جولة في قاعة الأحجار الكريمة ضمن متحف التاريخ الطبيعي في نيويورك

قطعة ضخمة من حجر الأماثيست في مدخل متحف التاريخ الطبيعي الأمريكي في نيويورك
قطعة ضخمة من حجر الأماثيست في مدخل متحف التاريخ الطبيعي الأمريكي في نيويورك المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على مدى الـسنوات العشرين الماضية، طالب جورج هارلو، أمين قسم العلوم الفيزيائية في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، بتجديد قاعات الأحجار الكريمة والمعادن في المتحف. يقول هارلو: "كان المكان يشبه المنجم إلى حد ما، بتصاميم داخلية تطغى عليها درجات اللون البني وصناديق العرض الصغيرة جداً"، متابعاً: "ولعل أكبر مشكلة كانت تتمثل في الإضاءة والسجاد"، اللذين جُدّدا آخر مرة في عام 1976، ونال منهما القدم بشدة منذ ذلك الحين.

الحاجة إلى التجديد

كذلك فإن المشكلات في قاعة العرض الخاصة بالأحجار القديمة لم تقتصر على التآكل والتلف. يقول هارلو إن القاعة القديمة "كانت تبدو متهالكة"، فضلاً عن "احتوائها على معلومات غير دقيقة"، حتى إن بعض الملصقات كان لا يزال حتى اليوم يحمل عبارة "اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية".

وأخيراً في عام 2014، وُوفِق على المطالبات بالتجديد، إذ تَلقَّى أمين المتحف جواباً بأن مساعيه التي استمرت لعقدين من الزمن قد أثمرت أخيراً، وكلّف المتحف شركة "رالف أبلبام أسوسيتس" العمل مع قسم العرض لإعادة تصميم وتوجيه وترتيب المساحات في القسم لتتناسب مع القرن الحادي والعشرين.

أحجار نادرة

اليوم تستعدّ قاعات "أليسون وروبرتو ميغنيوني للأحجار الكريمة والمعادن"، التي تبلغ مساحتها 11 ألف قدم مربع (1 قدم مربع = 0.9 متر مربع)، لفتح أبوابها أمام الزوار في 12 يونيو من العام الحالي، إذ يطغى على مكان العرض الضخم المساحات موحدة الألوان، التي تضمّ عدداً كبيراً من الأحجار الكريمة النادرة. وتحوي صناديق العرض المعدلة حديثاً نحو 5 آلاف عينة معلقة على الجدران ومضاءة أفضل بكثير من ذي قبل.

مع ذلك، فإن هارلو ينصح الزوار قائلاً: "ستكونون بحاجة إلى مصباح يدوي صغير، لأن كثيراً من المعادن يتطلب النظر إليه في وضع يحاكي وجود موقع الشمس خلفكم، هذه هي الطريقة المثلى لرؤية الأحجار الكريمة، لذلك أقول للجميع: أحضروا مصابيحكم معكم، لأن ضوء الهاتف لن يكون كافياً".

مقتنيات ضخمة

وقد وجد هارلو حجر الأماثيست الضخم هذا، الذي يبلغ وزنه أكثر من 5 آلاف و400 كيلوجرام، من خلال تاجر أحجار كريمة في منطقة لونغ آيلاند.

ويتربع الحجر على طرف قاعة العرض، مقابل نظير ضخم له يقع على الجهة الأخرى. ويقول هارلو: "لدينا قطع مميزة خاصة مثل هذه، وهي تشكّل عامل جذب جزئياً"، وأضاف: "إنها قطع رائعة، وفضلاً عن كونها بهذا الحجم الضخم، فهي تعطي فكرة عما تبدو عليه الأرض من الداخل".

ظروف تَشكُّل الأحجار تحدّد معادنها

وقد ركز هارلو عند إعادة تصميم القاعات، على مفهوم تطوُّر المعادن، إذ يقول إن الأرض على مدى مئات ملايين السنين، لم تكُن تحوي أي معادن، ولكن بمرور الوقت والظروف المختلفة، ظهر أكثر من خمسة آلاف و500 نوع من المعادن المعروفة اليوم.

وعلى هذا الأساس قُسّمت العروض بناءً على خمسة ظروف وعوامل رئيسية تشكلت من خلالها المعادن على الأرض، هي: الحرارة والبراكين، والماء، والتحول الكيميائي، والضغط العالي، والعوامل الجوية التي تضرب الصخور على سطح الأرض.

