"كاثي وود" عاشقة المغامرة تبشر بمستقبل جديد في "وول ستريت"

"كاثي وود" أسست شركتها "آرك" في 2014، وهي تركز في الاستثمار على مجالات تكنولوجيا المستقبل والتسلسل الجيني والروبوتات والبلوكتشين
"كاثي وود" أسست شركتها "آرك" في 2014، وهي تركز في الاستثمار على مجالات تكنولوجيا المستقبل والتسلسل الجيني والروبوتات والبلوكتشين المصور: ريد يونج
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في أغرب عام في حياتنا، لم يكن صعود "كاثي وود" هو أغرب شيء يحدث؛ وهي مع ذلك النجمة الأولى في عالم لم يمكن من المفترض أن يضم أي نجوم، ألا وهو عالم الصناديق المتداولة في البورصة والذي تبلغ قيمته 6.3 تريليون دولار.

كما تُجسد "وود" العودة إلى حالة ماضية — فهي مديرة أموال مشهورة بالفعل بين المستثمرين العاديين، على غرار"بيتر لينش" أو "وارن بافيت"، كما أنها ليست أول امرأة تلعب هذا الدور فحسب، بل اعتلت العرش في مجلس أنصاف آلهة الميم، إلى جانب "إيلون ماسك" وكلاب "شيبا إينو".

وفي الواقع، تُحرك "وود" الأسهم من خلال تداولاتها وتغريداتها؛ وبالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم، فإن اسمها مرادف لفئة معينة من عشاق التكنولوجيا، وهم المتحمسون للشيء الكبير التالي، سواء كان ذلك الروبوتات أو تحرير الجينات أو العملات الرقمية. حيث تحققت بعض تنبؤاتها الأكثر جرأة بشأن "بتكوين" و"تسلا"، وهو الأمر الذي تسبّب بصدمة لمحللي وول ستريت الذين اعتبروها سخيفة.

صعود سريع

تحوّلت الشركة التي أسستها، "كاثي وود" وهي "آرك إنفستمنت مانجمنت"، من مشغلٍ متخصص غير مربح إلى شركة حقَّقت نجاحاً هائلاً في غضون بضع سنوات فقط.

كما اكتسب صندوقها الرائد "آرك إنوفيشن" ما يقرب من 150% في عام 2020، ثم ما يصل إلى 26% في العام الجديد؛ حيث يراهن عدد كبير من المستثمرين، وكثير منهم من الشباب المبتدئين، على "وود"، وهو الأمر الذي انعكس من خلال ضخ ما يقرب من 21 مليار دولار في "آرك" في عام 2020.

وفي خضم الجائحة، دافعت "وود" عن مستقبلٍ جميلٍ تجعل فيه التكنولوجيا كل شيء أفضل وأكثر ربحية.

كما كان موقفها جزءاً من ثقافة فرعية متصاعدة من الإيمان في كل من التغيير التكنولوجي والمخاطرة المالية، والتي وصلت إلى ذروتها في شتاء عام 2021 المظلم؛ حيث ارتفعت الأسهم حتى مع تصاعد شراسة فيروس كورونا، وما نجم عنه من بطالة وإغلاق الأعمال والوفيات.

علاوةً على ذلك، تسبّب متداولو التجزئة الذين حصلوا على شيكات تحفيزية بصدمة لصناديق التحوط من خلال المزايدة على أسهم شركة "غيم ستوب كورب" وغيرها من أسهم الميم.

وفي الواقع، كان صعود "وود" السريع رمزاً للصراع الدائر في الأسواق المالية، حيث بدا أن المستثمرين المنجرين وراء الوعود (والقيمة الترفيهية) للابتكارات مثل العملة المشفرة، يفوزون على المتشككين؛ وفي الواقع، ارتفع سعر عملة "دوج كوين"، التي تم إنشاؤها على سبيل المزاح، بنسبة 20,000%.

حركة تصحيح صادمة

عاجلاً أم آجلاً، كان لا بد للسوق أن ينقلب عليها مع تسارع وتيرة إعطاء التطعيمات، وإعادة فتح الاقتصاد.

حيث استجاب المستثمرون بالتحول من المضاربة في الأسهم عالية التقنية، إلى الأسهم المملة التي قد تستفيد من الانتعاش الأوسع.

علاوةً على ذلك، تخلّى صندوق "وود" الرئيسي عن جميع مكاسبه لعام 2021 ثم تخلى عن بعضها. ومع استمرار صعود مؤشرات الأسهم العريضة، انتقلت من كونها ذات الأداء الأفضل بين مديري الأموال إلى خسارة الأموال منذ عام حتى الآن، حيث ألقت باللوم على مخاوف التضخم في توجيه "الجزء المعني بالابتكار من سوق الأسهم" – وهو أساس عملها - نحو التصحيح. حيث تراجعت شركة "تسلا" بأكثر من 30٪ من ذروتها، وهبطت عملة "بتكوين" بنفس القدر في صباح واحد صادم في منتصف شهر مايو.

الرهان على المستقبل

ما من شكٍ في أن معجبي "وود" عبر الإنترنت ما يزالون متمسكين بها؛ فالمستثمرون الذين ضخوا 34 مليار دولار في صناديق "آرك" الثمانية في الأشهر الـ12 الماضية، سحبوا فقط حوالي 1.2 مليار دولار منذ نهاية فبراير، وهم يراهنون على أن العالم، الخارج من كوفيد-19، سوف يلحق بالمستقبل الذي تدعو إليه.

