرة لتضمين صياغة من شأنها منع المستهلكين من رفع دعاوى أو تشكيل دعاوى جماعية ضدها، التي بناء عليها سيتعيَّن على المستهلكين، بدلاً من ذلك، تقديم أي منازعات إلى التحكيم الملزم، وهو أمر شائع في عالم منتجات التكنولوجيا، ولكن ليس في قطاع السيارات.

وواجهت هذه الفكرة مقاومة من مجموعات السلامة ومحامي المرافعات، الذين يتمتَّعون بنفوذ بين الديمقراطيين في مجلس الشيوخ. وتمَّ سحب الإجراء عشية تصويت اللجنة، ويقول المؤيدون، إنَّهم ما يزالون يعملون على معالجة قضية المسؤولية أملاً في دفع التشريع إلى الأمام هذا العام.

حادث أوبر

وأدت مجموعة من حوادث الاصطدام التي شملت سيارات شركة "تسلا"- التي استخدم سائقوها نظام القيادة الذاتية للشركة إلى جانب حادث آخر- إلى وفاة أحد المشاة الذي صدمته سيارة ذاتية القيادة تابعة لشركة "أوبر" عام 2018 ، إلى التركيز على عنصر المسؤولية، وتحميلها لسيارات قيد التطوير، لا تحتوي على عجلات توجيه، أو دوَّاسات وقود، أو أي أمور أخرى للسائقين البشر.

وقالت روني، التي تمثِّل مجموعتها محامي المرافعات الذين يعارضون القيود المفروضة على الدعاوى القضائية، إنَّ قضايا المسؤولية يجب أن يتمَّ حلها قبل المضي في أي تشريع يجيز استخدام المزيد من المركبات الآلية في الشوارع الأمريكية.

وكتبت مجموعة تضمُّ 15 مجموعة من مجموعات الدفاع عن المستهلك، بما في ذلك جمعية "روني"، رسالة في 17 مايو إلى رؤساء اللجنة الفرعية لحماية المستهلك في مجالي الطاقة والتجارة في مجلس النواب، رسالة تعارض فيها التحكيم الإلزامي. وأعربت هذه المجموعات عن قلقها من أنَّ المركبات الآلية قد تشغلها شركات مثل "أوبر" وغيرها في يوم من الأيام، وأن تأتي مع بنود شروط خدمة خاصة بهم.

وجاء في الرسالة: "ما لم تمنع التشريعات الشركات المصنِّعة من القيام بذلك، فإنَّها ستدرج فقرات تحكيم قسري فضفاضة للغاية في عقودها، مما يمنع المستهلكين من الحصول على تعويضات حقيقية في حال تعرُّضهم للأذى أو لانتهاك خصوصيتهم. وحتى مطالبات المشاة يمكن أن تصبح خارج المحكمة".

مشروع قانون "ثون"

وكان السناتور الجمهوري عن ولاية "ساوث داكوتا" جون ثون، قد اقترح تشريعاً يدعو الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة إلى إعفاء ما يصل إلى 15 ألف مركبة ذاتية القيادة لكلِّ مصنع من معايير سلامة القيادة البشرية، وهو رقم سوف يرتفع إلى 80 ألف مركبة في غضون ثلاث سنوات. ويمكن لصانع السيارات في الوقت الحالي إنتاج 2,500 مركبة لاختبارها.

قال ثون، وهو عضو في لجنة التجارة والعلوم والنقل بمجلس الشيوخ، في بيان: "إنَّ تزويد صناعة السيارات بالأدوات التي يحتاجونها لاختبار المركبات الآلية بأمان وتوفيرها في جميع أنحاء البلاد سوف يخلق آلاف الوظائف، ويولِّد استثمارات بمليارات الدولارات".

إلا أنَّ هذا الاجراء لا يعالج مسألة التحكيم، وهو أمر يقول عنه ثون، إنَّه يجب النظر فيه بشكل منفصل. ويخشى معارضو الإجراء من أنَّ منح الإعفاءات قبل حل قضايا المسؤولية القانونية سوف يمنح شركات صناعة السيارات تفويضاً مطلقاً لوضع آلاف السيارات ذاتية القيادة على الطريق قبل وضع القواعد القانونية.

