الصين تشن حملة ضد تعدين العملات المشفرة بعد تزايد حوادث مناجم الفحم

يتزايد توجه الصين لكبح جماح تعدين العملات المشفَّرة جزئياً، بسبب القلق من زيادة استخراج الفحم بطريقة غير قانونية، مما يعرِّض الأرواح للخطر، ويقوِّض أهداف رئيس البلاد شي جين بينغ الطموحة تجاه البيئة.

وقررت السلطات الصينية التحرُّك سريعاً بعد أن توصَّلت إلى أنَّ الارتفاع في استهلاك الكهرباء من مزارع الخوادم التي تدعم " بتكوين" والعملات المشفَّرة الأخرى كان عاملاً رئيسياً وراء زيادة الطلب على الفحم في أجزاء معينة من الصين، وفقاً لمصدر شارك في اجتماعات حكومية رفيعة المستوى حول هذه القضية، وطلب عدم الكشف عن هويته.

قال المصدر، إنَّ ارتفاع الطلب على الفحم دفع بعض المنتجين إلى إعادة تشغيل المناجم المتوقِّفة عن العمل دون الحصول على موافقة رسمية، مما أدى إلى زيادة مخاطر السلامة، وارتفاع عدد الحوادث التي تسفر عن وقوع ضحايا منذ بداية 2021.

وفي الوقت الذي فرضت الحكومة المركزية بالصين حظراً صارماً على عمليات تبادل الأصول الرقمية، وأحبطت تعدين العملات الرقمية لسنوات، كانت السلطات في بعض المناطق النائية من البلاد أكثر ترحيباً بتلك الصناعة ( تعدين العملات المشفَّرة)، لأنَّها توفِّر الإيرادات المالية الضرورية.

وتمَّ إنجاز نحو 65% من تعدين "بتكوين" في العالم بالصين بحلول إبريل 2020، وفقاً لتقديرات جامعة كامبريدج.

مخاوف متزايدة

ساعدت المخاوف المتزايدة بشأن الآثار البيئية غير المباشرة في تفسير سبب إعلان لجنة الاستقرار المالي والتنمية في الصين في يوم 21 مايو في كونها ستتخذ إجراءات صارمة ضد تعدين العملات المشفَّرة وتداولها، بما يرقى إلى أحد أقوى إدانات الحكومة للنظام البيئي للعملات المشفَّرة حتى الآن.

دفع التحذير لإتمام عمليات بيع في العملات المشفرة من أعلى مستوياتها القياسية، وأثار جدلاً حول كيفية استجابة المستثمرين للتكاليف البيئية للأصول الرقمية.

وأدت مواقف إيلون ماسك مؤسس شركة "تسلا"، والمدافع عن العملات المشفَّرة، إلى تغييرات بمليارات الدولارات من القيمة السوقية خلال الأسابيع الأخيرة.

وفقاً لأحد التقديرات، فإنَّ كل دولار من قيمة "بتكوين" تمَّ تعدينها في عام 2018 مسؤول عما يعادل 0.37 دولاراً من الأضرار الصحية والمناخية في الصين، و 0.49 دولاراً في الولايات المتحدة.

تتمتَّع عملة "بتكوين" بمركزية شديدة للغاية، ويتمُّ التحكُّم في الأغلبية الفائقة من إنتاجها من قبل عدد قليل من شركات التعدين الكبيرة.

وكتب ماسك على "تويتر" في 16 مايو الجاري: "غمرت المياه منجماً للفحم في شينجيانغ، مما أدى إلى وفاة كل العمال تقريباً، وانخفض معدل تجزئة "بتكوين" بنسبة 35 %. ألا تبدو أنَّها لامركزية بالنسبة لكم ؟ ".

انخفضت عملة "بتكوين" بحوالي 40% منذ منتصف إبريل، لتقلِّص الصعود الكبير الذي اجتذب الجميع من محترفي "وول ستريت" إلى المستثمرين عديمي الخبرة ​​في كوريا الجنوبية. وجرى تداول أكبر عملة مشفَّرة مقابل 39293 دولاراً صباحاً بتوقيت هونغ كونغ.

ولم تستجب إدارة الطاقة الوطنية الصينية، واللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح بالصين فوراً لطلبات التعليق.

حوادث مميتة

ولا يعدُّ فصل تأثير تعدين العملات المشفَّرة على استهلاك الفحم في الصين أمراً سهلاً، خاصة خلال فترات الانتعاش الاقتصادي عندما يرتفع الطلب على الطاقة بشكل كبير، لكن في مناطق مثل شينجيانغ ومنغوليا الداخلية التي لطالما كانت وجهات مفضَّلة للصناعة ، أقامت السلطات الصينية رابطاً مباشراً بين العملات المشفَّرة والفحم.

وكشف تحقيق حكومي مبدئي في حادث محاصرة 21 شخصاً داخل منجم فحم في شينجيانغ الشهر الماضي أنَّ المنجم قد أعيد تشغيله دون إذن رسمي للمساعدة في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة من جانب مزارع خوادم التشفير، وفقاً لما ذكره مصدر مطَّلع على التحقيق، طلب عدم ذكر اسمه أثناء مناقشة المعلومات الخاصة.

لم يصدر تحديث رسمي لوضع عمال منجم الفحم المحاصرين منذ أن ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة ( شينخوا) التي تديرها الدولة في أوائل مايو أنَّ فريق إنقاذ قد دخل المنجم.

وتمثِّل شينجيانغ وحدها ما يقرب من 36% من قدرة تعدين "بتكوين" وفقاً لتقديرات كامبريدج، بفضل الكهرباء غير المكلفة التي تعمل بالفحم ، ودرجات الحرارة المنخفضة التي تحافظ على برودة منصات التعدين، وشبكات الطاقة غير المتطوِّرة التي تؤدي في بعض الأحيان إلى زيادة العرض.

الالتزام الصيني

يشكِّك بعض المراقبين في تعهدات الصين بشأن الانبعاثات، لكنَّ كبار قادة البلاد تعهدوا بجعل مكافحة تغيُّر المناخ أولويةً على الرغم من العوائق الاقتصادية المحتملة على المدى القصير.

وفي قمة المناخ التي عقدها الرئيس الأمريكي جو بايدن الشهر الماضي، أكَّد الرئيس الصيني شي خطة بلاده للوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون بحلول عام 2030، والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060، عن طريق تقليل استهلاك الفحم جزئياً.

بالنسبة إلى الحكومة الصينية التي تشعر بالقلق من عدم الكشف عن هوية وتقلُّب وطبيعة الأصول الرقمية التي لا حدود لها؛ فإنَّ شركات تعدين العملات المشفَّرة، تمثِّل هدفاً واضحاً.

و حذَّرت الجهات التنظيمية في الصين كثيراً من أنَّ العملات المشفَّرة يمكن أن تسهِّل عمليات غسيل الأموال، والاحتيال، وتمويل الإرهاب.

وبرغم أنَّ الجهود السابقة لكبح جماح تعدين العملات المشفَّرة أخفقت في اكتساب قوة تأييد على المستوى المحلي، إلا أنَّ هناك دلائل على حدوث تغيير.

قالت منغوليا الداخلية التي حظرت تعدين العملات الرقمية في إبريل، أمس الثلاثاء، إنَّها تخطط لزيادة العقوبات على الشركات، والأفراد، وتأديب المسؤولين الحكوميين الذين يساعدون على عمليات "تعدين العملات المشفرة". وكشفت منغوليا الداخلية المنطقة الأسبوع الماضي أنَّها أنشأت نظاماً للأفراد للإبلاغ عن أيِّ شخص يخرق الحظر.