وبالنسبة للمؤمنين الحقيقيين، فإن شهرتها المفاجئة لن تكون حاشية سفلية غريبة في تاريخ السوق، مثل "غيم ستوب"، إلا أنها رائدة لعقود من التغيير المجيد.

ومثلما هللت "ماري ميكر" لشركات الإنترنت المبكرة مثل "ياهو!"، و"برايسلاين دوت كوم"، خلال عملها كمحللة في "مورغان ستانلي" أثناء طفرة "الدوت كوم"، تُبشّر"وود" بإنجيل أمريكي يدعو للتغيير الطوباوي المدعوم من الرأسمالية.

"الحقيقة تفوز"

وهي تُكرر رسالتها دون كلل أو ملل، حيث تقول مراراً وتكراراً، ولا سيما عندما تنخفض قيمة صناديقها: "أمامنا أفق زمني للاستثمار مدته خمس سنوات".

كما تُوضع عبارات "كاثي وود" الجذابة الأخرى على سلع "آرك" وتُباع لعملاء الشركة الأكثر تفانياً، حيث تذهب جميع الأرباح إلى الأعمال الخيرية، فنرى قميصاً يحمل عبارة "الحقيقة تفوز"، وملابس رضَّع تُظهر عبارة "استثمر في المستقبل اليوم".

علاوةً على ذلك، فهي تنشر أفكارها في دفقٍ مستمر من مقاطع الفيديو والندوات عبر الإنترنت والتعليقات المنشورة على موقع "آرك" على الويب، جنباً إلى جنب مع الظهور المتكرر في المؤتمرات وعلى وسائل الإعلام بما في ذلك "سي إن بي سي" و"بلومبرغ تي في"، ومجموعة متنوعة من ملفات البودكاست الاستثمارية. ولكن مع ذلك، رفضت "آرك" طلبات إجراء مقابلة متعمقة من أجل هذه القصة.

ابتكارات تقود المستقبل

بالإضافة إلى ما سبق، تُذكّر "وود" وأبحاث شركتها المستثمرين بشكلٍ متكرر بأن الكهرباء، والهاتف، ومحرك الاحتراق الداخلي، كلها أمور قلبت العالم رأساً على عقب منذ قرن مضى.

وهي تقول الآن لأي شخص يستمع، أن خمس تقنيات –هي الذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين، وتسلسل الحمض النووي، وتخزين الطاقة، والروبوتات– تُحدث تحولاً عميقاً في الاقتصاد بنفس القدر.

ستتقارب هذه الابتكارات، ويُعاد دمجها في أشياء مثل سيارات الأجرة المستقلة وما إلى ذلك، حيث ستخلق عاصفة اقتصادية مثالية من ارتفاع الأجور، وانخفاض الأسعار، وهوامش الربح الأوسع، مما سيؤدي إلى "دورات حميدة" لمزيد من الاستثمار في ابتكار أسرع.

هذا كثير، وقد يكون مألوفاً لأي شخص يتذكر الفورة الأخرى لحمى أسهم التكنولوجيا خلال فقاعة الدوت كوم؛ إلا أن "وود" مستعدة لذلك أيضاً، فقد اعتادت أن تقول في عدّة مناسبات: "كان الحلم صحيحاً، إلا أنه سابق لأوانه بحوالي 20 إلى 25 عاماً فقط؛ أما الآن فقد بدأت البذور تُزهر، ونحن مستعدون لعيش الذروة".

أفكار سياسية واقتصادية محافظة

من بعض النواحي، من غير المرجح أن تكون "وود" مبشرة تتبنى التغيير؛ فهي تبلغ من العمر 65 عاماً، كما أنها محافظة سياسياً واقتصادياً؛ وعلى الرغم من أنها دافعت لعقود من الزمن عن الاستثمارات الخضراء، إلا أنها نادراً ما استخدمت مصطلحات "تغير المناخ" أو "الطاقة النظيفة".

وبعد التبرع بمبلغ ألف دولار لانتخاب "دونالد ترمب" في عام 2016، قدّمت مبلغ 25 ألف دولار لحملته الرئاسية وللجان العمل السياسي الجمهوري المرتبطة بها في عام 2020، وذلك وفقاً لسجلات لجنة الانتخابات الفيدرالية.

كما أن مرشدها هو "آرثر لافر"، اقتصادي يبلغ من العمر 80 عاماً فرض فلسفته المتعلقة بخفض الضرائب على الرؤساء الجمهوريين منذ عهد "رونالد ريغان"، وهي أفكار يُلقي العديد من المفكرين الاقتصاديين الحديثين باللوم عليها في تضخم عدم المساواة.

في الحقيقة، عبّرت "وود" عن امتعاضها بشأن خطط الرئيس "جو بايدن" لإنفاق مبالغ كبيرة وفرض ضرائب على الأثرياء، على الرغم من أن العديد من مقترحاته مصممة لتقريب الاقتصاد من رؤيتها المستقبلية حول ذلك، وعلى الرغم أيضاً، من أن الضرائب المرتفعة على أرباح رأس المال يمكن أن تدفع المزيد من الأموال نحو الصناديق ذات الكفاءة الضريبية مثل صندوقها. كما أنها تحذر من أن فرض ضرائب أعلى على الشركات والمستثمرين سيثبط الابتكار في المستقبل.

