كيف يمكن لأوروبا قيادة العالم للخروج من أزمة السفر؟

اللقاح يساعد على عودة الحياة الطبيعية وتخفيف حالة الارتباك في السفر الدولي، لكن هناك مزيد من القواعد والضوابط المطلوبة من أجل استئناف حركة السفر الطبيعية حول العالم
اللقاح يساعد على عودة الحياة الطبيعية وتخفيف حالة الارتباك في السفر الدولي، لكن هناك مزيد من القواعد والضوابط المطلوبة من أجل استئناف حركة السفر الطبيعية حول العالم المصدر: بلومبرغ
Sam Fazeli
Sam Fazeli

Sam Fazeli is senior pharmaceuticals analyst for Bloomberg Intelligence and director of research for EMEA.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تقدِّم اللقاحات مساعدة هائلة في الحرب على فيروس كورونا، فتُمهد الطريق أمام إعادة فتح البلدان، والمدن، والدول حول العالم.

ولكن، فيما يخصُّ التجارة والسفر عبر الحدود، سوف نحتاج لأكثر من مجرد لقاحات حتى تعود الأمور إلى سابق عهدها نوعاً ما.

معايير متباينة

ويظهر ذلك جلياً بشكلٍ خاص في الاتحاد الأوروبي، إذ تعتمد الدول الأعضاء معايير وقيوداً مختلفة، مما يجعل السفر مربكاً في القارة، سواء بين الوجهات الأوروبية أو إلى الخارج.

إليكم بعض الأمثلة من أرض الواقع: يمكن للمواطنين البريطانيين أن يسافروا إلى البرتغال لقضاء العطلة، بدون الخضوع لاختبار كورونا قبل السفر، أو الاضطرار لحجر أنفسهم عند العودة، نظراً للانخفاض النسبي في عدد الإصابات في الدولتين.

ولكن إذا سافروا إلى إسبانيا، سيضطرون لحجر أنفسهم حين يعودون. وإذا سافروا إلى فرنسا، يُنصح المواطنون البريطانيون بحجر أنفسهم لسبعة أيام، والخضوع لاختبار كورونا، وإذا سافروا من فرنسا إلى المملكة المتحدة، عليهم حجر أنفسهم لعشرة أيام والخضوع لاختبارين على الأقل.

هذه الاختلافات موجودة بين عددٍ كبير من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لدرجة أنَّ الاتحاد وضع أداة لتمكين المواطنين من تتبُّع المعايير المختلفة.

إغلاق عشوائي للحدود

هل يبدو لكم الأمر عشوائياً؟ هو كذلك نوعاً ما، كما يقدِّم نموذجاً مصغراً عن التحديات التي يواجهها العالم من ناحية عودة السفر من أجل الأعمال والترفيه. فبالإضافة إلى السعي نحو التوزيع العادل للقاحات، لا بدَّ أن يعدَّ العالم خطةً أفضل تمكِّنه من العودة إلى الطبيعة.

وفي هذا الإطار، يمكن لأوروبا من خلال حدودها المغلقة، والعلاقات ما بين حكوماتها، أن تمهد الطريق عبر اعتماد فحوص وإرشادات للسفر ضمن القارة؛ قد تشكِّل معياراً يتبعه العالم أجمع. إليكم أربعة اقتراحات عن أين يمكن أن تبدأ؟.

1- تحديد معايير موحَّدة لاختبارات كورونا: يمكن للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تتفق على بروتوكولات اختبارات كورونا، قبل السفر وبعده وخلاله، انطلاقاً من تطور فهم العالم لكيفية إجراء هذه الاختبارات بشكل فعَّال.

فكثير من الدول، بينها بلجيكا وفرنسا، ما تزال تُصرُّ بشكلٍ صارمٍ على استخدام اختبارات "المعيار الذهبي"، أي الـ "بي سي آر" فقط.

وعلى الرغم من أنَّ هذه الفحوصات عالية الدقة، إلا أنَّها تستهلك الكثير من الوقت، وتستمر في إعطاء نتيجة إيجابية لأسابيع، على الرغم من أنَّ المريض لا يعود معدياً، مما يسبب المزيد من الإزعاج، ويعرقل السفر بدون أسباب موجِبة.

لذا يُفضل إجراء اختبارات الأجسام المضادة، فهي أسرع، وإجراؤها أسهل، ومعدَّة عملياً لكشف الإصابة حين ما يزال الشخص في الفترة التي يكون فيها معدياً، وهو الوقت الذي عليه تفادي السفر فيه.

وبالإضافة إلى نوع الاختبار المستخدم، تختلف دول الاتحاد الأوروبي حول مدة الحجر، والفارق الزمني بين الاختبارات الإلزامية، والتعامل مع الأشخاص الملقَّحين، وإمكانية الخضوع لاختبار من أجل مغادرة الحجر، مما يضيف المزيد من الإرباك إلى عملية يجب أن يكون تنسيقها سهلاً نسبياً. ومن شأن التنسيق أن يُحسِّن الامتثال للقواعد، ويؤدي إلى نتائج أفضل.

