هل يتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في كتابة المقالات والأخبار؟

ماتزال البرامج التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في كتابة النصوص غير قادرة على إنتاج محتوى دقيق قادر على تصنيف الحقائق، واستبعاد المعلومات الزائفة، فضلاً عن التحليل والربط بين المعلومات، على عكس البشر الذين لديهم الإبداع والمرونة لكتابة نصوص بجودة عالية
ماتزال البرامج التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في كتابة النصوص غير قادرة على إنتاج محتوى دقيق قادر على تصنيف الحقائق، واستبعاد المعلومات الزائفة، فضلاً عن التحليل والربط بين المعلومات، على عكس البشر الذين لديهم الإبداع والمرونة لكتابة نصوص بجودة عالية المصد: غيتي ايمجز
Leonid Bershidsky
Leonid Bershidsky

Leonid Bershidsky is Bloomberg Opinion's Europe columnist. He was the founding editor of the Russian business daily Vedomosti and founded the opinion website Slon.ru.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مرَّ عام تقريباً منذ أن أصدر مختبر "أوبن ايه آي"، نموذج "جينيرايتف بري- ترايند ترانسفورمر 3" (GPT-3)، وهو نموذج اللغة الذي يمكن أن يُنتج نصاً مصاغاً بشكلٍ مذهل مع الحدِّ الأدنى من تدخُّل الإنسان. يقع المختبر في سان فرانسيسكو، وشارك في تأسيسه إيلون ماسك رئيس شركة "تسلا".

تعتبر هذه الفترة وقتاً كافياً لاستخلاص بعض الاستنتاجات حول ما إذا كان يمكن لنهج القوة القسرية للذكاء الاصطناعي أن يتيح مع مرور الوقت تفويضَ معظم عمليات الكتابة للآلات.

في وظيفتي الحالية في "بلومبرغ نيوز أوتوميشن"، أنا أعمل في مجال مشابه، ولدي شكوك في أنَّ المسار الذي أطلقته "جيه بي تي-3" يسير في الاتجاه الصحيح.

تأليف المحتوى

في الأشهر الماضية، اختبر أشخاص كثيرون "جيه بي تي-3"، وقد خرجوا غالباً بنتائج مفاجئة، مثل قصص "نيل جايمان"، و"تيري براتشيت" المزيفة، أو أشعار "دكتور سوس" عن إيلون ماسك، أو هذه الأعمدة الصحفية المقروءة تماماً التي نشرها المحررون بوضوح في حالة من الرهبة من التكنولوجيا الجديدة، والشعور بالارتياح في الوقت نفسه، لأنَّ الذكاء الاصطناعي لن يسلبهم وظائفهم في أيِّ وقت قريب.

احتجت إلى بعض الوقت لمعرفة ما الذي تشبهه كل منتجات "جيه بي تي-3"، والآن أعلم بأنَّه مونولوج من المسرحية الكلاسيكية "المفتش العام" لنيكولاي غوغول. إذ تصل الشخصية المركزية، وهي شخصية غير موجودة بالكامل، تُدعى "إيفان خليستاكوف"، إلى بلدة ريفية، وتظنها نخبة البلدة مفتشاً حكومياً رفيع المستوى، على وشك إجراء تحقيق سري في شؤونهم المشبوهة.

اشتعل حماس "خليستاكوف" بسبب معاملة كبار الشخصيات التي حظي بها، والشراب المتدفِّق، واهتمام سيدات البلدة المؤهلات للزواج، وأفسح المجال لخطاب متعجرف (ونقرأ في ترجمة آرثر سايكس ما يلي):

في إحدى المرات توليت مسؤولية إدارة قسم، وكانت قصة مضحكة. ذهب المدير إلى مكان ما -لا أحد يعرف أين. لذلك، بطبيعة الحال، بدأ الناس يتساءلون مَن سيشغل مكانه؟ مَن الذي سيملأه؟ رغب الكثير من الجنرالات في هذا المنصب وجربوه، لكنَّهم سرعان ما تخلوا عن ذلك، وكان الأمر صعباً جداً عليهم! صحيح أنَّه بدا سهلاً بدرجة كافية، لكن عند الفحص الدقيق، أثبت العمل مدى صعوبته، ولم يكن هناك من يمكنه القيام به.