فريقٌ من الشباب

علاوةً على ذلك، تحيط "وود" نفسها بفريق شاب ومتنوع بشكل غير عادي في "آرك"، وبعضهم يختلف علناً مع سياستها؛ حيث قدّم مدير الأبحاث "بريت وينتون"، الذي غالباً ماتستشهد "وود" بعمله، تبرعات بقيمة 2,800 دولار (الحد الأقصى للأفراد) إلى "بايدن" والديمقراطيين الآخرين، بما في ذلك كلا المرشحين الناجحين في مجلس الشيوخ في جورجيا.

كما أن حوالي ربع موظفي "آرك" البالغ عددهم حوالي 35، هم من الأشخاص ذوي البشرة الملونة، بما في ذلك المدير المالي وكبير مسؤولي الامتثال، وهما من ذوي البشرة السوداء؛ بالإضافة إلى ذلك، فإن ثلث الموظفين من النساء، ومعظمهم تقل أعمارهم عن 35 عاماً؛ وأصغرهم هم المحللون الذين ينتجون بحوثاً تحظى باهتمام كبير عبر الإنترنت لكونهم جريئين أو متوهمين، اعتماداً على مَن يقوم بالتغريد.

كما أن قلة منهم فقط لديهم خلفيات مالية، ومن المرجح أنهم كانوا باحثين في مجال السرطان وقباطنة مراكب شراعية.

أما ثقافة المكتب فهي بكل المقاييس قائمة على الزمالة، والعفوية، والتعاون. حيث قال"كيلين كارتر"، كبير مسؤولي الامتثال في "آرك"، لـ"بلومبرغ" العام الماضي: "تؤمن "كاثي" بالطاولة المستديرة بدلاً من الطاولة المستطيلة؛ وهي تريد أن يقدم كل شخص حول الطاولة أفكاره".

نزعة قتالية

يمكن أن تكون "وود" ذات نزعة قتالية أيضاً، خاصة عند الاستهزاء باستراتيجيات المؤشر السلبي منخفضة الجهد التي اكتسبت شعبية على حساب المديرين النشطين مثلها.

ويقول الراوي في محاكاة ساخرة من جانب "آرك" لإعلان صيدلاني: "يبدو أن العديد من المستثمرين يخشون الشركات التي تقدم منتجات وخدمات أحدث وأسرع وأرخص وأقل تكلفة؛ اسأل مستشارك اليوم عما إذا كان الاستثمار في مؤشر تقليدي واسع النطاق مناسباً لك".

الجدير بالذكر أنها تعقد اجتماعاً صباح كل يوم جمعة لمناقشة أفكار الاستثمار مع محلليها والخبراء الخارجيين، حيث يُشبه الاجتماع في جزء منه ندوة كلية إدارة الأعمال، ويُشبه في جزء آخر جلسة حوار مستقبلي غير رسمي حر الشكل.

كما أنهم "يحتضنون المحللين"، مما يسمح لهم باختبار الافتراضات والدفاع عن أنفسهم ضد النقاد، وذلك بحسب "ديفيد بودي"، أستاذ الهندسة المتقاعد الذي كان يحضر الاجتماعات لسنوات.

"الشيء الجميل في الأمر هو أنك لست مضطراً للتحدث عن الأمور التي يتفق عليها الجميع؛ بل يمكنك أن تُغرّد خارج السرب".

إلا أن نزعة اليوتوبيا التقنية لدى "وود" تُعبر عن نفسها بصوت عالٍ وواضح، وأحياناً إلى درجة تفاجئ موظفيها.

حيث قال "جيمس وانغ"، الذي كان محلل الذكاء الاصطناعي في "آرك" حتى فبراير، العام الماضي: "كنتُ أعتقد أنني مهووس بالتكنولوجيا؛ ولكن اتضح أن "كاثي" أكثر عدوانية مما أنا عليه في تخيل النتائج المستقبلية؛ فهي تتصور أشياء لم تُفكر فيها الإدارة حتى".

طفولة جادة جداً

بحسب وصفها الخاص، أمضت "وود" طفولتها كـ "فتاة صغيرة جادة جداً". فقد هاجر والداها، "جيرالد" و"ماري دودي"، إلى الولايات المتحدة من أيرلندا.

وعمل "جيرالد" في أنظمة الرادار العسكرية، حيث نشأت "كاثي"، وهي الأكبر بين أربعة أطفال، في قواعد القوات الجوية الأمريكية في إنجلترا، وأيرلندا، وألاباما، ونيويورك، وكاليفورنيا؛ وتأثّرت باهتمام والدها بالتكنولوجيا والاستثمار.

تعرّفت "وود" على "لافر" في جامعة جنوب كاليفورنيا، حيث تخصصت في المالية والاقتصاد، في حين كان هو أستاذاً لصفوف الدراسات العليا، حيث وصفها قائلاً: "بوسع المرء أن يُدرك فوراً أنه لم يكن هناك الكثير من الأمور التي ستستطيع أن تعترض طريقها".

تخرجت "وود" بامتياز مع مرتبة الشرف في عام 1981، كما ساعدها "لافر" في الحصول على وظيفة في شركة "كابيتال غروب" في لوس انجلوس كمساعدة اقتصادية؛ ومن ثم سرعان ما قدمها إلى شركة "جينيسون أسوشيتس"، "حيث نضجت بشكلٍ فعال" على حد قولها.

