الصين تسيطر على سوق الطاقة الشمسية العالمي بلا منازع.. كيف؟

موظفة تعمل في مصنع لألواح الطاقة الشمسية في الصين، عام 2020
موظفة تعمل في مصنع لألواح الطاقة الشمسية في الصين، عام 2020 المصدر: صور غيتي
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في لحظة فخر واعتزاز، اجتمع العمدة توم هيوز وعدد من الساسة للاحتفال بافتتاح مصنع ألواح شمسية بقيمة 440 مليون دولار في هيلسبورو بولاية أوريغون في الولايات المتحدة.

كانت لحظة افتتاح شركة "سولار وورلد" هذه تبشِّر بنقطة تحول لمسقط رأس هيوز، الواقع غرب بورتلاند، إلا أنَّ هذه الآمال لم تكن بسبب "سولار وورلد" فقط، بل كانت أيضاً تتعقَّد على الشركات الأخرى التي ستعمل مع "سولار وورلد" في إنشاء مجموعة تصنيع قائمة على السيليكون والطاقة الشمسية في هيلسبورو، وذلك بحسب ما قال هيوز.

كان ذلك المشهد في عام 2008، فقد كانت الطاقة الشمسية على وشك أن تصبح أحد أسرع مصادر الطاقة نمواً، في عالم يعجُّ بتحذيرات من تغيُّر المناخ.

نموذج السوق الاشتراكي

تزامن ذلك مع وعود القادة الأمريكيين، بدءاً من البيت الأبيض إلى الكونغرس، بأنَّ الوظائف الصديقة للبيئة لن تحلَّ محل تلك المهددة في حقول النفط، ومناجم الفحم بالبلاد فحسب. بل إنَّها ستضمن أيضاً فرص عمل أكثر أماناً واستقراراً.

في خضم ذلك، ظهر منافس سريع النمو على طول المحيط الهادئ، ووضع خططاً للهيمنة على إنشاء محطات الطاقة الشمسية. وكان هذا المنافس هو الصين، التي حرصت على إثبات تفوق نموذج سوقها الاشتراكي. فهي تجمع الاستثمارات الحكومية التي قزَّمت الجهود الأمريكية، التي باتت مقيّدةً بمستوى العمل ضمن الولايات وطنياً، وإجبارها للمرافق العامة بالتحوُّل نحو استخدام الطاقة المتجددة.

أنشأت الصين سلسلة إمدادات شاملة، وأصبحت تصنع الآن معظم البولي سيليكون الموجود في العالم، الذي يُعرف بأنَّه المادة الرئيسية في صنع الألواح الشمسية.

كذلك تجاهلت بكين مناشدات دعاة حماية البيئة لإغلاق محطات الفحم التي توفِّر الكهرباء الرخيصة اللازمة لصنع معدات الطاقة الشمسية. كما أنَّها أبقت تكاليف العمالة لديها أقل من مستوى التكاليف في معظم الدول الصناعية، كذلك كانت البلاد على استعداد لدعم العمليات غير المربحة أيضاً.

والنتيجة؟ أصبحت الشركات الصينية توفِّر حالياً ثلاثة أرباع الألواح الشمسية في العالم.

فشل للتصنيع في الولايات المتحدة

في المقابل، تنتج الشركات الأمريكية الآن 1% فقط من تلك الألواح على الأراضي الأمريكية. وذلك بعد أن كانت تصنِّع 22% منها قبل 20 عاماً فقط. وذلك بحسب ما قالته جيني تشيس، رئيسة قسم تحليل الطاقة الشمسية لدى "بلومبرغ NEF".

وفي مرحلة ما، كان هناك 75 مصنعاً كبيراً لمعدات الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة. وهو رقم كان من المتوقَّع نموه مع ازدهار الصناعة، لكن معظم تلك المصانع تمَّ إغلاقها منذ ذلك الحين. وانضمَّ إليهم مصنع هيلسبورو مؤخراً، الذي أغلق أبوابه بعد مضي 13 عاماً فقط من عمله.

ذلك يعني أنَّ الصناعة لم تستطع ترسيخ جذورها في الولايات المتحدة. فقد فشلت، بالرغم من إنفاق مليارات الدولارات عليها من الحوافز الحكومية. وأيضاً، على الرغم من مرور عقدين من تعهد الرؤساء، منذ عهد جورج بوش، بأنَّ البلاد ستكون قوة عظمى في مجال الطاقة النظيفة.

