مستقبل الرقائق الإلكترونية اليابانية مرهون بمجمع علوم في تايوان.. كيف ذلك؟

مؤتمر صحفي في 2012 لشركة "إلبيدا ميموري" أكبر صانع لشرائح الذاكرة في اليابان في هذا الوقت تعلن عن إفلاسها
مؤتمر صحفي في 2012 لشركة "إلبيدا ميموري" أكبر صانع لشرائح الذاكرة في اليابان في هذا الوقت تعلن عن إفلاسها المصدر: بلومبرغ
Tim Culpan
Tim Culpan

Tim Culpan is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. He previously covered technology for Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بقدر ما تشتاق الولايات المتحدة إلى الأيام الخوالي للتفوق في مجال أشباه الموصلات على مستوى العالم، إلا أن اليابان تستشعر مرارة فقدان مجدها بمقدارٍ أكبر.

فبعد أن كانت اسماً مهيمناً في عالم المكونات الإلكترونية، أصبحت حالياً خلف كوريا الجنوبية، وتايوان، ومؤخراً الصين. ومع ذلك، قد يكون لدى طوكيو خطة قابلة للتطبيق لتنشيط قطاعها المحلي.

التعاون مع الدول الأخرى

في هذا الصدد، قال "أكاري إماري"، وزير الاقتصاد السابق والعضو البارز في الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم، لمراسلتي "بلومبرغ نيوز"، "إيزابيل رينولدز"، و"إيمي نوبوهيرو" هذا الأسبوع: "على عكس الطريقة المحلية والمستقلة التي تم تبنيها في الماضي، أعتقد أننا بحاجة إلى التعاون مع نظرائنا في الخارج".

وفي الحقيقة، تُعدّ هذه براغماتية رائعة لبلدٍ كانت سياسته الصناعية تدور إلى حد كبير حول حماية وعزل شركاته للحفاظ على الهوية الوطنية. ومع ذلك، فإن ثلاثة عقود من التراجع تُظهر أن السياسات السابقة لم تُحقق المطلوب.

تراجع اليابان وتقدم أمريكا

الجدير بالذكر أنه في عام 1988، استحوذت اليابان على 50% من صناعة أشباه الموصلات العالمية، وفقاً لعرض تقديمي عرضته هذا الشهر وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة، والذي يستشهد ببيانات من شركة الأبحاث "أومديا".

في ذلك الوقت، احتلت أسماء مثل "إن إي سي"، و"توشيبا"، و"هيتاشي"، و"فوجيتسو" ستة من المراكز العشرة الأولى في حصة السوق، إلى جانب الشركتين الأمريكيتين العملاقتين "إنتل"، و"موتورولا".

بحلول عام 2019، كانت حصة اليابان 10%؛ في حين قفزت الولايات المتحدة إلى 50%، بسبب صعود مصممي الرقائق مثل "كوالكوم"، و"إنفيديا كورب"، و"أدفانسد مايكرو ديفايسز".

حيث صعدت هذه الشركات الأمريكية بفضل نموذج أعمال متشعب بمساعدة شركة "تايوان سيميكونداكتور مانوفاكتشورينغ"، وهي مستأجر رئيسي في مجمعات العلوم الشهيرة بالجزيرة.

حيث يعكس الترتيب مجموعات المهارات التكميلية، فبدلاً من تصميم وتصنيع الرقائق، كما كان الحال من قبل، أصبحت معظم الشركات الأمريكية تقوم الآن بالاستعانة بمصادر خارجية من مسابك مثل "تايوان سيميكونداكتور مانوفاكتشورينغ" (TSMC).

الشريك المثالي

وأضاف "أماري" أن "تايوان سيميكونداكتور مانوفاكتشورينغ" هي بالضبط نوع الشريك الأجنبي الذي يجب أن تعمل معه الشركات المحلية، نظراً لأنها أكبر صانع في العالم لأشباه الموصلات غير المرتبطة بالذاكرة.

وما من شكٍ في أن كلماته تحمل وزناً نظراً لأنه يرأس مجموعة عمل حزبية حول استراتيجية الرقائق كجزء من سياسة رئيس الوزراء "يوشيهيدي سوغا" لدمج خطط الصناعة في خطط النمو الحكومية.

