شراء منزل في أمريكا الآن أصعب وأغلى من أي وقتٍ مضى

تضاعف سعر الخشب 4 مرّات خلال عام، ما أدّى لارتفاع كبير بتكاليف بناء المنازل
تضاعف سعر الخشب 4 مرّات خلال عام، ما أدّى لارتفاع كبير بتكاليف بناء المنازل المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في كافة أنحاء الولايات المتحدة، ترتفع أسعار المنازل بشكل كبير، وحروب المزادات هي السائدة، كما أن المعروض من الوحدات السكنية أكثر ندرة من أي وقت مضى. ما جعل السوق باهظة الثمن حتى بالنسبة للمطورين العقاريين.

الطلب محموم للغاية، وتكاليف البناء تتصاعد بسرعة كبيرة، لدرجة أن شركات البناء المثقلة بالديون بدأت ترفض طلبات الشراء، والتحول بعيداً عن الأسعار الثابتة.

تقوم الشركات، بما في ذلك "دي آر هورتون" (D.R. Horton) وشركة "لينار" (Lennar)، بتجربة المزادات الأولية في مناطق مثل تكساس وفلوريدا وجنوب كاليفورنيا، في حين أن بعض الشركات الصغيرة توقفت عن توقيع العقود تماماً.

جريج ياكيم، الشريك في "كاستل روك كوميونيتيز" (CastleRock Communities)، وهي شركة خاصة لتطوير وبناء العقارات في تكساس، يقول: "لقد أوقفنا المبيعات حتى نوشك على الانتهاء من أعمال بناء المنازل، في وقتٍ لدينا قوائم انتظار ضخمة".

في ظل اقتصادٍ عالمي يعاني من نقص الإمدادات، يعاني سوق الإسكان في الولايات المتحدة عدّة تحديات متقاطعة مرتبطة بجائحة كورونا، والتي تعيق طرح مخزون جديد من العقارات، في وقتٍ السوق بامس الحاجة إليها.

يتدافع المشترون للحصول على منازل جديدة، فيما يقلب العمل عن بُعد رأساً على عقب طبيعة الوظائف. في وقتٍ يؤدي ارتفاع تكاليف الأخشاب ونقص العمال إلى تباطؤ أعمال البناء والتطوير. والنتيجة هي أن أسعار العقارات، التي وصلت بالفعل إلى مستويات لا يمكن تحملها من قِبل العديد من الأمريكيين، مرشحة للاستمرار في الارتفاع.

أعلى ثمن

يتمركز بناة المنازل في الأماكن المثالية بالنسبة إليهم، أي في المدن والضواحي منخفضة التكلفة، حيث يتجه المشترون للحصول على مزيد من المساحات في ظل استمرارهم بالعمل من المنزل. لكن المطورين ينتظرون لأطول فترة ممكنة لتلقي طلبات الشراء، لأن التأخير في التسليم شائع بالسوق، والتكاليف المستقبلية لا يمكن تحديدها. فلماذا يتم تثبيت أسعار محددة في العقود، في حين يُحتمل أن تكون أعلى بكثير عند اكتمال بناء المنازل؟

جون بيرنز، مستشار بناء المنازل بمنطقة إيرفين في كاليفورنيا، يلخص الأمر بقوله "إنهم يبيعون المنازل مقابل أعلى ثمن يمكنهم الحصول عليه، وهذا الأمر ينطبق على كافة بائعي المنازل في أمريكا".

يؤخر حوالي 19% من المطورين العقاريين المبيعات أو البناء، بينما قام 47% بإضافة بعض بنود الزيادة التصاعدية إلى العقود، ما يتيح لهم رفع الأسعار مع زيادة التكاليف، وذلك وفقاً لمسح أجرته الرابطة الوطنية لبناة المنازل في أبريل. وقد أظهرت بيانات حكومية صدرت هذا الأسبوع أن عمليات البدء ببناء مساكن جديدة تراجعت بنسبة 9.5% خلال الشهر الماضي، ما يشير إلى أن القطاع يتراجع بسبب قيود سلسلة التوريد.