احتكار صيني

يشار إلى أنَّ الرسوم الجمركية الهائلة التي فرضها الرئيسان السابقان باراك أوباما، ودونالد ترمب، نجحت في دعم انتشار الأعمال في القطاع من الصين إلى دول آسيوية أخرى أيضاً.

يزعم عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أوريغون، رون وايدن، ونقاد آخرون أنَّ الصين استفادت من الممارسات التجارية غير العادلة، واستخدام العمالة القسرية في سلاسل توريدها، وهي اتهامات ترفضها البلاد.

لكنَّ المحللين يعتقدون أنَّ هذه الاتهامات لم تلعب دوراً مهماً على الأرجح في نجاح استراتيجية الصين للطاقة الشمسية، بل إنَّ هيمنتها جاءت نتيجة لالتزامها باحتكار السوق.

في هذا الصدد، قالت سارة لاديسلاو، كبيرة المستشارين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "لقد بذلوا جهداً أكبر منّا للنجاح". وأوضحت: "كان لدى الصين خطة، ونفَّذتها. وكان لديها سياسات لإيجاد العرض، وسياسات لخلق الطلب، وقد نفَّذتها أيضاً".

تضارب أمريكي

في الوقت نفسه، انخرطت الولايات المتحدة في حوافز قصيرة الأجل، ووضع حواجز تجارية حفَّزت الردود الانتقامية، بدلاً من اللجوء لنهضة في التصنيع.

كما أنَّ السياسة المجزأة والمتضاربة للولايات المتحدة لا تتناسب مع "استراتيجية صناعية" على غرار الصين للسيطرة على قطاع الطاقة الشمسية، وفقاً للاديسلاو. وأضافت كبيرة المستشارين: "لا يمكنك النظر إلى حفنة من الإجراءات المتراخية على أمل الحصول على نتائج أكثر استدامة".

فقد كانت الاستراتيجيات الفاشلة للرؤساء الأمريكيين السابقين تحذيراً قوياً للرئيس المنتحب حديثاً جو بايدن. فقد جعل الاستثمار في الطاقة المتجددة محوراً لمبادراته المتعلِّقة بتغيُّر المناخ، وخطته للبنية التحتية التي تقدَّر بمليارات الدولارات. ومع ذلك، فإنَّ الوفاء بالوعود المتعلِّقة بجعل سياسة المناخ محرِّكاً للوظائف، وهو أمر لن يكون سهل التحقق.

سباق السيارات الكهربائية

لم يولد قطاع الطاقة الشمسية قط فرص عمل هائلة في الولايات المتحدة، التي بلغ التوظيف فيها ذروته عند حوالي 30 ألف وظيفة. لكنَّ مسابقة الطاقة النظيفة القادمة مع الصين ستكون أكثر إيلاماً إذا تمَّت خسارتها. خاصة أنَّ كلا البلدين يدرك أنَّ المستقبل سيكون مدفوعاً بالمركبات الكهربائية، وقد تعهد بايدن بفوز الولايات المتحدة في سباق تصنيع هذا النوع من المركبات.

من جهتها، تخطط مدينة ديترويت لإحداث تحوُّل كامل نحو المركبات الكهربائية، في وقت يجادل فيه الكونغرس بشأن الإعفاءات الضريبية، وما إذا كان يجب الدفع لمحطات الشحن.

في المقابل؛ فإنَّ الصين أنشأت حوالي 800 ألف محطة شحن عامة، وهو ما يعادل ثمانية أضعاف العدد في الولايات المتحدة تقريباً. كما أنَّها استغلت مزيج الحوافز الضريبية، ومنح الأراضي والقروض منخفضة الفائدة والإعانات الأخرى، لتصبح أكبر منتج للسيارات في العالم لستة أعوام متتالية.

