خطط بايدن المرتبطة بالسندات الخضراء تفوق طموحات المستثمرين

الرئيس الأمريكي جو بايدن
الرئيس الأمريكي جو بايدن المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يسعى جو بايدن إلى صناعة مستقبل أكثر اخضراراً واستدامة للولايات المتحدة. ويبدو أنَّه سوف يعتمد على تمويل خططه بالطرق التقليدية في الوقت الحالي، التي تشمل الضرائب والسندات التقليدية.

لا تمول سندات الخزانة البالغ قيمتها 21 تريليون دولار أيَّة مشاريع صديقة للبيئة برغم إقبال المستثمرين على ذلك النوع من الأصول المرتبطة بالامتثال لقواعد الاستدامة. وقد استفادت ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا من تلك الإصدارات، في حين تخطط كلٌّ من بريطانيا وكندا لأولى إصداراتها.

السندات الأكثر أماناً في العالم

على الرغم من إصدار حكومات الولايات الأمريكية مستويات قياسية من السندات الخضراء، إلا أنَّ أكبر مصدر للسندات في العالم ما يزال غائباً عن ذلك السوق بشكل واضح.

الأمر يفوق كونه مجرد مزحة بسيطة، إذ يحتاج بايدن إلى تريليونات الدولارات لتمويل خططه، وهو ما يصيب المستثمرين حول العالم بسعادة بالغة لاستثمار أموالهم في أكثر السندات أماناً في العالم.

قد يتمُّ استخدام عائد تلك السندات في تمويل إنشاء شبكات طاقة جديدة لتجنُّب فوضى الطقس المتجمِّد القارس الذي ضرب تكساس هذا العام، وتوفير مراكز شحن أسطول محبي سيارات "تسلا" الكهربائية. وبرغم كل ذلك، لم يطرح المسؤولون فكرة سندات الخزانة الخضراء حتى الآن في الوقت الذي أشارت فيه جانيت يلين وزيرة الخزانة إلى الاعتماد على رأس المال الخاص لسدِّ فجوة التمويل.

أسرع مصادر التمويل نمواً

تتزامن الخطط التي أعلن عنها بايدن بشأن البنية التحتية وأجندته الخاصة بالمناخ مع صعود السندات الخضراء عالمياً لتصبح أسرع مصادر التمويل نمواً، فقد تجاوزت قيمة الإصدارات 200 مليار دولار منذ بداية العام، نتيجة تعزيز جائحة كورونا، و تسارع ذلك الاتجاه، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومات والشركات للتعافي من تداعيات الأزمة مع العمل على الانتقال لاقتصادات منخفضة الكربون.

يمكن للإدارة الأمريكية بسهولة جمع التمويل اللازم عن طريق الاقتراض والضرائب الحالية، لكن السندات المرتبطة بمشاريع الاستدامة أصبحت وسيلة يعتمد عليها العديد من مصدِّري الديون للإشارة إلى ارتباط التمويل بأهداف مستدامة.

قال رونالد فان ستينويغين مدير الاستثمار في "ديغروف بيتركام لإدارة الأصول" Degroof Petercam Asset Management ومقرُّها بروكسل، إنَّ السندات الخضراء "تناسب أجندة بايدن، وستشهد طلباً قوياً من المستثمرين".

أحرزت حكومات الولايات الأمريكية تقدُّماً ملحوظاً برغم عدم تحرُّك الحكومة الفيدرالية، فقد بلغت إصداراتها من السندات الخضراء العام الماضي مستوى قياسياً بعدما بلغت نحو 20 مليار دولار، وفقاً لبيانات جمعتها وكالة بلومبرغ، كما يتجه سوق السندات المحلية الخضراء لتسجيل مستوى قياسي جديد خلال العام الجاري نتيجة ما أطلقه بايدن من خطط.

أصدرت مؤخراً هيئة النقل في العاصمة واشنطن 874 مليون دولار من السندات الخضراء، في الوقت الذي تعدُّ فيه هيئة النقل في نيويورك من أكبر مصدري تلك السندات.

تغيير هيكل السندات

تمثِّل تلك الإصدارات شريحة صغيرة من سوق إصدارات سندات الإدارة المحلية في الولايات المتحدة التي تبلغ قيمتها 3.9 تريليون دولار، وتُستخدم في تمويل مشروعات النقل، والتعليم، والإسكان، لكنَّها برغم ذلك الحجم تبقى سوقاً صغيراً مقارنة بالتمويل الضخم الذي تصدره وزارة الخزانة الأمريكية، التي تميل تاريخياً لاستغراق وقت طويل جداً للتفكير في إجراء أيِّ تغييرات في هيكل سنداتها.

فعلى سبيل المثال، تتمُّ مناقشة المقترحات الخاصة بتمديد آجال استحقاق سندات الخزانة لأكثر من السقف الحالي البالغ 30 عاماً منذ سنوات ولأكثر من مرة، وكذلك مقترح إصدار سندات مرتبطة باستبدال مؤشر الليبور الذي يواجه انتقادات.

