صناعة "إعادة التدوير" الأمريكية لم تمت، بل هي في ازدهار

تزدهر صناعة إعادة التدوير الأمريكية بشكل متواصل، ليس فقط للأسباب البيئة، ولكن أيضاً لأغراض تجارية، وأدت أزمة سلاسل التوريد الأخيرة لاهتمام أكبر بعمليات إعادة التدوير
تزدهر صناعة إعادة التدوير الأمريكية بشكل متواصل، ليس فقط للأسباب البيئة، ولكن أيضاً لأغراض تجارية، وأدت أزمة سلاسل التوريد الأخيرة لاهتمام أكبر بعمليات إعادة التدوير المصدر: بلومبرغ
Adam Minter
Adam Minter

Adam Minter is a Bloomberg Opinion columnist. He is the author of “Junkyard Planet: Travels in the Billion-Dollar Trash Trade” and "Secondhand: Travels in the New Global Garage Sale."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يقول سجل الوفيات، إن إعادة التدوير "ميتة"؛ وإن لم تكن ميتة فهي "معطلة"، "لا تعمل"، "في سلة المهملات"، "فاشلة"، "تمثيلية"، "كذبة"، وبالطبع "جيدة جداً لدرجة يصعب تصديقها".

في الحقيقة، اكتسبت هذه الرواية الكئيبة زخماً على مدار السنوات الثلاث الماضية، حيث كافحت المدن للعثور على أماكن لإرسال الأشياء التي يرميها الناس في سلال المهملات الزرقاء.

كما خفَّضت بعض المناطق، أو ألغت برامج إعادة التدوير؛ في حين حمَّل البعض الآخر التكاليف الأعلى للسكان.

أزمة سلاسل التوريد

ثم جاءت جائحة كوفيد-19، لتقلب حال سلاسل التوريد التي تحوّل زجاجات المنظفات، والبريد غير المرغوب فيه، وعلب البيرة القديمة، إلى منتجات جديدة.

ومع ذلك، فقد تبين أن كل هذا التشهير في غير محله. فصناعة إعادة التدوير الأمريكية، هي بعيدة عن كونها ضحية أخرى لكوفيد-19، بل هي تزدهر في الواقع، والقصة وراء ذلك تجمع بين الاقتصاد والبراعة على قدم المساواة.

حيث ينظر معظم الأمريكيين إلى إعادة التدوير من منظور بيئي؛ إلا أن الممارسين يعرفون أن الواقع هو شيء مختلف تماماً، فهي نشاط تجاري سلعي يلبي ما يقرب من 40٪ من احتياجات العالم من المواد الخام.

فحوالي ثلثي الفولاذ الأمريكي مصنوع من موارد معاد تدويرها، كما تفاقم النقص في ورق التواليت المرتبط بجائحة كوفيد-19، بسبب ندرة ورق المكتب المعاد تدويره والذي يُشكل الأساس لتصنيع هذه اللفافات في كثير من الأحيان.

ازدهار إعادة التدوير

وعلى غرار الأعمال التجارية الأخرى في مجال السلع الأساسية، تخضع إعادة التدوير للازدهار والانهيار. ولكن حتى عام 2018، شهدت الصناعة الأمريكية ثلاثة عقود من الازدهار (توقفت لفترة وجيزة بسبب الأزمة المالية).

وفي التسعينيات، أطلق المصنعون الصينيون دورة السلع الفائقة، التي دامت عقوداً، وتطلبت كميات هائلة من المواد الخام المعاد تدويرها.

وفي الوقت نفسه، بدأت آلاف الحكومات المحلية الأمريكية تقديم برامج إعادة التدوير على جوانب الأرصفة؛ حيث لبّى العرض طلباً قوياً، وارتفعت الأسعار، مما شجع المزيد من الحكومات المحلية على الدخول في الأعمال المربحة لإعادة التدوير.

الاعتماد أكثر على الصين

ما من شكٍ في أنها كانت دورة حميدة في الغالب، حيث أفادت البيئة وميزانيات البلديات والمستهلكين الأمريكيين. إلا أنها أعمت الصناعة أيضاً عن مدى اعتمادها على الصين.

