شركتان تشعلان حرب أسعار في سوق اللحوم الاصطناعية.. من هما؟

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما تمَّ طرح شركة "بيوند ميت "(Beyond Meat) للاكتتاب العام في مايو 2019، ارتفعت أسهمها بنسبة 163% في أول يوم تداول لها، مما جعله الأفضل أداءً بين الاكتتابات الكبيرة في الولايات المتحدة منذ أكثر من عقد.

ربما دفع هذا الظهور المميَّز في سوق الأسهم الكثيرين إلى الاعتقاد أنَّ "بيوند" تتحكَّم في سوق اللحوم الوهمية أوالاصطناعية. لكن، مثل هذا القول، لا يجب أن تسمعه سلسلة "بير برغر" (Bareburger) الراقية التي تقدِّم مزيجاً من اللحوم والخيارات النباتية عبر 38 منفذاً في نيويورك.

استبعاد منتجات "بيوند"

أزالت مطاعم هذه السلسلة منتجات "بيوند" من قائمة المأكولات لديها في ربيع عام 2020، بينما استمرت في تقديم منتجات منافستها الشرسة "إيمبوسيبيل فودز"(Impossible Foods). ولم يكن قرار الابتعاد عن منتجات "بيوند" صعباً، كما يقول جوناثان ليمون، مدير عمليات الطهي في شركة "بير برغر"، الذي يؤكِّد أنَّ السلسلة كانت تقدِّم منتجات "بيوند"، و"إيمبوسيبيل" على حدٍّ سواء لأكثر من عامين، قبل أن تقرر أنَّ "فطائر (بيوند) لا تستحق المحافظة عليها في المستودعات بسبب قلَّة الطلب عليها، على عكس الطلبات الكبيرة للغاية على منتجات (إيمبوسيبيل)".

قبل بضع سنوات، كان السؤال الأهم هو: هل سينجح طرح اللحوم الوهميّة في السوق؟ أما اليوم، وبعد أن أصبحت رائجة في الأسواق؛ فإنَّ السؤال الجديد الملح هو: من سيقود الصناعة في نهاية الأمر؟ في ظلِّ توقُّعاتٍ بنمو حجم سوق اللحوم الوهمية عالمياً إلى 450 مليار دولار بحلول عام 2040، وفقاً لشركة "كارني" العالمية للاستشارات.

كان السباق في الولايات المتحدة محصوراً إلى درجة كبيرة بين "بيوند"، ومقرّها لوس أنجلوس، و"إيمبوسيبيل"، ومقرّها وادي السيليكون.

لغة الأرقام

من الأرقام وحدها، تتضح قيادة "بيوند" للسوق الأمريكي، إذ يتعامل 28 ألف بائع تجزئة مع "بيوند" بالمقارنة مع 20 ألفاً يتعاملون مع "إيمبوسيبيل"، و42 ألف مطعم تتعامل مع "بيوند" مقابل 30 ألفاً، أو أكثر بقليل مع "إيمبوسيبيل". كذلك، تنتشر "بيوند" في أكثر من 80 سوقاً حول العالم مقابل 5 أسواق فقط لـ"إيمبوسيبيل". وقد أعلنت "بيوند" عن زيادة في صافي الإيرادات بنسبة 36.6% لعام 2020، وعن شراكات جديدة أو موسَّعة مع "ماكدونالدز" و"يام!" و "بيبسيكو" في عام 2021. وفي المقابل، لدى "بيوند" موقع قوي في الصين والاتحاد الأوروبي، إذ تظل الأبواب مغلقة أمام منتجات "إيمبوسيبيل" بسبب احتوائها على مكوِّن الهيم المعدل وراثياً.

إلا أنَّ تقدُّم "بيوند" قد ينحسر بعد خسارة مبيعات الخدمات الغذائية بشكل حادٍّ خلال فترة تفشي الوباء، وعمليات الإغلاق، واعتماد الشركة الشديد على سلاسل المطاعم الصغيرة والمستقلة. وفي الوقت الذي عانت فيه هذه النوعية من المطاعم من خسائر كبيرة بسبب تقييد تناول الطعام في المطاعم، كان وضع السلاسل الأكبر أفضل حالاً بفضل تقنية الطلبات الراسخة، وخدمة طلبات السيارات الصديقة لإجراءات السلامة من وباء كورونا.

