لماذا تفتقر أوروبا لمنصات بث عملاقة تنافس "نتفلكس" و"أمازون برايم"؟

صورة من مسلسل "بريدجرتون" المعروض على شبكة نتفلكس
صورة من مسلسل "بريدجرتون" المعروض على شبكة نتفلكس المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ما بين استحواذ "أمازون" على شركة "ميترو غولدوين ماير" (MGM)، بقيمة 8.5 مليار دولار، واندماج "وارنر ميديا" بقيمة 130 مليار دولار مع "ديسكفري"، ترك الاندفاع الأخير لإبرام صفقات وسائل الإعلام الأمريكية أباطرةَ الترفيه الأوروبيين في حيرة من أمرهم.

على مدار خمس سنوات، سعت أكبر شركات الإعلام في أوروبا إلى الحصول على صفقات للسبب نفسه الذي جعل اندماج الصناعة يتسارع في الولايات المتحدة؛ فهم بحاجة إلى مزيد من الثقل للتنافس بفعالية مع خدمات بثٍّ، مثل "نتفلكس"، و"أمازون برايم"، و"ديزني بلس" التابعة لشركة "والت ديزني".

محاولات تكتل أوروبية لم تنجح

لم تسفر هذه الجهود بشكلٍ شبه موحَّد عن أيِّ نتائج. حاولت "فيفيندي"- مجموعة وسائل الإعلام الفرنسية التي يسيطر عليها الملياردير "فنسنت بولور"- مراراً هندسة صفقات لإنشاء ثقل أوروبي موازن لـِ"نتفلكس".

ويمكن قول الشيء نفسه عن شركة "ميدياسات" العائدة لرئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني.

في تلك الأثناء، يرى المحللون على الدوام أنَّ "آي تي في" (ITV) هي الهدف الأكثر احتمالاً للاستحواذ بين الشركات في بريطانيا، ومع ذلك فهي تواصل المضي قُدماً بشكلٍ مستقل.

تعني اقتصاديات البث عبر الإنترنت أنَّ النطاق أو الانتشار مهم. إذ كانت المحطة نشطة في عدة بلدان، فلن تحتاج إلى برنامج أو مسلسل معين لتكون ناجحة في كل سوق أو حتى في أيِّ سوق، طالما أنَّها تصل إلى عدد كافٍ من الأشخاص بشكل عام لتبرير الاستثمار الأولي.

تخيَّل أنَّك منتج تلفزيوني يريد أن يصنع مسلسلَ إثارة سياسي خارق من 10 حلقات بقيمة 100 مليون دولار، واسمه "غايم أوف واندا كاردز"، أو"غو دبليو سي". تتوفَّر خدمات "نتفلكس" في 190 دولة. لنفترض أنَّ "غو دبليو سي" حصل على 300 ألف مشاهد في الولايات المتحدة، وجنى من كلِّ مشاهد حوالي 216 دولاراً على مدار عامين (كما هي العادة في الشركة). ستحتاج "نتفلكس" بعد ذلك إلى أقل من ألف مشاهد إضافي في كلٍّ من أسواقها الأخرى لتبرير إنفاق 100 مليون دولار. في بلد مثل ألمانيا، سيمثِّل ذلك 0.1% فقط من 9.4 مليون مشترك محلي، إذ تقدِّر شركة "ديجتال آي" (Digital-i) الاستشارية أنَّهم عملاء لدى "نتفلكس" هناك.

سوق مجزأة

تكمن المشكلة التي تواجهها أوروبا في أنَّها سوق مجزأة للغاية، وفيها أكثر من 11 ألف قناة تلفزيونية، وما يزال معظمها يعتمد على اقتصاديات البث المباشر القائم على الإعلانات، إذ تكون القيمة الدائمة للمشاهد أقل.

حتى المحطات الناطقة بأضخم لغة، ألا وهي الألمانية، لديها 95 مليون فقط من المتحدِّثين الأصليين في المنطقة، معظمهم في ألمانيا، والنمسا، وسويسرا، مما يجعل من الصعب تبرير إنفاق 100 مليون دولار على برنامج معين، وهو "واندا كارتينسبيل" في هذه الحالة.

