المليارات تدفقت على مشروعات الصحة المرتبطة بالتكنولوجيا بعد الوباء المصدر: بلومبرغ

مشروعات "الصحة الرقمية" بأمريكا تجذب مليارات في عصر "كورونا"

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يضخ المستثمرون مبالغ قياسيةً من الأموال في الشركات الناشئة التي تسعى بوتيرة متسارعة إلى إحداث تحوُّل في الرعاية الصحية في الولايات المتحدة.

وبدافع من الوباء، وصل التمويل الخاص لشركات الرعاية الصحية إلى مستويات عالية جديدة في كلّ ربع منذ ظهور كوفيد-19، إذ قام المستثمرون بتوجيه مبلغ قياسي وصل إلى 6.7 مليار دولار للشركات الناشئة المختصة في مجال الصحة الرقمية في الولايات المتحدة خلال الربع الأول من عام 2021، وفقاً لشركة المشاريع والبحوث "روك هيلث" .(Rock Health) وفي عام 2011، تتبَّعت "روك هيلث" استثماراً بلغ 1.1 مليار دولار في الصحة الرقمية للعام بأكمله.

يجذب تدفُّق الأموال الانتباه من زوايا جديدة. فقد أعلنت شركة "جي بي مورغان" الأسبوع الماضي عن نشاط تجاري جديد مع ذراع استثماري بقيمة 250 مليون دولار لتحويل الضمان الصحي لأرباب الأعمال، في حين أبرمت الشركات الناشئة الصغيرة صفقات عملاقة، مثل 500 مليون دولار التي جمعتها الصيدلية التي تجري أعمالها على الإنترنت "رو" (Ro)، التي تأسست في مارس من عام 2017.

وتصل الشركات الصحية المدعومة من المشاريع إلى أسواق البورصة، فقد تقدَّمت شركة التأمين المبتكرة "برايت هيلث غروب"(Bright Health Group)، التي تأسست في 2015، بطلب اكتتاب عام أولي الأسبوع الماضي.

أموال حائرة

ودفعت أسعار الفائدة المستمرة في الانخفاض المستثمرين للبحث عن عوائد في مجالات جديدة، وتوجيه الأموال إلى الأصول من السندات ذات الدرجة غير الاستثمارية وصولاً إلى "دوج كوين". ولم يكن رأس المال المخاطر استثناءً، فقد وصل مبلغ الأموال التي تمَّ جمعها إلى 32.7 مليار دولار في الربع الأول، بوتيرة تتجاوز الرقم القياسي للعام الماضي، وفقاً لبيانات من "بتشبوك-إن في سي أيه فينتشر مونيتور" (PitchBook-NVCA Venture Monitor).

لذلك؛ فإنَّ جميع هذه الأموال يجب أن تذهب إلى مكان ما، فمع انحسار الوباء في الولايات المتحدة، قررت شريحة متزايدة تقوم بتتبُّعٍ لرأس المال المخاطر أنَّ الاضطرابات التي أثارها فيروس كوفيد- 19 تسرِّع التحولات الجارية في قطاع الرعاية الصحية الأمريكي الذي يشتهر بعدم فعاليته، ويقدَّر بـ4 تريليونات دولار.

سابقاً أخفقت تلك الطموحات الكبيرة، فقبل أحدث مشروع صحي لـ"جي بي مورغان"، تخلى البنك عن جهوده المشتركة مع "أمازون"، و "بيركشير هاثاواي". وبرغم ذلك يعتقد المستثمرون أنَّ الوباء حفَّز تغييرات دائمة في كيفية حصول الأمريكيين على الرعاية الصحية بشكل لم يكن متوقَّعاً حدوثه منذ سنوات.

وقال ستيف كراوس، الشريك في شركة " بيسمير فينتشر بارتنرز" (Bessemer Venture Partners)، وعضو مجلس إدارة شركة "برايته هيلث": "إنَّ صناعة الرعاية الصحية متأخرة نوعاً ما بين 10 إلى 20 عاماً عن الدول الصناعية المتقدِّمة الأخرى من ناحية تبني الابتكار"..

بدأ "كراوس" الاستثمار في الرعاية الصحية قبل عقد من الزمن، عندما كان العديد من مزوِّدي الخدمات الطبية في الولايات المتحدة ما يزالون يعتمدون على السجلات الورقية. الآن يقول، إنَّ الصناعة تلحق بالركب، ويشير بقوله: "حدث ذلك بسرعة كبيرة بسبب كوفيد".