وبالفعل، بدأت مئات الشركات في تصنيع سيارات كهربائية داخل عشرات مراكز التصنيع المتخصصة في كافة أنحاء البلاد. وهي خطوة جاءت للاستفادة من أشباه الموصلات والبطاريات الرخيصة، وهما صناعتان إضافيتان شرعت بكين في السيطرة عليهما. فالاستراتيجية الشاملة تعدُّ جزءاً من مخطط الرئيس الصيني شي جين بينغ لتحويل البلاد إلى قوة صناعية عظمى. وهي خطط تحاكي الاستراتيجيات المستخدمة للتفوق في التصنيع العالمي للألواح الشمسية.

إذ إنَّ انتصار الصين فيما يتعلَّق بالألواح الشمسية، كان كبيراً لدرجة أنَّ المؤيدين السابقين لاستراتيجية الطاقة المتجددة في أمريكا، باتوا يقولون، إنَّ الوقت قد حان للتخلي عن القتال والاكتفاء بوظائف تركيب الألواح التي أنشأتها المعدَّات الصينية منخفضة التكلفة. ويشكِّل هذا الانتصار ألماً بالنسبة لمدينة هيلسبورو، وسكانها البالغ عددهم 106 ألف نسمة.

ففي الأيام الأولى، رأى العمدة السابق هيو، مصنع الطاقة الشمسية باعتباره فرصة لتنويع اقتصاد منطقة هيمنت عليها صناعة الرقائق الإلكترونية، لدرجة أنَّه أطلق عليها اسم "غابة السيليكون". في وقت أدى فيه فقدان الوظائف من قبل شركة "إنتل" محلياً، إلى إبراز أخطار اعتماد المدينة على القطاع المتقلِّب للتكنولوجيا الفائقة.


مدينة الطاقة الشمسية

في المقابل، انجذبت شركة "سولار وورلد" إلى وعود الحصول على عمّال مدربين من وادي السيليكون، وضمان ضريبي حكومي بتعويض 35% من تكاليف المشروع. فضلاً عن إطلاق الكليات المحلية لبرامج تدريب العمال على التصنيع في مجال الطاقة الشمسية.

ومع توافر الإمكانات، بدأ هيوز في توظيف شركات تصنيع أخرى، كما أنَّه سافر إلى المعارض التجارية في ألمانيا وإسبانيا لاستقطاب مورِّدي الطاقة الشمسية إلى إقليم الشمال الغربي الهادئ.

ومن هذا المنطلق، توجَّهت 12 شركة أخرى على الأقل إلى المدينة. وقام بعضهم بتفحُّص المواقع بجدية، لكن انهارت كل هذه المخططات عند الاقتراب من التوصل إلى اتفاق بشأن التمويل، بحسب ما قال هيوز.

كما أنَّ المصير نفسه طال "سولار وورلد" أيضاً، لأنَّ الألواح الشمسية التي صُنعت في الولايات المتحدة لم تستطع المنافسة مقابل الخيارات الأفضل، والأرخص التي تدعمها الصين. كما أنَّ مركز مؤتمرات أوريغون الواقع على بعد 29 كيلومتراً من المصنع، اختار استعمال الواردات الصينية.

من الجدير الذكر أنَّ شركة "سولار وورلد" تقدمت بطلب للحماية من الإفلاس في عام 2017. وبعدها بعام، باعت مصنع هيلسبورو للشركة المنافسة "سن باور"، التي تتخذ الآن خطوات لإغلاق المصنع.

لكن الأمور لم تكن من المفترض أن تسير على هذا النحو.

وعود أوباما الخضراء

في عام 2008، ربح أوباما انتخابات البيت الأبيض، وسط وعود بخلق 5 ملايين وظيفة خضراء. مع دعم موجة من مشاريع الطاقة الشمسية التي ستنشئ في الجنوب الغربي المشمس، وتدعم الكثير من تلك الوظائف.

وتباهى أوباما قائلاً: "عندما تتحوَّل الشركات والمنازل إلى الطاقة الشمسية، فإنَّ كل لوح يوضع في مكان ما، سيكون وضع من قبل عامل، لا يمكن الاستغناء عنه أو الاستعانة بمصدر خارجي للتعويض عنه".

كما كان هذا العمل مدفوعاً بالإعفاء الضريبي لعام 2005، الذي سمح للمطوِّرين باستقطاع 30% من تكاليف مشاريع الطاقة الشمسية. وبرغم أنَّ هذا الإعفاء الضريبي لم يتطلَّب استخدام قطع غيار أمريكية، إلا أنَّ إدارة أوباما حاولت تنمية صناعة ألواح الطاقة الشمسية المحلية عبر تقليص الفواتير الضريبية لمصنِّعي الطاقة النظيفة أيضاً.

