وزيرة الخزانة الأمريكية غير قلقة من التضخم.. هل تكون محقة؟

جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية تعتقد أن التضخم في أمريكا سيكون عابراً ولن يستمر عند مستويات مرتفعة
جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية تعتقد أن التضخم في أمريكا سيكون عابراً ولن يستمر عند مستويات مرتفعة المصدر: غيتي إيمجز
Peter R. Orszag
Peter R. Orszag

Peter Orszag is CEO of Financial Advisory @Lazard and a columnist at @bopinion

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يقلق بعض الاقتصاديين البارزين، من أن الولايات المتحدة تتجه نحو عصر دائم من التضخم الأعلى، ولكن وزيرة الخزانة، جانيت يلين، ورئيس "الاحتياطي الفيدرالي"، جيروم باول، يعتقدان أن الارتفاع الحالي مؤقتٌ.

وحتى الآن، افتقد هذا الجدل إلى حدٍ كبير ثلاثة أبعاد: ماذا يقول أفضل المتنبئين؟، وماذا يحدث في الدول الأخرى؟، وما الخطوات التي يمكن اتخاذها لمعالجة مشكلات سلاسل التوريد؟

ضغوط على الأسعار

ويعد جدل التضخم مألوفاً لأي شخص يتابع الأسواق المالية أو المناقشات السياسية في واشنطن، وكانت الاستجابة السياسية هائلة، ووصلت التدابير المالية إلى 22% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بخلاف الدعم المباشر لقطاع الرعاية الصحية، وقاد هذا إلى مخاوف من أن الحكومة "تفرط في ملء حوض الاستحمام"، وتُخلِّف تضخماً أعلى، والذي بمجرد أن تترسخ جذوره، سيكون من الصعب القضاء عليه.

وفي نفس الوقت، من المتوقع أن يرتفع التضخم قليلاً، مع إعادة فتح الاقتصاد وبدء عودة العملاء إلى القطاعات الأكثر تضرراً من الفنادق إلى شركات الطيران.

وتزيد مجموعة من عقبات سلاسل التوريد - بدءاً من نقص أشباه الموصلات إلى تأخيرات حاويات الشحن - الضغوط الصعودية على الأسعار.

هل يكون التضخم "ومضة عابرة"؟

ويتمثل السؤال الصعب في ما إذا كان التضخم الأعلى - مثل ذلك الذي شهدناه في أبريل - هو مجرد ومضة عابرة (كما تشير جانيت يلين)، أم أنه نذير بمشكلة أطول أجلاً (كما يجادل الاقتصادي لاري سامرز).

ويقف أفضل المتنبئين بحسمٍ في جانب "يلين"، وهؤلاء لا يشملون الأشخاص المسؤولين عن قيادة نماذج قياس أداء الاقتصاد الكلي في "الاحتياطي الفيدرالي" فحسب، وإنما أيضاً مجلس المستشارين الاقتصاديين وبنوك وول ستريت.

كما أنهم يشملون "المتنبئين الفائقين" الذين يشاركون في مشروع "غود جادجمنت"(Good Judgment)، الخاص بالاقتصادي "فيليب تيتلوك" من جامعة "بنسلفانيا"، والذين تفوقوا على المحللين في العديد من المجالات بما في ذلك المحللين الاستخباراتيين الذين يصلون إلى معلومات سرية.

ويميل هؤلاء الخبراء إلى أن يكونوا مثل "الثعالب"، وليس "القنافذ"، ويجمعون القطع الصغيرة من البيانات الجديدة، ويحدِّثون وجهات نظرهم السابقة، بدلاً من الالتزام بمنظور عقائدي واحد، وأغلبهم يرفض وجهة نظر "سامرز".

العودة للانخفاض هي الأقرب

وعلى سبيل المثال، يرى المتنبئون الفائقون ارتفاعاً ملحوظاً في التضخم العام الجاري، ويضعون فرص تجاوزه 3% في 2021، عند 42%.

أما في 2022، تختلف القصة، إذ أن فرصة بقائه عند هذا المستوى المرتفع هي 7% فقط، لذا فعلياً هم يرون أن "يلين" لديها فرصة بنسبة 93% في أن تكون محقة.