ويقول هارلو: "كان أحد المفاهيم التي أردت أن أتطرق إليها، أن المعادن توجد ضمن مساقات مختلفة، حسب أنواع الصخور والظروف التي تتشكّل فيها".

حجر الغناء

يُعَدّ حجر الغناء أحد أكثر القطع إثارة للإعجاب في المتحف، وكان جزءاً من معرض شيكاغو العالمي في عام 1893. واستُخرج الحجر من منجم في مدينة بيسبي بولاية أريزونا في الولايات المتحدة. ويتكون داخله من معدنَي الأزوريت الأزرق اللامع والملاكيت الأخضر، وهما من معادن خام النحاس.

ويأتي اسم الحجر من الأصوات التي تصدر عنه عند حدوث تغيُّر في نسبة الرطوبة بالجو (بسبب بيئة المتحف الخاضعة للرقابة لا يُصدِر الحجر أي أصوات يمكن سماعها). ويضيف هارلو: "يزن الحجر نحو 3175 كيلوجراماً، تتضمن ربما ألف كيلوجرام من النحاس في تكوينها. وقد قدّمه لنا أحد مديري المناجم، ويُعرَض هنا منذ عام 1895".

الأحجار العملاقة

ومن عوامل الجذب الرئيسية في القاعة، التي على الأرجح ستبقى كذلك، ما يتمثل بالعدد الذي لا يُحصَى من الأحجار الكريمة العملاقة المعروضة. ومنها نجمة الهند التي يبلغ وزنها 563 قيراطاً، وهي أكبر حجر ياقوت أزرق معروف بجودته ضمن الأحجار الكريمة في العالم. وهناك أيضاً ياقوتة نجمة "دي لونغ" التي تزن 100.3 قيراط من ميانمار.

ويقول هارلو عن هذه الأحجار: "نظراً إلى الشكل الخاص لهذه الأحجار التي تشبه النجوم وأعين القطط، فقد خصّصنا لها صندوق عرض. وتُعَدّ هذه من الأحجار الأكثر شهرة والأكثر إثارة للإعجاب في المعرض".

(زادت شهرتها بعدما كانت جزءاً من عملية سرقة جواهر عام 1964، إذ عُثر على نجمة الهند مع جواهر أخرى في خزانة بمحطة حافلات في ولاية فلوريدا، أما استعادة ياقوتة نجمة دي لونغ فكانت مشروطة بدفع فدية قدرها 25 ألف دولار قدّمها جون د.ماك آرثر، الذي أسس لاحقاً المؤسسة المخصصة للمنح "العبقرية").

التمتع بهذه التحف الجيولوجية

وحُوفِظ على مكان قاعة الأحجار الكريمة الجديدة ضمن المعرض، "إلا أنها تبدو أكبر مساحةً، بعدما كانت في الماضي ممتلئة بصناديق العرض العميقة"، حسبما أوضح هارلو الذي أضاف: "كان أحد أهدافي لتجديد المعرض هو زيادة عدد الأشخاص الذين يمكن أن يستمتعوا بالنظر إلى الأحجار الكريمة، وهو ما ينطبق على جميع المعادن والموادّ تقريباً، إلا أن فكرتي كانت مساعدة الناس على فهم العوامل التي تجعل الأحجار الكريمة جذابة للغاية".

تنوُّع المعروضات

كذلك في القاعة قطعة عملاقة من معدن "الستيبنيت"، وهو معدن يُستخدم في صناعة الكبريت، ويزن ما يقرب من نصف طن.

أحد عوامل الجذب الرئيسية في المعرض هو رؤية مدى تنوُّع المعادن. يقول هارلو: "على الأرض كثير من المعادن، أكثر من أي كوكب آخر في النظام الشمسي". ويضيف هارلو أنه يمكنه قول ذلك بكل ثقة لأن "الأرض كوكب ديناميكي، أما الكواكب الصخرية فلا يحتوي أي منها على أي حركة تكوينية نشطة أو نشاط بركاني حقيقي، وهي الأمور التي تحرّك التمايز الكيميائي وتسمح بتنوُّع المعادن".

وتابع بأن المعادن المنتجة للماء والأكسيجين تضيف أيضاً إلى تنوع الأرض، وأوضح قائلاً: "لدينا معادن ملونة لأن الأكسيجين يحفز حالات أكسدة أعلى للمعادن، وهو الأمر الذي يعطيها ألواناً أكثر. لدينا على الأرجح 4 آلاف معدن أكثر من أي مكان آخر بسبب الأكسيجين".

