هل تُنفق "غوغل" أكثر من اللازم على القيادة الذاتية وأدوية السرطان؟

شعار شركة "وايمو" لسيارات الأجرة ذاتية القيادة، وهي إحدى المشروعات الطموحة التابعة لشركة "ألفابت"
شعار شركة "وايمو" لسيارات الأجرة ذاتية القيادة، وهي إحدى المشروعات الطموحة التابعة لشركة "ألفابت" المصد: بلومبرغ
Leonid Bershidsky
Leonid Bershidsky

Leonid Bershidsky is Bloomberg Opinion's Europe columnist. He was the founding editor of the Russian business daily Vedomosti and founded the opinion website Slon.ru.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما أعادت "غوغل" تسمية شركة "ألفابت" في عام 2015، كشف الشريك المؤسس "لاري بايج"، أن أحد معاني الاسم الجديد كان تلاعباً على الكلمات: "ألفا – بت" (alpha-bet)، والتي تعني "الرهان على عوائد استثمار أعلى من المعيار الأساسي (benchmark)".

يعني هذا أن ما يسمى بـ "الرهانات الأخرى" في التقارير المالية لشركة "غوغل" - الشركات التابعة التي تعمل على مشاريع تتراوح من السيارات ذاتية القيادة إلى علاج السرطان - ليست مجرد مشاريع مذهلة "شبه مستحيلة" تأمل إلى جعل العالم أفضل، ولكنها أعمال تجارية محتملة ذات عوائد أفضل من المتوسط.

"الرهانات الأخرى"

قد يكون الوقت مبكراً لتقدير "الرهانات الأخرى"، التي امتصت حوالي 3.2 مليار دولار من النفقات الرأسمالية، وأبلغت عن خسائر تشغيلية بنحو 24.3 مليار دولار منذ إعادة التسمية.

ففي النهاية، عندما حاول "مارك شموليك"، المحلل في "سانفورد سي. برينستون آندكو"، مؤخراً، تقييم أجزاء "ألفابت" بشكلٍ منفصل لمعرفة ما إذا كان مجموع هذه التقييمات، سيكون أكبر من الكل الحالي، اقترح أن قيمة "الرهانات الأخرى" قد تبلغ 75 دولاراً للسهم، أو أكثر من 50 مليار دولار.

يمثل هذا 2.9% من تقييمه لمجموع الأجزاء بالكامل - وهو ليس سيئاً للشركات التابعة التي تقدم ما بين 0.3% و0.5% من إيرادات "ألفابت" ربعاً تلو الآخر.

القيادة الذاتية

ومع ذلك، يأتي أكثر من نصف تقييم "الرهانات الأخرى" من "وايمو" (Waymo)، شركة سيارات الأجرة ذاتية القيادة، التي استقال كبير مدرائها التنفيذيين جون كرافسيك الشهر الماضي، بعد أن أصبح واضحاً أن وعد القيادة الذاتية لن يتحقق بالسرعة التي توقعها العديد من المتفائلين التقنيين قبل بضع سنوات.

وقبل سنوات قدّر بعض المستثمرين المتفائلين قيمة "وايمو" بما يزيد على 100 مليار دولار، لكن هذا الرقم تضاءل إلى حوالي 30 مليار دولار. ولا يزال من غير الواضح كيف يمكن للشركة جني الأموال في المستقبل القريب.

التكنولوجيا الحيوية

تتطور أعمال "ألفابت" المذهلة الأخرى بشكل أبطأ. وفي أحدث مؤتمر عبر الهاتف لمناقشة أرباح شركة "ألفابت"، ذكر كبير مدرائها التنفيذيين، "سوندار بيتشاي"، اثنين فقط من "الرهانات الأخرى" هما "وايمو" و"كاليكو" (Calico)، شركة البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا الحيوية.

وأعلنت "كاليكو" وشريكتها، "أبفي" (AbbVie)، في وقتٍ سابق من هذا العام، أن اثنين من برامجها العلاجية، دخلتا المرحلة الأولى من التجارب السريرية، لكن الإعلان ترافق مع تحذير من "آرثر ليفينسون" مؤسس شركة "كاليكو" بأن نهج الشركة يتطلب "الصبر" و "المثابرة".