ففي التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حدَّثت مصانع الورق الصينية تقنيتها لإعادة تدوير الورق المختلط بمواد أخرى، والذي غالباً ما يكون ملطخاً بالطعام، ويوجد عادةً في سلال المهملات الزرقاء. إلا أن المصانع الأمريكية لم تفعل ذلك، وبالتالي سرعان ما أصبحت عاجزة عن المنافسة على الأسعار وتركت العمل للصين إلى حد كبير.

أما العواقب فجاءت وخيمة؛ ففي عام 2017، أعلنت الصين أنها تخطط لتقييد استيراد المواد القابلة لإعادة التدوير، بما في ذلك الورق المختلط. وبعد ذلك بعامين، انتقل القائمون على إعادة التدوير من تلقي أكثر من 100 دولار لطن الورق المختلط، إلى دفع مقابل من أجل التخلص منه.

ووفقاً لأحد المحللين، تم في عام 2018 جمع حوالي 500 ألف طن من الورق المختلط، الذي كان ذا قيمة فيما مضى من أجل إعادة التدوير –ومن ثم طمره؛ وكان من المفهوم أن تخشى الحكومات المحلية من نفوق بقرة المال التي كانت تمتلكها ذات مرة.

صحوة صناعية

إلا أن الصناعة لم تقف مكتوفة الأيدي. واعتباراً من عام 2018، أعلن أكثر من اثني عشر من العاملين في مجال إعادة تدوير الورق، أنهم يوسعون منشآتهم لمعالجة الدرجات التي لم تعد تقبلها الصين (قام القائمون بإعادة تدوير البلاستيك باستثمارات مماثلة). وافتتحت إحدى الشركات، وهي "غرين باي باكجينغ"، منشأة بقيمة 500 مليون دولار يمكنها تصنيع 685 ألف طن من الورق من المواد القابلة لإعادة التدوير كل عام.

ونتيجة لهذه التوسعات وغيرها (بما في ذلك بعض التوسعات في الخارج)، زاد الطلب على الورق المعاد تدويره بالفعل منذ أن أغلقت الصين أبوابها.

إقبال أكبر على إعادة التدوير بعد كورونا

هذا ويعود الفضل جزئياً إلى كوفيد-19 في ازدياد المواد القابلة لإعادة التدوير الأخرى أيضاً؛ حيث خلقت طفرة التجارة الإلكترونية طلباً تاريخياً على عودة الصناديق الكرتونية القديمة اللازمة لصنع صناديق جديدة، كما أن أسعار البلاستيك المعاد تدويره آخذة في الارتفاع.

حيث ذكرت شركة "ويست مانجمنت"، أكبر شركة لإعادة التدوير في الولايات المتحدة من حيث الإيرادات، أن متوسط ​​سعر الربع الأول للمواد القابلة لإعادة التدوير ارتفع بنسبة 97٪ مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

أخبار جيدة

كما يلوح في الأفق المزيد من الأخبار الجيدة لهذه الصناعة. ففي عام 2022، ستطلب ولاية كاليفورنيا أن تحتوي الزجاجات البلاستيكية على محتوى معاد تدويره، ومن المرجح أن تحذو ولايات أخرى حذوها.

كما تقدم العلامات التجارية الاستهلاكية الكبيرة وعوداً متزايدة فيما يخص المحتوى المعاد تدويره، وسيكون من الصعب الوفاء بهذه الموعود دون المزيد من المعروض مما هو متاح حالياً.

وفي حال تمكنت من السير في هذا الدرب، فلن تصبح صناعة إعادة التدوير الأمريكية أكبر وأكثر ربحية فحسب، بل ستكون أكثر مرونة بكثير.

إلا أن الأوقات الجيدة لن تدوم إلى الأبد، حيث يقول "جو بيكارد"، كبير الاقتصاديين في معهد صناعات إعادة تدوير الخردة، وهو جمعية تجارية: "في أي وقت تعتمد فيه الإيرادات على أسعار السلع الأساسية، سيكون هناك صعود وهبوط، وقلقي الرئيسي هو التصحيح في أسواق السلع".

لا مفر من التصحيحات بالطبع، إلا أن النعي ما زال سابقاً لأوانه: فإعادة التدوير الأمريكية ما زالت حية وتزدهر.