معلومات ومصادر "وهمية"

لا أحد يمكنه القول، إنَّ خطاب "خليستاكوف" المغرور كان غير متماسك، أو غير صحيح من الناحية النحوية، لكنَّه كان غير صحيح بشكل مثير للإعجاب في كل التفاصيل. تمَّ تذكيري بهذا عند اختبار إصدار نسخة بلومبرغ من "جيه بي تي-3"، والمدرب على مجموعة نصوص أنتجها الآلاف من كتَّابنا.

قامت زميلتي في قسم "رأي بلومبرغ" أنجاني تريفيدي، التي تتعامل مع نص حول النقص في أشباه الموصلات بإدخال الجملة الأولى من هذا العمود، فواصل النموذج السرد من خلال الاستشهاد بتقرير "مارك أ.روزنباوم" مدير الأبحاث، ورئيس شركة "كمبيوتر استراتيجيز كونسلتينغ"، ومؤلف كتاب "نقص الرقائق". على حدِّ علمي، هناك شركة تسمى "كمبيوتر استراتيجيز"، لكنَّ الشخص والكتاب وهميان.

إنَّ أساس تقرير "روزنباوم"، وفقاً لـ"جيه بي تي-3"، هو شيء يسمى" طريقة رسملة البحث والتطوير"، التي تقول، إنَّها تسمح لك "بجعل مقارنة بين التفاح والتفاح تبدو مثل مقارنة التفاح بالبرتقال". وتابع النموذج الكتابة:

"برغم أنَّ تفاصيل الأرقام غامضة بعض الشيء، أجرى "روزنباوم" العديد من الحسابات، بناءً على هذه الأرقام، التي تعدُّ جميعها محافظة إلى حدٍّ ما، وتشير إلى أنَّ النقص في الرقائق حقيقي للغاية. ما أريد قوله هنا هو: "إذا كنت تمتلك أسهماً لأي شخص تهتم به، فيجب عليك قراءة هذا التحليل، والتأكُّد من مناقشته مع عملائك. لأنَّه برغم احتمال تعرُّض "إنتل"، و"أبل"، و"كوالكوم" لبعض الضربات، إلا أنَّ المطاف قد ينتهي بهم إلى تحقيق أسبوع جيد".

كتابة خيالية

لم يكن التعليق السياسي الناتج من مُولِّد النصوص أقل تلوُّناً وخيالاً. فإذا نظرنا إلى السطر الأول من هذا العمود بقلم "زيف شافيتس"، حول رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، نجد أنَّه ابتدأ المقال بالإبلاغ عن تعيين "هيلاري كلينتون" وزيرة للخارجية الفلسطينية "بموجب نظام ترشيح رئاسي تمَّ الحكم بعدم دستوريته منذ أكثر من عقد".

وأضاف "عباس"، بحسب "جيه بي تي -3"، أنَّه "هدد بنعت والد كلينتون، الرئيس السابق جيمي كارتر، بأنَّه أحد هؤلاء الأوغاد الذين وضعوا اليهود في السجن".

تشرَّب نموذج الذكاء الاصطناعي، مليارات من السطور النصية، ليَنضج مثل "خليستاكوف اصطناعي". ويبدو أنَّ قدرته على الاختراع -أو لنكن متفائلين بالتكنولوجيا، ونسميها خيالاً- تتجاوز قدرة العديد من البشر. ومن المؤكَّد أنَّ العلاقة بين "عباس"، و"كلينتون"، و"كارتر" تتجاوز قدراتي الخيالية المتواضعة.