وانضمت لاحقاً إلى شركة "أليانس بيرنشتاين هولدينغ إل بي" في عام 2001، حيث أشرفت على أكثر من 5 مليارات دولار تركز على استثمارات النمو المبتكرة.

في ذلك الوقت، كما هو الحال في الوقت الحالي، كان صندوق "وود" متقلباً، مما تسبب في حدوث خلافات مع فرق التوزيع التابعة للشركة، الذين وجدوا في بعض الأحيان صعوبة في بيع الأداء.

الصناديق المتداولة في البورصة

في "أليانس بيرنشتاين"، خطرت ببالها لأول مرة الفكرة التي ستغير حياتها المهنية؛ فالصناديق المتداولة في البورصة (ETFs) هي صناديق مشتركة يتم تداولها على مدار اليوم مثل الأسهم، كما يسمح هيكلها المرن والفعال من الناحية الضريبية لأي شخص بالشراء من خلال أسهم يمكن إنشاؤها حسب الطلب.

وعادة ما تتسم هذه الصناديق بالشفافية الكاملة مما يُزيل أي لبس حول سبب ارتفاع الأسعار أو انخفاضها، كما تستند إلى قائمة محددة من الاستثمارات بدلاً من حكم المدير البشري.

كان ازدهار الصناديق المتداولة في البورصة قد بدأ للتو عندما اقترحت "وود" أن تقدم شركة "أليانس بيرنشتاين" مجموعتها الخاصة من هذه الصناديق، ولكن مع إضافة جديدة، وهي: الصناديق المتداولة في البورصة التي تُدار بنشاط، إلا أن الفكرة لم تتطوّر أبعد من ذلك لأن المديرين التنفيذيين، كما قالت لاحقاً، "لم يكونوا متأكدين تماماً مما قد يعنيه ذلك لنموذج أعمالهم".

وفي الواقع، كان من الممكن أن تخلق الصناديق المتداولة في البورصة، التي عادة ما تكون أجورها أقل، منافسة أرخص للصناديق المشتركة الحالية للشركة. وامتنعت شركة "أليانس بيرنشتاين" عن التعليق على الموضوع.

تأسيس "آرك"

بحلول عام 2014، غادرت "وود" شركة "أليانس بيرنشتاين" لتُطلق شركتها الخاصة، "آرك"، حيث يرمز الاسم رسمياً إلى "المعرفة البحثية النشطة"، على الرغم من أنها قالت أيضاً إنه مستوحى من تابوت العهد القديم.

وفي الحقيقة، فقد كانت السنوات الأولى صعبة، حيث موّلت "وود"، البالغة حينها من العمر 58 عاماً، والتي لم تكن معروفة جيداً، الشركة من مدخرات حياتها، وواجهت صعوبة في العثور على مستثمرين مستعدين للمجازفة في الاستثمار في صندوق متداول في البورصة مُدار بنشاط.

"عندما قابلتها لأول مرة قبل شهرين من إطلاق الشركة، كنت متأكداً من أن شركتها ستختفي في غضون عام أو عامين"، هذا ما قاله "إيريك بالشوناس"، محلل الصناديق المتداولة في البورصة في "بلومبرغ إنتليجنس".

تحديات البداية الأولى

على أرض الواقع، لم تساعد الشفافية الكامنة في الصناديق المتداولة في البورصة عرضها التقديمي: فمتداولو وول ستريت عادةً ما يحرسون أفكارهم الاستثمارية الرائعة مثل جواهر التاج. أما مع "آرك"، فيمكن لأي مستثمر معرفة ما تمتلكه صناديق "وود" ونسخ أفكارها يوماً بعد يوم.

وفي الواقع، كان صديقها "بيل هوانغ" مصدراً نادراً لرأس المال، وهو متداول صندوق تحوط وزميلها المسيحي الذي أسس مكتب عائلته، "آركيغوس كابيتال مانجمنت"، قبل عام من بدء "آرك". التقت هي و"هوانغ" في عام 2013، عندما كانا مستشارين في وزارة الخدمات المالية، وهي مجموعة للمسيحيين العاملين في الشؤون المالية التابعة لكنيسة المخلص "المشيخية" في نيويورك؛ حيث تبادلا نصائح الأسهم.

ووفقاً لما ذكرته "وود"، كان "مفتوناً جداً" بخططها لبدء "آرك". وفي الواقع، ظهرت "آرك إنوفيشن" (ARK Innovation ETF) لأول مرة في أكتوبر 2014، جنباً إلى جنب مع الصناديق المتخصصة التي تركز على التكنولوجيا المستقلة والروبوتات، والإنترنت، وعلم الجينوم. حيث قدّم "هوانغ" رأس المال التأسيسي للصناديق الأربعة جميعها.

تسببت رهاناته المحفوفة بالمخاطر في انهيار "آركيغوس" وثروته البالغة 20 مليار دولار في غضون يومين في أواخر مارس 2021.

وفي نهاية المطاف، توقفت "آرك" عن خسارة الأموال لصالح "وود"، وحققت عوائد قوية ولو كانت متقلبة من عام 2017 حتى عام 2019؛ إلا أن القليل من المستثمرين كانوا مهتمين كثيراً - حتى الربيع الماضي.

الأزمات تشجع الابتكار

الجدير بالذكر أن "وود" كانت تستعد لشيء يُشبه الجائحة منذ فترة طويلة؛ حيث قالت في "بودكاست" في فبراير 2019: "أفضل شيء يمكن أن يحدث لنا - وسيبدو هذا غريباً - هو حصول أزمة؛ فحينها يتجذر الابتكار ويكتسب زخماً".