تغير الإيرادات

أدى هذا الأمر إلى تحوُّلات كبيرة بالنسبة إلى "بيوند"، فقد انقسمت نسبة توزيع المطاعم الكبرى إلى الشركات الصغيرة، والفنادق، والكليات، وما شابه من 30-70% في نهاية عام 2019 إلى 42-58% بحلول صيف عام 2020، ولا يعود ذلك إلى إضافة المزيد من السلاسل الكبيرة، بل بسبب التغيير في الإيرادات، وفقاً لما قاله الرئيس التنفيذي "إيثان براون" خلال لقاء مع مستثمري الشركة في شهر أغسطس، إذ أشار إلى أنَّ "هذا التغيير في الإيرادات مردّه في الغالب إلى هذا التراجع في الأعمال الأصغر حجماً".

من المفترض أن يساعد التوسُّع الذي تمَّ إدخاله مؤخَّراً في عناصر إفطار"بيوند" من النقانق إلى سلاسل "بيتس كوفي" (Peet’s Coffee)، و"كاريبو كوفي" (Caribou Coffee)، على رفع أرقام الخدمات الغذائية للشركة، وكذلك الشراكات مع "ماكدونالدز"، و"يام!" اللتين انضمتا إلى "دانكين" في قائمة المطاعم الكبرى التي تبيع منتجات "بيوند". إلا أنَّ براون يقول، إنَّ صفقات الوجبات السريعة الكبيرة لن تسفر عن نتائج قبل أواخر عام 2021.

توسعات "إيمبوسيبيل"

في غضون ذلك، تعمل شركة "إيمبوسيبيل" على توسيع نطاق حضورها في المطاعم. ففي شهر يونيو أعلنت أنَّه سيتمُّ بيع شطيرة إفطار في غالبية مواقع "ستاربكس" في الولايات المتحدة، التي تعدُّ أيضاً شريك "بيوند" في الصين. وانضمَّت سلسلة المقاهي هذه إلى اللاعبين الرئيسيين من أمثال "برغر كينغ"، و"وايت كاسيل"، و"ريد روبين"، و"كدوبا" في بيع منتجات "إيمبوسيبيل". وتتفوَّق "إيمبوسيبيل" هنا على نقطة ضعف "بيوند"، نظراً لأنَّ معظم عملاء "إيمبوسيبيل" ينتمون إلى السلاسل الكبيرة التي تملك خيارات مرنة لمواجهة آثار وباء كورونا، وخدمات طلبات السيارات، وخيارات توصيل سريعة ومرنة.

قال "دينيس وودسايد" رئيس شركة "إيمبوسيبيل" في شهر يناير: "هذا مثال على أنَّ جائحة كورونا ساعدتنا بالفعل"، موضِّحاً أنَّ سهولة الطلب من خلال أحد التطبيقات، عمل على تحسين نمو مبيعات منتجاته أيضاً.

وقد تمكَّنت "إيمبوسيبيل" أيضاً من اختراق محلات السوبر ماركت التي طالما كانت معقلاً لـ"بيوند". ففي فترة الوباء، زادت شركة "إيمبوسيبيل" من وجودها من حوالي 150 إلى أكثر من 20 ألف سوبر ماركت في الولايات المتحدة، وأدى ذلك إلى رفع الحصة السوقية لـ"إيمبوسيبيل" من 5% إلى 55% في الفطائر النباتية الطازجة التي تباع بالتجزئة، على حساب منتجات "بيوند" إلى حدٍّ كبير، استناداً إلى تحليل "آليانس بيرنستاين". وما تزال "بيوند" توجد في عدد أكبر من المتاجر، وتبيع منتجات النقانق أيضاً، لكنَّ الفجوة في عدد المواقع ضاقت إلى عدة آلاف فقط، ومن المؤكَّد أنَّ نقانق "إيمبوسيبيل" ستصل إلى محلات السوبر ماركت في نهاية المطاف.

خفَّضت "إيمبوسيبيل" خلال هذا العام أسعارها للمطاعم ومحلات البقالة، لتبيع بأسعار أرخص من "بيوند"، ولتقترب من تكلفة لحوم البقر. وفي المقابل، قامت "بيوند" بعرض أسعارها الترويجية الأكثر عدوانية في البيع بالتجزئة حتى الآن، كما تقول "فايث غارارد"، مديرة فئة أولى في متاجر سوبر ماركت "راليز" (Raley’s) في كاليفورنيا، مضيفةً أنَّ البرغر، واللحم البقري المفروم، يحتفظان بالمركزين الرئيسيين في فئة بدائل اللحوم، لكنَّ العلامتين التجاريتين مازالتا في حالة تسابق. وتقول "بيوند" إنَّها خططت للعروض الترويجية قبل شهور من تخفيضات "إيمبوسيبيل" السعرية.