تدفقات سريعة

وتتضح إحدى العلامات على مدى سرعة تحرُّك الأموال في أنَّ الشركات الناشئة بمجال الرعاية الصحية تقوم بإجراء جولات جديدة تماماً من التمويل قبل أن يجفَّ الحبر على التعاقدات الخاصة بها، فقد أجرت العشرات من شركات الصحة الرقمية أكثر من جولة تمويل خلال عام 2020، وفقاً للبيانات التي جمعتها شركة "روك هيلث" لوكالة "بلومبرغ"، وهي وتيرة لم يسمع بها أحد تقريباً قبل بضع سنوات.

وتعدُّ زيادة السيولة في مثل هذه الشركات بمثابة رهان بمليارات الدولارات على أنَّ الرعاية الصحية جاهزة أخيراً لنوع التغيير التكنولوجي الذي أعاد منذ فترة طويلة صياغة تجارة التجزئة والبرامج والوسائط. مثل هذه التحولات تصنع ثروات جديدة، وتهدد نماذج الأعمال القديمة. ويتسابق المستثمرون لدعم الشركات التي يأملون أن تصبح مثل "أمازون"، أو "سيلز فورس"، أو "فيسبوك" في قطاع الرعاية الصحية.

لسنوات ركَّز رأس المال المخاطر في مجال الرعاية الصحية على تطوير عقاقير وأجهزة طبية جديدة، لكن، ما تزال الأعمال التجارية المحفوفة بالمخاطر والمكلفة لتطوير الأدوية الجديدة تحصل على نصيب الأسد من الاستثمار في مشروعات الرعاية الصحية.

في الوقت الحالي تتجه الأموال بشكل متزايد إلى الخدمات الصحية والبرمجيات، ففي السنوات القليلة الماضية، تجاوز التمويل في تلك المجالات المبلغ المخصص للأجهزة الطبية، وفقاً لبيانات من "بتشبوك-إن في سي أيه فينتشر مونيتور". ومع ارتفاع المبلغ الإجمالي للاستثمار في المشاريع في تلك الفترة، تشكِّل الصحة الرقمية، وشركات الخدمات الأخرى شريحةً متزايدةً من الكعكة المتنامية.

سر التحول

اعتمدت العديد من مؤسسات الرعاية الصحية حتى وقت قريب على السجلات الورقية، فقبل عشر سنوات، اعتمدت فقط أكثر من ربع المستشفيات الأمريكية السجلات الصحية الإلكترونية الأساسية التي يمكن أن تحتفظ بملاحظات الأطباء، وفقاً للبيانات الفيدرالية.

واستثمرت حكومة الولايات المتحدة أكثر من 35 مليار دولار لحثِّ مقدِّمي الرعاية الصحية على حفظ السجلات إلكترونياً، وتتجه الصناعة نحو تبادل أكثر مرونة للبيانات بين الكيانات المختلفة - وإن كان ذلك يجري بتردد.

قال ميغان زويغ، كبير مسؤولي التشغيل في "روك هيلث": " بالنسبة لشركات الصحة الرقمية هناك المزيد من البنية التحتية للبناء عليها، أصبح بناء شركة الآن أسهل مما كان عليه قبل خمس أو عشر سنوات."

هناك عوامل أخرى تلعب دورها، فقد شجَّع " قانون الرعاية الصحية الأمريكي" ترتيبات الدفع التي تهدف إلى ربط عمليات السداد بالنتائج الصحية للمرضى، وليس حجم الرعاية المقدَّمة فقط؛ إذ تؤدي المعدلات المرتفعة للحالات المزمنة، وشيخوخة السكان السريعة إلى زيادة الطلب على الأدوات التي تساعد الأشخاص على إدارة صحتهم، والعيش بشكل مستقل لفترة أطول. ويتنظر الأشخاص من جميع الأعمار بشكل متزايد الحصول على الرعاية الصحية بالطريقة التي يحصلون بها الآن على الكثير من الأمور الأخرى، من خلال الشاشات الموجودة على أجهزة الكمبيوتر والهواتف.