حيث علمتها الأزمات السابقة أن المستهلكين والشركات المتخوفة والمترددة مستعدة لتجربة أشياء جديدة.

وقد كانت متفائلة حتى خلال الأزمة المالية، وفقاً لزميل سابق في "أليانس بيرنشتاين" تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته. حيث عززت الاضطرابات الناجمة عن ركود 2007-2009 في النهاية بعض أسهمها المفضلة في ذلك الوقت، مثل "سيلزفورس دوت كوم"، و"أمازون دوت كوم".

وعندما تحدثت "وود" بمقر بلومبرغ في نيويورك في 9 مارس 2020، كانت حالات كوفيد-19 تنتشر بشكل كبير. حيث انهارت مؤشرات الأسهم بنسبة 8%، وهو أكبر انخفاض في يوم واحد منذ عام 2008؛ إلا أنها كانت واثقة مما يعنيه كل ذلك، حيث قالت، إن حيازات التكنولوجيا الحيوية ستحصل على دفعة إلى الأمام، جنباً إلى جنب مع شركة "إلومينا"، وهي حيازة موجودة منذ وقت طويل تصنع تقنية التسلسل الجيني.

وقد أدت المخاوف بشأن سلاسل التوريد الدولية أخيراً إلى انتشار الطباعة ثلاثية الأبعاد، بعد عقود من التنبؤات بأنها على وشك الانطلاق.

"قانون رايت"

إذا نظرنا إلى الوراء، فإن الأمر اللافت للنظر هو مقدار شبه "كاثي وود" قبل كوفيد-19 بنفسها اليوم؛ فهي تتمسك بنفس نقاط الحديث في المقابلات التي تفصل بينها سنوات. ولم تتغير رؤيتها للمستقبل بشكلٍ ملحوظ، حتى لو تسارع جدولها الزمني.

كثيراً ما تذكر قانون "رايت"، وهو النظرية القائلة بأنه كلما زاد إنتاج شيء ما، تنخفض تكلفته بشكل أسرع.

على سبيل المثال، انخفض سعر فحص جينات المريض بحثاً عن عدة أنواع من السرطان من 30 ألف دولار إلى 1,500دولار في خمس سنوات، ومن المفترض أن ينخفض ​​إلى 250 دولاراً بحلول عام 2025، حسب تقديرات "آرك".

وهذا من شأنه أن يجعل الفحوصات الجينية السنوية ميسورة التكلفة، مما ينقذ 66 ألف حياة كل عام - أكثر من "أي تدخل طبي في التاريخ"، على حد تعبيرها ذو التبسيط المميز.

قد يؤدي نفس المبدأ إلى خفض تكاليف ومضايقات النقل، حيث تحل البطاريات الأرخص محل محرك الاحتراق الداخلي بسرعة.

كما تتوقع "آرك" أن ترتفع مبيعات السيارات الكهربائية من 2.2 مليون في جميع أنحاء العالم في عام 2020 إلى 40 مليون في عام 2025.

التنبؤ بالأزمة

في الواقع، تبين أن الجائحة هي الأزمة التحولية التي كانت "وود" تتنبأ بها - على الأقل بالنسبة لعائدات استثماراتها، حيث قفز صندوق "آرك" للابتكار بأكثر من 350% من أدنى مستوى له في مارس 2020 إلى ذروته في فبراير 2021(حتى بعد عمليات البيع الأخيرة، ما يزال الصندوق مرتفعاً بنحو 220٪ مقارنة بتلك الفترة).

ومع ذلك، فقد استهانت بالفيروس نفسه؛ حيث قالت خلال زيارتها إلى بلومبرغ في مارس 2020: "أعتقد أن هناك الكثير من الهستيريا حول فيروس كورونا". وشبهت كوفيد-19 بالإنفلونزا، مرددة صدى ما قاله "ترمب".

بعد مرور شهر، شعرتْ بالقلق من أن قانون التحفيز الذي أصدرته الحكومة الفيدرالية، وهو قانون الرعاية البالغ 2.2 تريليون دولار، كان سخياً للغاية وقد يعيق الانتعاش الاقتصادي من خلال منح العمال حوافز لعدم العمل.

"شجرة المال"

من المفارقات أنه يُشاد بهذه الشيكات التحفيزية لأنها أغرت جيلاً من الشباب بتداول الأسهم؛ وعندما اشتركوا في حسابات "روبنهود"، أو قاموا بتسجيل الدخول إلى "ريدت" أو "تويتر"، وبدأوا في رؤية مخططات الأداء، اكتسبوا بسرعة معلومات عن "آرك".

في الحقيقة، ارتفع ملف "وود" الشخصي؛ حيث تضاعف عدد متابعيها على تويتر 28 ضعفاً منذ أواخر عام 2019؛ وتجاوزت 900 ألف متابع بعد تفاعل مع حساب "إيلون ماسك" البالغ 56 مليون متابع.

كما حصلت على مجموعة من الألقاب من قاعدة معجبين عالمية، بما في ذلك "شجرة المال" في كوريا الجنوبية و"العرابة" في هونغ كونغ.

علاوةً على ذلك، يغصّ "تيك توك" و"تويتر" بمقاطع الفيديو و"الميمات" التي تحتفي بها بوصفها خبيرة انتقاء الأسهم ونموذجاً يُحتذى به؛ حيث يقول "بالتشوناس": "أينما ذهبت في عالم الصناديق المتداولة في البورصة، يرد ذكر "كاثي" وتكون حاضرة دوماً في المحادثة".