قراءة فوضوية

هذا هو السبب في أنَّ مولِّد النصوص "جي بي تي-3" يمكنه أن يكون جيداً في المحاكاة الأدبية الساخرة، وهو نوع يتطلَّب إحساساً متطوراً بالعبثية. لا يوجد شيء يمكن أن يطوِّر هذه الجودة أفضل من قدر مفرط من القراءة الفوضوية، وهي الطريقة المستخدمة لتدريب نماذج مثل "جيه بي تي-3". وأكثر ما يبهر في نتاج "جيه بي تي-3" هو أنَّ الإبداع الأدبي الخالص -خاصة المُشتق- يمكن استبداله.

إنَّ ما يثير الدهشة هو أنَّ رحلة التخيُّل هي أسهل جزء تَعَهد به إلى آلة في الكتابة، فقط قم بتدريبها على أسلوب ومحتوى أكثر غموضاً من أعمال "جايمان"، أو "دكتور سوس"، وقليل من الناس عندئذ سيرفُّ جفنهم عند قراءة شعره المنشور في المجلات الأدبية، أو الفانتازيا، أو الخيال العلمي، طالما تمَّ تحرير هذه المساهمات بعناية، بحثاً عن آثار التحيز الذي يمكن أن ترثه "الببغاوات العشوائية"، مثل: "جيه بي تي -3" من البيانات المستخدمة لتدريبهم.

يمكنني حتى أن أتخيَّل وريثاً لـ"جيه بي تي -3" يتمُّ استخدامه من قِبل المؤسسات الإخبارية، أو على سبيل المثال، كُتَّاب "سوبستاك" لإنتاج أعمدة الرأي.

يمكن التنبؤ بالكثير من هذه الأشياء، برغم عدم كتابتها من قبل زملائي في رأي بلومبرغ - نسبياً: أنت تعرف بشكل ما مقدَّماً ما سيقوله كاتب معين في أيِّ قضية. لذلك، إنْ تمَّ تدريب نموذج الكلام على مجموعة عمل لكاتب عمود معين، فقد تحصل على محرِّك دقيق يمكنه التعبير عن أيِّ شيء برأي كاتب معين من السطر الأول فقط.

مرة أخرى، ستحتاج المخرجات إلى تعديل لتجنُّب الأخطاء القاتلة للسمعة. ولكن إنْ أخطأ كاتب العمود في شيء ما، فهو في النهاية مجرد رأي والجميع لديه رأي. من الحالات الواضحة على مثل الاستخدام هو العمود الطقسي الذي يقوم القراء بمسحه ضوئياً ليصابوا بسكتة، أو يشعروا بالتحفيز، ويكتبه كاتب العمود ليدفعوا مبلغ 2 سنت الإلزامي.

الآلة لا تنجح حتى في قصص التقنية والمعادلات

من المفارقات، أنَّه لا يمكن الوثوق بمحرِّك شبيه بـ "جيه بي تي -3" في القصص ذات التقنية والمعادلات الأكبر–مثل تلك التي تتعامل مع إشارات السوق، وإعلانات الصفقات، والإصدارات الإحصائية - للتعامل معها، لأنَّه بغضِّ النظر عن عدد المرات التي نكرر فيها أنَّه محرِّك نصي، وليس معرفياً، فإنَّ النص دائماً ما يكون مجرد وسيلة لتحقيق غاية. إنَّه دائماً ما يسلِّم رسالة، وينقل المعرفة، حتى لو كان يحاول فقط إنشاء جمل متماسكة بناءً على نموذج إحصائي.

في أتمتة الأخبار، لا توجد حاجة إلى الصوت والأسلوب - وهو نموذج مدرب جيداً، وقادر على التقليد بشكل واضح - ولكن من المهم استبعاد الابتكار، وتقليل التفسير، والالتزام بالبيانات التي تمَّ إنشاء القصة من خلالها.

يتخذ الأشخاص، وأحياناً الروبوتات، قرارات تداول بناءً على هذه القصص، وقد يكون الخطأ في قصة من المحتمل أن تحرِّك السوق مكلفاً.