سابقة

ترى فايك أوغرادي، المدير الإقليمي لشركة الاستشارات العقارية "زوندا" (Zonda) في أوستن بولاية تكساس، أن "المطورين غارقون في تأخر مشاريعهم، بينما الطلب الحالي قوي للغاية، بحيث يتعين عليهم إبطاء المبيعات أو إجبار المشترين على رفع الأسعار". مُضيفةً أن حوالي 63% من المشاركين في استطلاع أجرته شركتها على مستوى البلاد، يتجهون للحد من عدد العقود التي يوقعونها شهرياً لكل مشروع.

أوغرادي، التي تعمل بهذا القطاع منذ 30 عاماً، تؤكد "أنه شيء لم نشهده من قبل"، مضيفةً أن وظيفة المطور العقاري قد تحولت من محاولة بيع المنازل إلى محاولة بناء المنازل".

تواجه الشركات تأخيرات في كل شيء، بدءاً من الألواح الصخرية إلى الخزائن وأدوات المطبخ. نتيجة ذلك، أصبح بناء المنزل يستغرق حوالي شهرٍ إضافي، وذلك وفقاً لمحلل بناء المنازل في مركز أبحاث الإسكان أليكس بارون. وارتفعت أسعار الخشب بمقدار أربعة أضعاف عن العام الماضي، رغم انخفاضها في الأسابيع الأخيرة، حيث يظن التجار أن ارتفاع التكاليف وصل إلى حدٍّ سيدفع الطلب إلى الانخفاض.

هذه التحولات، تؤدي إلى اتجاه المطورين أكثر من قبل إلى منازل المضاربة التي شيدت دون مشترٍ، حتى يتمكنوا من الحصول على أعلى سعر من خلال عرضها فقط عندما تكون المنازل جاهزة تقريباً، كما يقول بارون.

إلى ذلك، يتبع البعض أيضاً ممارسة منتشرة بشكل متزايد في السوق المحلية حالياً، وهي تحديد موعد نهائي سريع لتقديم العطاءات ثم اختيار أفضلها.

قوائم الانتظار

كتبت شركة "دي آر هورتون"، أكبر شركة إنشاءات في الولايات المتحدة، رسالة عبر البريد إلكتروني إلى الوكلاء المحليين في أوستن بتاريخ 3 مايو جاء فيها: "يسعدنا أن نعلن أن لدينا الآن منازل متاحة في المرحلة الأخيرة من مشروع بايونير كروسينغ إيست"، مانحةً المشترين أسبوعاً فقط لتلقي العروض. ومُضيفةً: "يُرجى الملاحظة - نظراً للطلب، فإننا نتوقع تلقي عروض متعددة على العديد من ممتلكاتنا، وننصح العملاء بتقديم أعلى وأفضل عرض لديهم حتى يتم النظر فيه".

لم يرد ممثل شركة "دي آر هورتون" على رسائل بالبريد الإلكتروني تطلب تعليقاً حول هذا الموضوع.

تتخذ شركة "لينار" مساراً مشابهاً في بعض المشاريع. وفى بريد إلكتروني حديث إلى مكاتب الوسطاء في فلوريدا للترويج لمشروع "بابكوك رانش" في "بونتا غوردا"، أشارت شركة التطوير والبناء إلى أنها "ستستقبل عروضا على منازل معينة في المشروع بدلاً من نشر سعر بيع محدد".

من وجهة نظر شركة "لينار"، فإن تحديد العطاءات مفيد لمشتري المنازل الذين لولا ذلك كانوا سيُوضَعون على قوائم الانتظار ولن تتاح لهم الفرصة لتقديم عرض لشراء منزل. وتصرح دارين ماكموري، رئيس قسم جنوب غرب فلوريدا في "لينار"، بأن برنامج عروض الشركة يمنح الجميع فرصة عادلة ومنصفة لتقديم عروضهم على المنزل المناسب لميزانيتهم".

