على غرار "غرينسبان".. هل يسير "جيروم باول" وراء حدسه في قرار رفع الفائدة؟

جيروم باول رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
جيروم باول رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المصدر: صور غيتي
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عجِّل في الطريق نزولاً. هل أنت ذاهب صعوداً؟ استغني عن المصعد وجرب السلالم! يمكن أن تصف هذه العبارات، النهج المتغير للسياسة النقدية، على مدار العام الماضي، فمعظم البنوك المركزية لم تستطع التحرك بالسرعة الكافية للتخفيف من آلام الوباء.

كان هناك اقتصاد عالمي يجب الحفاظ عليه. إذن ماذا لو أفرطوا؟ أسوأ ما يمكن أن يحدث هو الفوران الاقتصادي، وهي مخاطرة مقبولة بالنظر إلى البديل.

ارتفاع التضخم

الآن العديد من المسؤولين يعزفون مطلقاً عن فعل الكثير، وبالأخص عن فعل شيء "دراماتيكي"، فالنمو يعود –بقوة في بعض ماكن - والتضخم آخذ في الارتفاع. فالمضي ببطء يعد فضيلة.

شدد العديد من صانعي السياسة على إيمانهم بالطبيعة المؤقتة للارتفاع التضخمي الحالي.

تستند ثقتهم إلى بضع افتراضات: إنها عملية اللحاق بالركب من البيئة المحبَطة في العام الماضي، وإذا كانوا مخطئين، فمن السهل عليهم نسبياً فرض القيود.

من المفترض أن تنجح الزيادات الجيدة في أسعار الفائدة في حل المعضلة، وإن كان ذلك في ظل مخاطر حدوث تباطؤ واضحة للغاية.

إشارات متضاربة

بمثل هذه التأكيدات، والقدرة على تحمل بعض الندوب الناتجة من التضخم في العقد الماضي، أصبحت البنوك المركزية تنظر إلى التوقعات بعين الشك.

إنهم لا يريدون فقط توقع ارتفاع الأسعار، بل يريدون رؤيته: لقد أصبحت "النتائج" كلمة رنانة.

تزداد أهمية هذه الأدلة في ضوء الإشارات المتضاربة وسط تعافي كوفيد.

يمكنك الحصول على تقرير التوظيف الأمريكي المخيب للآمال للغاية، على سبيل المثال، متبوعاً ببيانات تظهر أن التضخم تجاوز التوقعات بسهولة في نفس الشهر.

النتائج الفعلية وليس التوقعات

وهذا هو الوقت الذي يجب الإنصات فيه لاثنين من صانعي السياسة الأكثر وضوحاً اليوم، وهما "لايل برينارد" عضو مجلس محافظي الفيدرالي الأمريكي، ومحافظ بنك الاحتياطي الأسترالي "فيليب لوي" - الأولى لأنها زعيمة فكرية لمعسكر الحمائم في بنك الاحتياطي الفيدرالي، وغالباً ما يتم توجيهها لمنصب أعلى. أما الثاني، فبفضل سجل النجاح المتصور لأستراليا.

ففي خطاب ألقته في 11 مايو، قالت "برينارد": "من المرجح أن يكون مسار إعادة الانفتاح والتعافي - مثل الإغلاق - غير منتظم ويصعب التنبؤ به، لذا فإن وضع السياسة على أساس النتائج بدلاً من التوقعات سيخدمنا جيداً".

وفي بنك الاحتياطي الأسترالي، الذي ترأسه لأكثر من ثلاثة عقود، وقاده للتوسع قبل الوباء، كان "لوي" يتحدث عن الأداء الاقتصادي الفعلي، بدلاً من "النماذج"، منذ أن بدأ الاقتصاد في الانتعاش في أواخر العام الماضي.

وقال في خطاب ألقاه في أكتوبر، وهو موضوع عاد إليه في كثير من الأحيان: "سنضع الآن وزناً أكبر للتضخم الفعلي، وليس للتوقعات، خلال عملية صنع قرارنا".

عصر "آلان غرينسبان"

تقدم البنوك المركزية رزماً من التوقعات والتوجيهات المستقبلية، ناهيك عن "النماذج الرياضية" التي تشير إلى أين يرى أعضاء "اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة" الأسعار في السنوات القادمة.

إذا أراد المسؤولون منا أن نقبل هذه الأدوات بعين الشك، فربما لا ينبغي لهم وضعها هناك أصلاً. إن التشكيك في أهمية هذه المعلومات لن يؤدي إلا إلى تقويض فائدتها في المستقبل.

يكفي أن نجعل المرء يشعر بالحنين إلى عصر "آلان غرينسبان"، الذي قاد مجلس الاحتياطي الفيدرالي من 1987 إلى 2006، عندما كانت المعلومات التي نشرتها البنوك المركزية شحيحة بالنسبة إلى اليوم.

أشاد رئيس الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" بشيء من التحية لرئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق في أول خطاب له في دوره في منتجع "جاكسون هول" في عام 2018.

"حدس" القائد

وأكد الخطاب فقط سمعة "باول" كمتشكك في "النماذج الرياضية". ما أشار إلى أنه رأى ميزة في الأيام الأبسط، عندما كان يمكن للسياسة أن تتأرجح بحسب "إحساس" القائد للوضع.

وصف "باول" كيف قاوم "غرينسبان" الضغط لرفع أسعار الفائدة في أواخر التسعينيات، استجابة لانخفاض معدلات البطالة والفكرة المصاحبة لها بأن التضخم الهائل كان قاب قوسين أو أدنى.

كان لدى "غرينسبان" حدسٌ مفاده أن النماذج القديمة كانت بعيدة عن الواقع، وأن الاقتصاد يمكن أن ينمو بوتيرة أسرع دون حدوث فوران اقتصادي.

رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي مرة واحدة فقط من منتصف عام 1996 حتى أواخر عام 1998. ومن الواضح أن "باول" كان معجباً بذلك:

"تحت قيادة الرئيس (غرينسبان)، اجتمعت اللجنة حول استراتيجية إدارة المخاطر التي يمكن تلخيصها في طلب بسيط: لننتظر اجتماعاً آخر؛ إذا كانت هناك علامات أوضح للتضخم، فسنبدأ في التشديد. واجتماع بعد اجتماع رفضت اللجنة رفع أسعار الفائدة مع اعتقادها أن علامات ارتفاع التضخم ستظهر قريباً. واجتماع بعد اجتماع، انخفض التضخم تدريجياً ".

ورغم ذلك كان الاحتياطي الفيدرالي لا يزال يأخذ التوقعات على محمل الجد، لكنها لم تكن جزءاً من حديث البنك المركزي اليومي.

لم تكن الملاحظات العامة كثيرة كما أن المؤتمرات الصحفية المتلفزة لرؤساء بنك الاحتياطي الفيدرالي بعد اجتماعات "اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة" لم تبدأ حتى عام 2011. كل هذا يبدو وكأنه عصور ما قبل التاريخ، ولكنه قد يكون دليلاً للمستقبل.