انخفاض مؤقت لصناديق "وود"

من الواضح أن استعدادها للوقوع في الخطأ بسبب اندفاعها بشكلٍ مبكر جداً، وليس متأخر جداً، يُلمح إلى قلقها من أن حدثاً مثيراً للاهتمام قد يحدث حالياً في مكان آخر.

حيث يقول "مارك لو كلير"، وهو مستثمر في "آرك" يبلغ من العمر 43 عاماً ويعمل في دعم البرامج بالقرب من هيوستن: "أريد أن أكون جزءاً من الشركة القادمة التي ستكون بمستوى (أبل)".

ويُوضح بأنه ليس قلقاً بشأن الانخفاضات المؤقتة في أسعار أسهم صناديقها، قائلاً: "على مدى السنوات العشر القادمة، سيهيمن هؤلاء المبتكرون على هذه المساحات، وأعتقد أن "كاثي" تسير على الطريق الصحيح".

السير وراء "ظاهرة وود"

بالطبع، كان رد صناعة الاستثمار على نجاح "آرك" هو محاولة نسخه وتقليده؛ حيث أطلقت شركات عملاقة، بما في ذلك "بلاك روك" التي تدير 9 تريليونات دولار، منتجات مبنية حول موضوعات مثل الروبوتات والسيارات ذاتية القيادة.

كما تعاونت "إم إس سي آي"، وهي واحدة من أكبر منشئي نوع المؤشرات الذي قضت "وود" سنوات في نقده، مع "آرك" لإنشاء مؤشرات جديدة مستوحاة من نهجها.

وفي الواقع، يكافح المستشارون الماليون المكلفون بتوجيه العملاء نحو الاستثمارات الحكيمة، للتعامل مع ظاهرة "وود".

الجميع يريد "نجمة الروك"

في وقت سابق من هذا العام، قال "ليون لابريك"، كبير مسؤولي النمو في "مجموعة سيكويا المالية"، إن العملاء لا يمكنهم التوقف عن السؤال عنها، حتى عندما بدأ أداؤها يتعثر؛ وأضاف: "الجميع يريد أن يكون مع نجمة الروك".

كما أن "لابريك" اشترى أسهماً في "آرك إنوفيشن" و"آرك جينوميك ريفولوشن" لمحفظة خاصة به في عام 2019.

وبعد قيادته لسيارة "تسلا" وافتتانه بها، أحب "لابريك" فكرة الاستثمار في صندوق "آرك" والحصول على بعض مزايا "تسلا" بدون تحمل 100٪ من المخاطر؛ كما أشار إلى أن "وود" تُذكِّره بالرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" في بعض النواحي، حيث قال إنها: "تمتلك ثقة تشبه تلك التي يمتلكها "ماسك"؛ وعندما تستمعون إليها ستتعجبون وتقولون إنها إما على حق أو تُؤمن حقاً بأنها على حق".

إلا أن "لابريك" باع صفقاته الشخصية في "آرك" هذا العام قائلاً، إنه غير متأكد مما إذا كان بإمكان الشركة الاستمرار في النمو بالمعدل الذي حققته في عام 2020. وهو لا يوصي بصناديق "آرك" للعملاء، على الرغم من أنه سيشتري أسهمها إذا طلبوا ذلك على وجه التحديد.

رهانات صائبة

في عام 2020 وأوائل عام 2021، كان لدى "وود" والمدافعين عنها عبر الإنترنت استجابة سهلة للمنتقدين: انظروا إلى سجلها، ولا سيما توقعها في عام 2018 أن تصل قيمة سهم "تسلا" إلى 4 آلاف دولار – وهو ما وجده الكثيرون في وول ستريت مثيراً للسخرية – إلا أنه تحقق في أوائل عام 2021.

كذلك عندما راهنت "وود" لأول مرة على "بتكوين" في عام 2015عندما كانت العملة المشفرة تُتداول عند حوالي 230 دولاراً، ومن ثم بلغت ذروتها عند أكثر من 63 ألف دولار في أبريل.

منذ ذلك الحين، تراجعت "تسلا" إلى ما دون هدفها لعام 2018، والذي سيكون الآن 800 دولار للسهم المعدل لتجزئة الأسهم 5 مقابل 1.

هدف جديد لـ"تسلا"

ونظراً لأن السوق الذي لا يرحم دفع صندوق "آرك" الرائد نحو الهبوط بمقدار الثلث عن ذروته، فقد ارتفع صوت المتشككين، وحصلت ضجة صاخبة بشكلٍ خاص في مارس عندما كشفت "آرك" النقاب عن هدفها الجديد لسعر "تسلا"، وهو "حالة أساسية" لعام 2025 تبلغ 3 آلاف دولار للسهم، بزيادة خمسة أضعاف.

وفي الواقع، كانت "آرك" محط سخرية، من بين جملة أمور أخرى، لقولها إن "تسلا" يمكن أن تدخل عالم صناعة التأمين على السيارات، وأن تبني شركة بقيمة 23 مليار دولار في غضون بضع سنوات - وهو تأكيد قال عنه النقاد، إنه أظهر جهل الشركة بكيفية تنظيم شركات التأمين ومقدار رأس المال الذي تحتاجه.

