الابتكارات... وسيلة القطاع الصناعي إلى الانبعاثات الصفرية

تكاليف إنتاج الألومنيوم من مصادر متجددة يقّل عن تكلفة إنتاجه من مصادر الوقود الأحفوري
تكاليف إنتاج الألومنيوم من مصادر متجددة يقّل عن تكلفة إنتاجه من مصادر الوقود الأحفوري المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

نشرت وكالة الطاقة الدولية مؤخراً تقريراً ملفتاً وهو تقرير المسار المفصَّل للانبعاثات الصافية الصفرية في نظام الطاقة العالمي.

وفي مقال، وصف كلا من زميليّ "أكشات راثي" و"إريك روستون"، ما قالته وكالة الطاقة الدولية بالـمقولة "الراسخة تاريخياً". وهما على حق تماماً.

فقد نشأت وكالة الطاقة من أزمة نفطية، وكان عملها طويل الأجل هو تأمين إمدادات الطاقة، على سبيل المثال تأمين ما يكفي من الوقود الأحفوري اللازم لتشغيل قطاع الطاقة والنقل والعمليات الصناعية في الاقتصادات المتقدمة.

ولا أعتقد أنني أبالغ في أهمية قرار وكالة الطاقة الدولية باستكشاف المسار الذي سيبدو عليه صافي انبعاثات صفرية، في إعادة تعريف لنظام الطاقة العالمي، وذلك من تأمين الإمداد الكافي من الطاقة بدون انبعاثات، إلى خفض أو حتى التخلص من آثار الانبعاثات المترتب على الطلب.

وكما يعرف قراء قسم "بالأخضر" جيداً فإن:

1. الكهرباء المولدة من مصادر متجددة باتت رخيصة ومتوفرة.

2. تكلفتها آخذة في الانخفاض، كما تزداد وفرتها.

3. تكلفتها المنخفضة ووفرتها يعنيان أنها يمكن بل وينبغي أن تصبح معتمدة في المزيد من العمليات الصناعية.

طرق بديلة

وفيما لا يزال التقدم العلمي ضرورة للوصول إلى صافي صفر انبعاثات في بعض المجالات، مثل إنتاج الأسمنت، الذي ينطوي على تفاعل كيميائي ينتج عنه ثاني أكسيد الكربون. لكن في مجالات أخرى كثيرة، هناك طرقٌ بديلة للمضي قدماً، وذلك مثل إنتاج الألومنيوم.

فقد وجد بحث حديث أجري من قبل زملائي في "بلومبرغ NEF" أن الألومنيوم لا يمكن أن يتبع مسارات خالية من الانبعاثات لإنتاجه فحسب، بل يمكن لهذه المسارات أن تكون أرخص من الالتزام بالوقود الأحفوري.

ويعتبر الألومنيوم أحد أكثر المعادن انتشاراً في العالم، فهو يُستخدم في كل شيء بداية من السلع الاستهلاكية إلى الإلكترونيات وحتى البنية التحتية. ويعتمد إنتاجه على الطاقة الكثيفة، وفي الوقت الحالي، يأتي أكثر من ثلثي استهلاكه للطاقة من الفحم والغاز الطبيعي. كما أنه مسؤول عن نحو 4% من الانبعاثات الصناعية و1% من إجمالي الانبعاثات العالمية.

خيار أقل كلفة

يتطلب صنع الألومنيوم كميات هائلة من الطاقة لتحويل أكسيد الألومنيوم أو الألومينا إلى المعدن نفسه. وغالباً ما ينتج عن استهلاك الكهرباء انبعاثات عالية، خاصة عندما تكون الكهرباء مولدة عبر احتراق الفحم.

ونظراً لأن عمليات الصهر كهربائية بالكامل، فإن الإلكترونات المولدة من مصادر متجددة، تعمل بنفس الطريقة كتلك المنتجة من الفحم. ويأتي ذلك بشرط أن تكون متاحة على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع لضمان استقرار الإمداد.