الوباء مُحفزاً

كانت هذه الاتجاهات تتحرَّك قبل الوباء، لكنَّ كوفيد-19 كسر حاجزاً مهماً كان يردع بعض المستثمرين عن قطاع الرعاية الصحية، ألا وهو "القصور الذاتي". يميل العملاء المحتملون مثل شركات التأمين، وأرباب العمل، والمستشفيات إلى تجنُّب المخاطرة والبطء في تبني النهج الجديد. يمكن للشركات الناشئة التي تبني منتجات لتلك الأسواق أن تحرق الأموال بسرعة، وهي تنتظر أن تخاطر المؤسسات بتجربة شيء جديد.

وفي هذا السياق، قال بوب كوشر، الشريك في شركة "فنروك" (Venrock) والمستثمر في مجال الصحة الرقمية منذ فترة طويلة: "كانت هناك مشكلة النمو البطيئة والمكلفة للغاية، مما أدى إلى إبقاء التقييمات منخفضة للغاية، وأدى إلى إبعاد الكثير من المستثمرين في مجال التكنولوجيا."

غيَّر "كوفيد" ذلك بين عشية وضحاها تقريباً، فقد أجبر التباعد الجسدي الأطباء وأنظمة المستشفيات على التحول إلى الزيارات عن بعد. وقال "كوشر"، إنَّ الوباء "قلَّص حوالي 10 سنوات من تبني أشياء مثل الرعاية الافتراضية، والعلاج عن بعد إلى فترة ستة أشهر".

بدوره يتسارع جمع الأموال؛ إذ تقوم شركات الصحة الرقمية بجمع مبالغ أكبر في وقت أقرب مما كان عليه الحال من قبل. ففي الربع الأول، جمعت 17 شركة تمويلات

لا تقلُّ عن 100 مليون دولار، وفقاً لبيانات "روك هيلث". وهذا العدد يقارب ما تمَّ جمعه في عامي 2018، و2019 مجتمعين. وقد وصلت الشركات إلى مرحلة "الصفقات الضخمة" أسرع من السابق، وهي في المتوسط بعد خمس سنوات فقط من تأسيسها.

عمليات اندماج

يشار إلى أنَّ بعض من رأس المال قد يغذِّي عمليات الاندماج في الأشهر والسنوات المقبلة. تقول زويغ من "روك هيلث"، إنَّ الشركات التي تقوم بالتسويق لأصحاب العمل والخطط الصحية تسمع أنَّ عملاءها المحتملين مثقلون من انتشار "حلول النقاط" – كمنتجات تستهدف بشكل ضيق حالات طبية معينة، أو أنواع رعاية معينة، مثل: مرض السكري، أو اضطرابات العضلات والعظام.

وقالت زويغ أيضاً، إنَّ السوق يبحث عن عروض أوسع، ومن المرجَّح أن يتمَّ توجيه بعض المال الموجود خزائن الشركات الناشئة نحو اكتساب شركات ناشئة أخرى، وتجميع المزيد من العروض الشاملة.

وتمَّ الطرح العام لعدد متزايد من شركات الصحة الرقمية، أو تمَّ الاستحواذ عليها بقيَم جذَّابة، وعزَّزت عملية "التخارج" التي تمنح المستثمرين المغامرين دفعات من ثقة المستثمرين المغامرين في الصناعة. وحول ذلك تقول زويغ: "لفترة من الوقت لم يكن هناك الكثير من عمليات التخارج في مجال الصحة الرقمية، والآن هناك. والمستثمرون يحبون عمليات التخارج ".

اجتذبت عمليات الاكتتاب وعمليات الاستحواذ رفيعة المستوى في السنوات الأخيرة انتباه المستثمرين، عبر إثبات للسرعة التي يمكن أن تضاعف بها الشركات الناشئة في مجال الصحة الرقمية أموالها. وعلى مدى عقد من الزمان، قامت شركة ناشئة في مجال الصحة الرقمية تحاول تحسين رعاية مرضى السكري بهدوء بجمع حوالي 240 مليون دولار من رأس المال المخاطر.

ظهرت شركة "ليفونغو هيلث" لأوَّل مرة في عام 2019 في طرح عام أولي بقيمة 2.6 مليار دولار. في العام التالي، وفي منتصف جائحة كوفيد-19، استحوذت عليها شركة "تيلادوك هيلث "مقابل ما يقرب من 13 مليار دولار، أي خمسة أضعاف قيمتها عندما تمَّ طرحها العام.