حتى بالنسبة للمشتري الذي تمكن من الحصول على صفقة، فإن الشروط يمكن أن تتغير. ويوضح تريش بايس، الوكيل المحلي ومطور عقارات سابق، أن بعض العقود في منطقة أتلانتا تحتوي الآن على خيار عدم المضي في الصفقة، لكل من البنائين والمشترين. مؤكداً: "لا يمكن للمطورين أن يعطوك سعراً ثابتاً اليوم".

نقص الأراضي

في تكساس، أرض المساحات المفتوحة، بدأ المطورون فجأة يواجهون نقصاً في الأراضي. فلقد جلبت الهجرة الناتجة عن كورونا مشترين من خارج الولاية من ذوي الحسابات البنكية الكبيرة، والذين أخذوا يزاحمون السكان المحليين بعروض شراء ضخمة، خاصة في أكثر أسواق الولاية ارتفاعاً واشتعالاً بالأسعار، أي أوستن ودالاس.

آرون غراهام، نائب الرئيس الأول لشركة "هايلاند هومز" (Highland Homes) للتطوير العقاري في تكساس، يصرح أن شركته تطرح الآن حوالي 3 منازل في كل حي ببداية كل شهر، خاصة في المناطق مشتعلة الأسعار مثل أوستن. منوهاً بأن المطور لا يريد أن يغرق تحت ضغط الأعمال لأن المشترين على قوائم الانتظار يحتاجون إلى الاهتمام، كما أن سد النقص في مخزون الأراضي يستغرق وقتاً.

وصلت قائمة الانتظار الخاصة بشركة "هايلاند هومز" بمُجمّع واحد في أوستن إلى 140 راغبا بالشراء مقابل 10 قطع متوفرة فقط. وقامت الشركة برفع الأسعار بنحو 25% عن العام السابق في المدينة، التي شهدت تدفقاً من قِبل موظفي شركات التكنولوجيا، مثل "أوراكل" (Oracle) التي انتقلت من الساحل الغربي.

يتابع غراهام: "في بداية الشهر، قمنا بإطلاق مجموعة من المنازل التي طورتها شركتنا، ونحن نبدأ من الأعلى بالنسبة للمسجلين أولاً في قوائم الانتظار، ثم ننتقل إلى باقي القائمة بالترتيب" لكنه لا يخفي بأنه في "بعض الأحيان ترتفع الأسعار، فيتم إعادة تسعير المنازل".

حروب المزايدات

استغرق الأمر من كيني ألبرت وكاتلين ماك تقديم 3 عروض قبل أن يتمكنوا من الحصول على عقد لشراء منزل من شركة "دي آر هورتون" في تييرمو، على بعد حوالي 12 ميلاً شرق أوستن. ويوضح ألبرت، الذي يبلغ من العمر 26 عاماً، أنه خلال عرضهم الأول، قاموا بزيادة 17 ألف دولار فوق السعر المبدئي البالغ 330 ألف دولار، فقيل له: "إنك لم تكن قريباً من الحصول على المنزل".

بعد أسبوعين، تم رفض عرضهم لشراء منزل آخر، إلى أن حصلوا أخيراً على صفقة هذا الأسبوع، حيث عرضوا حوالي 14 ألف دولار فوق السعر المطلوب البالغ 321640 دولاراً. ويعتبر ألبرت أنه "بصراحة، أعتقد أنه كان مجرد حظ".

يلفت رام كونارا، سمسار عقارات في دالاس، إلى أن "بعض المطورين قاموا بإلغاء صفقاتٍ مع المشترين حتى بعد توقيع العقود، أو طلبوا المزيد من المال". مضيفاً أن عملاءه يستمرون بخسارة حروب المزايدات لشراء منازل قائمة، في حين أن العثور على عقار مبني حديثاً أكثر صعوبة".

ويختم كونارا قائلاً: "إن بعض المطورين لا يفتحون حتى الأبواب في منازلهم النموذجية للمشترين لإلقاء نظرة، إذ لا فائدة من فتح الباب، فإذا كان هناك أي منزل متوفر الآن، فسيتم بيعه بغضون ساعة".