نشطاء المناخ يؤثرون بشكل متزايد على قرارات كبرى شركات النفط

بات نشطاء المناخ يلعبون دوراً مؤثراً في قرارات كبرى شركات النفط. وذلك من خلال تصويت المستثمرين أو رفع القضايا في المحاكم العالمية.
بات نشطاء المناخ يلعبون دوراً مؤثراً في قرارات كبرى شركات النفط. وذلك من خلال تصويت المستثمرين أو رفع القضايا في المحاكم العالمية. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

الرسالة التي حاولت حركات الدفاع عن المناخ إيصالها على مدى سنوات، باتت الآن مدوية وأكثر وضوحاً. حيث استطاعت هذه الحركات التأثير على القرارات التي تزعزع مجالس إدارة كبرى شركات النفط في العالم. وهذه الرسالة تفيد بأن انتقال الطاقة أمر نافذ لا محالة، ولا يوجد مجال للعودة إلى الوراء في هذا الشأن.

انتصارات مدوية

ومنذ خمس سنوات فقط، كانت جهود ناشطي الدفاع عن البيئة تقتصر على التلويح باللافتات خارج مقار الاجتماعات السنوية للشركات. أو كانت تتبلور على شكل اعتراضات تصدر عن مساهمين أفراد، والتي كان يتم تجاهلها من قبل مجالس وفرق الإدارة بالتأكيد.

ولكن ما حدث مؤخراً كان على النقيض تماماً، حيث استطاع مستثمرون في الأسهم، من إقالة اثنين من مدراء شركة "إكسون موبيل". واللذين بات يُنظر إليهما على أنهما غير متناغمين بشكل كافٍ مع قضايا المناخ. وفي الوقت نفسه قام مساهمو شركة "شيفرون" بالتصويت على مقترح لإجبار الشركة على تقليل التلوث الصادر عن عملائها، بينما أصدرت محكمة هولندية أوامر لشركة "رويال داتش شيل" بخفض الانبعاثات بشكل أكبر وأسرع مما خططت له. ليشكل كل ما حدث خسارة ساحقة بالنسبة لشركة "إكسون"، وهي أكبر شركة نفط في العالم الغربي.

ما فاقم الوضع وجعله أصعب هو أن ما حدث كان نتيجة جهود دعمتها مجموعة ناشطة لديها حصة في الشركة تبلغ 0.02% فقط. وقد كافح الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة، دارين وودز، ضد الصندوق الصغير لأسابيع، واصفاً مرشحيه بأنهم "غير مؤهلين"، كما قام بتقديم تنازلات قبل ساعات فقط من الاجتماع السنوي. حتى بلغ الأمر بالمجلس بإعاقة عملية التصويت في محاولة أخيرة لتأمين المزيد من الدعم.

مستثمرون صغار لكن مؤثرون

ولكن هذا كله كان بلا جدوى. فقد أصبحت حركة الدفاع عن المناخ هي السائدة اليوم لدرجة أن أكبر المستثمرين المؤسسيين في العالم كانوا على استعداد لدعم مجموعة "إنجين 1" (Engine No. 1)، وهي مجموعة من النشطاء غير المعروفين، قاموا بتأسيس صندوقهم قبل ستة أشهر فقط. وتفوقوا على واحد من أكبر عمالقة الشركات الأمريكية. وقد صوتت شركة "بلاك روك"، ثاني أكبر مالك لشركة "إكسون" بحصة تبلغ 6.6%، لصالح ثلاثة من أربعة مدراء جدد رشحتهم مجموعة "إنجين 1"، وذلك بناءً على ما أفادته نشرة تصويت. وقال مدير الأصول في الشركة إنه "قلق بشأن الاتجاه الاستراتيجي لشركة "إكسون" وأنها يمكن أن تستفيد من إضافة المدراء الجدد.

بينما قال فريد كروب، رئيس صندوق الدفاع عن البيئة: "ما حصل هو أمر عظيم لشركة "إكسون"، كما أنها لحظة فارقة بالنسبة لصناعة النفط والغاز بالكامل". وتابع: "لم يعد من الممكن اليوم لشركات مثل "إكسون" أن تتحدى الدعوات لمواءمة استراتيجيات أعمالها مع عزل الكربون وإزالته من الاقتصاد".