وما تزال اليابان رائدة عالمياً في مجال المعدات والمواد المستخدمة في الإنتاج. ونظراً لأن صناعة الرقائق تزداد صعوبة بشكل متزايد، فلا مفر من تكاملٍ أكثر إحكاماً عبر سلسلة التوريد؛ حيث لدى الشركات التايوانية، بما في ذلك "تايوان سيميكونداكتور مانوفاكتشورينغ" و"يونايتد مايكرو إلكترونيكس كورب"، الكثير لتقدمه.

تقارب بين اليابان وتايوان

في الحقيقة، أصبحت العلاقات بين تايوان واليابان أيضاً واحدة من أقرب العلاقات في شرق آسيا؛ وفي هذا السياق، تبرعت طوكيو الأسبوع الماضي بـ 1.24 مليون جرعة من لقاح كوفيد-19 الذي تشتد الحاجة إليه في ظل نضال "تايبيه" لاحتواء تفشي المرض. كما يشترك البلدان في علاقات تجارية وثقافية وسياحية وثيقة، ويشعران بتوترات اقتصادية وعسكرية متزايدة من بكين.

ولا تخلو فكرة التعاون في مجال أشباه الموصلات من سابقة. فمنذ أكثر من عقد من الزمن، حاول "يوكيو ساكاموتو"، رئيس شركة "إلبيدا ميموري"، أكبر صانع لشرائح الذاكرة في اليابان آنذاك، حشد مجموعة من الشركات المحلية والتايوانية لمحاربة عملاقي الصناعة "سامسونغ إلكترونيكس"، و"مايكرون كورب".

ونُشير إلى أن قطاع أشباه الموصلات الياباني كان في حالة تراجع بالفعل؛ حيث تشكّلت "إلبيدا" من خلال اندماج شعبتي الذاكرة في "إن إي سي كورب" و"هيتاشي ليمتد" في عام 1999، وهو الوقت الذي انخفضت فيه حصة الدولة بالفعل إلى أقل من 30%. ولم يعتقد "ساكاموتو" أن الشركات اليابانية أو التايوانية يمكنها البقاء بمفردها؛ حيث قال في عام 2010: "ليس لدينا القدرة المطلوبة".

فشل اقتراح "ساكاموتو" وسط معارضة من الشركات التايوانية والضغوط السياسية في "تايبيه". وفي غضون عامين، تقدمت شركته بطلب الإفلاس وخرج المنافسون التايوانيون إلى حد كبير من صناعة ذاكرة الكمبيوتر.

مركز أبحاث ياباني

أما الآن فالمزاج مختلف إلى حد كبير؛ حيث صرحت شركة "تايوان سيميكونداكتور مانوفاكتشورينغ"، في فبراير، بأنها تخطط لإنشاء مركز أبحاث ياباني يركز بشكلٍ أساسي على تطوير المواد حتى تتمكن من الاستفادة من مجموعة المهندسين الكيميائيين الكبيرة في البلاد.

وقال "كازومي نيشيكاوا" من قسم صناعة تكنولوجيا المعلومات في الوزارة لـ "بلومبرغ نيوز"، إن وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة تأمل في المضي قدماً وتتوقع تقديم حوافز قوية لجذب مسبك رقائق أجنبي إلى اليابان.

من الناحية السياسية، تدرك الحكومتان بشكل حاسم الحاجة إلى التعاون والعمل المشترك مع الولايات المتحدة لإيقاف قوة الصين المتزايدة؛ حيث زادت الشركات الصينية حصتها من طلبات شركة "أبل"، وهي معيار لسلسلة توريد الإلكترونيات العالمية، كما أن بكين مستعدة لتقديم كل ما يلزم من أجل ضمان أن تكتسب صناعة الرقائق زخماً.

وفي الحقيقة، لا تكتفي الولايات المتحدة بكونها مَلك تصميم الرقائق، إلا أنها ترى حالياً أن نقص القدرة التصنيعية يمثل تهديداً للأمن القومي، حيث تتطلع واشنطن إلى إنفاق أكثر من 30 مليار دولار للعودة إلى اللعبة، مما يزيد من إلحاح الدول الأخرى لتوطيد خططها الخاصة.

ما من شكٍ أنه مع تحول أشباه الموصلات إلى سلاح رئيسي في الحرب الباردة التكنولوجية، ستكون كل من طوكيو و"تايبيه" ذكيتان في سعيهما للتعاون معاً.