وهناك أيضاً الحزمة التحفيزية لعام 2009 التي خلقت ائتماناً ضريبياً منفصلاً بنسبة 30%، وذلك لتوجيه 2.3 مليار دولار، نحو أكثر من 180 مُصنع للطاقة المتقدِّمة.

ومع ذلك، من بين متلقين هذه الحوافز، لم تعمل سوى 8 جهات فقط، بتصنيع الألواح الشمسية. وبعد عام واحد فقط، نفَّذت أموال الحوافز. هذا فضلاً عن أنَّ إدارة أوباما حولت الأموال الأولية لشركات الطاقة الشمسية عبر برنامج ضمان القروض، الذي كان أُنشأ في عهد بوش لتعزيز تقنيات الطاقة المتقدمة.

آمال مبددة

وفي عام 2010، بدا أنَّ الإنفاق سيؤتي ثماره، عندما توقَّف أوباما عند مصنع جديد للطاقة الشمسية في فريمونت بولاية كاليفورنيا لتمجيد إمكانات الصناعة.

فقد قال أوباما، عند زيارته لمنشأة "سوليندرا": "قبل قانون الانتعاش، كان بوسعنا بناء 5% فقط من الألواح الشمسية في العالم، لكنَّنا سنضاعف حصتنا إلى أكثر من 10% في الأعوام القليلة المقبلة".

لكن شركة "سوليندرا" نفسها، تعثَّرت في سداد ضمانات القروض من الحكومة بقيمة 535 مليون دولار، وذلك بعد تلقيها لقيمتها بالكامل. وهو الأمر الذي تسبَّب في فضيحة، وألقى بظلاله على كامل البرنامج الضريبي. وقد توقَّفت الحكومة عن تقديم ضمانات القروض عبر البرنامج بحلول أواخر عام 2011. وحتى الآن، لم تصل الولايات المتحدة إلى حصة تصنيع الـ 10% التي تحدث عنها أوباما.

في حين كانت الصين في المقابل تستخدم كل الأدوات التي تحت تصرُّفها لتطوير صناعة الطاقة الشمسية فيها. فقد عرضت الحكومات المحلية الأراضي بتكلفة رخيصة، وقدَّمت البنوك المدعومة من الدولة شروط تمويل ملائمة. كما خلقت بكين أيضاً الطلب على منتجات الطاقة الشمسية من خلال تقديم إعانات سخية ساعدت في جعل البلاد أكبر مشترٍ للألواح الشمسية في العالم.

منافسة صعبة

ومن جهتها، عملت المصانع الصينية على تحسين الكفاءة وخفض التكاليف. إذ طوَّرت تقنيات جديدة في الصناعة. فعلى سبيل المثال، استخدمت تقنية لقص رقائق البولي سيليكون، بطريقة تقلل النفايات، وتزيد إنتاج الخلايا الشمسية مستخدمة الكمية نفسها من المواد الخام. وقد ساهم هذا الابتكار في خفض تكاليف التصنيع بنسبة 80%، مما جعل الطاقة الشمسية رخيصة، وتعادل تكلفة الفحم في أجزاء كثيرة من العالم.

في الوقت ذاته، وجَّه نمو الألواح الشمسية الرخيصة القادمة من الصين ضربةً ساحقةً للمصنِّعين الأمريكيين. وبالتالي لم تكن شركة "سوليندرا" الضحية الوحيدة في المجال، فقد سعت ثلاث شركات أمريكية أخرى عاملة في مجال الطاقة الشمسية لحق الحماية من الإفلاس. وفي عام 2012 فرض أوباما رسوماً تصل إلى 249% على الواردات الصينية.

واستجاب المصنِّعون بنقل العمليات خارج الصين، لكنهم لم يتوجهوا إلى الولايات المتحدة بدلاً من ذلك. بل قرر كبار المصنِّعين تجنُّب التعريفات الجمركية الأمريكية من خلال بناء منشآت لتجميع الخلايا والوحدات الشمسية في جنوب شرق آسيا.

