الساسة الأمريكيون يتطلعون للإبقاء على "الطبابة عن بُعد" بعد الجائحة

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم تعد تقنية المؤتمرات عبر الفيديو صيحة العصر كما كانت في بداياتها، و مع ذلك، فإن جانباً مهماً من جوانبها لاقى رواجاً كبيراً خلال جائحة كورونا، وهو "التطبيب عن بعد" أو ما يعرف باسم "زيارة الطبيب الافتراضي". وبعد الانتشار الواسع لهذه التقنية، دخل السياسيون في كل أنحاء الولايات المتحدة في سباق مع الوقت، للتأكد من عدم إجبار ناخبيهم على العودة إلى زيارة الطبيب شخصياً ومقابلته وجهاً لوجه مرةً أخرى، إن هم لم يرغبوا في ذلك.

لأشهر عدة، ظلّ "جيم دي ماريه"، المصاب بمرض التصلب الجانبي الضموري (ALS​​)، أو "مرض لو غيريغ"، يتصل عبر تقنية الفيديو مع الأخصائي المسؤول عن حالته في مستشفى ماساتشوستس العام، بدلاً من القيام برحلة مرهقة لمدة ثلاث ساعات أو أكثر إلى بوسطن من منزله في ولاية فيرمونت. يقول "دي ماريه" وهو محامي يبلغ من العمر 60 عاماً، إنه مازال قادراً على قيادة سيارته، إلا أن الأمر لن يستمر طويلاً. فمرض التصلب الجانبي الضموري، مرض عصبي انتكاسي، وستكون هناك فترة زمنية يتطور فيها المرض، بحيث يصبح من الصعب جداً على "دي ماريه" التنقل، حسب ما يقول.

تسهيلات رسمية

أصبحت زيارات التطبيب عن بعد، قانونية في كثير من الحالات، بسبب الإجراءات الحكومية الطارئة التي تم اتخاذها في وقت مبكر من جائحة كوفيد-19، حيث أزالت الولايات والحكومة الفيدرالية جانباً بعض التعقيدات القانونية والتأمينية التي أعاقت التقدم التكنولوجي لسنوات في قطاع الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، والذي يبلغ حجمه 4 تريليونات دولار تقريباً.

من بين هذه التعقيدات التي تمت إزالتها: السماح بالتطبيب عبر الولايات دون اشتراط الحصول على جميع التراخيص المعتادة، وإتاحة زيارات افتراضية ضمن برنامج الرعاية الطبية (ميديكير)، إضافة إلى تحصيل الرسوم ذاتها التي يتم تحصيلها عند زيارة الطبيب شخصياً، من الزيارات عبر الإنترنت.

في الأسبوع الأخير من مارس 2020، زادت زيارات التطبيب عن بعد بنسبة 154% مقارنة بالعام السابق، وفقاً لدراسة أجرتها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها. وبحلول نهاية العام الماضي، وجد استطلاع أجرته مؤسسة "هاريس" أن ما يقرب من ثلثي الأمريكيين يفضّلون الحصول على بعض الرعاية الصحية على الأقل عبر الإنترنت.

حالياً، بدأت تنتهي صلاحية إجراءات الطوارئ التي سمحت بالعديد من زيارات التطبيب الافتراضية هذه. ونتيجة لذلك، ظهر ما يقرب من 600 مشروع قانون تم تقديمها إلى هيئات الولايات الأمريكية، للمساعدة على دعم وتنظيم الرعاية الصحية عن بُعد، مقارنة مع حوالي 100 مشروع قانون قبل عامين، وفقاً لجمعية التطبيب عن بعد الأمريكية. ويفكر الكونغرس أيضاً في تخفيف القيود، بما يشمل كذلك الإجراء المقدم في مجلس الشيوخ، والذي من شأنه توسيع نطاق الوصول إلى التطبيب عن بُعد، خصوصاً بالنسبة إلى برنامج "ميديكير". ويتم تدعيم ذلك الاتجاه بقيادة السيناتور "بريان شاتز"، العضو عن الحزب الديمقراطي من هاواي، و"روجر ويكر"، العضو الجمهوري عن ولاية ميسيسيبي. وقد اجتذب إجراء مجلس الشيوخ تاييداً من 53 عضواً من الحزبين، أي أكثر من نصف عدد أعضاء المجلس.

لا عودة إلى الوراء

خلال جلسة استماع حديثة في الكونغرس، قال "رون كايند" العضو الديمقراطي عن ولاية ويسكونسن: "لقد كانت الرعاية الصحية عن بُعد بمثابة شريان الحياة للناس في المناطق الريفية في ويسكونسن". وأضاف: "أشعر، بل وأعتقد بأن معظم الأعضاء يؤمنون بالفعل بأنه لا عودة إلى الوراء في هذه المرحلة".

قد يكون المرضى مثل "دي ماريه" ممن لديهم أطباء خارج ولاياتهم، معرضين بشكل خاص لفقدان الوصول إليهم، بسبب قواعد الترخيص. ويمكن أن يواجه الطبيب تهماً جنائية لتقديمه الرعاية الصحية إلى مريض من دون ترخيص من الولاية. وفي هذا يقول "لي شوام"، نائب الرئيس للرعاية الافتراضية في مؤسسة "ماس جنرال بريغهام" التي تمتلك أكبر نظام استشفائي في ولاية ماساتشوستس: "إنه لأمر مروع للغاية. فحتى يقوم الأطباء بفعل ما هو صحيح لمرضاهم، عليهم أن يفعلوا ما هو خطأ قانونياً".