يقول جيسون ليفين، المدير التنفيذي لمركز "سينتر فور أوتو سيفتي" (Center for Auto Safety)، إنَّ التهديد بالتقاضي خدم المستهلكين على مدى عقود لوضعه ضوابط مهمة على مصنِّعي السيارات. وأضاف: "في كثير من الأحيان لم تكن الحكومة الفيدرالية هي أكثر رادع فعال لعيوب السيارات والشركات المصنِّعة التي تعطي الأولوية للأرباح على السلامة، بل كان الرادع هو تهديد ضحايا حوادث التصادم باللجوء إلى المحاكم والقضاء".

وقال ليفين، إنَّ هذا الأمر أصبح أكثر أهمية مع ظهور تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة.

شركات التكنولوجيا

وقال ليفين، إنَّ: "المستهلكين محقون بتساؤلهم عمن سيتحمَّل المسؤولية في حال حدوث عيب في الحاسوب الذي يشغل السيارة وهم داخلها، أو عندما تقتل، أو تشوه إنساناً آخر. إنَّ تحديد الذي سيتحمَّل المسؤولية عن المآسي التي يمكن منعها، سواء كان راكباً، أو مالك سيارة، أو الشركة المصنِّعة، أو مهندس برمجيات فردي، سيتمُّ بناء على القرارات التي يتخذها الكونغرس".

وقالت "روني"، إنَّ الخلاف حول المسؤولية يكمن في حقيقة أنَّ السيارات ذاتية القيادة تجذب اهتمام شركات التكنولوجيا التي لا تمتلك تاريخاً طويلاً في صناعة السيارات، وأشار إلى أنَّ صانعي السيارات التقليديين يعرفون أنَّه " ستتمُّ محاسبتهم في حال قاموا بتصنيع مفتاح تشغيل به عيب ما".

وقالت: "سُمح لشركات التكنولوجيا المهتمة بالدخول إلى هذا القطاع باستخدام التحكيم القسري كما تشاء. فهم لا يريدون التخلص منه. ولكن لو كنَّا نتحدَّث عن مصنِّعي السيارات التقليديين، لكان من المحتمل أن يكون هذا الجدل قد انتهى، وأن يكون هناك مشروع لقانون".

تراجُع هادئ

وبيَّن مؤيدو السيارات ذاتية القيادة أنَّ قانون الأضرار الحالي يحتوي على مبادئ لتوزيع الأخطاء، وتوزيع المسؤولية بين الأطراف.

وقالت أرييل وولف، المستشارة العامة لتحالف القيادة الذاتية، الذي يمثِّل شركات مثل: "فورد"، و"أوبر"، و"ليفت"، و"واي مو" (Waymo LLC): "لقد تمَّ في الماضي تطبيق عشرات السنوات من قانون السيارات على عدد لا يحصى من التقنيات الجديدة، كما تمَّ تطبيقها بالفعل على المركبات ذاتية القيادة".

وقالت ميسي كامينغز، مديرة مختبر الإنسان والاستقلالية بجامعة ديوك، إنَّ الكونغرس يجب ألا يتسرع في إضافة قوانين جديدة للسيارات ذاتية القيادة، أو الحد منها، في حين ما تزال التكنولوجيا قيد التطوير. وأضافت: "أعتقد أنَّ الإعفاءات التجريبية التي لدينا جيدة وكافية حتى الآن".

أشارت "كامينغز" إلى أنَّ العديد من شركات صناعة السيارات قد تتراجع بهدوء عن التصريحات التي صدرت منتصف العقد الماضي، التي كانت ستؤدي إلى وجود العديد من السيارات ذاتية القيادة على الطريق. وقالت: "هم لا يقولونها صراحة، لكن تدرك الكثير من الشركات أنَّ السيارات ذاتية القيادة تحتاج لوقت أطول لتطويرها مما كانت تعتقد".

وبرغم ذلك، ترى "وولف" أنَّه على الرغم من الجدل الحاد حول القضايا القانونية، فإنَّ السيارات ذاتية القيادة لديها القدرة على الحدٍّ بشكل كبير من عدد حوادث السيارات والوفيات على الطرق الأمريكية. وقالت، إنَّه: "مع مقتل ما يقدَّر بنحو 36 ألف شخص على الطرق الأمريكية العام الماضي، توفِّر المركبات ذاتية القيادة فرصة تحويلية لإنقاذ الأرواح، وفتح فرص اقتصادية، وتنقل جديدة، وتعزيز القيادة الأمريكية والابتكار".