رسوم انتقامية

كذلك فقد ازدادت الأمور سوءاً بسبب ردِّ الصين الانتقامي، فهي فرضت رسومها الخاصة بنسبة تصل إلى 57% على واردات البولي سيليكون المصنَّع في الولايات المتحدة. وقد أثَّرت هذه التعريفات الجمركية على المنتجين الأمريكيين للمواد الموصلة المستخدمة في الألواح الشمسية.

وكانت هذه التعريفات الجمركية "كارثة بالنسبة للعلامات التجارية الأمريكية"، بحسب محلل الطاقة الشمسية لدى "بلومبرغ NEF" زياوتينغ وانغ.

لأنَّه كان قبل التعريفات الصينية يشحن البولي سيليكون الأمريكي الصنع إلى الصين، ويستخدم في إنتاج السبائك، وهي المرحلة التالية في تصنيع الخلايا الشمسية. لكن هذه التعريفات جعلت البولي سيليكون الأمريكي باهظ التكلفة، وتحوَّلت الولايات المتحدة من صُنع 50% من البولي سيليكون في العالم في عام 2007، إلى أقل من 5% حالياً، وفقاً لوانغ.

في الوقت الحالي، يأتي نصف إمدادات العالم من البولي سيليكون من منطقة شينجيانغ الصينية. وهي المنطقة التي تمَّ فيها في الأعوام الأخيرة، احتجاز نحو مليون شخص من الأقليات العرقية، كالإيغور المسلمين. وذلك ضمن معسكرات لـ"مكافحة الإرهاب"، وفقاً للجنة خبراء الأمم المتحدة.

وقد فرضت كلٌّ من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وكندا عقوبات على المسؤولين الصينيين بسبب انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة ضد الإيغور، بما في ذلك اتهامات باستخدام العمالة القسرية في المصانع الصينية. كما تدرس إدارة بايدن فرض حظر على استيراد بعض منتجات الطاقة الشمسية التي تحتوي على البولي سيليكون من المنطقة أيضاً.

مع ذلك، تنفي بكين اتهامات حقوق الإنسان، وتتهم الحكومات الأجنبية باستخدام دعاوى العمل القسري كوسيلة لتعزيز منافسة شركاتها في مواجهة الشركات الصينية.

كما قالت وزارة الخارجية الصينية، إنَّ العقوبات التي أصدرها الاتحاد الأوروبي بداية هذا العام، "لا تستند إلا على أكاذيب ومعلومات مضللة".

حوافز يشوبها عدم اليقين

أما في الولايات المتحدة، فحتى قطاع توزيع الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة- التي تعززت أوضاعه بفضل القطع الرخيصة المستوردة - تشوبه حالة من عدم اليقين. فقد تمَّ تمديد الائتمان الضريبي على الاستثمار فيه أربع مرات على الأقل، وكاد ينتهي مرتين.

ويقول جون سميرناو، نائب رئيس استراتيجية السوق في رابطة صناعات الطاقة الشمسية: "لقد كانت سياسة متقطعة، حافزاً أو حافزين، تبني القدرات، وبعد ذلك يتوقف الحال". ويوضح سميرناو: "في بيئة عالمية شديدة المنافسة، لكي تنجح شركات التصنيع الأمريكية، خاصة تلك الجديدة، فأنت بحاجة لنفس الاستثمار الفيدرالي واسع النطاق الذي توفِّره الحكومات الأخرى لصناعاتها".

وفي الواقع، كان تصنيع الألواح الشمسية المحلية يتراجع بالفعل عندما تولى ترمب منصبه في عام 2017، وتعهد بقمع الصين، ووضع استراتيجية "أمريكا أولاً".

وبرغم عدم مناصرته للطاقة المتجددة، إلا أنَّ ترمب وسَّع نطاق سياساته الحمائية لتشمل الطاقة الشمسية أيضاً، وفرض قيوداً وتعريفاتٍ تصل إلى 30% على الواردات من الخلايا الشمسية، والألواح الكهروضوئية الأجنبية في عام 2018. وقد ساعدت التعريفات الجمركية لترمب حفنة من شركات تصنيع الألواح الشمسية الكبرى بالحفاظ على وجودها، لكن ذلك كان على حساب شريحة واسعة من الصنَّاع المحليين للطاقة الشمسية.