في الوقت الحالي، تعتبر زيارات "دي ماريه" الافتراضية إلى الأطباء آمنة، حيث أقر المجلس التشريعي لولاية فيرمونت خلال فصل الربيع -قبل أيام فقط من انتهاء صلاحية قواعد الرعاية الصحية عن بعد التي تم العمل بموجبها خلال الجائحة- تمديد العمل بالقواعد لمدة عام واحد، بما في ذلك إعطاء الإذن بتقديم الرعاية من قبل أطباء من خارج الولاية.

دعم واستثمارات

في وقت سابق من هذا العام، أقرّت ولاية ماساتشوستس قانوناً يتطلب عمل تغطية تأمينية متساوية للعلاج عبر التطبيب عن بعد في أقسام الرعاية الأولية، والصحة السلوكية، وإدارة الأمراض المزمنة، ، على أن يتم تقيم النتائج في غضون عامين. وفي أركنساس أيضاً، تم تمرير مشروع قانون التطبيب عن بعد في أبريل الماضي، بعد أن جادل المؤيدون بأن المساواة بين الرعاية الصحية عن بعد ونظيرتها التي تتم وجهاً لوجه، من شأنها أن تساعد في توفير المزيد من الرعاية الطبية للمناطق الريفية.

ويأتي الدعم الواسع للخدمات الصحية عن بُعد، تزامناً مع تحقيق انطلاقة قوية في القطاع، حيث ضخ المستثمرون أكثر من 10 مليارات دولار في الشركات الناشئة في مجال الرعاية الصحية عن بُعد العام الماضي، ارتفاعاً من 6 مليارات دولار في عام 2019، وفقاً لشركة البيانات التكنولوجية "سي بي إينسايتس".

لكن التغييرات القانونية التي تلوح في الأفق بعد الجائحة، تثير حالة من عدم اليقين. هناك حديث عن "تراجع متوقع في وتيرة الرعاية الصحية عن بعد" عندما تُنهي الحكومة الفيدرالية حالة الطوارئ التي أسهمت بشكل كبير في زيادة الزيارات الافتراضية لمرضى الرعاية الطبية. ويحذّر "كايل زيبلي"، مدير السياسة العامة في الجمعية الأمريكية للتطبيب عن بعد، بقوله: "يمكننا رؤية الانحدار أمامنا. نحن سننتصر لبقاء نظام الرعاية الطبية عن بعد". هذا وأعطت إدارة بايدن شارات إلى أنها ستُبقي على تدابير الطوارئ سارية، على الأقل خلال هذا العام.

مكافحة الاحتيال

في الوقت ذاته، تركّز وزارة العدل الأمريكية على جانب سلبي من التطبيب عن بُعد، وهو: احتمالية التعرض للاحتيال. ففي شهر أكتوبر الماضي، وجّه المدعون الفيدراليون تهماً جنائية لأكثر من 86 جهة بتقديم مطالبات بقيمة 4.5 مليار دولار في دعاوى كاذبة إلى برنامج "ميديكير" وشركات التأمين الحكومية أخرى. وتزعم الحكومة الأمريكية أن شركات التطبيب عن بعد دفعت للأطباء مقابل طلب معدات غير ضرورية، واختبارات، وأدوية سواء كان هناك تفاعل بينهم وبين المرضى أو لا.

ووفقاً لما يقوله "أتيف ميهروترا"، أستاذ سياسة الرعاية الصحية في جامعة هارفارد، فإن تقديم المزيد من الرعاية عن بُعد يمكن أن يضيف عبئاً أيضاً إلى الإنفاق المشروع على الرعاية الصحية، بسبب سهولة الحصول عليه. وقال:

إذا شهدنا زيادة كبيرة في الإنفاق غير الضروري دون تحسين الصحة، فسنضطر إلى التراجع عن هذه الخدمة

شركات التطبيب عن بُعد من جهتها، كشركة "أمريكان ويل" (American Well)، تكافح من أجل عدم تمرير أي تقليص في الإنفاق. في خضم الوباء، شهدت الشركة التي يقع مقرها في بوسطن، ارتفاعاً في الإيرادات بنسبة 65% خلال العام الماضي، لتصل إلى 245 مليون دولار. لكن أسهم الشركة التي تم طرحها للاكتتاب العام في شهر سبتمبر الماضي، عادت وفقدت نصف قيمتها هذا العام، مع تزايد المنافسة وانخفاض نسبة الرعاية الصحية الافتراضية.

يقول "بيتر أنتال"، كبير المسؤولين الطبيين في "أمريكان ويل"، إن العودة إلى تطبيق المزيد من القيود على زيارات الأطباء الافتراضية، ستكون مثل اتخاذ إجراءات صارمة ضد الخدمات المصرفية عبر الإنترنت. ويضيف: "تخيل لو أنّ أحد المسؤولين جاء وقال، إنه لا يمكننا تقديم الخدمات المصرفية الإلكترونية بعد الآن.. عليك أن تذهب إلى مقر البنك".