هل تبحث عن وظيفة في أسواق المال.. إذاً ودّع صحتك العقلية!

العمل في المجال المالي يضع ضغوطاً نفسية وعقلية وجسدية على الموظفين وهي أمور قد لا يخبروك بها في بداية حياتك العملية بـ"وول ستريت"
العمل في المجال المالي يضع ضغوطاً نفسية وعقلية وجسدية على الموظفين وهي أمور قد لا يخبروك بها في بداية حياتك العملية بـ"وول ستريت" المصدر: غيتي إيمجز
Jared Dillian
Jared Dillian

Jared Dillian is the editor and publisher of The Daily Dirtnap, investment strategist at Mauldin Economics, and the author of "Street Freak" and "All the Evil of This World." He may have a stake in the areas he writes about.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أنا مسؤول عن كتابة ونشر نشرة إخبارية مالية؛ وعلى مدى العامين الماضيين، انتحر ما لا يقل عن ثلاثة من المشتركين – جميعهم من العاملين الحاليين أو السابقين في صناعة التمويل.

وفي كل مرة أسمع فيها مثل هذا الخبر، أتأثر بشدة لأنني أوشكت على الانتحار منذ ما يقرب من 20 عاماً أثناء عملي كمتداول شاب في شركة "ليمان براذرز هولدينغز"، وأعرف تماماً ماذا يعني الشعور بهذا المستوى من اليأس.

ضغوط قوية

تتسبّب جميع الوظائف بضغوط إلى حد ما، إلا أن الضغط المرتبط بصناعة التمويل فريد ومعقد للغاية، وأهم ما فيه هو القلق بشأن الأداء؛ فإما أن تكسب المال للشركة أو تفقد وظيفتك، والأمر بهذه البساطة.

كما أن اللوائح موجودة في كل مكان وهي تُفرض بشدة؛ علاوةً على ذلك، فإن الخوف من مخالفة القواعد وخسارة حياتك المهنية، وليس وظيفتك فحسب هو خوفٌ متجذّر.

وهناك ضغوط ناجمة عن سياسات المكتب، حيث قد يعتقد شخص خارجي بسذاجة أن الأفضل أداءً يرتقي إلى القمة، إلا أن هذا ليس صحيحاً في كثير من الأحيان. وتتفاقم كل هذه الأمور وتتعقد بسبب الإدمان والأفعال القهرية المختلفة، بما في ذلك القمار والمخدرات والكحول.

وظيفة ليست سهلة

قد تبدو "وول ستريت" وكأنها وظيفة سهلة يعمل فيها أشخاص يحملون شهادات جامعية من الكليات والجامعات المرموقة، ويرتدون ربطات العنق الفاخرة، ويلقون بالأموال على بعضهم البعض طوال اليوم.

إلا أنني أؤكد لكم أنه ليس هذا هو واقع الحال؛ ففي دراسة استقصائية أُجريت عام 2019 على العاملين في القطاع المالي، قال 71٪ إنهم يعانون من ضغوط متوسطة، بينما قال 37٪ إنهم يعانون من ضغوط سلبية عالية.

كما لا يستطيع معظم الناس إدراك نوع التوتر الذي يواجهه المتداولون، حيث يتم كسب أو خسارة مبالغ ضخمة من المال في غضون ثوانٍ؛ في حين يواجه المصرفيون نوعاً مختلفاً من الإجهاد – النوع المرتبط بالمواعيد النهائية المتكررة، والمشاريع التي تتطلب اهتماماً شديداً بالتفاصيل، وساعات العمل الطويلة للغاية.

موسم التدريب

الموضوع مهم بشكل خاص حالياً لسببين؛ السبب الأول هو أن هذا هو الوقت من العام الذي تنزل فيه جحافل من المتدربين إلى "وول ستريت" من أجل الخضوع للتدريب المهني، حيث يحلم كل منهم بالحصول على وظيفة بدوام كامل، يمكن أن تؤدي إلى ثروة هائلة.

وفي هذا الصدد، قال المراقب المالي لولاية نيويورك "توماس دينابولي" في مارس، إنه حتى أثناء الجائحة، ارتفع مجموع مكافآت صناعة الأوراق المالية إلى 31.7 مليار دولار العام الماضي، بزيادة 6.8٪ عن عام 2019.

والسبب الثاني هو أنه في 26 أبريل، انتحر المستثمر الشهير "تشارلز دي فولكس" من شركة "إنترناشونال فاليو أدفايزرز" من خلال رمي نفسه من الطابق العاشر في مبنى مكتبه في الجادة الخامسة.