لا يمكننا استخدام "ببغاء عشوائي"، أو "خليستاكوف" الذكاء الاصطناعي - أو لكي نكون أكثر سخاءً، ذلك الينبوع من الإبداع المشتق، لإنتاج هذا النوع من النصوص، كما أشار مطوِّرو "جيه بي تي -3" من "أوبن إيه إل".

التدريب بالتعليقات البشرية

وعلى المدى الطويل، عندما تصبح أنظمة التعلُّم الآلي أكثر قدرة، فمن المرجَّح أن يصبح التأكُّد من أنَّها تتصرَّف بأمان لأمر متفاقم الصعوبة، وقد يكون من الصعب اكتشاف الأخطاء التي ترتكبها، وستكون العواقب أكثر خطورة.

لتقليل احتمالية حدوث أخطاء، أظهر فريق "أوبن إيه آي" أنَّه يمكن تحقيق نتائج ممتازة عندما يتمُّ تدريب النموذج من خلال التعليقات البشرية، إذ يعمل القائمون على التصنيفات البشرية بتقييم المخرجات لإخبار أي من النماذج كان مقبولاً، وأيّها غير مقبول.

كان المثال المستخدم في بحث "أوبن إيه آي" يلخص منشورات "ريديت"، ولكن نظرياً، يمكن تطبيقه على القصص الواقعية القائمة على البيانات أيضاً. ومع ذلك، فإنَّ حجم العمل البشري اللازم لتدريب النموذج، حتى لا يبتعد عن الحقائق، ويتمكَّن من استخلاص استنتاجات آمنة وذات صلة، أكبر بكثير من مقدار العمل الذي يتطلَّبه كتابة برنامج بسيط ينتج النص بناءً على مجموعة من القواعد.

يتطلَّب فرض مثل هذه المهمة أيضاً موارد حاسوبية كبيرة، ويستهلك قدراً لا بأس به من الطاقة. قد لا يكون استبدال العمل البشري للمبرمجين الذين يكتبون نصوصاً قصصية بسيطة بالعمل البشري في التصنيفات- بالإضافة إلى قوة المعالجة الضرورية لذلك- أمراً يستحقُّ كل هذا العناء.

إذا كان مستقبل الكتابة في الذكاء الاصطناعي، فأنا بالتأكيد آمل ألا يكون ذلك النوع من الذكاء الاصطناعي الذي يحتاج إلى حرق ما يعادل منجم فحم، لأنَّه يستوعب مئات الغيغابايت من البيانات، ثم يستخدم العشرات من العمال المنهكين بالحدِّ الأدنى للأجور لتصنيف المخرجات لإكمال تدريبه.

تنتهي مسرحية "غوغول" مع وصول محقق حكومي حقيقي، وتنتهي لحظة مجد "خليستاكوف" فجأة وسط ذهول صامت؛ فمن غير المحتمل أنَّه يحتاج إلى الكثير من التدريب حتى لا يقبل المشروبات المجانية في موقف مشابه مرة أخرى.

يتمتَّع البشر بشكل عام بالمرونة والقدرة على التعلُّم من أخطائهم؛ ويمكن تحميلهم المسؤولية عن أخطائهم، ويمكن لأولئك الذين يحبون الكتابة أحياناً إنتاج عمل أصلي حقاً - وهو شيء لا يستطيع الذكاء الاصطناعي اليوم فعله، أو حتى يحاول فعلاً القيام به. كما أنَّ البشر الذين يكسبون رزقهم بالكتابة، لا يتوسَّلون إليه ليحلَّ محلهم.

وإن قبلنا أنه حتى مناقشة إنشاء نصوص الذكاء الاصطناعي كمنافس للبشر، هو تطور مذهل في حدِّ ذاته، فلا يمكن إنكار التقدُّم المحرز في هذا المجال في السنوات الأخيرة.

لكن يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كان يمكن التفوق على البشر عندما يتعلَّق الأمر بالكتابة. مع التقنيات الحالية على الأقل؛ لا يبدو انتصار الذكاء الاصطناعي في هذا السباق مرجَّحاً.