تراجع الثروات

وتمثل الأحداث الأخيرة لحظة صحوة زعزعت الكثير من المدراء التنفيذيين الأقوياء في الشركات الست الكبار، والذين كانوا يتصرفون كما يحلوا لهم وبلا أي حاجة لأخد مشورة المساهمين حول كيفية إدارة أعمالهم. وخلال معظم العقد الماضي الذي سبق انهيار النفط عام 2014، كانت شركات الطاقة والنفط قد شكلت البقرة الحلوب التي ظلت تدر الكثير من الأموال في سوق الأسهم، وحجر الأساس لمعظم صناديق التقاعد الرئيسية.

وخلال نصف القرن الماضي، ركزت هذه الشركات على قاعدة واحدة لا حياد عنها، وهي أن تعطش العالم المتقدم للطاقة آخذ بالنمو، وأن الست الكبار هم المهيمنون على هذا العالم.

وكان ذلك، حتى ظهور ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة وحركة المناخ خلال العقد الماضي، والتي أدى كلاهما إلى تعطيل هذا التوجه من ناحية العرض والطلب على التوالي. ولفترة طويلة، أضاعت شركة "إكسون"، ومنافسيها أيضاً إلى حد كبير، استغلال أي من هاتين الفرصتين.

فشل في التخطيط

لم يكن الأمر يتعلق فقط بتأخر عمالقة النفط لدخول عالم الوقود الصخري، بل بفشلهم أيضاً في تقدير ما يعنيه العرض الجديد الهائل لسوق النفط الخام العالمي. حيث كان العالم من عام 2008 إلى عام 2014 يتوجه من وجود نقص ملحوظ في النفط إلى الوفرة فيه. ومع إعادة إحياء الحقول القديمة في ولاية تكساس عن طريق التكسير الهيدروليكي، واصلت شركات النفط الكبرى متابعة المشاريع ذات رأس المال الكبير في القطب الشمالي والرمال النفطية الكندية.

وهذا الأمر، لم يلحق الضرر بالعائدات المالية على المدى الطويل فحسب، بل ووضع شركة "إكسون" ومثيلاتها أيضاً في مرمى نيران حركة كانت تستهدف شركات الطاقة الأمريكية بشكل متزايد.

وقالت عائشة ماستاني، مديرة صندوق في نظام تقاعد المعلمين بولاية كاليفورنيا، وهو ثاني أكبر صندوق معاشات تقاعد في الولايات المتحدة ومن أوائل الداعمين لمجموعة "إنجين 1": "هناك ارتباط لا يمكن إنكاره بين تغير المناخ والاستثمارات المالية ".

وفي حين نجحت حركة الناشطين في مجال البيئة في استهداف شركات النفط الكبرى وحلفائها، إلا أنها لم تحل بعد المشكلة الأكبر والمتمثلة في معالجة استهلاك النفط الخام في العالم. وتنتج شركات "إكسون" و"شيفرون" و"شل" و"بي بي" و"توتال" معاً أقل من 15% من إمدادات الخام العالمية. فحتى لو تراجعت هذه الشركات، سيتدخل آخرون لملء هذا الفراغ، وذلك ما لم يكن المستهلكون على استعداد لاتخاذ بعض الخيارات الصعبة بشأن أسلوب حياتهم.

الكثير من النقد

لطالما كانت شركة "إكسون" مقارنة بمثيلاتها من الشركات، شركة جاذبة للنقد والاستهجان. وكان رئيسها التنفيذي السابق لي ريموند قد عارض بشدة "بروتوكول كيوتو" لعام 1998، الذي كان واحداً من أولى الاتفاقيات المنسقة عالمياً للحد من انبعاثات الكربون. حيث كانت حجته حينها وجود "عدم يقين" حول علم المناخ.

وبالرغم من أن موقف الشركة تطور مع مرور الوقت، حيث دعمت اتفاقية باريس لعام 2015، إلا أنها لا تزال متشبثة، تحت إدارة وودز، بفكرة أن الطلب على النفط والغاز سيستمر، وأن شركة "إكسون" هي التي ستوفره.