مصير مغاير لـ "زيروكس"

يبدو أن "الرهانات الأخرى" لشركة "ألفابت" - حتى "إكس"، المصنع المذهل الذي يتولى أكثر المشاريع الرائعة، مثل الجهد (الذي توقف حالياً) لالتقاط طاقة الرياح بالطائرات الورقية - مؤمنٌ ضد مصير شركة "زيروكس"، الشركة المُبتَكِرة للغاية التي فشلت في السبعينات في تسويق اختراعات مثل برامج تشغيل الأجهزة الإلكترونية التي تعتمد على الرسومات والصوت بدلاً من الأوامر المكتوبة، أو نسخة شبه تجارية من "الماوس".

لخص "ستيف جوبز"، الشريك المؤسس في "أبل"، أسباب فشل "زيروكس" في مقابلة شهيرة عام 1995، قائلاً:

عندما يكون هناك احتكار في السوق، ينتهي المطاف بإدارة الشركة في أيدي أفراد المبيعات والتسويق. أما الموظفون المسؤولون عن المُنتَج فلا يصبح لهم وجود، وبعدها تنسى الشركات ما يعنيه صُنع منتجات رائعة

وأضاف "جوبز": أن "الباحثين في "زيروكس" اعتادوا على تسمية الأشخاص الذين يديرون الشركة بـ "رؤوساء الحبر"، إذ لم يكن لديهم أدنى فكرة عن الكمبيوتر أو ما يمكن أن يفعله".

"رؤوساء الإعلانات"

تعد "غوغل" جزءاً من احتكارٍ مزدوج للإعلان عبر الإنترنت، وهي أقرب ما تكون إلى احتكار البحث، لذلك قد يميل التنفيذيون في "غوغل" –الذين يمكن للمرء أن يسميهم "رؤساء الإعلانات"،- نحو إغراء الابتعاد عن الأفكار التي لا علاقة لها بالعمل الرئيسي المربح.

أدوية السرطان، سيارات أجرة بدون سائق، الطائرات الورقية الكهربائية، معقول! لكن في "ألفابت" يتم التعامل مع العمليات المغرية شبه المستحيلة على أنها أعمال تجارية محتملة من البداية.

هناك ضغط على مؤسسي المشروع للعثور على فرص تحقيق الدخل وتطوير نماذج الأعمال، رغم وجود درجة تحمل عالية نسبياً للتجربة والخطأ.

يمكن للمرء أن يرى "رهانات أخرى" تبحث عن طرقٍ لكسب المال، وتنحرف نحو مجالات جديدة في العملية؛ ومن الأمثلة الجيدة على ذلك، تحول شركة "فيريلي" للرعاية الصحية (Verily) التابعة لـ"ألفابت" إلى التأمين العام الماضي.

بيروقراطية "ألفابت"

لكن "ألفابت" لا تزال شركة كبيرة، وفيها بيروقراطية حتمية من ناحية، ووفرة في الموارد من ناحية أخرى. إن أوجه القصور مستوطنة في امتدادها وتأمين تدفق إيراداتها الرئيسي.

ليس من الواضح أن رعاية "غوغل" تمنح أي مزايا حاسمة في مشاريع البحث والتطوير- بمعنى آخر، لم يتمكنوا من القيام بذلك بشكلٍ جيد أو أفضل مع تمويل المشاريع التقليدية (الذي تجتذبه بعض مشروعات "غوغل" أيضاً) أو حتى المؤسسة الأكاديمية المرموقة.

لنأخذ مثالاً واحداً فقط، فإن "ديب مايند تكنولوجيز"، شركة الذكاء الاصطناعي التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، والتي تعد واحدة من "الرهانات الأخرى" لشركة "غوغل"، حققت تقدماً مهماً في استخدام الذكاء الاصطناعي لنمذجة الأشكال ثلاثية الأبعاد للبروتينات - ولكن هل تمكنت "ألفابت" من استخدام الموارد التي غرقت فيها بشكل أفضل؟

وصلت منحة جامعة "كارنيغي ميلون"، الرائدة عالمياً في أبحاث الذكاء الاصطناعي- بحسب مؤشر الأبحاث المنشورة- إلى أكثر من ملياري دولار في العام الماضي.

لكن "ديب مايند" خسرت حوالي 1.2 مليار دولار في عامي 2018 و 2019، وفقاً لآخر تقرير قدمته إلى "كومباني هاوس" في بريطانيا - وإلى جانب ذلك، قامت الشركة الأيرلندية التابعة لـ"غوغل" بشطب 1.5 مليار دولار من ديون "ديب مايند"، التي تكبدتها بسبب استخدام موارد الحوسبة السحابية للشركة الأم لتدريب نماذجها. كما زودت "غوغل" "ديب مايند" بمعظم إيراداتها.