فقد لاقت هذه التعريفات ترحيباً من الشركات المصنِّعة، مثل "سولار وورلد"، و "سونيفا" و "فيرست سولار". لكنَّها واجهت أيضاً معارضات شديدة من قبل شركات تطوير وتركيب معدات الطاقة المتجددة التي أصبحت تخشى توقُّف أعمالها بسبب ارتفاع أسعار الألواح الشمسية.

كما أنَّ هذه المحفِّزات عززت لفترة وجيزة أوضاع بعض المصنعيين الأمريكيين، فقد رفعت كلٌّ من "سن باور"، و"فيرست سولار" من إنتاجها. لكنَّ تعطُّش الولايات المتحدة للطاقة الشمسية كان يعني ارتفاع الواردات القادمة من آسيا في كل الأحوال. ولذلك استغل المطوِّرون المحليون ثغرة، وقاموا بشراء ألواح شمسية أجنبية الصنع وثنائية الوجه، من غير الخاضعة للتعريفات الجمركية.

ومع ذلك، لم تكن التعريفات التي فرضها ترمب كافية لإنقاذ اثنين من أكبر أبطال القطاع - "سونيفا" و "سولار وورلد"- اللذين أعلنا إفلاسهما.

وظائف الطاقة الشمسية

على الرغم من وجود أكثر من 231 ألف وظيفة في مجال الطاقة الشمسية بالولايات المتحدة، إلا أنَّ 14% فقط منها يتعلق في عمليات التصنيع. إذ يعمل معظم العمال على بناء أنظمة تركيب، ومحوِّلات، ومكوِّنات أخرى بدلاً من الألواح الكهروضوئية.

مع ذلك؛ فإنَّ الولايات المتحدة ليست لوحدها في هذه المعاناة. فقد شهدت الدول الأولى الأخرى التي تبنَّت استخدام الطاقة الشمسية، مثل ألمانيا، انخفاضاً في تصنيع الألواح الشمسية. إذ تقول لاديسلاو، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وأحد مؤلفي ورقة بحثية تتعلق بالمجال: "لقد اختفى مصنِّعو الرقائق، والخلايا، والوحدات الكهروضوئية التي كانت مزدهرة ذات يوم في ألمانيا". فقد خرج الجميع من المنافسة، ودُفعوا إلى الإفلاس بسبب التخفيضات السريعة في التكاليف التي استطاعت الشركات الأجنبية تحقيقها، وذلك وفقاً للورقة البحثية التي نُشرت في فبراير.

وفي حين كان بايدن يتعهد بكل ثقة وشجاعة بأنَّ سياساته المناخية ستعزز الوظائف الأمريكية، إلا أنَّه لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الوظائف ستختص بمجال تصنيع الألواح الشمسية. كما أنَّ بعض المستفيدين من تعريفات ترمب لا يضغطون على بايدن لتجديد تلك التعريفات بمجرد انتهاء صلاحيتها في فبراير المقبل. وعلى سبيل المثال، دعت شركة "فيرست سولار" إلى وضع استراتيجية صناعية أوسع لتحفيز صناعة الألواح المحلية.

ويعمل بايدن على تشجيع التصنيع المتعلِّق بالطاقة المتجددة من خلال تقديم حزمة البنية التحتية التي تقدَّر بمليارات الدولارات. فضلاً عن تقديم خطة لإعادة إحياء قانون الائتمان الضريبي لعام 2005، الذي يعادل بقيمته نحو ثلث تكلفة المصانع التي تصنّع الألواح الشمسية.

كذلك توجد احتمالية أن يفرض قانون "شراء المنتج الأمريكي" على المشاريع الشمسية الممولة فيدرالياً، وهي فكرة طرحها العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين.

إعادة التأقلم

ومع قلة مصانع الألواح الشمسية الأمريكية الجديدة، فإنَّه لا يتوقَّع منها أن تنجح بتخفيف سيطرة الصين على كل سلسلة الإمداد الخاصة بالطاقة الشمسية، التي تتجاوز الألواح، وتمتد إلى البولي سيليكون المستخدم ضمن التصنيع.