2- المزيد من تقصي التسلسل الجيني: يمكن للاتحاد الأوروبي أن يساهم أكثر في الجهد الدولي لتقصي التسلسل الجيني الهادف لتقييم السلالات الناشئة بشكل أفضل.

حالياً، ثمَّة فجوة واسعة بين مستويات التقصي الجيني، حتى بين الدول المتطورة نفسها. مثلاً، قدَّمت المملكة المتحدة كمية كبيرة من البيانات إلى قاعدة البيانات الدولية "غايسايد"، وهي المبادرة التي تتبع التحورات الجينية في الفيروسات، وأظهرت هذه البيانات ارتفاعاً مقلقاً بالإصابات بالسلالة التي تمَّ كشفها للمرة الأولى في الهند.

وقد دفعت هذه المعلومة بألمانيا لإيقاف استقبال المسافرين من المملكة المتحدة.

إلا أنَّ دولاً مثل البرتغال وإيطاليا لم تُبلغ على ما يكفي من البيانات مؤخراً، مما يحرم المسافرين، وصنَّاع السياسات من أداة موثوقة لتقييم الخطر، مع العلم أنَّ ألمانيا أبقت أبوابها مفتوحة أمام الدولتين.

بالتالي، من شأن تقديم المزيد من البيانات حول التسلسل الجيني بشكلٍ شامل، وفي الوقت المناسب، أن يضمن أن تعكس إرشادات السفر المخاطر الحالية، ويساعد على الحدِّ من التفشي الفيروسي.

3- تقييم الخطر بشكل أفضل: حالياً، يُستخدم معدل الإصابات كأداة رئيسية لقياس الخطر عند السفر إلى وجهة محددة. ولكنَّ معدل التلقيح مهم أيضاً.

مثلاً، تفشي إصابات خفيفة بكوفيد– 19 في دولة تلقَّى معظم سكانها اللقاح، هو أمرٌ أقل خطراً، بما أنَّ احتمالات التعرُّض لمشاكل صحية حرجة، أو للعدوى تكون أقل. مثلاً، هل يهمنا كم عدد الإصابات بالأنفلونزا في بلد ما؟

إذاً، نحتاج إلى أدواتٍ أفضل من عدد الإصابات الإيجابية المسجَّلة لتحديد الدول التي تُصنف خطرة.

حاول الاتحاد الأوروبي إعداد "إشارة مرور" معيارية، من خلال اعتماد نظام تدرُّج لخطر السفر، إلا أنَّ هذا النظام يَعتمد على المقاييس المحدودة المذكورة أعلاه، وبعض الدول لا تستخدمه حتى الآن.

يمكن لأوروبا أن تساعد في وضع معيار يتبعه العالم، مثل تحديد حد أدنى لعدد الإصابات، وذلك استناداً إلى معدلات الزيادات نسبة إلى المستويات المطلقة.

4- تطبيق جواز السفر الصحي: بدأ الاتحاد الأوروبي يقوم بذلك اليوم من خلال اقتراح الشهادة الخضراء الرقمية، وهي خدمة مجانية تتبّع نتائج الاختبارات، والحالة التلقيحية لمواطني الاتحاد الأوروبي، وتكون صالحة لكلِّ دول الاتحاد.

إلا أنَّ الاتحاد يجب أن يقوم بالمزيد من العمل لاعتماد معايير متفق عليها بين كلِّ الدول الأعضاء حول المعلومات التي ستتضمَّنها الشهادة، وضمان أنَّها غير قابلة للتزوير.

مع الوقت، ستواجه دول الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول مشاكل إضافية، فاللقاحات أقل فعالية لدى الأشخاص الذين يعانون من مناعة ضعيفة، مما يجعل قواعد السلامة، واستخدام جواز السفر الصحي من قبل أولئك الأشخاص أمراً معقداً.

كذلك، برزت العديد من الأدلة التي تشير إلى أنَّ بعض اللقاحات أقل فعالية من غيرها في منع انتقال العدوى.

وفي مرحلة ما، لا بدَّ أن تنتهي صلاحية جواز السفر الصحي، ربطاً بالاكتشافات الجديدة حول مدى استدامة الحماية. إذاً رمز الاستجابة السريعة الذي يقول: "أنا حاصل على اللقاح" ليس إلا البداية.

فمن دون بروتوكولات ومعايير محددة، سيكون من الصعب العودة إلى مستويات السفر الدولي التي كانت سائدة قبل زمن كورونا. ولكن يمكن لأوروبا أن تجعل السفر داخل القارة أكثر سهولة وأماناً من خلال تقديمها مثالاً يحتذي به الآخرون.