وفي هذا الصدد يقول غلين تولمان، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "ليفونغو"، الذي يقود الآن مشروعاً جديداً يسمى "ترانسكارنت": "فجأة، قال كل المستثمرين: رائع! يمكنك جني الكثير من المال في هذا المجال. إنَّ هذه الشركات هي شركات حقيقية".

تمويل متزايد

يقرُّ كراوس، العضو في لجنة الاستثمار في "روك هيلث" أنَّ إبرام الصفقات يسير بخطى سريعة. إذ يقول "هل التقييمات عالية؟ بالتأكيد. هل سرعة الصفقة سريعة للغاية في رأيي؟ بالتأكيد". لكنَّه قال أيضاً، إنَّ "هناك الكثير من الشركات التي تسعى وراء رأس المال".

لكنَّه قال، إنَّه لا يرى فقاعة بمعنى التمويل غير العقلاني للشركات ذات الإمكانيات القليلة للأعمال المستدامة. وبدلاً من ذلك، يرى أنَّ الشركات ذات الأفكار القوية تسعى وراء فرص حقيقية في السوق في صناعة طال انتظار تغيّرها.

تعمل الشركات الكبيرة القائمة بشكل متزايد على الترويج لرؤى لمستقبل رعاية صحية عالي التقنية. إذ قالت شركة "أنثيم"، ثاني أكبر شركة تأمين صحي في البلاد، للمستثمرين في مارس ألا يفكِّروا فيها على أنَّها شركة تأمين صحي، ولكن باعتبارها "منصة مميكّنة رقمياً للصحة"، وفقاً لتعبير الرئيس التنفيذي جيل بودرو. وفي فبراير، اشترت شركة "سكنا" شركة "إم دي لايف" للخدمات الصحية عن بعد، وتشتري شركة "ولمارت" شركة للرعاية الصحية عن بعد تسمى "مي إم دي". من جهتها، أعلنت شركة "سي في اس هيلث" عن إنشاء صندوق استثمار مشترك جديد بقيمة 100 مليون دولار يركِّز على الصحة الرقمية.

مُعضلة السعر

ولم يتضح بعد ما إذا كان تدفُّق الابتكار سيقوِّض المشكلة الأساسية للرعاية الصحية في الولايات المتحدة، التي تتمثَّل في الثمن. يخصص أرباب العمل ودافعو الضرائب والأسر مجتمعة 4 تريليونات دولار في السنة، أو حوالي 18% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي حصة أعلى بكثير من معظم البلدان الغنية. لكن هذا الإنفاق الضخم

لا يؤدي إلى حياة أطول، أو صحة أفضل مقارنة بالدول التي تنفق أقل بكثير.

يجب على المستثمرين ورواد الأعمال الذين يتطلَّعون إلى إحداث تحوُّل في الرعاية الصحية ألا يقللوا من مدى صعوبة ذلك. وفي هذا السياق، يقول بول هيوز كرومويك، مستشار السياسة الصحية في "آن أربور" التي تتخذ من ميشيغان مقرّاً لها: "يقول الأشخاص التقنيون الذين لم يقضوا حقاً وقتاً كافياً في عالم سياسة الصحة "سنظهر ونكتشف الأمر".

تعِد كل شركة ناشئة تجمع الأموال تقريباً بتحسين الرعاية، أو خفض التكاليف، أو كليهما، لكن كي تجني الشركات الجديدة المال، وتخفِّض التكاليف الإجمالية؛ يجب أن يأتي انخفاض النفقات الصحية من مكان آخر؛أي من تدفُّق إيرادات شخص آخر، بخلاف ذلك، قد تضيف الابتكارات تكاليف إلى النظام فحسب.

ولكن لن يتمَّ استبدال بعض الأجزاء الأساسية من الطب، مثل العمليات الجراحية، أو الفحوصات الجسدية. وقالت هيوز كرومويك: "لن يختفي هذا التفاعل البشري، هناك نوع من العامل المقيِّد لما يمكن أن تفعله التكنولوجيا. لكني سأكون حمقاء إنْ قلت إنَّها لن تتمكَّن من فعل تلك الأشياء ".