إذ تنتج الصين حالياً أكثر من 80% من البولي سيليكون، ونحو 98% من عنصرين رئيسيين آخرين في التصنيع- وهما الرقائق والسبائك- وذلك على مستوى العالم بأسره، بما يشمل تلك المصنَّعة والمُجمَّعة في دول أخرى.

ويبدو أنَّ بايدن يركِّز على إمكانات المجالات الأخرى، حتى في الوقت الذي ينظر فيه إلى العمل المناخي باعتباره محرِّكاً لتوفير فرص العمل.

فقد قال بايدن، في جلسة مشتركة للكونغرس بداية هذا العام: "ليس هناك ما يمنع بناء زعانف توربينات الرياح في بيتسبرغ بدلاً من بكين، ولا يوجد ما يمنع العمال الأمريكيين من قيادة العالم في إنتاج المركبات الكهربائية والبطاريات".

وبهذا الصدد، يقول جوليو فريدمان، الباحث البارز بمركز سياسة الطاقة العالمية بـ"جامعة كولومبيا"، إنَّ الولايات المتحدة مايزال لديها فرصة لابتكار الجيل القادم من تكنولوجيا الطاقة الشمسية.

وأوضح: "لقد أوقفنا تطوير التقنيات الشمسية الحالية، فنحن بحاجة لجيل جديد من التقنيات. وهذه فرصة أخرى لأمريكا للتفوق، لأنَّ لدينا منظومة ابتكار عظيمة، ولدينا فرصة لاستخدام الجيل التكنولوجي الجديد".

وفيما يخص تجنُّب أخطاء الماضي، يقول الداعمون للطاقة الشمسية، إنَّ الجهود المستقبلية لابد أن تكون كبيرة وطويلة الأمد. ويقول وايدن، السيناتور الديمقراطي من ولاية أوريغون، الذي كان قد حضر افتتاح مصنع هيلسبورو: "هناك فرصة حقيقية لإجراء تغيير دائم لتعزيز الصناعة، هنا في أرض الوطن وخلق فرص عمل جديدة".

مضيفاً: "الأمر سيتطلَّب بذل جهوداً منسقة عبر الحكومة فيما يخصُّ الخطوات كافةً، بدءاً من البحث والتطوير حتى التنفيذ الأكثر صرامة لقوانين التجارة، وإصلاح قانون الضرائب. وذلك لتحفيز التصنيع المحلي بشكل أفضل، وتحقيق تكافؤ الفرص، وإعادة البلاد إلى لعبة تصنيع الطاقة الشمسية".

ومع ذلك، فقد فات الأوان بالنسبة لعمال الطاقة الشمسية في مصنع هيلسبورو. فقد كانت هذه المدينة الأمريكية تُعرف يوماً كمجتمع زراعي، ترتبط ثرواته بأسعار الفراولة. وبحلول عام 2008، أصبحت مرتبطة بالصناعة المتقلِّبة للرقائق الإلكترونية، بدلاً من ذلك.

بدايات صناعية جديدة

وبالرغم من فقدان المنطقة لمصنع الطاقة الشمسية بها. إلا أنَّ اقتصادها نجح بتحقيق التنوع. ومع ذلك، فما تزال شركة "إنتل" تمثِّل أحد أكبر جهات العمل في ولاية أوريغون، وما يزال تقلُّبها يبثُّ الخوف في سكان المدينة من حين لآخر.

ففي العام الماضي، على سبيل المثال، شعر السكان المحليون بالفزع عندما قيل، إنَّ "إنتل" تفكِّر بتنفيذ بعض عمليات التصنيع المتقدِّمة في آسيا. وقال هيوز، صاحب الـ 77 عاماً: "ما يترتب على كون المدينة تابعة لشركة ما، هو أنه إذا عطست إنتل، يصاب الجميع بنزلة برد هنا".

ومن جهته، لا يشعر عمدة المدينة المتقاعد الآن بالندم على تجربة مصنع الطاقة الشمسية. بل إنَّه سيسعى على فتح أبواب المدينة لبدايات صناعية أخرى. لكنَّه قد يتجنَّب بناء استراتيجية كاملة حول قطاع الطاقة الشمسية. واعترف: " برغم متعة حضور كل المعارض التجارية للطاقة الشمسية، لكنَّني ربما لن أفعل ذلك مرة أخرى".