نقص العمال بالمطاعم الأمريكية يهدّد صناعة بقيمة 860 مليار دولار

المطاعم الأمريكية تعاني نقص العمالة وارتفاع أجورها ما يهدّد قدرتها على استعادة نشاطها
المطاعم الأمريكية تعاني نقص العمالة وارتفاع أجورها ما يهدّد قدرتها على استعادة نشاطها المصدر: بلومبرغ بيزنس ويك
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أُدرجت مطاعم الشيف "دان جيكوب" في قوائم أفضل مطاعم مدينة ميلووكي منذ أمدٍ طويل، ويقدّم أحدث إصداراته، "إستر إيف"، مزيجاً انتقائياً مما يُعرف بالأطعمة المريحة وأطعمة الذوّاقة.

تضمّ قائمة الطعام، التي تتكون من خمسة أطباق بسعر 65 دولاراً، "التاتر توت" المصنوع من الكافيار، والخبز الإيطالي المكون من بذور الخشخاش، ودهن الشمالتز المصنوع من الدجاج أو الإوز مع زبدة الخردل الساخنة.

نقص العمالة

وفي حين أن رواد المطعم قد يتوقون إلى العودة، فإن جيكوب لا يستطيع العثور على عدد كافٍ من العمال لاستعادة مكانه وتشغيله.

يعرض جيكوب راتباً قدره 40 ألف دولار سنوياً، و20 دولاراً في الساعة للعاملين بدوام جزئي.

إنه يتسول الموظفين على موقع "كريغ ليست" الإلكتروني للتوظيف، إلى الدرجة التي يستكشف فيها المساجين السابقين، ولكن لم يحالفه الحظ حتى الآن.

ويشبّه "جيكوب" فرص بقاء مطعمه "إستر إف"، ومطعمَيه الآخَرَين على قيد الحياة، بتقليب "العملة المعدنية، إذ "يتعيّن عليّ أن أكون واقعياً وأن أدرك بوضوح احتمالية عدم نجاحه".

ارتفاع قياسي في الأجور

ترغب المطاعم في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية كافةً بشدةٍ في إعادة فتح أبوابها بكامل طاقتها، بل ويحثّها العُمَد والمحافظون على ذلك.

ورغم استمرار حذر بعض روّاد المطاعم، فإن المشكلة الكبرى التي يعاني منها المُلّاك تكمن في إيجاد العاملين لطهي الأطباق وتقديمها وغسلها، على حدّ قولهم.

وإضافة إلى المخاوف بشأن الضغوط التضخمية، أدّت أزمة العمالة إلى ارتفاع متوسط ​​الدخل في الساعة إلى 16.28 دولار في شهر مارس، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي.

لقد غيّرَت أزمة "كوفيد-19" قطاعات قليلة من الاقتصاد الأمريكي، أكثر من من خدمات قطاع الأطعمة.

دعم فيدرالي للمطاعم

ومع إطلاق صندوق تنشيط المطاعم الفيدرالي بقيمة 28.6 مليار دولار خلال مايو الماضي، وصف الرئيس جو بايدن المطاعم بأنها "جزء أساسي من القصة الأمريكية"، مشيراً إلى أهميتها في تحريك التنقل الاجتماعي والاقتصادي للأقليات والمهاجرين.

ولا يمكننا هنا تجاهل تقدير أهمية ما كان عليه القطاع البالغ قيمته 860 مليار دولار سنوياً في عام 2019، إذ عمل أكثر من 60% من الأمريكيين بمطعم في وقت أو آخر، وكانت الوظيفة الأولى الدائمة لواحد من كل اثنين أمريكيين.

ربما لم يعد الأمر كذلك، فقد أشارت البيانات الفيدرالية إلى أن المطاعم والحانات توظّف عدداً أقل بـ1.6 مليون شخص منه في بداية عام 2020، لكنه من غير المرجح أن تعود القوى العاملة التي يبلغ قوامها 10.6 مليون شخص إلى الحجم الذي كانت عليه قبل الوباء.

إعانة البطالة

ووفقاً لمسحٍ نشرته الشهر الماضي منظمة "وان فاير ويدج" غير الربحية، وجامعة كاليفورنيا، من خلال مركز أبحاث القوى العاملة في قطاع الأغذية التابع لجامعة بيركلي، يفكر أكثر من نصف عمال المطاعم حالياً في الاستقالة بسبب تدنّي الأجور وتوافر الفرص الأخرى، كما يخشى كثيرات من الأمهات العاملات من الإصابة بكوفيد، وهن يحصلن بالكاد على أرباح تغطّي فواتير بقالة الأسرة.