قال غيناداي جولدربيغ كبير المحللين الاستراتيجيين لأسعار الفائدة في بنك "تورنتو دومينيون" Toronto-Dominion Bank، إنَّ إصدار سندات خزانة خضراء "أمر مستبعد جداً في الوقت الحالي. ولن أتفاجأ بمناقشة وزارة الخزانة للأمر في أحد اجتماعاتها المقبلة. لكنَّني أشكُّ في أنَّ مثل تلك القضايا ستحصل على الاهتمام اللازم، بل سيتمُّ تجنُّب مناقشتها لوقت طويل".

رفضت ليلي آدامز المتحدِّثة باسم وزارة الخزانة التعليق على ما إذا كانت الولايات المتحدة تدرس إصدار سندات خضراء.

تحرُّك بطيء

لم تمنع ندرة الإصدارات شغف المستثمرين وترقُّبهم لاحتمال انضمام أكبر مقترض في العالم لمسار الصعود الأخضر خلال السنوات المقبلة.

كما خفَّض مصدرو السندات من تكلفة إصداراتها في ظلِّ الإقبال الكبير على تلك الأصول وسط موجة "إخضرار"، فضلاً عن تعزيز مكانة تلك الجهات.

وحتى تبدأ وزارة الخزانة الأمريكية إصداراتها الخضراء؛ فسوف تحتاج لإنشاء آلية منفصلة لإصدارات السندات الخضراء التي تختلف عن تلك القائمة، والمستخدمة لتمويل الميزانية، وكذلك تحديد إطار عمل لطرق إنفاق تلك الأموال، وهو ما يستغرق المزيد من الوقت. في المقابل، يهدف مسؤولو الاتحاد الأوروبي الذي من المقرر أن يصبح أكبر مصدر للسندات الخضراء في العالم، إلى الإعلان عن معايير إصدار السندات الخضراء هذا الصيف، وذلك بعد اقتراح الإدارة السياسية إصدار ذلك النوع من السندات لأوَّل مرة في سبتمبر الماضي.

مخاطر محتملة

قد تكون الانقسامات السياسية داخل الحكومة الأمريكية عقبة أمام تلك الإصدارات. إذ يقول جولدبيرغ، إنَّ هناك مخاطر محتملة لتوقُّف ذلك البرنامج بقرار من إدارة أمريكية مختلفة في المستقبل، مما يمثِّل تغييراً لما عرف عن مسار وزارة الخزانة "المستقر والمتوقَّع"، مضيفاً أنَّ المسؤولين قد يضعوا في اعتبارهم تداعيات تلك الحالة من السيولة.

يضغط بعض أعضاء مجلس الشيوخ من أجل دعم سندات الحكومات المحلية لتمويل مشروعات البنية التحتية، على غرار سندات "بناء أمريكا" التي صدرت خلال الفترة 2009 - 2010 أثناء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما من أجل دعم تعافي الاقتصاد من الأزمة المالية العالمية، في المقابل، يسعى أعضاء آخرون إلى إنشاء بنك وطني من إصدارات السندات الخضراء.

قال عمار ريغانتي العضو المنتدب في " ويلينغتون مانجمنت" Wellington Management، ونائب مدير مكتب إدارة الديون بوزارة الخزانة سابقاً: "إطلاق برنامج جديد على غرار سندات بناء أمريكا يمثِّل أفضل طريقة لطرح سندات خضراء في ذلك الوقت، إذ يمكن للحكومة إطلاق برنامج لإصدار السندات الخضراء من خلال حكومات الولايات والإدارات المحلية للإسراع بتنفيذ خطط الإنفاق".

في النهاية سوف يتوقَّف الأمر على حجم الدعم السياسي الذي تتلقَّاه سندات الخزانة الخضراء. ففي الوقت الذي لم يكن من الواضح فيه أنَّ مكتب الدين العام البريطاني بحاجة لإصدار سندات خضراء العام الماضي، يبدو أنَّ ضغوطاً برلمانية ووزارية سوف ينتج عنها إصدار بريطانيا سندات خضراء قبل استضافتها لصيف مليء بالأحداث المناخية الرئيسية للأمم المتحدة هذا العام.

يحتاج بايدن أن يثبت للعالم أنَّ الولايات المتحدة رائدة في قضايا المناخ وسط التشكيك في مصداقيتها في ذلك الشأن، وذلك بعد أن انسحب سلفه دونالد ترمب من اتفاقية باريس لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كما أنَّ خطط بايدن قد أثارت انتقادات، أمثال أليكساندريا أوكاسيو كورتز لعدم بذل جهود كافية في مجال البيئة. لذلك، قد تكون السندات الخضراء أفضل طريقة لدى الحكومة لإثبات أنَّها تضع أموالها في مكانها الصحيح.

قال إيان كاتز المحلل في "كابيتال ألفا بارتنرز"، ومقرّها واشنطن: "لم تتحدَّث أي إدارة من قبل عن المناخ والبيئة مثل الحالية.. فطريقتها في تناول قضايا الحوكمة البيئية، والاجتماعية، والمؤسسية، والمناخ ترفع شعار: دعونا نذهب إلى أبعد ما نستطيع".