وبالتالي، وخلال السنوات القليلة الماضية، أصبح هناك فرق شاسع بين عمالقة النفط الأمريكيين ومنافسيهم في أوروبا. وفي الوقت الذي التزمت فيه شركات "شل" و"بي بي" و"توتال" بتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول منتصف القرن. عرف وودز في عام 2020 برفضه لهذه الأهداف التي يعتمد بعضها على مبيعات الأصول، واعتبرها "مسابقة جمال" لن تفعل الكثير لوقف تغير المناخ. وقد كشفت وثائق داخلية من شركة "إكسون" في وقت لاحق من ذلك العام، تم تسريبها إلى "بلومبرغ نيوز" أنه من المتوقع أن تؤدي خطة وودز التوسعية، والتي تبلغ قيمتها 200 مليار دولار لمدة سبع سنوات، بزيادة الانبعاثات بنسبة 17% سنوياً بحلول عام 2025، وهي انبعاثات تعادل إجمالي إنتاج اليونان.

إلا أن جائحة "كوفيد-19" أجبرت وودز على تغيير مسار جزء كبير من خطته التوسعية، وخفض الإنفاق الرأسمالي بنحو الثلث حتى عام 2025. ولكن بحلول ذلك سيكون الضرر قد وقع بالفعل. كما تضخمت ديون شركة "إكسون" بنسبة 40% لتصل إلى نحو 70 مليار دولار في عام 2020. كما سجلت أول خسارة سنوية لها منذ أربعة عقود على الأقل، وتكبدت أكبر عملية شطب في تاريخها الحديث، وتمت إزالة الشركة أيضاً من مؤشر "داو جونز" الصناعي.

استياء المستثمرين

قد يكون الأداء المالي لشركة "إكسون" هو الدافع لحملة "إنجين 1"، إلا أن سجل الشركة البيئي هو الذي يطغى بشكل كبير على التصويت الفعلي. فقد اكتسب استثمار الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، أهمية متزايدة داخل أكبر شركات إدارة الأصول في البلاد، ويرجع ذلك جزئياً إلى مطالب العملاء المهتمين بالمناخ.

أكبر مستثمري شركة "إكسون"، وهم مجموعة "فانغارد"، وشركة "بلاك روك" وشركة "ستيت ستريت" أعضاء في مبادرة "نيت زيرو مانيجرز"، التي تدعم هدف تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. كما يحرص الرؤساء التنفيذيون في شركتي "بلاك روك" و"ستريت ستيت" على الظهور كجهات محفزة لتحوّل الطاقة، وذلك لأنهم أصبحوا هم أنفسهم أهدافاً لناشطي الدفاع عن البيئة.

ولم يغب أي من هذا عن مجموعة "إنجين 1" المتيقظة لما يحدث، فاستغلت استياء المستثمرين من العائدات واستخدمت ذلك لتضخيم انتقاداتها حول عدم رغبة شركة "إكسون" في التكيف. وقالت المجموعة الناشطة في عرض تقديمي مؤخراً: "إن رفض قبول فكرة أن الطلب على الوقود الأحفوري قد ينخفض في العقود القادمة، أدى إلى الفشل في اتخاذ ما يعد حتى خطوات أولية نحو التطور، فضلاً عن التعتيم على مخاطر الأعمال طويلة الأجل بدلاً من معالجتها".

وبالتالي، وحتى تخفف شركة "إكسون" من استياء المستثمرين، توجب عليها الفصل بين أدوار الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة، وزيادة الشفافية بخصوص خططها المستقبلية، بناءً على ما أفاده إيانكو داراموس من شركة "ليغال أند جينيرال انفستمنت"، والتي هي واحدة من أكبر 20 مساهماً في الشركة. والذي قال إن الشركة تحتاج أيضاً إلى وضع "أهداف طموحة للانبعاثات تلائم شركة بهذا الحجم والمكانة".

اتخذت شركة "إكسون" سلسلة من الإجراءات، مثل التعهد بأهداف جديدة لخفض الانبعاثات، وتحدثت عن مشاريع تقنية جديدة منخفضة الكربون، وعن شراء المزيد من الطاقة المتجددة لتمويل عملياتها. إلا أن الشركة لا تزال تقاوم استيعاب مطالب المستثمرين. حيث قال ماستاني من صندوق نظام تقاعد المعلمين: "عندما اجتمعنا مع الشركة، قام فريق الإدارة التنفيذية بمعظم الحديث. لم يكونوا مستعدين للاستماع إلى أي من مخاوف المساهمين".