وقد ركزت العديد من السرديات حول وفاته على أدائه الاستثماري، حيث تضاءلت أصول شركته من أكثر من 20 مليار دولار في ذروتها إلى أقل من مليار دولار، وفي ذلك الوقت قدم "دي فولكس" طلباً لتصفية أمواله.

وقد يكون من المغري استخلاص استنتاج مفاده أن انتحار "دي فولكس" كان نتيجة لضعف الأداء المزمن لأسلوبه الاستثماري وما يقابله من تراجع مهني. وربما يكون هذا إفراطاً في التبسيط، وقد لا يمكننا معرفة ما كان يدور في ذهنه، والتحديات التي واجهها في حياته الشخصية. ولكن من المحتمل أن الأسواق كانت مصدر ضغط لا هوادة فيه.

لا مكسب بدون ألم

وتتاح لي الفرصة أحياناً للتحدث إلى شباب متحمسين يطمحون للعمل في "وول ستريت"؛ إلا أنني أرى أن العمل في "وول ستريت" هو مهنة رائعة، ولكن هناك مقايضات كبيرة من حيث الصحة العاطفية والعقلية وحتى الجسدية. فلا يتم قياس الضغط من حيث عدد ساعات العمل أو عدد مكالمات "زووم"؛ بل يُقاس من خلال الفحص اليومي الصارم لأداء الفرد.

إلا أن أكثر أنواع الضغط تدميراً هي الأشياء الخارجة عن سيطرة المرء تماماً، والتي تكاد تكون فريدة من نوعها في الصناعة المالية. فليست لديكم أية سيطرة على سوق الأوراق المالية أو الاقتصاد أو أرباح الصناعة المصرفية أو التشريعات، كما قد تخسرون المال بسبب أفضل أفكاركم وتكسبونه من أسوئها؛ وفي بعض الأحيان يبدو ذلك عشوائياً تماماً.

بالتأكيد، هناك الكثير من المهن التي تصطدم بقوى كبيرة لا يمكن السيطرة عليها، إلا أن العاملين في "وول ستريت" يواجهون مولد أرقام عشوائي ضخم كل يوم.

خسائر نفسية

والتوقيت هو كل شيء. وفي الحقيقة، عُيّنتُ في شركة "ليمان" في ذروة فقاعة "الدوت كوم"، وعرفت أن عمليات التسريح ستبدأ بعد وقتٍ قصير من بدء السوق الهابطة، وقد فعلوا ذلك فعلاً؛ حيث كنت أذهب إلى العمل كل يوم على مدار عامين وأنا أعلم جيداً أنني قد أكون التالي. وبمعجزة ما، لم يحدث لي ذلك أبداً، إلا أن الخسائر النفسية كانت هائلة.

وفي حال كنتم تعملون كمصرفيين أو متداولين، فإن عدد الأشياء التي تقع تحت سيطرتكم قليل جداً في الواقع، مثل الصفقة التالية أو التداول التالي؛ فأنتم تتعاملون مع العشوائية وعدم القدرة على التنبؤ، وهي أمور لم تتجهز نفسية الإنسان للتعامل معها.

حيث تحدث الأشياء السيئة للأشخاص الطيبين والأشياء الجيدة للأشرار؛ كما لا يوجد منوال واضح أو سبب لذلك.

وبالتالي يميل العاملون في "وول ستريت" إلى الانخراط في التفكير الكارثي، واختلاق قصص عن أسوأ نتيجة ممكنة ثم الاعتقاد بأنها ستحدث لهم.

بعضهم ينجح ويعتبرها مجرد وظيفة

ما من شكٍ في أنها مهنة تتطلب مستوى عالٍ من اللياقة العاطفية؛ والخبر السار هو أنني عرفت العديد من الأشخاص المستقرين عاطفياً الذين يملكون وظائف منتجة طويلة الأمد وحافظوا على صحتهم العقلية والبدنية.

وبالنسبة لهم، فهي مجرد وظيفة يجدون طريقة للانفصال عنها في نهاية اليوم. إلا أنني لم أكن قادراً يوماً على فعل ذلك– حيث كان المال هاجسي.

هل تريدون الحصول على وظيفة في وول ستريت؟ إنها تأتي مع تكلفة باهظة - تكلفة صحتكم العقلية.

وفي الحقيقة، فقد قضيتُ الكثير من الأوقات الجيدة في "ليمان"، وحققت عدداً لا بأس به من النجاحات في التداولات الكبيرة، إلا أن هذا كان مقترناً بالكثير من الخوف والقلق والاكتئاب.

وحتى الأشخاص الذين يتمتعون بلياقة عاطفية كبيرة يجدون صعوبة في التكيف. لذلك كونوا حذرين مما تتمنوه، لأنكم قد تحصلون عليه.