وسمحت إعانات البطالة الممتدة لبعض عمال المطاعم بالبقاء على الهامش، ففي ميلووكي يقول جيكوب إن المرشحين يتقدمون أحياناً للعمل لأن عليهم إثبات أنهم يبحثون بنشاطٍ عن عمل من أجل الاستمرار في الحصول على إعانة البطالة، ولكنهم لا يردّون على مكالماته الهاتفية بعد ذلك.

هروب أصحاب المهارات

مع ذلك يواجه جيكوب وأرباب العمل الآخرون في الصناعة تحدياً أكثر جوهرية، إذ يهرب العمال ذوو المهارات المتدنية من خدمة الطعام، للحصول على وظائف ذات رواتب أعلى في مراكز تجهيز الطلبات التي تديرها "أمازون" وتجار التجزئة الآخرون، حسب قول دانييل تشاو، كبير الاقتصاديين في موقع التوظيف"غلاس دوور".

في سانت لويس تركَت بيتي دوغلاس وظيفتها مؤخراً في متجر الشطائر، لكي تعمل في سلسلة متاجر "رينبو يو إس إيه إنك" لبيع الملابس فعلياً وعبر الإنترنت.

صحيح أنها لا تزال تتقاضى حداً أدنى من الأجور، مثلما كانت في وظيفتها السابقة بـ"ماكدونالدز"، إلا أن تفريغ الصناديق ووضع علامات على البضائع يُعَدّ أمراً سهلاً مقارنةً بالوجبات السريعة إذ كانت تتلقى الطلبات، وتدير السجلات، وتغسل الصحون، وفي بعض الأحيان المراحيض المسدودة، فـ"في ذلك العمل كان الضغط أكبر لأنك تتحرك أكثر، ولأنك تؤدي مزيداً من العمل" على حد قولها.

مكافآت وزيادة في الأجور

لجذب العمال الجدد والحفاظ على العمال الحاليين من الانهيار، يقدّم بعض سلاسل الوجبات السريعة وتناول الطعام في أجواء غير رسمية، مكافآت لمرة واحدة وزيادة في الأجور.

تقول شركة "داردين ريستورانتس" المالكة لـ"أوليف غاردن"، إنها أنفقت 17 مليون دولار على مكافآت المرة الواحدة التي تصل إلى 300 دولار.

كما سترفع شركة "تشيبوتل ميكسيكان غريل" متوسط ​​الأجور في الساعة لعمال المطبخ من 13 إلى 15 دولاراً بنهاية شهر يونيو، إذ تتطلع إلى إضافة 20 ألف موظف إلى جدول رواتبها. وقبل الزيادة المخطط لها، ارتفعت أجور السلسلة بنحو 4% على نفس الفترة من العام الماضي.

ويقول تود غريفز، الرئيس التنفيذي ومؤسس سلسلة "تشيكن فينغرز" التابعة لـ"رينينغ كين" التي تتخذ من باتون روج في لوس أنجلوس مقراً لها، وتضمّ نحو 530 موقعاً، إنه أصعب ما شهِدَته سوق التوظيف خلال 25 عاماً من العمل.

ويضيف غريفز، الذي يوزّع مكافآت تصل إلى 250 دولاراً للاحتفاظ بالموظفين: "لا يزال الطلب على الموظفين بعيد المنال، والجميع يفتح مطاعمه في آن واحد".

الاعتماد على التكنولوجيا

قد تصبح المطاعم جزءاً أصغر من الاقتصاد، ولكن على الأقلّ قد يصبح بعض التحوُّل في إيرادات البقالة وتوصيل الطعام في أثناء الوباء دائماً، إذا اختار عديد من موظفي المكاتب مواصلة العمل من المنازل.

للتكيف مع هذه التغييرات، قد تُضطرّ المطاعم إلى تبنِّي الأتمتة والتقنيات الأخرى، وهو أمر كان بطئ التنفيذ قبل الوباء في هذه الصناعة المتشعّبة.

يسمح كثيرون حالياً لرواد المطاعم بتقديم طلباتهم ودرجة التسوية الخاصة بهم عبر هواتفهم المحمولة.

وقالت كلوديا غولدين، المؤرخة الاقتصادية بجامعة هارفارد: "هذه لحظة تَجَلٍّ، فقد وُجدَت تلك التقنيات لدينا، وفجأة أدركنا أنه يمكننا استخدامها بكثافة".

إلا أن لدى صاحب المطعم من الجيل الثالث والمستشار بالصناعة حالياً آرون ألين، رأياً آخر، فهو يرى أنه رغم مساعدة صندوق الإنقاذ الجديد الفيدرالي على إدارة بعض المؤسسات، فإن عديداً منها سيستسلم في النهاية إذا لم يتمكن من توظيف العمال والاحتفاظ بهم.

وقال إن هذه هي "المرة الأولى التي يقولون (العمال) فيها هذه الجملة: أتعلم ماذا؟ تباً لكم، قرّرنا عدم العودة بسبب الطريقة التي تتعاملون بها معنا".