هل قلصت إغلاقات "كورونا" عدد أصدقاءكم؟

أدت جائحة كورونا إلى تقليل الاختلاط بالأصدقاء بسبب العزل المنزلي الطويل، وهو ما قد يعيد علاقاتنا بالأصدقاء والمعارف من جديد عقب انتهاء إغلاقات كورونا
أدت جائحة كورونا إلى تقليل الاختلاط بالأصدقاء بسبب العزل المنزلي الطويل، وهو ما قد يعيد علاقاتنا بالأصدقاء والمعارف من جديد عقب انتهاء إغلاقات كورونا المصدر: غيتي إيمجز
Andreas Kluth
Andreas Kluth

Columnist at Bloomberg Opinion. Previously editor-in-chief of Handelsblatt Global; 20 years at The Economist. Author of "Hannibal and Me."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد قيام العديد من بلدان العالم بتخفيف القيود الخاصة بفيروس كورونا مبدئياً، يشعر البعض منا بالقلق، ويتساءلون؛ هل صدأت مهاراتي الاجتماعية بعد الحجر الصحي الطويل، وعمليات الإغلاق، أم هل انتهت صداقاتي؟ وهل بَقيت مجموعتي القديمة التي سأعود إليها، أم تلاشت أو تقلصت دوائري الاجتماعية؟

للحصول على منظور علمي، طرحت هذه الأسئلة على روبن دنبار، عالم الأنثروبولوجيا البريطاني، وعالم النفس التطوري، فلقد تابعت بحثه على مدار ثلاثة عقود تقريباً، منذ أن كتب ورقة بحثية رائدة في عام 1992.

"الدماغ الاجتماعي"

اكتشف "دنبار" نسبة مستقرة بشكلٍ ملحوظ بين حجم القشرة المخية الحديثة، ومجموعتها الاجتماعية في جميع أنواع الرئيسيات، فكلما كان الدماغ أكبر حجماً، كلما كان المجتمع أكبر.

هذا يبدو منطقياً، حيث يتطلب البقاء على قيد الحياة والازدهار في مجموعات، كميات هائلة من القوة المعرفية، ليتساءل الفرد؛ من يحبني ومن لا يحبني؟ وهل مارس الاثنان الجنس سوياً؟ وهل الرجل الآخر غيور؟ أو هل يتذكر ذلك الشخص استخفافي منذ شهرين؟ أم هل سأتمكن من تحويل هذا المنافس إلى حليف؟ وإلى غير ذلك من الأسئلة.

أصبح هذا الأمر المثير للجدل يعرف باسم "فرضية الدماغ الاجتماعي" أو "فرضية الذكاء الميكافيلي" والتي تبدو مشؤومة تماماً.

لكن الأبحاث الأخرى تؤكد أن إدراكنا يجعلنا أيضاً "مؤيدين للمجتمع" ومهتمين بالآخرين، ومن هنا تأتي الاستمالة الغزيرة التي تقوم بها الرئيسيات ليتدفق إندورفين الدماغ. بالنسبة لنا هذا يعني عناقا عادة.

"رقم دنبار"

تتعلق إحدى الفروقات في نظرية "دنبار" بمجموعات الرئيسيات التي تأتي في فئات مختلفة. فيميل البشر، على سبيل المثال، إلى الاقتراب من حوالي خمسة أشخاص آخرين فقط، بينما يشكّلون "جماعات" من حوالي 40 فرداً في حفلات الصيد أو الفصائل أو الفرق مثلاً، و"القبائل" الأكبر حجماً بكثير، والتي قد يبلغ عددها آلافاً.

لكن متوسط حجم "المجتمع" البشري يتكون، وكان مكوّناً دائماً من حوالي 150 فرداً.

إن مدى استقرار ما يسمى بـ "رقم دنبار" لأمر مدهش، فهو يصف متوسط الحد الأعلى لمجموعات الصيادين، والقرى في العصور الوسطى، ومجتمعات الألعاب الإلكترونية، وقوائم بطاقات عيد الميلاد، وتجمعات الكنائس، والمزيد.