شاشات ذكية

وكان الاختلاف الكبير الذي ميّز التصميم الجديد لمساحة العرض، هو العدد القليل من النصوص وملصقات الحائط، التي استُبدل بها شاشات تعمل باللمس يستخدمها الزوار ليعرفوا أكثر على الأحجار في صناديق العرض. إلا أن هذه الشاشات متوقفة حالياً بسب الجائحة،، ولكن يمكن للزوار قراءة النصوص عن طريق مسح رموز الاستجابة السريعة "كيو آر" على هواتفهم.


جدار ستيرلنغ هيل

ويأتي واحد من أكثر الأعمال التركيبية جمالاً من أحد جدران شارع ستيرلنغ هيل القريب في ولاية نيوجيرسي. ويقول هارلو عن المنطقة إنها "منطقة مشهورة بالمعادن الفلورية، لأن المادة الخام نفسها موجودة داخل الرخام، الذي هو عبارة عن مادة كربونات الكالسيوم.

ولقد اكتشف العلماء في بداية القرن الماضي أن هذه الموادّ تتوهج تحت الضوء فوق البنفسجي، وكان المتحف أرسل فريقاً من قاطعي الصخور الإيطاليين "لقطع لوح من الجدار بمنشار كهربائي".

ويظهر اللوح مضاءً بأربعة أنواع إضاءة: الأول يماثل ضوء النهار العادي، والثاني أشعة فوق بنفسجية طويلة الموجة تُظهِر مجموعة واحدة من الألوان، ثم الأشعة فوق البنفسجية ذات الموجات القصيرة التي "تضيئها بقوة" كما يقول هارلو، أما في آخر أجزاء الجدار فلا ضوء البتة، إلا أن معدن "الفليميت" الذي يبدو أخضر، يستمر في التألق بلا إضاءة.

معرض نيويورك

ويحوي المعرض قسماً خاصاً بمدينة نيويورك نفسها، يقول هارلو عنه: "تقع مدينة نيويورك على صخور متحولة، لذلك فهي غنية بالمعادن، وقد حُفر فيها كأنها مقلع عملاق، لذلك أُعيد إحياء كثير من القطع. وإن تنوع المعادن التي يمكنك العثور عليها بالفعل في المدينة مثير للدهشة، ومعظمها في منطقة مانهاتن".

ووضح هارلو أن منطقتَي كوينز وبروكلين "تغطيهما في الغالب الرواسب الجليدية"، لذلك فإن معظم العينات من هذه الأحياء في المتحف جاء من المياه والأنفاق.

وفي وسط ساحة العرض قطعة من المعادن سُمّيت"غارنيت قطار الأنفاق"، وهي قطعة من حجر "ألماندين" يبلغ وزنها أربعة كيلوغرامات، وقد اكتُشفت عام 1885، في شارع 35 بين الجادة السابعة وبرودواي، وسُمّيت باسم قطار الأنفاق، على الرغم من أنها اكتُشفت فعلياً خلال عمليات التنقيب من أجل حفر المجاري.

لوح جبل غور

وهذا لوح آخر مأخوذ من جبل غور في شمال ولاية نيويورك، مرصَّع ببلورات عقيق "ألماندين" الضخمة، التي تشكلت منذ أكثر من مليار سنة.

وفي المجمل، يحوي المتحف ما يقرب من 5 آلاف قطعة معروضة و112 ألف عيّنة أخرى في المخازن.

خصّص المتحف لأول مرة معرضاً في قاعة الأحجار الكريمة الدائمة، وأشرف على المعرض الافتتاحي الذي جاء تحت عنوان "مخلوقات جميلة" مؤرِّخة الجواهر ماريون فاسيل.

جواهر

ويضمّ المعرض عدداً من الجواهر التي يعود معظمها إلى أفراد أقرضوها للمعرض مؤقتاً، لتكون جزءاً من العروض الدائمة ذات التوجه العلمي، ومنها عقد ثعبان "كارتييه" يحمل 2,473 ماسة، بإجمالي وزن مذهل يبلغ 178.2 قيراط. والعقد والقلادة من "جويل آرثر روزنتال" يشكلان تذكيراً بسيطاً لمن يراهما، بأن ما تحتوي عليه صناديق العرض من الأحجار والمعادن، يمكن تحويله ليكون من أكثر السلع رغبةً وقيمة على هذا الكوكب، إذا استُخدم نوع الفن المناسب عند التعامل معها.