"حصار الأسواق"

إن كان هدف "ألفابت" في النهاية هو حصار بعض الأسواق الجديدة، التي لا تزال غير موجودة الآن، بالطريقة التي حاصرت بها سوق البحث، فإن التعامل مع المشاريع المبتكرة على أنها أعمال محتملة وجعلهم يفكرون في الوقت نفسه بالمنتجات ونماذج الأعمال هو النهج الصحيح على الأرجح.

حتى إذا أصبح اثنان منهم فقط من أصحاب الهيمنة في صناعاتهم، فقد تتوقف "غوغل" في النهاية عن جني 92.5% من الإيرادات من الأعمال الرئيسية، و81% من الإعلانات.

ولكن نظراً لأن معظم مشاريع "ألفابت" تقع ضمن مجالات مزدحمة بالمنافسة مثل القيادة الذاتية أو الذكاء الاصطناعي أو التكنولوجيا الحيوية، فمن غير المرجح أن تتحول المشاريع الناجحة إلى احتكارات؛ ولا يعد نشاط "غوغل" السحابي –مشروعاً بعيد المنال ولكنه مشروع هامشي أيضاً - قوياً، لكنه ليس مهيمناً عالمياً.

الحفاظ على هيمنة "ألفابت"

من ناحية أخرى، إن كان الهدف النهائي لشركة "ألفابت" هو جعل العالم مكاناً أفضل، والحفاظ على مكانتها فيه، فقد يكون من الأفضل للشركة التركيز على الابتكار في المجالات التي تعرفها جيداً وتهيمن عليها، بدلاً من إنفاق عشرات ملايين الدولارات على ممارسة الضغط لمنع المنظمين من تضييق الخناق على ممارسات جمع البيانات المتسلطة.

يمكن أن تستثمر "ألفا بت" في البحث عن طرق بديلة لاستهداف الإعلانات، مثل دفع نسبة مئوية من عائدات الإعلانات للناس، إن وافقوا على تقديم المزيد من بياناتهم للاستهداف الدقيق، وبدلاً من محاربة منشئي المحتوى الذين يرغبون في الحصول على أموالٍ مقابل المواد التي تظهر على خدمات "غوغل"، وتخفيف القيود المالية تحت ضغط الدول القومية فقط.

كما يمكن النظر في ترتيبات أكثر سعادة وتكافلاً مع شركات الإعلام، بدلاً من دفع غرامات ضخمة في أوروبا في قضية تلو الأخرى لمكافحة الاحتكار، ويمكنها أيضاً مراجعة جميع الاتهامات بارتكاب انتهاكات احتكارية ضدها، والبحث عن حلول وسط بارعة، مثل العضو الآخر في ثنائي احتكار الإعلانات، "فيسبوك".

ويمكن أن تستفيد "غوغل" من الاستثمار الهادف في بناء صورة أقل افتراساً في الأسواق حيث نجحت بالفعل بعيداً عن أحلام مؤسسيها المبكرة.

مشاركة العائدات مع المستخدمين

إن عدم النظر إليك على أنك "شرير" ليست مجرد مهمة علاقات عامة - إنها مهمة للمهندسين ومديري المشاريع أيضاً. ابتكرت شركة "برافو سوفتوير"، وهي شركة منافسة صغيرة، طريقة للأشخاص للحصول على مكافآت مقابل مشاهدة الإعلانات، ولكن عملاقاً مثل "غوغل" فقط يمكنه تنفيذ مثل هذا البرنامج على نطاق واسع وتحويله إلى معيار صناعي جديد.

تعد المساعدة في إعادة بناء وسائل الإعلام المحلية على أساس جديد تحدياً آخر مناسباً لرائد إعلان وبحث وخرائط في مكانة "غوغل".

قد لا يكون الأمر ساحراً مثل البحث عن علاج للسرطان - ولكن مع كل الاحترام لـ"غوغل"، فقد يكون المنافسون الآخرون في وضعٍ أفضل لتحقيق إنجاز؛ لكن الحال مختلف عندما يتعلق الأمر بمحتوى الإنترنت والإعلانات.

بعبارة أخرى، لعل شركة "ألفابت" تستثمر بأقل من قيمتها في استدامة أعمالها الرئيسية المزدهرة، بينما تفرط في الاستثمار في الخطوط الجانبية المغامرة التي من غير المرجح أن تصبح مهمة للشركة، حتى لو نجحوا في النهاية في كسب المال، أو انغمسوا في تقييمات عالية أو كليهما.

لنشرب نخب المشاريع البعيدة المنال التي من شأنها أن تتحدى "رؤوس الإعلانات" في "غوغل" على أرضهم الخاصة.