كما جاءت توقعات "آرك" بخصوص المركبات الكهربائية مفاجئة للعديد من خبراء السيارات أيضاً، حيث افترضت التوقعات زيادة الإنتاج بمقدار عشرة أضعاف في غضون سنوات قليلة، وإنشاء "تسلا" لشبكة سيارات أجرة مستقلة، استناداً إلى تقنية "السيارات بدون سائق" وهي تقنية غير موجودة حقاً حتى الآن.

وتقول "وود" إن محللي السيارات التقليديين لا يفهمون شركة "تسلا"، التي تعتبرها شركة تكنولوجيا أكثر من كونها شركة تصنيع سيارات؛ حيث تقول: "لقد جمعت "تسلا" الأشخاص المناسبين المقترنين مع البيانات الصحيحة والرؤية الصحيحة".

حماس كبير لـ "بتكوين"

بالنسبة إلى حماسها للعملات المشفرة، فإن شركتها تتوقع أن تصبح "بتكوين" جزءاً كبيراً من المحافظ الرئيسية، بما في ذلك خطة الادخار والاستثمار التقاعدية 401(k) والمعاشات التقاعدية. وفي فبراير، قالت "وود" إن "بتكوين" يمكن أن تحل محل السندات في محفظة سندات الأسهم التقليدية 60/40 - بعبارة أخرى، سيقوم المستثمرون بشكل جماعي بمبادلة استقرار السندات بأصول جديدة غير مختبرة وشديدة التقلب؛ وهذا يبدو أمراً مبالغاً فيه حتى بمعايير عام 2021.

علاوةً على ذلك، أجرت "آرك" أيضاً بعض التغييرات في السياسة التي لم تُهدّئ تماماً المخاوف بشأن رغبة "وود" في المخاطرة. حيث اعتادت فرض حداً بنسبة 20٪ على كمية أسهم الشركات التي يمكن لأي صندوق من صناديق "آرك"امتلاكها.

وقد ألغت هذا الحد الأقصى في أواخر مارس، مما منحها المرونة للقيام بمراهنات أكثر جرأة وتركيزاً في المستقبل.

الاستثمار في شركات "الشيك على بياض"

في نفس القرار، قالت "آرك" إنها قد تشتري أسهماً في شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة (SPACs)، وهي شركات "الشيك على بياض" التي أصبحت أيضاً محط اهتمام كبير في سوق الأوراق المالية العام الماضي.

وقد حذرت هيئة الأوراق المالية والبورصات المستثمرين من شراء أسهم شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة المدعومة من المشاهير، بما في ذلك الرياضيين المحترفين، وقالت "وود" إن بعض شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة "ستنتهي بشكل سيء".

ولكن في شهر مارس، اشترت "أوتونوموس تكنولوجي آند روبوتيكس" أسهماً في شركة استحواذ ذات أغراض خاصة مدعومة من نجمة التنس "سيرينا ويليامز"، حيث اندمجت الشركة مع شركة الطباعة ثلاثية الأبعاد "فيلو ثري دي" من أجل طرحها للاكتتاب العام.

طمأنة المستثمرين

مع تراجع عائداتها، حثّت "وود" الجميع على التمسك بإيمانهم؛ وقالت في مقطع فيديو نُشر يوم الجمعة (21 مايو) بعد أسبوع قاس للغاية على صناديقها: "أعلم أن هناك الكثير من الخوف وعدم اليقين والشكوك التي تتطور في العالم من حولنا".

وقالت لمستثمريها، انظروا إلى الجانب المشرق، حيث تعني أسعار الأسهم المنخفضة الآن عوائد أكبر في وقت لاحق لشركات مثل "تسلا" مع "فرص نمو هائلة" - وهي عبارة مفضلة أخرى لديها. كما قالت لقناة بلومبرغ: "أنظارنا تبقى معلقة على الجائزة الكبرى".

في الحقيقة، قد تنجو "وود" من كونها مخطئة بشأن الأشياء الصغيرة إذا كانت محقة بشأن الأشياء الكبيرة. وقد تستمر هي وعملاؤها في جني الأموال إذا كنا حقاً في بداية اقتصاد جديد لا يشبه حقيقة ما قبل الجائحة.

العصر الذهبي

مع انتشار المخاوف من التضخم، تتنبأ هي بالعكس، حيث ترى حصول نوع من العصر الذهبي للشركات والعاملين والمستثمرين.

ووفقاً لـ"وود"، يمكن للاقتصاد أن ينمو بسرعة دون التسبب في التضخم، لأن هذه التقنيات الجديدة - البطاريات، وتسلسل الحمض النووي، والروبوتات، وغيرها، كلها تنخفض من ناحية السعر – ويمكنها أن تجعل الشركات والعاملين أكثر كفاءة.

ما من شكٍ في أن أي اقتصاد يتغيّر بهذه السرعة سيكون له الكثير من الضحايا؛ حيث أورد تقرير "آرك" تحت عنوان "الأفكار السيئة"، والذي نُشر في أكتوبر، عدداً من هؤلاء الضحايا، وهم: المتاجر الفعلية، وفروع البنوك، والتلفزيون، وقطارات الشحن، وأشكال أخرى من وسائل النقل التقليدية.

حيث قالت "وود" إن ما يقرب من نصف القطاعات المدرجة في "إس آند بي 500" مهددة، وسيكون الأكثر تضرراً هم أولئك الذين أمضوا العقد الماضي في جني الأرباح بدلاً من الاستثمار في المستقبل، حيث أوضحت أن "الجانب الآخر للابتكار الثوري هو التدمير الخلاق".