وعندما تتجاوز المجموعات البشرية العدد، تماماً مثلما هو الحال مع نمو الشركات إلى توظيف أكثر من 150 فرداً، يصبح إدراكنا الفطري عادة غير كافٍ، ونحتاج إلى البيروقراطية لتنظيم أنفسنا.

وسائل التواصل الاجتماعي

عندما كانت الشبكات الاجتماعية الإلكترونية لا تزال جديدة بالنسبة للكثيرين منا في عام 2009، تساءلت عما إذا كان يُمكن للتكنولوجيا زيادة "رقم دنبار"، ولذلك طلبت من"فيسبوك" معالجة بعض البيانات.

كانت الإجابة على سؤالي بـ (لا) حيث اتضح أن "فيسبوك" وأمثاله يتيحون لنا إدارة ما هو في الواقع دفتر المفكّرة لتوسيع المعارف، لكنهم لا يستطيعون رفع الحد الأقصى لمستوى العلاقات الجيدة التي نحافظ عليها، لأن ذلك يبدو أمراً بيولوجياً.

العزل الصحي

ولكن ماذا عن الوباء وكل عمليات الإغلاق التي جعلها الوباء ضرورية؟ هذه الفترات غير الطبيعية من العزلة الاجتماعية، يجب أن تعيث فساداً في نفسية الرئيسيات.

أشك في أن القردة ستنجو من الحجر الصحي المطوّل. تحتاج قردة "بونوبو" إلى تحفيز جنسي مستمر للحفاظ على الانسجام والتماسك الجماعي، فيما تفعل الرئيسيات الأخرى القليل من ذلك.

يذبل الشمبانزي العادي أو القردة من فصيلة "ليمور" و"بابون"أيضاً دون اتصال اجتماعي، وسوف تتفكك مجتمعاتهم.

تواصل افتراضي

لا تملك القرود تطبيق "زووم" بالطبع بينما نمتلكه نحن. ومع ذلك، فإن وسائل التواصل الاجتماعي لدينا هي في أحسن الأحوال بدائل غير كاملة وجزئية للاهتمام وجهاً لوجه.

عند استخدام ميزة التكبير/ التصغير، يمكنك رؤية أعين الناس، ولكنك لا تستطيع تحديد ما الذي يحدِّقون فيه، وهي إشارة مهمة في ديناميكيات المجموعات.

يمكنك التحدث مع شخص واحد فقط في كل مرة، ولكن لا يمكنك شمّ الفيرومونات، ولا يمكنك عناق أو نكز شخص ما لكي يتدفق الأوكسيتوسين.

أخبرني "دنبار" في رسالة بالبريد الإلكتروني أن أشياء مثل تطبيق "زووم": "تبطئ من معدل الاضمحلال في غياب الاتصال وجهاً لوجه فقط، لكنها لا تمنع تحوّل الصداقة إلى معرفة، أو الشخص إلى فرد عرفته سابقاً".

ربما لن يؤثر غياب الاتصال الاجتماعي على جهات الاتصال الحميمة في دواخلنا، ولكن في مجتمعاتنا الأوسع، يعتقد "دنبار" أنه "عندما تلتقي بالأشخاص وجهاً لوجه مرة أخرى، ستكون هناك حالة من عدم اليقين بشأن ما إذا كانت العلاقة لا تزال كما هي. قد لا تبقى الكثير من العلاقات كذلك".

تأثير مؤقت

ولكن يطمئنني "دنبار" بأن هذا أمر جيد، حيث سيكون التأثير مؤقتاً فقط، وسيتطلب بعضاً من "إعادة التفاوض" الاجتماعي.

قد يعني هذا أنه ستجري تغييرات مثيرة للاهتمام على قدم وساق في الشهور والسنوات المقبلة داخل الشركات، والأحياء، والمدارس، والمجتمعات الأخرى.

رغم ذلك، سوف نستقر جميعاً في النهاية بمجموعاتنا الطبيعية التي تتكون من حوالي 150 شخصاً، ولحسن الحظ، سيتم إصلاح ذلك من خلال أدمغتنا.