طاقة الفحم.. نمو اقتصادي باهظ التكلفة على البيئة

المصور:
المصور: Michele Tantussi/Bloomberg
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يحتفظ الفحم بموقع الصدارة في قائمة مصادر انبعاثات الكربون عالميًا؛ حيث يُسهم بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري، ورغم ذلك لا يزال منتشرا بشكل واسع، مستندًا في هذا الانتشار على بقائه رخيصًا لفترة طويلة.

ويعد الفحم مصدرا مهما للطاقة والدفء وانتشاله لملايين الأشخاص من الفقر بالصين والهند وسواهما من الدول النامية، كما يسهل الحصول عليه ونقله وتخزينه مقارنةً بغيره من مصادر الطاقة.

وتتجاوز أهمية الفحم الكفاءة الاقتصادية فقط، فالعديد من دول أوروبا الشرقية تنظر إلى مواردها المحلية الوفيرة من الفحم كبديل عن النفط والغاز الروسي، ولكن هناك جهود كبيرة ومستمرة للحد من استخدامه، ما أدى إلى تراجع نمو الاستهلاك العالمي في عام 2014 للمرة الأولى منذ تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يهبط في 2015 و2016، ولكنه على الرغم من ذلك ظل مستخدمًا في إنتاج حوالي 40 بالمئة من الطاقة الكهربائية بالعالم.

الوضع الحالي لقطاع الفحم

سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تحسين مستقبل الفحم، متعهدًا بتنشيط قطاع الفحم الأمريكي عن طريق رفع القيود المفروضة عليه. وفي فبراير 2017 وقّع تشريعًا يلغي قانونًا يهدف إلى حماية الجداول المائية من تأثير التنقيب عن الفحم، ثم في أكتوبر من العام ذاته، اقترحت إدارته إلغاء قانون الطاقة النظيفة الذي صدر بهدف الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن توليد الطاقة الكهربائية.

وفي عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، استخدمت الولايات المتحدة قوانين بيئية لتشجيع إغلاق مصانع الفحم أو رفع تكاليف تحديثها، لأن احتراق الفحم ينتج ضِعفَي نسبة ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن احتراق الغاز الطبيعي، وملوثات أكبر بنسبة 28 بالمئة من وقود التدفئة.

انخفاض حاد في استخدام الفحم منذ 5 سنوات

وقد واجه استخدام الفحم بالولايات المتحدة انخفاضًا حادًا عام 2015، بنسبة 15 بالمئة، ما أدى إلى انتقال الولايات من ثاني إلى ثالث أكبر مستهلك للفحم بعد الهند والصين. كما شهد العام 2016 مزيدًا من الهبوط في استهلاك الفحم بنسبة 7.8 بالمئة، واحتل الانخفاض في استخدام الفحم بالصين جزءًا كبيرًا من التراجع العالمي في الاستهلاك، بينما رفعت الهند من استهلاكها بنسبة 2.1 بالمئة عام 2016.

وتجسد تجربة ألمانيا التحديات التي يفرضها الاستغناء عن الفحم كمصدر للوقود، ففي عام 2011، بدأت باستهلاك المزيد من الفحم بعد إغلاق ثمان محطات للطاقة النووية إثر كارثة فوكوشيما في اليابان، ثمّ في عام 2015 افتتحت مصنعين جديدين يستخدمان الفحم كوقود.

خلفية الموضوع

منذ قديم الأزل، كان الفحم موضع جدل، ففي عام 1306 أمر الملك إدوارد الأول بحظر استخدامه في لندن بسبب الدخان الكثيف المنبعث من احتراقه. وبعد عدة قرون، أصبح الفحم محركًا للثورة الصناعية، مما تسبب في انتشار الضباب بالعاصمة البريطانية حتى أواسط القرن العشرين، ويذكر أن أول من استخدم مصطلح الضباب الدخاني رجل لندني عام 1905.

وفي الولايات المتحدة وُجد الفحم للمرة الأولى بالقرب من ريتشموند في ولاية فيرجينيا عام 1791، وأصبحت بالتيمور المدينة الأمريكية الأولى التي تستخدمه لإنارة الشوارع منذ عام 1816، واستغلته البلاد لتشغيل نظام سكك الحديد ومشاريع التوسع نحو الغرب.

ومع بدايات القرن العشرين، خاض اتحاد عمال المناجم، الاتحاد العمالي الأكبر في الولايات المتحدة، معارك شديدة الضراوة مع شركات التنقيب عن الفحم في البلاد.

ويحتل الفحم المرتبة الثانية بعد النفط بين مصادر الطاقة المستخدمة حول العالم، وإذا استمرت مستويات الإنتاج كما كانت في عام 2012 فمن المتوقع أن يكفي مخزون الفحم لـ132 عامًا، فيما تظل الصين والهند واليابان من بين الدول الأكثر استيرادًا للفحم، وأستراليا وإندونيسيا وروسيا هي الأكثر تصديرًا له.

الجدل الدائر حول دور الفحم في التغير المناخي

لا يوجد خلاف حقيقي بين العلماء بشأن دور الفحم في التغير المناخي، رغم تشكيك الرئيس ترامب في هذه الظاهرة بأكملها، لكن لا يزال غير واضح ما إن كان الرئيس قادرًا على الوفاء بتعهداته بشأن إنعاش قطاع الفحم في الولايات المتحدة الأمريكية.

وساعدت الأنظمة البيئية على إيقاف استخدام عشرات آلاف الميجاواطات من الكهرباء المُولدة عن طريق الفحم خلال السنوات الأخيرة، والأمر نفسه ينطبق على المنافسة التي يفرضها الغاز الطبيعي الرخيص.

وتستبعد إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يؤدي إلغاء خطة الطاقة النظيفة إلى زيادة استخدام الفحم كمصدر للطاقة الكهربائية في الولايات المتحدة، خلال العقدين القادمين وإن أوقف الهبوط التدريجي في مستوى استخدامه.

ومن المتوقع وفقًا لهذا السيناريو أن يبلغ استخدام الفحم كمصدر للطاقة الكهربائية في الولايات المتحدة بحلول عام 2040 حوالي 150 بالمئة من نسبته في حال كانت الخطة لا تزال سارية المفعول.

ورغم الحديث عن دعم ترامب للابتكارات الناشئة في مجال "الفحم النظيف"، لإمكانية مساعدتها في التخلص من حوالي 90 بالمئة من الكربون الناتج عن الاحتراق، هناك مشكلتان تواجهان هذا الاتجاه (أولها) عدم ثبوت فعالية تقنية "الفحم النظيف" حتى الآن، و(ثانيها) ارتفاع تكلفتها المادية.

وأمام ارتفاع التكلفة المادية ظهر العديد من المعارضين الذين يجادلون بأن من الأفضل بقاء الفحم داخل الأرض، كما يبدو أن التوجه نحو التخلي عن الاستثمار في المشاريع المتصلة بالفحم يزداد رواجًا.