مصافي النفط العملاقة في آسيا تتفوق على الأمريكية والأوروبية.. ماذا يعني ذلك؟

اعتماد أمريكا والغرب على مصافي النفط الآسيوية يتزايد بقوة في السنوات الماضية مع زيادة قدرات التكرير التي تراجعت في باقي دول العالم
اعتماد أمريكا والغرب على مصافي النفط الآسيوية يتزايد بقوة في السنوات الماضية مع زيادة قدرات التكرير التي تراجعت في باقي دول العالم المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لقد اعتدنا جميعاً على فكرة أنَّ الكثير من ملابسنا وأدواتنا الإلكترونية تُصنع في زوايا بعيدة من العالم، لأنَّ العمالة أرخص، وأعباء الإجراءات والتنظيم قد تكون أقل.

ما هو أقل شهرة، هو مدى اعتماد أمريكا الشمالية ودول أوروبا الغربية على المورِّدين الأجانب لمنتجات النفط المكررة التي نعتمد عليها في الكثير من قوتنا، وتدفئتنا، ووقودنا، لسياراتنا، وشاحناتنا، وطائراتنا.

في الأربعين عاماً منذ عام 1980، ارتفعت طاقة التكرير في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بمقدار 23 مليون برميل يومياً، في حين انخفضت قُدرة بقية العالم على تحويل الخام إلى منتجات نعتمد عليها.

تضاعف طاقة التكرير في الصين

تضاعفت طاقة التكرير في الصين ثلاث مرَّات تقريباً في العشرين عاماً الماضية. ومن المنتظر أن تتفوَّق على الولايات المتحدة كأكبر معالج للنفط الخام في العالم هذا العام، ولن تتوقَّف عند هذا الحد.

ستضيف الدولة الآسيوية 2.6 مليون برميل أخرى يومياً بحلول عام 2025 لرفع قدرتها على المعالجة إلى حوالي 20 مليون برميل يومياً.

تنمو الهند أيضاً بسرعة، ويمكن أن تقفز قدرتها بأكثر من النصف إلى 8 ملايين برميل يومياً في الوقت نفسه، كما كتب زميلان من وكالة "بلومبرغ نيوز"، وهما "ساكيت سوندريا"، و"ديبيجيت تشاكرابورتي" هنا.

اقتحام أسواق التصدير

ويرجع ذلك جزئياً إلى حقيقة أنَّ الطلب على النفط ينمو بوتيرة أسرع في آسيا من أي مكان آخر. ومن المفهوم أنَّ الدول الصناعية في الشرق سترغب في جلب معالجة النفط إلى الداخل، حتى لو كانت ما تزال تعتمد على المنتجين في أماكن أخرى لتوصيل النفط الخام الذي ساعد في توسعها.

لكن في الآونة الأخيرة، كان هناك تحوُّل كبير، ولم يجرِ ملاحظته من قبل أحد إلى حدٍّ كبير. هذه المصافي الجديدة في آسيا، وبشكلٍ متزايد في الشرق الأوسط، لم تعد تزوِّد الأسواق المحلية فقط. لقد بدأوا في تصدير كميات متزايدة من المنتجات المكررة إلى الأسواق الأخرى.

سجلت مصافي التكرير في خمس دول، هي: الصين، والهند، والمملكة العربية السعودية، وماليزيا، ومؤخراً بروناي، ضعف حصتها الإجمالية من صادرات المنتجات المكررة العالمية تقريباً في العقد الماضي، وفقاً لبيانات من مبادرة بيانات المنظَّمات المشتركة.

صحيح أنَّ هذه الأرقام ليست كاملة، لكن الدولة الأكثر وضوحاً في عداد الغائبين عن الأذهان، الإمارات العربية المتحدة، من المحتمل أن تضيف إلى وزن هذه المصافي الجديدة.

التصدير لأوروبا

في حين أنَّ معظم الصادرات من المصافي الصينية ما تزال تباع في منطقة آسيا، فإنَّ الشيء نفسه لا ينطبق على المصانع في الهند أو الشرق الأوسط. كما أشار زميلي في وكالة "بلومبرغ نيوز"، "جاك ويتلز"، فإنَّ تدفُّق المنتجات البترولية النظيفة (معظمها الديزل، ووقود الطائرات، ووقود السفن) من الهند إلى أوروبا بلغ أعلى مستوى له في 13 شهراً في شهر إبريل، إذ بدأ الطلب على النفط في الانتعاش، كما ارتفع عدد الزبائن الوافدين من الشرق الأوسط بشكل حاد.

أكبر مستهلكين للنفط في أوروبا، هم: ألمانيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، إذ تستهلك كل دولة منها أكثر من 1.5 مليون برميل يومياً من النفط، وكانت جميعها تفتقر إلى طاقة التكرير اللازمة لتلبية الطلب على مدى عقد تقريباً، لكن بالنسبة لألمانيا، لقد مضى وقت أطول بكثير.

الواردات الأمريكية

تعاني الولايات المتحدة تقريباً من القدر نفسه من الاعتماد على الغير، بغضِّ النظر عن الطفرات الصخرية المتتالية التي عزَّزت إنتاج الخام المحلي، فقد استوردت البلاد أكثر من مليوني برميل يومياً من المنتجات المكررة خلال العام الماضي. ظلَّ أحد الموردين الأجانب، وهو روسيا، ثاني أكبر شاحن للمنتجات النفطية المكررة إلى الولايات المتحدة بعد كندا، وفقاً لبيانات وزارة الطاقة.

في حين ارتفعت طاقة التكرير الأمريكية بشكلٍ مطَّرد منذ أواخر التسعينيات، فإنَّها لم تواكب الزيادة في الطلب على النفط. وأدى الركود المتتالي في الاستهلاك الناجم عن الانهيار المالي لعام 2008، ووباء مرض كوفيد -19، وحدهما إلى جعل البلاد قريبة من تلبية احتياجاتها.

التحول عن الوقود الأحفوري

من المرجَّح أن يصبح الوضع أكثر وضوحاً مع بدء تشغيل المصافي الجديدة للنفط في آسيا والشرق الأوسط. كما أنَّه من المتوقَّع أن تبدأ مصفاة "جازان" الجديدة بالسعودية بطاقة 400 ألف برميل يومياً عملياتها التجارية الشهر المقبل.

ومن المتوقَّع أن تبدأ الكويت المجاورة المعالجة في مصفاة "الزور" الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 615 ألف برميل يومياً في وقت لاحق من هذا العام.

من غير المحتمل أن يكون هناك استثمار في مصافٍ جديدة في أوروبا أو الولايات المتحدة، وسط التحوُّل بعيداً عن استخدام الوقود الأحفوري. كما ستجعل القيود البيئية الأكثر صرامةً على العمليات في هذه المناطق الأمر مكلفاً بشكل متزايد للمواقع القديمة للوفاء بحدود انبعاثات الكربون، أو معايير أخرى.

وتوقَّفت العديد من المصافي بالفعل عن معالجة الخام، وبعضها سيعاد هيكلته كمصانع للوقود الحيوي، وبعضها الآخر سيصبح محطات تخزين.

أدت الاستعانة بمصادر خارجية في مجال التصنيع إلى فقدان الوظائف، الأمر الذي أثار غضب الناخبين، والمشاعر الشعبوية على مر السنين.

قد تكون الاستعانة بمصادر خارجية لإنتاج الوقود أقل وضوحاً، ولكنَّه قد يؤدي إلى ردِّ فعل عنيف مماثل إذا وجدنا أنفسنا في يوم من الأيام نفتقر إلى الوقود الذي نحتاجه للحفاظ على أنماط حياتنا.