ولدعم وجهة نظرهم، يتوقعون احتمالية بنسبة 44% أن يكون التضخم دون 2% العام المقبل، ولم تتغير هذه التوقعات كثيراً، رغم كل اللغط المشهود مؤخراً في الصحافة والأسواق.

وفي منتصف مارس، رأى المتنبئون الفائقون احتمالية بنسبة 5% أن يمتد سيناريو التضخم المرتفع في العام المقبل.

ماذا عن الدول الأخرى؟

أما الأدلة من الدول الأخرى، فتوفر منظوراً إضافياً حول إذا كانت الاستجابة المالية الأمريكية القوية نسبياً هي المحرك الرئيسي للتضخم الحالي أم لا، وهو ما سيثبت بدوره إذا كان التضخم سيصبح دائماً أم لا.

وكان التضخم في ارتفاع بدول "مجموعة السبع" وفي "منطقة اليورو"، ويبدو أن معظم هذه الزيادة لا علاقة لها بالاستجابات المالية المتباينة تماماً لتلك الدول.

ويُظهر المخطط أدناه أن الولايات المتحدة تُعدُّ استثناء كبيراً نظراً لحجم إغاثاتها المالية، ولكنها تشذ قليلاً فيما يتعلق بالتضخم.

ومن الواضح أن هذه المقارنة مبسطة (إذ أن الولايات المتحدة كبيرة بما يكفي للتأثير على معدلات التضخم في البلدان الأخرى)، لكن من الواضح على الأقل أن جزءاً كبيراً من التضخم المشهود مؤخراً لا يقتصر فقط على الولايات المتحدة.

أزمات الشحن العالمية

وتسلط حقيقة ارتفاع التضخم بشكلٍ مؤقت في العديد من الدول الضوء على الدور الذي ربما تلعبه قيود المعروض، فتأخيرات حاويات الشحن على سبيل المثال تزيد ضغوط التكاليف، ووصف أحد خبراء القطاع في "جورنال أوف كوميرس"، وهو موقع متخصص في الشحن، الأمر على النحو التالي:

… لا يوجد سبب جذري واحد لهذه المشكلات، والوضع هو واحداً، تتداخل فيه العقبات مثل ازدحام الموانئ، ونقص السفن والمعدات والهياكل ونقص السكك الحديد والشاحنات.. وجوهرياً، لا يوجد نقص عندما نحسب حساباً مجرداً عدد الحاويات والسفن المتاحة مقابل كمية الشحنات التي بحاجة للشحن.

وتكمن المشكلة حالياً في أن نقل الشحنات - والمعدات - أصبح يستغرق وقتاً أطول بكثير، وهو ما يمتص بدوره كميات هائلة من السعة.

لذا لا يتعين على صنّاع السياسة التراخي، ويمكنهم على سبيل المثال المساعدة من خلال زيادة عدد سائقي الشاحنات.

وأشار البروفيسور "يوسي شيفي"، مدير مركز ""إم أي تي" للنقل والخدمات اللوجستية، إلى أن تأخيرات النقل بالشاحنات تؤدي إلى تفاقم المشاكل عبر النظام اللوجستي بأكمله، وأن الحل الأمثل لسعة النقل بالشاحنات هو توافر السائقين أنفسهم.

واقترح، من بين خطوات أخرى، تخفيف اللوائح الفيدرالية بحيث لا يُستبعد السائقون المحتملون فقط لمجرد استخدامهم الماريجوانا في السابق، والنقطة الأوسع هي بذل المزيد من الجهود لمعالجة نقاط الاختناق اللوجيستية التي تقف وراء جزء كبير من الارتفاع الأحدث في التضخم.

توقعات بارتفاع جديد في التضخم

وسيشتد الجدل بشأن التضخم أكثر يوم الخميس، عندما يعلن مكتب إحصاءات العمل عن أرقام أسعار المستهلك لشهر مايو.

ويشير استطلاع للمتنبئين أجرته "بلومبرغ"، إلى أن الرقم الرئيسي السنوي سيشير إلى ارتفاع في مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 4.7%، أي أعلى من رقم أبريل البالغ 4.2%، وهو ما سيُنظر إليه بلا شك كدليلٍ لصالح "سامرز" ضد "يلين".

لكن الأمر سيستغرق حتى وقت لاحق من العام الجاري، أو ربما حتى عام 2022، لمعرفة إذا كان المتنبئون الفائقون على صواب مرة أخرى أم لا.