ويكمن الاختلاف الوحيد في التكلفة، فغالباً ما تكون مصادر الطاقة المتجددة الخيار الأقل تكلفة.

أما المصدر الرئيسي الآخر للانبعاثات من الصهر فهو العملية الكيميائية نفسها. فأكسيد الألومنيوم المكرر ينطلق بصدمات كهربائية ضخمة تُجرى من خلال الكربون، وهو ما يؤدي إلى فصل ذرات الأكسجين لتكوين المنتج النهائي. كما يتفاعل أكسيد الألومنيوم أيضاً مع الأكسجين وينتج ثاني أكسيد الكربون.

لذا، فإن طريقة التخلص من الانبعاثات من خلال إنتاج الألومنيوم واضحة تماماً، وتكمن في إيجاد طريقة لمنع الكربون من التفاعل مع الأكسجين، وتكوين ثاني أكسيد الكربون.

وكما قال جو ديوكس من "بلومبرغ"، في أبريل الماضي، هناك تقدم محرز على هذه الجبهة من قبل مجموعة مهتمة، ومثيرة للاهتمام أيضاً من المستثمرين. من بينهم "ألكوا"، ومجموعة "ريو تينتو"، و "أبل"، والحكومة الكندية، وحكومة مقاطعة كيبيك.

فالعمليات التي يجريها هؤلاء المستثمرون، والتي لا تزال قيد التطوير، تستخدم "أنودات" الكربون الخاملة (التي لا تنتج ثاني أكسيد الكربون)، بالإضافة الطاقة الخالية من الكربون لدفع الانبعاثات إلى الصفر.

وقد أجرت "بلومبرغ NEF" بعض الحسابات، ووجدت أن تكاليف الإنتاج بهذه الطريقة قد تكون أقل كلفة من الطرق التقليدية. كما أنها أقل كلفة من العمليات التي تستخدم تعويضات الكربون لإلغاء انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادرة عنها، وذلك إذا نجحت هذه العمليات بالأساس.

ابتكار مستقبل

قد يبدو من السهل النظر إلى عملية إنتاج الألومنيوم ورؤية التطبيقات المتخصصة التي يدفع ثمنها من قبل شركات كبيرة وذات سمعة على المحك. وقد تستغرق هذه الشركات عقوداً لتغيير مسار انبعاثات القطاع. كما أن الشك دائماً ما يكون له مبرراته، وينبغي لمطوري التكنولوجيا الترحيب به.

لكنني أعتقد أن الأمر يستحق النظر إليه بطريقة أكثر شمولية.

ونأمل أن يلهم الابتكار في إنتاج الألومنيوم ابتكارات مماثلة في قطاعات كبيرة وصعبة بنفس القدر.

ومن الصعب الجدال حول الانبعاثات الصفرية ونقطة السعر الأعلى، وإذا كان بإمكان العمليات الصناعية الأخرى السعي لتحقيق أمر مشابه. ويجب فعل ذلك.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تاريخ الألومنيوم الخاص يعتبر واحداً من الابتكارات. ففي منتصف القرن التاسع عشر، كان الألومنيوم نادراً ومكلفاً لدرجة أن نابليون الثالث كان يتناول العشاء الرسمي على أطباق من الألومنيوم، بينما حصل "الضيوف العاديون" على الذهب أو الفضة.

وكان الألومنيوم ثميناً للغاية في أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر، حيث تم اختياره للغطاء المعدني الخاص بنصب واشنطن التذكاري.

ومن هنا فإن تاريخ الألومنيوم يتسم بزيادة الكفاءة والعمليات الجديدة والمبتكرة. وقد تؤدي الموجة التالية من الابتكارات المتعلقة به إلى خفض الانبعاثات الكربونية إلى الصفر، وهذه العملية قد تساعد العالم في مسار صفر صافي بحلول منتصف القرن أيضاً.