لا قلق على العمال

وبحسب "وود"، لا يواجه العمال نفس التهديد، حيث تتوقع حدوث نقص في الأيدي العاملة. وقالت، إن التكنولوجيا ستخلق فئات واسعة من الوظائف "لا يمكننا تخيلها اليوم".

وفي الوقت نفسه، سيعمل الناس على الاستعانة بمصادر خارجية لأداء مهام مثل القيادة، والتسوق في البقالة، وإعداد الطعام للآخرين، سواء أكانوا آليين أو بشر؛ و"ستخضع الوظائف الأكثر تكراراً للميكنة، كما ستذهب الوظائف الأكثر إثارة إلى البشر الذين ستساعدهم الروبوتات".

ولكن ماذا عن التوقيت؟

حتى لو افترضنا أن المستقبل الذي تتصوره قد يتحقق، فعليها أيضاً أن تكون على حق في التوقيت؛ حيث يمكن أن تكون الاختراقات الملحمية مكلفة وبطيئة الانتشار في العالم الحقيقي.

وفي هذا الصدد، يقول "إريك برينجولفسون"، الأستاذ في جامعة ستانفورد المتخصص في التغيير التكنولوجي: "هذا شيء يحدث على مدى عقود، وليس أشهراً أو سنوات".

على سبيل المثال، استغرق الأمر جيلاً كاملاً بعد اختراع المحركات الكهربائية قبل أن تُدمج في خطوط التجميع.

وبحسب "برينجولفسون"، فإنه مع أي تغيير تقني، "يكون تحديد الشركات المعرضة للخطر أسهل كثيراً من تحديد الشركات التي ستتقدم نحو الأمام؛ فالكثير من الفائزين سيكونون غير متوقعين". وفي غضون ذلك، سيكون التاريخ مليئاً بالمستثمرين الرابحين الذين نفد حظهم في النهاية.

ومن أجل كسب المال خلال "الأفق الزمني الممتد على مدار خمس سنوات"، والذي تذكره "وود" في كل فرصة، يجب عليها أن تستخلص بطريقة ما الشكل الذي ستكون عليه التقنيات، وسلاسل التوريد، واللوائح، والديناميكيات التنافسية، والاقتصاد الأوسع خلال السنوات القادمة في المستقبل.

إلا أن العمل في المستقبل له مزاياه، فنحن محكومون بالأمل؛ وبغض النظر عما يحدث في الوقت الحاضر - جائحة عالمية، على سبيل المثال - فهناك دائماً خمس سنوات من الآن.

التكنولوجيا.. ليست مجرد استثمار

عند الاستماع إليها، من الواضح أن التغيير التكنولوجي يُمثّل بالنسبة لـ"وود" شيئاً أكثر من كونه استراتيجية استثمار.

ويبقى السؤال المطروح هو ما إذا كان كسب المال هو هدفها الأساسي، حيث أن "آرك"، خاصةً بالنظر إلى التكاليف الكبيرة لبدء تشغيلها، لم تجعلها ثرية بشكل مذهل، وبالتأكيد ليس على مستوى مديري صناديق التحوط المليارديرات الذين هم أقل شهرة بكثير.

في الحقيقة، يعتبر بزوغ مستقبل عالي التقنية أمراً أساسياً لفلسفة "وود" في الحياة، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بآرائها الدينية والسياسية. فعند بداية "آرك"، كان هدفها "تشجيع الخلق الجديد، خلق الله الجديد"، كما قالت في "بودكاست" مسيحي العام الماضي، من خلال الاستثمار في "التقنيات التحويلية التي ستغير العالم".

ويتناسب انتصار الابتكار أيضاً بشكل جيد مع وجهات نظرها حول السوق الحرة. وبالنسبة لجيل أصغر تغريه الاشتراكية، فهي تأمل في إظهار أن الرأسمالية ما زالت قادرة على صنع سحرها.

"وود" لا تفقد الأمل

مع انخفاض الأسهم ومعاناة "بتكوين" من انهيار بنسبة 30٪ في صباح يوم 19 مايو، وهو أسوأ انخفاض لها منذ سبع سنوات، قالت "وود" إنه "يؤلمني أكثر من أي شيء آخر" الاعتقاد بأن العملاء قد يشعرون بالذعر ويندفعون للبيع في الوقت الخطأ. وقالت في فعالية نظمتها "بلومبرغ بيزنس ويك" مؤخراً، إنه حتى عندما كانت صناديقها تعمل بشكل جيد، حاولت أن "تظل متواضعة"، محذرة زملائها من أن تصحيحاً شديداً قد يلوح في الأفق.

وقالت إنه بعد أن وصل التصحيح الآن، فإننا "ننظر إليه ونقول إن الابتكار أصبح بخس الثمن. وأنا أعلم أن الوضع كان صعباً على عملائنا في الأشهر الأخيرة؛ لذلك أقول لا تفقدوا الأمل". وأكدت "وود" للمشاهدين أنها ما تزال تتوقع أن تتضاعف الأسهم في محافظها بأكثر من ثلاثة أضعاف في السنوات الخمس المقبلة.

وماذا عن "بتكوين"، التي هبطت تقريباً إلى مستويات حول 30 ألف دولار؟ ما تزال تعتقد أن عملتها المشفرة المفضلة قد تصل في يوم من الأيام إلى 500 ألف دولار.