اشتداد المنافسة

بدورهم، يشقُّ المنافسون طريقهم أيضاً. فشركة "لايف كيندلي كوليكتيف" الدولية التي يقودها كيس كرويثوف، المسؤول التنفيذي السابق لـ"يونيليفر بي إل سي"، التي حصلت على تمويل جديد قيمته 335 مليون دولار، تبيع مجموعة من اللحوم الوهمية، بما في ذلك قطع ناغتس الدجاج المقّرمشة، تحت شعار "كل ما تريد" على ظهر عبوة المنتج، وهو قريب من شعار العرض التسويقي،"كل ما تحب" لشركة "بيوند". وباعت "بيوند" دجاجها المقرمش من خلال تجارب مع مطاعم "كنتاكي"، لكنَّها لم تبعها بعد إلى محال السوبر ماركت. ويقول تشاك موث، كبير مسؤولي النمو في "بيوند": "سنطلق منتج الدجاج عندما نشعر أنَّ لدينا منتجَ دجاج رائد، ويعتبر الأفضل في فئته. لا يمكنني تحديد موعد لذلك في الوقت الحالي، ولكنَّني أودُّ أن أقول، إنَّه سيأتي في وقت ما بالمستقبل القريب نسبياً".

بدائل نباتية

ينتقل تجار التجزئة أيضاً إلى قطاع البدائل النباتية في منتجاتهم ذات العلامات الخاصة، التي غالباً ما يقل سعرها عن السلع ذات العلامات التجارية الشهيرة، وتستفيد أيضاً من مساحات الرفوف المضمونة. ووضعت علامة "سيمبل تروث" التابعة لسلسلة متاجر السوبر ماركت "كروغير"، أكثر من 50 من بدائل اللحوم والألبان النباتية، بما في ذلك الغموسات، والحلويات، واللحوم الوهمية بالتأكيد. كما تبيع "ويغمانز"، و"آلبرتسونز"، والسلاسل المحلية الأصغر، نسختها الخاصة أيضاً. وطرح منتِجا اللحوم الرئيسيان، "سميثيلد فودز"، و"جيه بي إس إس إيه" منتجاتهما، ليستفيد الجميع من الشهرة التي تخلقها "بيوند"، و"إيمبوسيبيل" للقطاع بأكمله.

ويقول داني أومالي، المدير التنفيذي السابق للمبيعات في "بيوند"، ومؤسس ورئيس "بيفور ذا بوتشير"، ومصنِّع منتجات نباتية ذات علامة تجارية خاصة: "إنَّهم يُعلِّمون الجمهور بالنيابة عنّا". فشركته لا يمكنها مضاهاة الميزانية التسويقية والدعائية التي تملكها "بيوند"، و"إيمبوسيبيل"، وبفضلهما، كما يقول، لا يحتاج إليها، فهو "فخور بحقيقة أنَّنا نتمسك بذيل قادة الصناعة".

انتشار عالمي

تقوم "بيوند" حالياً بإنتاج منتجاتها مع شريك محلي في أوروبا، وتنتج في الصين أيضاً من خلال مصنعها الخاص الذي افتتحته مؤخراً، مما منحها وصولاً دولياً أوسع بكثير من "إيمبوسيبيل". إلا أنَّ العالم قد امتلأ باللاعبين المحليين الذين لا يمكن تجاهلهم، حتى إنْ وقَّع بعضهم عقوداً خاصة للوجبات السريعة المربحة. وحتى ماكدونالدز، التي صنِّفت "بيوند" كأفضل مزوِّد لشركة "ماك بلانت" في فبراير الماضي، قالت، إنَّ المطاعم التي تبيع بالفعل لحوماً وهمية منافسة يمكنها الاستمرار في القيام بذلك.

يجب أن تترك شهية العالم الشرهة للحوم، مساحة كبيرة لكل من يحاول بيع بدائلها. ويقول مصنِّعو البدائل، إنَّ مبيعات اللحوم النباتية لا تمثِّل سوى 2.7% من مبيعات اللحوم المعبأة في الولايات المتحدة، لكن هذا لا يعني أنَّه يمكن لـ"بيوند" أن ترتاح بسهولة. فبالرغم من أنَّ أليكسيا هوارد من "برنشتاين" كتبت مؤخراً تقول، إنَّها تشكُّ في بقاء "بيوند ميت"، و"إيمبوسيبيل" في صدارة السوق، إلا أنَّها أصدرت ملاحظة تحذيرية أيضاً لشركة "بيوند"، استرجعت فيها حروب المشروبات الغازية التي أنتجت فائزاً واضحاً ومستداماً في المبيعات. فـ"إيمبوسيبيل" قد تصبح "كوكاكولا" بالنسبة لفئة "بيبسي – بيوند".