يمكن للمنتجين، بالطبع، تصوير البرنامج ثم محاولة بيعه للموزِّعين الأجانب. كما ساعد هذا وحدة "سكاي باي تي في" التابعة لشركة "كومكاست" على تحقيق نجاح برنامج "بابليون برلين"، وهو مسلسل بوليسي باللغة الألمانية استقطب معجبين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وخارجها.

لكنَّ "سكاي" هي الاستثناء الوحيد لافتقار أوروبا إلى الاندماج، فهي تعمل بالفعل في إيطاليا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، ولديها 24 مليون مشترك في الأسواق الثلاثة. يساعد ذلك في تبرير الإسراف في المحتوى المتميز، وما تزال تبيع بعض حقوق البثِّ الدولية لمشغِّلين آخرين.

منافسة شرسة

يمثِّل نطاق الانتشار تحدياً لقسم "كانال بلس" (Canal+) في "فيفيندي" (Vivendi)، الذي يضمُّ 8.2 مليون مشترك في سوقه المحلية، و 6 ملايين آخرين في جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى.

بالمقارنة مع 204 ملايين مشترك في "نتفلكس"، و74 مليون في "ديزني بلس"، تواجه "كانال بلس" مخاطر مالية أكبر في إنتاج البرامج، فقد لا تصل ببساطة إلى عددٍ كافٍ من الأشخاص.

ويتعيَّن عليها تصميم ترتيبات تمويل مشترك معقدة مع نظراء دوليين، مثل: "ويستدويتشر روندفونك"، أو المعهد البريطاني للأفلام، أو صندوق فلاندرز للأفلام، ومحاولة بيع الحقوق في المعارض التجارية. في تلك الأثناء، تستطيع "نتفلكس" منح الضوء الأخضر لبرنامج ما، وعرضه في 190 سوقاً دون تردد.

يمثِّل هذا جزئياً سبب بدء "بولور" في توسيع حصة "فيفيندي" في "تيليكوم إيطاليا" في عام 2015، ومحاولته الاستحواذ على "ميدياسات" من "بيرلسكوني" في عام 2016.

لقد أراد سوقاً أكبر. لكنَّ جهوده نحو "تيليكوم إيطاليا" فشلت وسط اضطراب إيطالي بشأن سيطرة مستثمر فرنسي على شبكة الاتصالات الرئيسية في البلاد، في حين ساعد الغرور المتبادل على إغراق صفقة "ميدياسات".

صفقات أوروبية على الطريق

قد يستغرق إنشاء منافس لـِ"نتفلكس" على نطاق انتشار أوروبي حقيقي عدة سنوات، حتى عندما تُعقد الصفقات. سيكون الأمر أكثر تعقيداً بسبب القواعد التي تهدف إلى ضمان تعدد وسائل الإعلام، والدفع التنظيمي الصارم.

في الكتلة الأوروبية، ما يزال التقدُّم بطيئاً وجزئياً؛ إذ تمتلك "ميدياسات" 12% من "برو سيبين سات1 ميديا"، أكبر محطة بث خاصة في ألمانيا، وتقوم بدمج أعمالها الإيطالية والإسبانية في خطوة يُنظر إليها على أنَّها مقدِّمة لمزيد من الصفقات.

في فرنسا، تخطط "آر تي إل غروب"، و"بويغوس" لدمج محطات التلفزيون المحلية التي تموِّلها الإعلانات.

ولكن مع قيام "نتفلكس" بإطلاق المزيد من العروض الأوروبية لتسريع النمو خارج سوقها المحلية؛ فإنَّ تلك الجهود المتنافسة تبدو قليلة جداً، ومتأخرة جداً، وبازدياد أيضاً.

يتوقَّع المحللون أن تحقق الشركة الأمريكية 5.8 مليار دولار من التدفُّق النقدي الحر في عام 2024، أي أكثر من ضعف ما تحققه "آي تي في"، و"آر تي إل"، و"ميدياسات" مجتمعين.

تزداد صعوبة رؤية كيف يمكن لمزيد من الصفقات أن تساعد أوروبا على التنافس بفعالية مع الصعود الذي لا يرحم لعمالقة البثِّ.