كيف ستؤثر خطط الوصول لـ "الحياد الكربوني" على الدول المنتجة للنفط؟

أيام المياه العميقة في "أنغولا" معدودة. تبتعد شركات النفط الكبرى في الوقت الحالي عن الاستكشاف في المياه العميقة المكلفة وتفضل النفط الصخري سريع الربح
أيام المياه العميقة في "أنغولا" معدودة. تبتعد شركات النفط الكبرى في الوقت الحالي عن الاستكشاف في المياه العميقة المكلفة وتفضل النفط الصخري سريع الربح المصدر: أ ف ب
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وضعت وكالة الطاقة الدولية، مساراً للوصول إلى صافي انبعاثات ثاني أكسيد كربون صفرية، بحلول 2050، وأحد سمات ذلك المسار جذبت الكثير من الانتباه، وهو أنَّها طالبت بالتوقُّف عن استكشاف البترول، وتطوير حقول جديدة.

بالتأكيد، ستعترض شركات الحفر الأمريكية، وسيشعر كبار المنتجين، مثل السعودية، وروسيا بالقلق (أو يتجاهلون التحذيرات). لكنَّ الدول الأصغر، التي تعتمد على الاستثمار الخارجي لتوسيع قطاعها، ستتعرَّض لأكبر قدر من الضرر الاقتصادي إذا امتثلت شركات البترول بتوصية وكالة الطاقة الدولية.

التأثير على الدول المنتجة

لكنَّ الوكالة لا تقول إنَّه يجب منع قطاع البترول من البحث عن أصول جديدة وتطويرها، وإنَّما تقصد أنَّ انخفاض الطلب المطلوب للوصول إلى صافي الهدف "الصفري" سيجعل مثل هذا التنقيب غير ضروري.

مع ذلك؛ فإنَّ تقليص التنقيب عن البترول من قبل عدد كبير من الشركات، سيجعل الأمور صعبة للغاية بالنسبة للدول التي تعتمد على الشركات الدولية، التي تستثمر مليارات الدولارات للعثور على البترول وتطويره. وتعدُّ "أنغولا" أبرز مثال على ذلك، وشهد إنتاجها البترولي انخفاضاً مطَّرداً منذ عام 2016، ولن يزداد هذا الاتجاه إلا تسارعاً.

تعتمد الدولة على شركات البترول الأجنبية لاستخراج الخام من الحقول الواقعة على عمق آلاف الأمتار تحت مياه المحيط الأطلنطي، وأضرَّ انهيار أسعار البترول في عام 2014 بالاستثمارات في القطاع بشدة، وأخذ الإنتاج ينخفض بعد ذلك بعامين عندما توقَّفت مجموعة المشاريع التي كانت قيد التطوير بالفعل، وهبط إنتاج البترول الخام بمقدار الثلث في أكثر من أربع سنوات بقليل.

نيجريا أيضاً ستعاني

وتعني التراجعات العميقة في حقول "أنغولا" البحرية أنَّ الإنتاج سينكمش أكثر بدون الاستثمار في استكشاف وتطوير رواسب جديدة، وستعاني دول غرب أفريقيا الأخرى مثل نيجيريا، أكبر منتج للبترول في القارة، من مصير مشابه.

وتُحوِّل شركات البترول الدولية الرئيسية اهتمامها بعيداً عن التكلفة، وغير اليقين بالمتعلقين بالاستكشاف والتطوير في المياه العميقة، الذي لا يدرُّ دخلاً سوى بعد سنوات من العمل، ومليارات الدولارات من الاستثمارات.

وعلى سبيل المثال، اكتُشفت الحقول الأولى فيما أصبح يعرف بمشروع "بلوتونيو" الأكبر التابع لشركة "بريتش بتروليوم" في منتصف عام 1999، لكنَّها لم تنتج أوَّل براميل تجارية من الخام إلا بعد ذلك بثمانية أعوام.

بدلاً من ذلك، تتحوَّل الشركات نحو العائدات السريعة من الاستثمارات الأصغر في رقعة البترول الصخري الأمريكية.

أيضاً قررت شركة "رويال داتش شل" أنَّ إنتاجها البري في نيجيريا لا يتماشى مع خططها للتحوُّل نحو المصادر الخضراء، وتدرس"BP"، و"إيني" الإيطالية دمج أصولهما الأنغولية في مشروعٍ مشترك في محاولة لإنعاش الإنتاج.

تراجع عدد الدول المنتجة

ومع تراجع الإنتاج من هذه الدول، سيظهر اتجاهان رئيسيان، الأول هو أنَّ العالم سيصبح أكثر اعتماداً على دول أقل للحصول على الكميات الأقل من البترول التي يستهلكها، وهو ما سيركِّز القوة في أيدي المنتجين في الشرق الأوسط، وروسيا، وأمريكا الشمالية.

ثانياً، سيصبح البرميل الناتج أثقل (يحتوي على نسبة أعلى من جزيئات الهيدروكربون الكبيرة التي يجب تكسيرها لإنتاج الوقود الذي يريده المستهلكون)، وأكثر حموضة (يحتوي على تركيزات أعلى من الكبريت التي يجب إزالتها)، وهو ما سيزيد الضغط على المصافي القديمة في أوروبا والولايات المتحدة التي لا يمكنها استخراج القيمة نفسها من هذا النوع من البترول مثل المصافي الحديثة.

ونشهد بالفعل إنشاء مصافٍ جديدة و كبيرة للتكرير في الشرق الأوسط، وآسيا لمعالجة خام الخليج العربي الثقيل والحامض، وتغلق المصافي القديمة في أماكن أخرى، أو تصبح محطات تخزين أو منتجة للوقود الحيوي، وستتسارع وتيرة البناء مع وصول الطلب على البترول إلى ذروته، ثم تبدأ في الانخفاض.

التأثير على الأسعار

والسؤال هنا؛ ماذا عن أسعار البترول؟ تعتمد الإجابة على سرعة التراجع في الطلب على البترول ومعروضه.

إذا هيمن تراجع الطلب على مسار الانبعاثات الصافية "الصفرية"، فإنَّ الأسعار ستتراجع وسيكافح المنتجون للاستجابة للسوق المتداعي، مثلما حدث عندما ضرب الوباء الطلب العام الماضي، ولكن بطريقة تدريجية وأقل درامية، أما إذا أثبت الطلب على البترول مرونته، بينما هبط الاستثمار في القطاع، فمن المرجَّح أن ترتفع الأسعار، وإنْ كان لوقتٍ قصير فقط، ولكن بحلول ذلك الوقت ربما يكون قد عفا الزمن على منتجين، مثل "أنغولا".